أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - فى العشوائية والحتمية والسببية-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان















المزيد.....

فى العشوائية والحتمية والسببية-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4819 - 2015 / 5 / 27 - 16:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- تناولت فى مقالات سابقة مفهوم العشوائية والنظام لأثبت أن الوجود فى كينونته عشوائى أنتج مشاهد صنفنا بعضها فى علاقات نظامية .
من الأهمية بمكان فهم معنى العشوائية التى أعنيها , فالصور الوجودية لا تعنى الفوضى فى جوهرها فحسب بل أعنى بفكرة العشوائية فى الأساس عدم وجود غائية وقصدية فى المشهد الوجودى أى عدم وجود ترتيب وتنظيم وخطة فى المشهد الوجودى يعتنى بإخراجه على هذا النحو بل الأمور لا تزيد عن تفاعلات غير مقصودة أنتجت حالة جديدة بدون قصد أوغاية لتنفى هذه الرؤية فكرة وجود إله .
زملاء كثيرون تحسسوا هدفى من إثبات العشوائية ونفى النظام المتعمد ولكن لم أحظى منهم سوى على تكرار الأسئلة والدهشة من المشاهد الحياتية وأعتقد أن فكرة الإله تجد حضورها فى عصرنا بصرف الدهشة والتعجب والحيرة عن مشاهد يكتنفها الجهل والغموض وتحتاج لجهد جهيد هائل للبحث عن إجابة علمية لها لتكون فكرة أن هناك من فعل هذا الفعل أسهل إجابة يمكن أن تصرف الحيرة والدهشة .

- يوجد الكثير ما يثبت فكرتى عن العشوائية فى الوجود المادى والحياة كفوضى فيكفى التعامل مع "فيزياء الكوانتم أو ميكانيكا الكم" وهو العِلم الذي يهتم بدراسة ووصف طبيعة وسلوك الجسيمات الأولية أى ما تحت الذرية تلك الوحدات البنائية الأصغر كتلة وحجماً في الوجود على الإطلاق أي المكونات الأولية التي لا تتألف من مكونات أصغر منها بينما تؤلف بمجموعها الوجود والكون ومن تجمعات تلك الجسيمات تتشكل الكيانات المادية المستقلة بدءاً من الموجودات الشديدة الصغر مروراً بالإنسان إلى المجرات العملاقة والكواكب والشموس والسديم وبذا يكون العِلم قد دخل ساحة الفوضى والعشوائية حيث لا يمكن التنبؤ بسلوك جسيم ,فالجسيمات الأولية التي تتكون منها المادة والطاقة وكل شئ ومنها الإنسان أيضًا تسلك سلوكاً عشوائياً لا يخضع لقانون بعينه ولا لنموذج ما هذا فى المستويات التحت ذرية .. ورغماً عن ذلك لا أضع أهمية كبيرة فى تعريف ماهية العشوائية على الفوضى الغير متوقعة بل على أهمية إدراك أن الحركة والحياة والوجود غير غائى ولا قصدى ولا يوجد وراءه مخطط ولا تدبير ولا ترتيب بل أفعال مادية وفق حراك المادة وظرفها المادى لتنتج حالة مادية فى كل لحظة .

- توجد فكرة لم يتطرق لها أحد يمكن أن يستثمرها من يريد التشكيك فى عشوائية الوجود ليتحايل منها للوصول إلى فكرة الغائية والقصدية .! هذه الفكرة هى الحتمية والسببية , وفى الحقيقة لدى قناعات بفكرة ومنطق الحتمية والسببية وأعتبرها صيرورة الحياة ومنها نفيت حرية الإنسان فى مقالى "وهم الحرية" فحراك الإنسان نتاج محصلة القوى والظروف المادية المحيطة به ,وقد شبهت هذا بحركة نقطة داخل شكل هندسى حيث النقطة هى الإنسان والشكل الهندسى بأضلاعه وزواياه بمثابة قوى متعددة تؤثر على النقطة لتكون المحصلة النهائية لهذه القوى هو سلوك ومسار الإنسان .

- فكرة الحتمية قد يراها البعض أنها تنال من فكرة العشوائية حيث أننا أمام ما يشبه النظام الصارم لتشغلنى هذه الفكرة ولكنى وجدت أنها لا تتناقض بل تنسجم مع العشوائية ولكن قبل أن نعطى أمثلة علينا إدراك ماهية السببية والحتمية .
السببية : هو البحث عن مُسبب لحدث ما وهو من جنس الحدث ليكون الفهم المغلوط لأصحاب الفكر الميتافزيقى أنهم ينسبون السبب لغير مُسببه الحقيقى وبدون أن يمتلكوا أى دليل على ذلك سوى ظنونهم وأوهامهم .
الحتمية : هو السلوك الذى لا مفر منه الناتج من تفاعل وصراع وتضافر عوامل مادية ليكون محصلتها المادية على هذا الوجه فى لحظة ما .

- من أشهر الحركات العشوائية في ظواهر الكون هي حركة ذرات الغازات فلو نظرنا إليها عن قرب لرأينا كأنها فوضى عشوائية عملاقة ولكن سنراها أيضا كمجموعة من كور البلياردو المتصادمة التي يمكن حساب سرعات وحركة تصادمها وإتجاهاتها بطريقة سببية حتمية كونها تحكمها قوانين فيزيائية للحركة والتصادم ولكن يبقى هذا الحراك والتصادم بدون خطة أو ترتيب أو قصدية بل تصادم ناتج من حالة مادية فى اللحظة .

- الكرة جسم جاسئ ثلاثي الأبعاد ولكن عندما ننظر لها من بعد مثل الشمس فسنراها قرص ثنائي الأبعاد ولكن لا يعنى هذا إختفاء البعد الثالث بل عدم القدرة على تعيينه ليظهر أهمية زاوية رؤيتنا فى وعينا وحكمنا على الحياة والوجود , لو قربنا كثيراً عدسة الرؤية لهذه الكرة سنشاهد ذرات عبارة عن العديد من النقط الغير منتظمة المسار ولم يعد مُجسم وهذا يعنى أن العشوائية فى عمق أى مشهد وأن الصورة تتكون فى ذهننا وفقا لزاوية رؤية وتقدير وإنطباع .

- كذلك رميات زهر الطاولة قد نراها فعل عشوائى غير منظم فنحن لا نعلم الرمية القادمة ولا يوجد قانون ونظام يسمح لنا بمعرفة الرميات القادمة مما يجعل العشوائية تطل وتصرف الحتمية . فى الحقيقة يوجد حتمية فى رميات الزهر فأى رمية زهر ستكون محكومة بمحصلة العوامل المادية المؤثرة على الزهر كقوة وسرعة الرمية وسطح الإحتكاك وشدة الهواء وطبيعة مادة الزهر ألخ فى "اللحظة " وهذه الأطراف التى يمكن أن تشكل معادلة معقدة بحدودها فهى معادلة فى النهاية نجهل حدودها وعلاقاتها الداخلية ولكن لو إستطعنا صياغتها وحساب ورصد القوى المؤثرة على الزهر عند كل رمية ووضعناها فى معادلة مع إمتلاك جهاز كمبيوتر سريع متطور فسيعطينا نتيجة الزهر قبل رميه , ومن هنا فالحتمية والسببية حاضرة فى داخل المشهد العشوائى.

- الإنفجار الكبير الذى جاء منه الكون يصرخ بالعشوائية حيث أننا أمام إنفجار ولكنه فى نفس الوقت يخضع لسببية وحتمية عندما ندرسه كحالة ناتجة من ضغط هائل لمادة شديدة الكثافة أدى لهذا الإنفجار الهائل ولكن يُرجى الإنتباه أن السببية والحتمية دوماً تعبير عن دراسة اللحظة والقوى المؤثرة .

- تدافع أمواج البحر نراه مشهد نظامى بينما لا يوجد أى نظام فى مفرداته فيستحيل أن نجد موجة تتطابق مع موجة أخرى من بدء الحياة حتى الآن ولكننا لا ننتبه لذلك لنرى المشهد العام كمتشابهات فهاهى أمواج تتلاطم إذن هى تسير فى نظام ولكننا لم نفطن أن النظام لابد أن يحمل التكرار المنظم والمتوقع وهذا غير وارد فى الأمواج .
ما نتصوره نظام هو حالة تقارب لسلوك المادة تحت ظرفها الموضوعى الذى سينتج مليارات المشاهد المتشابهة ولكن يستحيل أن يمنحها التطابق ولينسجم هذا مع الحتمية والسببية , فالسلوك العشوائى لحركة الأمواج يخضع كل جزئ ماء فيه لمحصلة القوى المؤثرة عليه فى "اللحظة" ليكون من الحتمية أن يسلك هذا المسار وليتحقق الحتمية والسببية فى المشهد العشوائى , فالأمور تسير بدون نظام أو خطة أو ترتيب بل وفق حتمية وسببية اللحظة فى أجواء مادية .

- إن هذه الحتمية في تصور حركة الكون تتعامل مع مستوى الإنسان نفسه فكل سلوكياته تنبع من جيناته وتفاعله مع بيئته المادية اللتان ليستا بإختياره أو صنعه , فالجينات والبيئة كلاهما يحملان نتائج حتمية عند التفاعل والصراع فلو تم الحساب كافة الظروف المادية الموضوعية المحيطة بالإنسان بدقة لتنبأنا بفعله وسلوكه ورد فعله وأى طريق وسلوك سيختار في كل ما يجابهه فى لحظة ما , وهذا ما يحدث بالفعل فى علم النفس وعلوم المجتمعات .

- إستيقاظك من النوم وتأهبك للذهاب للعمل لتخطو خطوات تراها منتظمة كمثل أى يوم لا يعنى سوى أنك مارست إعتياد أشياء لتتبرمج عليها ولكن لاحظ أن مشاهد كل يوم مهما تشابهت فيستحيل أن تتطابق مع اليوم السابق بل عليك أن تدرك بأن هناك ملايين السيناريوهات مفتوحة لإرباك روتينك اليومى كحدوث أى ظرف طارئ يفسد نظامك لتسمى الإرباك هنا قدر أو صدفة أو حظ بينما هى مشاهد عشوائية فاجأتك غير مرتبة ولكنها محتملة من رحم ظروف مادية موضوعية تجمعت فأنتجت مشهد لم تتوقعه فقط ولكن لم تخرج عن سببيتها وحتميتها فى "اللحظة " فى إطار ظروف مادية غير غائية ولا قصدية .

- من الواضح أن الطبيعة ذات مسارات عشوائية لا تبالي بالإنسان , فالأمراض تنتشر بلا تمييز , والزلازل والبراكين تضرب مناطق عديدة وتقتل البشر بعشوائية عمياء ,والعاهات تصيب الكثيرين , فليس هناك دليل على وجود أي نظام أو غاية معينة ولكن هذه المشاهد لا تتحرر من الحتمية والسببية , فالأمراض والزلازل والبراكين لها مسبباتها المادية فى داخل المشهد العشوائى , فوجود فيروس سيؤدى للمرض أما تحرك القشرة الأرضية سينتج الزلازل ,فالفيروس وحراك طبقات الأرض ليستا غائية , فالأول إقتراب الإنسان من الفيروس أى منطقة موبؤة ,والثانى توازن قوى مادية داخل الأرض .

- من الأهمية بمكان أن ندرك فلسفة الحياة والوجود كما هى ,فالحياة ليس لها خطة أو تصميم ولا هدف أو معنى متأصل فيها وهذه حقيقة يتم التغاضي عنها غالباً فرؤيتنا المغلوطة عن الطبيعة يكسوها فهم ميتافزيقى متأصل عندما نقول بأن الطبيعة تمارس الإنتخاب الطبيعى , فبالرغم أن الإنتخاب الطبيعى مقولة علمية إلا أننا نتصور أن الطبيعة تمارس عملية فرز وإنتقاء للموجودات الحية لتنتخب الصالح والقوى .. الطبيعة ليست لها عقل أو تحكم أو غائية فى العمليات الحيوية لتنتخب هذا وتترك ذاك بل هى قدرة الكائنات التوافق مع مادية الطبيعة فمن توفر له الظروف المادية للتواجد والإعاشة إستمر وبقى ومن لم ينسجم مع مادية الطبيعة ليعيش ويتكاثر إندثر .. الطبيعة لا ترحب ولا تفطن لمن بقى ولمن إندثر , لذا فالآلية العشوائية للإختيار الطبيعي تحول دون أي إحتمالية للتخطيط والتصميم والغائية وبدون التخطيط فإن فكرة الغاية هراء لا قيمة ولا معنى لها .. الحتمية والسببية ترافق العشوائية فى اللحظة بمشهد الإنتخاب الطبيعى بمعنى أن الظروف المادية التى صاحبت الكيان الحى لكى يبقى أو يندثر هى الفاعلة .

- هذه العشوائية لا تخلو من السببية والحتمية أيضا فنشوء الطفرة جاء من عوامل مادية مؤثرة غير غائية أنتجت ترتيب فى الd.n.a والجينات الوراثية فهنا المشهد عشوائى لا ترتيب فيه ولا غائية ولكنه حتمى فى إطار إنتاج الحالة المادية فى لحظتها لذا أي تساؤلات متعلقة بمعنى الحياة تصبح غير منطقية على ضوء الدروس المستقاة من عملية النشوء والتطور في عالم بلا تخطيط وبلا هدف فلا يمكن أن تكون هناك تساؤلات عن المعنى , لذا السؤال الشائع "لماذا الأمور هكذا " ليس صحيحاً عندما يطلب جواب مُراد به غايةً أو هدف أعلى .

- تقدم الطبيعة لأصحاب المفاهيم الصلدة المتقولبة التى تنفى نشوء الحياة من جماد مثال يثقب العيون بالبذرة النباتية فهى يمكنها أن تبقى في حالة رقود لفترة طويلة قد تصل لآلاف السنين بدون أن يتحرك فيها ساكن إذا كانت الظروف لا تسمح بالنمو , فهى فى حالة جماد ولكن في اللحظة التي تتغير فيها البيئة وتصبح هناك الرطوبة أو الحرارة الكافية أو غيرها من العوامل ذات الصلة فإنها تنبت وتظهر عليها كل مظاهر الحياة من أيض ونمو وتكاثر وغيرها مثلها مثل سائر مظاهر وأنواع الحياة التي نألفها ومن هنا نتلمس العشوائية والحتمية والسببية معا , فالعشوائية فى إنعدام الترتيب والقصدية والغائية والنظام الصارم وهذا لا يخالف الحتمية والسببية فمتى توافرت الظروف المناسبة فى اللحظة إعتراها الحياة .

- يندهشون من تكوين البروتين والمادة الحية ليسألوا كيف للصدفة أن تخوض آلاف وملايين الإحتمالات فى تكوين جزئ بروتين , لنقول بداية لا يوجد شئ إسمه صدفه إلا أغنية الرائع عبد الحليم " كان يوم حبك أجمل صدفة " فحرى أن يسألوا كيف أنتجت الطبيعة البروتين بدون مصمم وغاية لنرد على ذلك أن فعل الطبيعة لا يسير بخطوات فنحن أمام عشوائية أى قفزات , كما أن الحساء الطبيعى هائل يستوعب ملايين التجارب والإحتمالات والتركيبات علاوة أنه لا يوجد ميقات زمنى لإنهاء فعل الطبيعة لتُسحب منها أوراق الإجابة ليكون النتاج تركيبة كيمائية أطلقنا عليها بروتين ولتسير هذه النتيجة وفق طبيعة المواد المتفاعلة وهو ما يحقق الحتمية والسببية فى "اللحظة" .

- العشوائية مشهد مادى فى النهاية يخضع لظروف المادة فى لحظة معينة , لنقول عشوائية وفوضى لعدم تكرار المشهد وغموض أسبابه وتوقع حدوثه .. النظام جاء كحالة إستثنائية من العشوائية بتقييم وإنطباع إنسانى أسقط رؤيته وأقام علاقة لنتشبث بهذه الصيغة النظامية كحال الدوال الرياضية فلا توجد مجموعة أعداد رياضية إلا ويمكن إنتاج علاقة ودالة ما ليكون هذا سبيلنا للعيش وسط حالة من الفوضى واللاتوقع فنحن لا نتحمل العيش بمنهج الإحتمالات المفتوحة الغير متوقعة فهو الجنون بعينه فى ظل جهل وضعف رصدنا , فالعيش فى اللانظام المطلق يعنى الشواش والجنون لذا نحن نحتال على الأشياء لنخرج منها بصيغة نظام .

- إنها العشوائية فقط التى أنتجت الوجود فلا مشهد نظامى معتنى ذو غائية وقصدية ولا يعنى هذا غياب السببية بل قل أننا لا نستطيع أن نتلمس سببيتها فكل مشهد وجودى عشوائى له سبب أنتجه ولكننا نجهل آليته ومفرداته وكيف نلاحقه , العشوائية لا تعني إنعدام المسببات، ولكنها تعني عدم معرفتها وعدم المقدرة على رصدها أو التحكم بجميع شروط المحاولة , فالعشوائية ظاهرة فى اللحظة تكون فيها العوامل المؤثرة من الكثرة والتعقيد بحيث يصبح من الصعب علينا رصدها وتتبعها ووضعها فى قانون يحكم نتائجها .. أى أن العشوائية تعنى جهلنا بالأسباب أى قصورنا المعرفى فى التعرف على الأسباب فى اللحظة .

- من الاهمية بمكان تصحيح مفهومنا عن قانون المادة ,إذ يتصور الكثيرون أن كلمة قانون بمثابة تشريع ومنه يتوهمون أن ثمة نظام بالكون وهذا غير صحيح , فالقانون العلمي بمثابة وصف و ليس تشريع , فعندما يسمع البعض كلمة "قانون" هنا يتخيلون أن هناك دستورا مكتوبا إطلعت عليه الاجسام الكونية و درسته ومن ثم أطاعته كعهدهم بالجماد والحيوان الذى يسجد ويسبح للإله! , لو أخذنا مثلاً القانون القائل بأن لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة و معاكس له في الاتجاه فكل ما في الأمر أن العلماء درسوا طبيعة الأجسام ووجدوا أنها تتصرف بحيث تكون لحركاتها ردة فعل مساوية في القوة و معاكسة في الاتجاه , إذن فلسفيا يمكن أن نطلق على ذلك "طبيعة" الأشياء و ليست "قوانينها" , فالقانون هو المعادلة المكتوبة الذي نستعملها لتحليل الأمور وهو يصف أمرا و لا يشرعه فكل شيء موجود له طبيعة ووصف وما لا طبيعة له أو صفة هو غير موجود .
اذن فالقوانين الفيزيائية مجرد صفات تصف طبيعة الأشياء، و ليست تشريعات تحكمها وإستخدام كلمة قانون هنا هو استخدام مجازي كما في الرياضيات والفيزياء وغيرها , لذا ما نطلق عليه "قوانين" كونية هى علاقات رياضية و فيزيائية إستنتجناها من طبيعة الاشياء ووصفها وليس تشريع .. ولنعود للعشوائية والحتمية والسببية بمثال حركة ذرات الغازات العشوائية كونها خاضعة لطبيعة الغاز لتتصادم ذراته ككور البلياردو وفق سببية تسير وفق طبيعة المادة فى "اللحظة" .

- لقد أتت جميع أفعال الطبيعة من شموس ونجوم وكواكب وبحار وأنهار وحشرات وإنسان بدون نظام ، فالطبيعة لم تراعي مصالح أو خطة أو غاية وهي تلقي جزافاً ببطاقاتها ومفرداتها التي هي الشموس والكواكب والبحار والمحيطات والحشرات والإنسان إنما تصرفت عن دون قصد بعشوائية , فلو نظرنا إلي حروف طباعة ألقيناها فى الهواء لتجد مصيرها علي الأرض فسنجد أنفسنا نحاول ربط بعض الحروف المبعثرة لنخرج منها بكلمات فى قاموس وعينا ذات معنى وهذا يعنى إننا خلقنا من العشوائية صيغ نظامية وهذا يؤكده تعاملنا مع اللغة , فاللغة عملية تشبيك لحروف عشوائية ذات ذبذبات يتم الإتقاق على معنى لكل كلمة لنعتبرها شفرة بيننا , فنشأة أى كلمة فى اللغات هو إختيار عشوائى لمجموعة حروف وإعطائها معنى ودلالة ولكنها فى ذاتها حروف عشوائية بلا أى معنى ولا دلالة فهكذا نظرتنا للوجود أن نتوافق على مشهد وإعطاءه معانى ودلالات ولا مانع بعد ذلك من المزيد من خلق منظومات معقدة من تلك العشوائية كقواعد اللغة والكتابات الشعرية لتكون كل التمظهرات منتجات جوهرها عشوائية أصيلة تحايل عليها الإنسان وخلق منها نظام .

- إذن الوجود المادى غير معنى أن يصدر لنا مشاهد مرتبطة ببعض بل نحن من نحاول إيجاد علاقات فيما بينها قد نصيب أو نخطأ وهذا يتوقف على قراءتنا للمشهد وزواية رؤيتنا وكلما إقتربنا أكثر من العلاقات المادية بدون أن نقحم تصورات ليست من المادة أمكن ان نجد سببية اكثر ديمومة .

- النظام ليس معناه وجود فعل نظامى , فالنظام تقييمنا نحن للأشياء .. فالأشياء ليست منظمة أو غير منظمة فى ذاتها بل نحن من رصدنا علاقات لنقول عن هذه العلاقات منظمة , أى هى تقديرنا ورؤيتنا وإنطباعاتنا نحن .. مشكلتنا فى فهم الوجود أننا تغافلنا من قيم الأشياء لننسبها لمنظم خارجى .

-عندما نحاول البحث فى الوجود فهذا يعنى البحث عن ماهية ورؤية الإنسان ومنطقه وحسه وإنطباعاته فهو الكائن الوحيد الذى يستقبل الوجود بوعى ليضع عليه رؤيته وحكمه وخياله لذا يكون فهمنا للوجود هو إدراك أبعاد الإنسان النفسية والفكرية وآفاقه ومحددات تفكيره ومداراته وآلية الدماغ فى تكوين الفكرة .

- خلاصة القول أن الحياة والوجود لا تحمل نظام وخطة تصميم ولا غائية وقصدية وراء أى مشهد حياتى ووجودى وأن الأمور تسير وفق طبيعة المادة فى لحظة معينة لتنتج لنا مشهد حياتى لم يأتى من العدم بل من مادة تفاعلت وأنتجت حالة مادية لتخضع لحتمية المادة فى اللحظة الغير مرتبة .

دمتم بخير .
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه ما نحلمش .

إعتذار
يؤسفنى عدم قدرتى على التعقيب على مداخلاتكم الكريمة فى هذا المقال ايضا وذلك لإنقطاع خدمة الإنترنت عن منطقتى ولكن هذا لا يعنى على الإطلاق عزوفكم عن المشاركة فهذه صفحتكم وأنتم تكتبون للتعبير عن رؤيتكم وتوجهاتكم ونقدكم لجمهور القراء الذين يشرفونى بالحضور ولكم منى كل التحية والإحترام والتقدير .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفعات – لماذا نحن متخلفون .
- مشاغبات فى التراث2-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- وهم الحرية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- وهم الغائية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- تراثنا وثقافتنا الحلوة-لماذا نحن متخلفون
- خمسون حجة تُفند وجود الإله–جزء سادس41إلى47
- زهايمر-تناقضات فى الكتابات المقدسة –جزء11
- بحثاً عن حلول لخروج الإسلام من أزمته-كاملا
- الطبيعة ملحدة..العشوائية تنتج النظام
- منطق الله الغريب-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- أخلاقنا وأخلاقهم-فى فلسفة الخير والشر
- الإسلام السياسى هو التناقض الرئيسى فى كل صراعاتنا
- مشاغبات فى التراث-الأديان بشرية الفكر والهوى
- فى ماهية الإنسان والحياة والوجود .
- علم الله بين لعل وعسى وفليعلم
- الدين عندما يُفقد المرء محتواه الإنسانى
- سقطات إلهية أم نصوص بشرية
- تأملات فى ثقافة الإيمان السالبة
- أنا فهمت الآن .
- تأملات فى ماهية الإنسان


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إلى غزة بعد وصولها م ...
- -نيويورك تايمز-: إسرائيل أغضبت الولايات المتحدة لعدم تحذيرها ...
- عبد اللهيان يكشف تفاصيل المراسلات بين طهران وواشنطن قبل وبعد ...
- زلزال قوي يضرب غرب اليابان وهيئة التنظيم النووي تصدر بيانا
- -مشاورات إضافية لكن النتيجة محسومة-.. مجلس الأمن يبحث اليوم ...
- بعد رد طهران على تل أبيب.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات ...
- تصويت مجلس الأمن على عضوية فلسطين قد يتأجل للجمعة
- صور.. ثوران بركاني في إندونيسيا يطلق الحمم والرماد للغلاف ال ...
- مشروع قانون دعم إسرائيل وأوكرانيا أمام مجلس النواب الأميركي ...
- بسبب إيران.. أميركا تسعى لاستخدام منظومة ليزر مضادة للدرون


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - فى العشوائية والحتمية والسببية-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان