أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم الحرية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان















المزيد.....


وهم الحرية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4806 - 2015 / 5 / 14 - 16:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- نحو فهم للوجود والحياة والإنسان (29) .

- جاءت لبنات هذه الرؤية فى حداثتى من تأملات عميقة فى الإنسان والحياة لأصل لنتيجة أن الإنسان كائن بلا حرية فلا توجد له حرية كما نتصورها بشكلها المثالي ووفقا لتعريفنا لكلمة الحرية كسلوك حر فى الفعل والإرادة لأصيغ هذه الرؤية فى مثال بنقطة تتحرك داخل شكل هندسى متعدد الأضلاع والزوايا حيث النقطة هى الإنسان , والأضلاع والزوايا هى مجمل الظروف المادية المؤثرة من بيئية وإجتماعية وثقافية وجينية الخ لتحدد محصلة صراع هذه القوى مسار تلك النقطة داخل الشكل الهندسى ولتتباين حراكها من إنسان لآخر لتختلف المحصلة وفق تباين الأقطاب المؤثرة كماً وكيفاً على كل إنسان ولنلاحظ أن القوى والأقطاب المؤثرة كلها عوامل خارجية لم يصنعها الإنسان .

- هذه الرؤية تأتى متشابهة لمفاهيم الجبرية والتسيير فى جدليات الفكر الدينى ولكنى لم أعتمد على مفرداتها وفرضياتها , فالجبرية والتسيير فى الفكر الدينى تعتمد على وجود قوى عاقلة تتمثل فى إله يخطط ويدبر ويقدر ويضع المشيئة والأقدار وكافة السيناريوهات والتترات التى تحيط بالإنسان ليسير وفق ما خططه وقدره له , بينما رؤيتى تتحرر من فكرة الإله هذه لتضع الأمور فى نصابها ولتعزى الجبرية إلى الظروف المادية الطبيعية كفاعلة ومتفردة فى التأثير , فالظروف البيئية والإجتماعية والثقافية والجينية هى الحاضرة والموثرة حصراً .

- لا توجد إرادة إنسانية حرة متحررة من محددات لكى تقول أن الإنسان مسئول مسئولية تامة عن قراراته وسلوكياته ليمكن القول أن تميز البشر عن باقى الكائنات الحية هو إمتلاكهم الوعى لإدراك ما يفعلونه بقبحه أو حسنه وسط معايير المجتمع ,فالوعى هنا رصد للمفاضلة بين أقطاب خارجية مفروضة فلا الأقطاب ولا المحددات بقوتها أو ضعفها من إنتاج الإنسان ولا فكاك من الأقطاب والمحددات الأكثر تأثيرا وقوة المتمثلة مثلا فى الموروث الجينى أو الثقافى أو البيئى لتكون المفاضلة فى الإنحياز للقوة الأكثر فعلاً وحضوراً وتأثيراً وهيمنة .
مازلت اعتز وأتبنى هذه الرؤية حتى الآن التى تنفى حرية الإنسان وأجد كل يوم دعم فكرى وفلسفى لها فلا تقتصر على رؤية وتأمل ووجهة نظر بل يمكن إعتبارها فلسفة جديرة بالتأمل والبحث والإضافة والدعم لندرك منها ماهية الإنسان .

* المادة سابقة على الوعى ومُشَكْلة لمفرداته .
- تناولت فى مقال سابق فكرة أن المادة سابقة على الوعى فلا وجود لوعى بدون وجود صور مادية تسبقه كما أن تلك الصور هى التى تُكون وتُشكل مفردات الوعى , فوعينا نتاج لصق وتركيب وتعقيد صور مادية من الوجود لتجد أن مفردات أى فكرة سواء منطقية عقلانية أو خيالية فنتازية هى صور من الوجود لنقول هنا أن المادة سبقت الوعى وشكلت بنية الوعى والإدراك من خلال التعامل مع ما هو متاح من صور وعليه يستحيل وجود فكرة واحدة من مليارات الأفكار جاء الوعى سابقاً للمادة فحتى ما يُعرف بالإبداعات والإكتشافات فما هى إلا تعامل مع صور مادية بترتيبها وتنسيقها وإعادة تركيبها بصيغة ما ووفقا لقانون المادة .

- من مفهوم المادة سابقة على الوعى المُشكلة لمفرداته تنتفى فكرة الحرية ,فالإنسان أسير الواقع المادى الذى يقذف بصوره السابقة لوعيه ليتشكل إدراكه وأفكاره وقيمه وسلوكه فمنه يستقى مفرداته وبنيته الفكرية لتتباين بالطبع بين إنسان وآخر وفق حجم ونوعية الصور التى تسقط على مرآة الوعى ولتشكل هذه الصور بما يصاحبها من إنفعالات وإنطباعات قوى مؤثرة متفردة فاعلة , فالإنسان أسير ظروفه المادية الموضوعية فلا فكاك منها إلا بظرف مادى موضوعى مُستجد آخر ,لذا ما نرصده من سلوك إنسان هو نتاج حجم ونوعية الصور التى سقطت على مرآة وعيه ومدى تفاعلها وقوة تأثير بعض الصور عن أخرى ليتشكل فى النهاية سلوك لن يخرج عن تلك المحددات .

-علاقات الحياة وتفاعلاتها الاجتماعية الفكرية بصورة عامة تتكيف وفقاً لأسلوب الحراك المادي للحياة وما تقذفه من صور وهذا مايحدد وعي وإدراك البشر , لذا من الأهمية بمكان إدراك أن الوجود الاجتماعي وتفاعل مكوناته هو ما يحدد الوعي الاجتماعي والإدراك , وليس الوعي هو ما يحدد الحياة الاجتماعية نفسها .

- الوعي الفردي للأشخاص يتم بناؤه من الحالة والحراك الإجتماعي وبالتالى تتأسس بيئة الإنسان الحضارية الإجتماعية على التطور والتغيير في الوعي الفردي ضمن نطاق وعي المجمتع وبمنطق وأداء جدلي متفاعل , وعموماً فإرتباط الذات بالموضوع في الوعي والوجود البشري يكمن في تلك العلاقة بالتحديد ومدلولاتها .

-لا أنفى الحرية والحراك الإنسانى كتمظهرات لكن أنفى الحرية بمفهموها المثالى الإرادى المُتحرر من أى قيد أو عائق أو شرط فلا توجد هذه الحالة المثالية لذا أتصور أن تشبيهى لحرية الإنسان كنقطة تتحرك داخل شكل هندسى يكون حراكها ممثلاً لمحصلة القوى المؤثرة والفاعلة هو تعبير قريب من الحقيقة .

* الحرية إدراك الضرورة
- الحرية كإدراك الضرورة رؤية فكرية فلسفية أخرى تضع النقاط على الحروف بالنسبة لموضوع الحرية والإرادة وهى أن الحرية إدراك المحددات والتعاطى فى فضائها بمعنى أننا نتعامل فى حدود علاقات المادة الموضوعية فلا نستطيع أن نتخطاها فحريتنا هى حراك نقطة فى إطار الشكل الهندسى المذكور عالية مقيدة بمحددات مادية فلا نستطيع أن نحقق حريتنا بالطيران فى الهواء أو العيش تحت الماء بدون ان نتعامل مع طبيعة الهواء والماء وهكذا بالنسبة لأى مشهد حياتى حيث حراكنا مؤطر فى حيز التعاطى مع ماهو متاح ومحظور من ظروف مادية بحته أو التحايل على المحظور بإدراك محظوراته والخضوع والتوائم معها .

- نتصور وهماً أننا أحرار قادرين على تحقيق مخططاتنا التى نريدها .. بالفعل نحن قادرون على التخطيط وفعل أشياء وتنفيذ مخططاتنا ولكن ليست حرية مطلقة بل مقيدة وشديد التقيد فنحن عبيد الواقع المادى وحريتنا هى الحركة وفق ما تمليه قوانينه الصارمة فلا تستطيع القول أنك تستطيع أن تجمد الماء بدون أن تخفض درجة حرارته أو تقول أنك حر فى إنشاء سد بدون أن تنساق وتتقيد بمعادلات قوى الماء الهيدروليكية .

- الحرية هى الوعى بالواقع المادى الموضوعى والتحرك وسط آلياته وما تفرضه آلياته وعلاقاته ومعادلاته , فالحرية لا تتحقق إلا من خلال عالم الضرورة , بمعنى أن وجود الإنسان داخل عالم الضرورة هو الشرط الأول لإمكان تحقيق حراك نطلق عليه حرية .

- عالم الضرورة يعنى إستجابة الإنسان وخضوعه وإنسجامه مع الوجود المادى وقوانينه التي لم يُنشأها ولم يخترها ولا حيلة له أمامها ولا قدرة له على تجاوزها فليس أمامه سوى التعامل معها كما هى .

- القوانين الحاكمة المقيدة للإنسان يمكن وضعها في إطر ,الطبيعة ,والمجتمع ,والحالة النفسية , فقوانين الطبيعة فيزيائية صارمة خارجة عن إرادة الإنسان وهى تقيد وتحكم حراكه أو ما يقال عنه حريته , فقوانين الفيزياء كالمادة والجاذبية والحركة والطاقة قوانين خارج دائرة الفعل والإرادة البشرية ولا يستطيع الإنسان أن يُعدل منها أو يُبدلها فهو أسيرها ولكن يمكنه أن يتعامل مع هذه القوانين الصارمة وإستثمارها وفق معادلاتها وقوانينها فجسده يمنعه من الطيران إلا إذا فهم وأدرك قانون الجاذبية والثقل.

- حياتنا وأجسادنا البيولوجية خارج الإرادة والحرية فعملية نمو وبناء الجسد وهدمه ينتمي لعالم الضرورة ,فالإنسان لا يتحكم في القوانين التي ينمو بها جسده فكل ما يمكنه هو التعرف أكثر على هذه القوانين الطبيعية وإستثمارها كأن يدرك تأثير أطعمة محددة فى تكوين البروتينات والطاقة , بل وعينا وآليات الدماغ من تفاعلات كيميائية وكهربائية تتم بدون تحكم فلا تستطيع أن توقف التفاعلات الجارية فى دماغك أو معدتك إلا بحلول عوامل مادية .

- هناك ما يدعونا إلى القول بأن ظواهر الحياة محكومة بالحتمية , فالقوانين الخاصة بالولادة ونمو الجسد ثم الشيخوخة هي قوانين فرضت نفسها على الوجود الإنساني منذ البدء وحتى الآن , كذلك فإن التعب والأمل وحاجات الأكل والشرب ضرورات أو علاقات سببية محكومة بالحتمية على غرار ما نشاهد في الظواهر الجامدة غير العضوية , فالإنسان محكوم بقوانين الحتمية قبل أن يكتشف القوانين الفيزيائية والكيميائية , فإكتشافه للحتمية جاء من ذاته عبر إدراك الجوع والموت ومنها حاول الإحتيال للخروج من شرنقة الطبيعة بتوهم أنه سيد قراره ومركز العالم لذا أنتج الأساطير والميثولوجيا .

- على المستوى الاجتماعي أيضا لا حرية للإنسان فى ظل وجود مجتمع بشرى يشاركه المكان والزمان والمصير فلا خيار له في ذلك ليدخل عالم الضرورة , فحرية الإنسان كانت دوما محدودة ومحددة بعالم ضرورة اجتماعي يتمثل في وجود بشر آخرين يشاركونه الزمان والمكان لذا فكل ما يمتلكه هو التعامل مع هذه الحقيقة محاولاً الخضوع والإنسجام والتأقلم معها وإن لن تخلو الأمور من الصراع لذا حريته مشروطة مقيدة للدخول في المعادلة الاجتماعية التي يمكن أن تكون جزءاً من قانون يستجيب لواقع المجتمع البشري لذا نجد الهوية والإنتماء والولاء للمجموع ولفظ أى عنصر يخرج عن منظومة المجتمع وقواه الطبقية الفاعلة وهذه الصورة مهمة لفهم عالم الحراك أو ما نطلق عليه حرية والذي يتحقق تحديداً داخل هذه الشروط , لذا الوعي بعالم الضرورة شرط أساسى لجعل عالم الحركة والحراك ممكناً وأى خروج عن عالم الضرورة سيُنتج حالة خيالية إنفصامية لا ترتبط بالواقع كما فى الميثولوجيا الدينية وأفلام الخيال .

- قد يقول قائل بماذا تفسر تغيير البشر لمعتقداتهم كأن يكون هناك مؤمن فيصير ملحد أو ملحد فيصير مؤمن أو تغيير البشر لمعتقداتهم من معتقد لمعتقد آخر , فأليست تلك حرية؟!
فى الحقيقى لا حرية فى التغيير فهو بمثابة وُرود أضلاع وزوايا جديدة على الشكل الهندسى يقابله هوان فى أضلع سابقة وهذا الورود نتاج عوامل نفسية وإجتماعية وصدامات وصراعات حلت على الإنسان لتميل المحصلة نحو التغيير لتكون مهمة العقل هنا هو تقديم مبررات التغيير ومحاولة توثيقه .
تجد أن معظم المتحولين من الإيمان للإلحاد مثلا هو نفورهم من القيم والفكر الدينى بعد بزوغ ضلع جديد قوى تمثل فى الحداثة وقيم العصر وكذلك المتحولون من عقيدة لأخرى حتى لو نفينا عنهم عوامل التأثير المادى أما المتحولون من الإلحاد إلى الإيمان فهم لم يجدوا فى الإلحاد الإشباع الروحى والهوية فإنتابهم الحنين لمنظومتهم القديمة .

- تأتى التأثيرات النفسية عامل مهم من عوامل تشكيل سلوكيات الإنسان وفكره وقراراته , فالإنسان كائن واعى متطور يختزن المشهد الحياتى بعد أن يصبغه بإحساسه وإنطباعاته ليكتسب هذا المشهد بالنسبة له المعنى والتأثير والمفارقة لتصل الأمور أن تتحصن الفكرة بحجم من الإنطباعات والأحاسيس والمواقف لتتخلق الإنتماءات والهويات الإجتماعية كفاعل قوى فى سلوكه .

- ليس معنى قولنا إدراك عالم الضرورة أن يستسلم لها الإنسان وينبطح أمامها كحال المؤمنين بالقدرية والمكتوب ,ففهم عالم الضرورة هو إدراك تحرك النقطة فى داخل الشكل الهندسى المذكور مدركين القوى المؤثرة وإمكانية تفادى التصادم معها ولا مانع من الإنسجام معها مستثمراً الوعى فى تحقيق أفضل حراك بالشكل الهندسى أكثر رحابة .

- إدراك عالم الحرية من عالم الضرورة هو جوهر مفهوم الحراك الذى نطلق عليه حرية ,فعالم الحرية الوهمية تنشأ من خلال التغافل عن حقيقة عالم الضرورة ومحدودية القدرة الإنسانية في الخروج عن هذا العالم , وفي المقابل هناك حالة إستسلام سلبى لعالم الضرورة وإعطاؤها تأثير يشل كل الوجود البشري كمنحى القدريين .

* وهم الغاية الإنسانية .
- تناولت فى مقالى السابق "وهم الغائية " الذى قدم فكرة عدم وجود أى غائية فى سلوك المادة والطبيعة والكائنات الغير الواعية ليقتصر مفهوم الغائية على الإنسان ككائن عاقل يُرتب صوره الماضوية والحاضرة والمستقبلية ويمنطق بالسببية ويمتلك نظرة مستقبلية ليسقط رؤيته على الطبيعة والوجود بإعتباره صاحب غاية ليخلق منها فكرة الآلهة بإفتراض وجود كيانات ذات غايات مستقلة عنه.
قولنا هذا هو واقع الحال كسلوك ونهج ولكن لا يعنى أن الإنسان كائن ذو غاية .!! ففى الحقيقة لا يوجد مفهوم للغائية بمعناها المثالى أو كما نظن كشكل إرادى حر إبداعى بحت ذو إستقلالية فنحن مدفعون لغايات رغماً عنا لا علاقة لها بحرية فالأمور عبارة عن تعاطى مع صرامة الحياة بقفازات حريرية .

- قد يستغرب البعض من نزعى للغاية عن الإنسان وقد يراه البعض تطرفاً ولكن بالتمعن العميق نجد أن الإنسان كائن يبحث عن إيفاء حاجاته الطبيعية شأنه شأن الكائنات الأخرى ولكن بسبل مركبة شديدة التعقيد ومن خلال سيناريوهات كثيرة ليدرك فقط تكتيكاته وخطوات ممارساته أثناء سعيه .
الحيوان يعيش باحثاً عن طعامه أيضاً بتكيكات بسيطة نمطية متكررة فلا يمكنك القول أنه صاحب غاية , فالغاية فعل إرادى يتقدم على الفعل أى يحتاج لعقل مُفكر يدرك اللحظة المستقبلية ويخطط لها لذا فالحيوان يقتات تحت دافع الغريزة فى حراكه ليكون حال الإنسان أيضا غريزى باحث عن إيفاء الجسد ولكنه مدرك اللحظة القادمة وواضعاً خيارات عديدة لإيفاء الحاجة وممارساً أيضا لتكتيكات معقدة ليتحرك كنقطة فى شكل هندسى محصلة تأثير أضلاعه وزواياه تخلق فكرة الغاية , والأضلع والزوايا هنا بمثابة حاجات طبيعية من تأثيرات كيميائية وفيزيائية على الجسد كما ذكرنا ومن هنا نتصور أن الانسان صاحب غاية حرة .

- يمكن إثبات أن الإنسان يفتقد الغاية بمفهومها السائد من نفى حرية وإرادة الإنسان فإذا كانت الغاية فعل إرادة , فالإنسان لا يمتلك إرادة بمفهومها المثالى وذلك كونه واقع تحت حصار محصلة ظروفه الموضوعية الحاكمة كما ذكرت سابقاً فما يميز البشر عن غيرهم من الكائنات الحية هو وعيهم بما يفعلون وإعتقاد البشر بوجود إرادة لديهم مصدرها عدم معرفتهم لآلية صُنع القرارات في داخلهم .

- الحاجات الطبيعية لا يمكن توصيفها بالغايات بالرغم أنها تقدم الإرادة على الفعل ولكن الفعل والهدف هنا حاجة طبيعية يندفع إليها الإنسان بغريزته لإيفاءها , فسعى الإنسان للطعام والتجول فى الغابة للحصول على إحتياجاته لا يمكن أن نسميها غاية كون الإرادة هنا ليست حرة لا تمتلك خيارات وبدائل أخرى ولا نزاهة الإنصراف عن هذا الفعل ,وهكذا كل مظاهر حياتنا المعقدة فنتصور أننا نجتهد نحو غايات محددة مثل التطلع إلى نيل شهادة علمية للعمل بها فهى فى إطار البحث عن الطعام بأسلوب يناسب تطور وتعقيد مجتمعاتنا .

- لا أنفى غائية الإنسان كمفهوم شائع ومحسوس ولكن أنفى الحرية فى غائيته وفق أنه سعى نحو تلبية حاجات طبيعية كالحيوان ولكن بصورة أرقى وأكثر تعقيداً فهناك من لديه غاية ليستورد صفقة من الخارج ليقوم بالمعاينة والإعتماد والشحن والتعاطى مع البنوك ثم عمليات محاسبية وإعلان وتوزيع وتحصيل ليحظى فى النهاية على عائد يفى احتياجاته الطبيعية .

- إرادة البشر ليست حقيقية فهي مجرد وصف مجازي لظاهرة سلوكية حتمية تمثل حصيلة تلاقي عوامل خارجية قاهرة بمعطيات داخلية تعمل ذاتيًا.. مفهوم الإرادة ليس له أساس فلسفي ومنطقي، فأساسها عقائدي ثقافى اجتماعي تحفيزي مُختلق , فالفرد يُدرك في قرارة نفسه أنه مُكرهٌ في كل قراراته، ولا حضور ولا سيطرة لإرادة حقيقية له فيها .

- لا توجد حرية وإرادة إلا محكومة بالوجود المادى وصرامته ليكون حراكنا وفق ضرورته وصيرورته ومحصلة لقواه الفاعلة سواء أدركنا هذا أم لم ندركه لذا أتصور أن الإنسان إخترع فكرة الإله ليسقط عليه آماله فى الحرية المثالية بعد أن أدرك فى أعماقه حجم القيود التى تعتريه فتوسم حالة وجودية متحررة من أى قيد بالرغم أنه فى معرض رسمه لفكرة الإله لم يخلوا الأمر من إسقاط ذاته على الفكرة فنزع الحرية المطلقة عن الإله ليجعله واقعا تحت القيد ومنها بدد فرضيته بمعرفته وحكمته المطلقة.

- قد يتصور البعض أننى ألغى حرية الإنسان بالرغم من أننى أكثر المتشدقين بالحرية وأعتبر تخلف وتدنى البشر والشعوب هو فقدانهم للحرية على كافة المستويات خاصة حرية العقل ولكن هذا لا يمنع من فهم الحرية فى حيزها الموضوعى المادى وليس المثالى ليكون كل آمالنا فى شكل هندسى أكثر رحابة بأضلاعه وزواياه المؤثرة بحيث يكون الفعل والسلوك الإنسانى متحركاً فى مساحة واسعة لتخضع الحالة الإنسانية لعوامل أكثر ثراء لتشكل سلوكيات أكثر ثراءاً وحيوية .

-يمكن القول أننا نأمل أن يكون السجن أكثر رحابة وإتساعا لتخرج الإبداعات من داخل هذا السجن فهناك فرق هائل بين أن تضع سجين فى زنزانة إنفرادية وبين سجن بحجم مدينة أو وطن , لذا أرى أن رفض الشيوعية للقوميات ليس لكونها كيانات داعية للتعصب والعنصرية والفئوية فحسب بل لكونها تكوينات متشرنقة وسجون ضيقة أى شكل هندسى محدود يحول دون إنطلاق الحالة الإنسانية .

- سيسأل البعض ما الأهمية من طرح هذا البحث لأقول لنتمهل قليلا فى أحكامنا وتعليق المشانق للبشر على أخطائهم وضعفهم وعثراتهم فكل إنسان نتاج ظروفه المادية الموضوعية القاهرة التى أنتجت سلوكه وقراراته ونهجه فلا معنى للعقوبات التى تتسم بالإنتقامية المفرطة فى قسوتها , فالعقاب لا يجب ان يكون غاية في حد ذاته ولا من أجل الانتقام لكن من أجل التقويم والإصلاح ليجب مراعاة نوعية العقاب , فالإيذاء الجسدى مثلا إمتهان للكرامة والإنسانية في حين أن العلاج النفسي الإجتماعى يكون أجدى.

- سيدعونا فهم الحالة الإنسانية إلى الترفق والتوسم فى تغيير الإنسان بخلق ظروف موضوعية وإحاطته بها كأضلاع جديدة تضاف للشكل الهندسى المذكور على أمل تغييره بدلا من تعليق المشانق والجلد المبرح ولكن هذا الكلام لن يجد صدى عند أصحاب الموروث الدينى ليسخروا ويتصورا أننا ندلل المخطأ ولكننا نقول أن عقاب المخطئ ليس لكونه أخطأ فخطأه نتاج وجوده فى شكل هندسى زواياه واضلاعه لم يصنعها وليس من المنطق أن يحاسب العاجز على عجزه لتكون فلسفة العقاب هى إضافة ضلع وزاوية قوية ذات تأثير فى كل شكل هندسى لدى كل إنسان كحائل له الخروج عن المنظومة وليتحرر العقاب من كونه وسيلة للإنتقام وممارسة لذة السادية .

- كما يدلنا فهم وهم الحرية التخلص من هذه العنجهية والغطرسة التى تنتاب أصحاب الإيمان والعقائد والأفكار المتعصبة النابذة فهم يمارسون غباءهم على ذاتهم وعلى الآخرين بإعتبار إنهم يمتلكون الحقيقة فلا هم أو غيرهم آمنوا بحرية فهكذا حظوظهم من البيئة الحاضنة والجغرافيا والتاريخ ولو كانوا فى بيئة وجغرافيا أخرى لآمنوا بمعتقد وأفكار مغايرة .. فتمهلوا على انفسكم .

دمتم بخير.
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه مانحلمش .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهم الغائية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- تراثنا وثقافتنا الحلوة-لماذا نحن متخلفون
- خمسون حجة تُفند وجود الإله–جزء سادس41إلى47
- زهايمر-تناقضات فى الكتابات المقدسة –جزء11
- بحثاً عن حلول لخروج الإسلام من أزمته-كاملا
- الطبيعة ملحدة..العشوائية تنتج النظام
- منطق الله الغريب-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- أخلاقنا وأخلاقهم-فى فلسفة الخير والشر
- الإسلام السياسى هو التناقض الرئيسى فى كل صراعاتنا
- مشاغبات فى التراث-الأديان بشرية الفكر والهوى
- فى ماهية الإنسان والحياة والوجود .
- علم الله بين لعل وعسى وفليعلم
- الدين عندما يُفقد المرء محتواه الإنسانى
- سقطات إلهية أم نصوص بشرية
- تأملات فى ثقافة الإيمان السالبة
- أنا فهمت الآن .
- تأملات فى ماهية الإنسان
- إنهم يزرعون الوحشية ويمنهجون الهمجية
- تأملات فلسفية من رحم طرائفنا وسخريتنا
- أسئلة ليست حائرة إلا لمن يريد أن يحتار


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم الحرية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان