أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - درهم جمهوري .. و 12 رغيف خُبز














المزيد.....

درهم جمهوري .. و 12 رغيف خُبز


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 4866 - 2015 / 7 / 14 - 17:17
المحور: سيرة ذاتية
    



بعد ما حدثَ في يوم 14 تموز 1958 " المجيد " ، تم استبدال العُمْلَة " الملَكِيّة " بعُمْلَة " جمهوريّة " .
وفي 8 تموز عام 1959 صدرت العملة الجديدة مع مسكوكات معدنية تحمل صورة الشعار الجديد للجمهورية العراقية ، الذي وضع بدلاً عن صورة الملك في الاصدارات السابقة . وألغيتْ المسكوكة النقدية من فئة 2 فلس , كما الغيت المسكوكة من فئة الاربعة فلوس ( العانَة ) واستبدلت بمسكوكة جديدة من فئة خمسة فلوس . كما الغيت المسكوكة النقدية من فئة 20 فلس (القْرانْ) واستبدلت بمسكوكة جديدة من فئة 25 فلس .
و بعد اصدار العملة الجديدة ، خرجت الجماهير العراقية " المُناضلة " ضد الأستعمار والأقطاع والرجعية ، في مظاهرات عارمة ، وهي تهتف لـ عبد الكريم قاسم بالشعار التالي: "عاش الزعيم الزَيّدْ العانَة فِلِس" , تعبيرا عن مظاهر التـأييد لاجراءات الحكومة في اصدار العملة الجديدة .
وفي صبيحة واحدٍ من تلك الأيام المباركة ، أرسلني أهلي لشراء أرغفة خبز " الأعاشة " ( المدعومة من الحكومة ، والزهيدة الثمن ) من مخابز كانت مُخصصّة لهذا الغرض .. وبيدي دِرْهِم " مَلَكي " واحد لا غير .
يبدوا انّ اهلي لم يكونوا على علمٍ بنفاد وقت استبدال العملة القديمة بالعملة الجديدة .. أو انّهم لم يكونوا يملكون درهما آخر غيره في ذلك اليوم .
انطلقتُ راكِضاً من محلة " الشيخ علي " .. نحو أقرب مخبزٍ لـ " الأعاشة " كان يقعُ على اطراف " سوق حمادة " من جهة " الفحّامة " .
وعندما وصلتُ لاهثاً إلى المخبز ، وجدتُ طابوراً ضخماً من النساء والرجال والأطفال ، وهم يتدافعون بالمناكب ، وبالأطراف السفلى والعليا ( وبأشياء أخرى ) ، بهدف الوصول إلى " فتحة " استلام الخبز ، التي تقع وسط باب المخبز ، المدعوم بقضبانٍ من الحديد المُشَبّك .
كنتُ نحيفاً جداً . وعُمري ثمان سنوات . وأسمر غامق . ولابِسْ دشداشة " بازة " مُقَلّمَة .. و" شكولاتي " عموماً .. تبَجّي الصخر .
وبعد قتالٍ شَرِس ، وصلتُ إلى مُقدّمة " الصَوْلَة " .
مدَدْتُ كفّي الأيمن ، المضموم بكل قهر الدنيا على درهمي المَلكيّ ، نحو بائع الخبز .. و كأنّني أمُدّها إلى الله ، بعد وصولي إلى " البُرزُخ " .
كنتُ اعتقدُ أنّني قد " أنجزتُ المُهمّة " الأولى ، وإنّني على وشك تحقيق "الصفحة التالية " من " أجندة " النصر المبين . وكانت الصفحة التالية تتضمنُ عودتي سالماً إلى البيت بـ 12 " كَرْصَة " خُبز ( حار، ومكَسّبْ ، ورخيص .. لأنّ سعر الكَرْصَة الواحدة كان 4 فلوس فقط لا غير)..ومن ثمّ وضع " كِتْلي " الماء على الفوهة الناريّة لـ " البريمز " الهادر .. ثم صبّ الماء على الشاي في " القوري " .. ثمّ وضع " القوري " على " اللَمْبَةَ " الوديعة .. لكي " يخدر " الشاي السيلاني " الوحيد " .. حيث لم يكن لدينا يومها لا شاي أحمد .. ولا شاي الوزّة .. ولا شاي محمود .
ولأنّني " من عُمري سبع سنين .. وكَليبي مهضوم " ( كما كانت تقولُ الأغنيةُ البغداديّة الشائعةُ آنذاك ) .. لم اتمكن من تحقيق حلمي بهذه السهولة " المُتَخَيّلَة " . فقد رمى صاحب المخبز الدرهم الملكيّ في وجهي قائلاً : هذا الدرهم " ملَكي " . والدرهم الجمهوري صارله شهر بالسوك .. وإحنه بعد منبيع إلاّ " بفلوس " جمهوريّة . روح جيب درهم جمهوري ، و تعال " اتزَقْنَب " خُبز .
كانت هذه هي أولّ خيباتي في النظام الجمهوري " الوليد " .
ولكن ، كلّ شيءٍ كان مُمكن الحدوث بالنسبة لي .. باستثناء انسحابي " التكتيكي " من أول معارك المصير التي خضتها في النظام " الجديد " . لقد كنتُ ( حتّى تلك اللحظة " المفصليّة " في تاريخ العراق الحديث ) قد خضتُ نضالاً شرِساً ، وصراعاَ طبقياً " واعياً " ، وتمكنتُ من الوصول إلى " البنية الفوقية " للمخبز " الوطني ، الواقع على اطراف سوق حمادة ، في الكرخ القديمة " الباسلة . ولم يكن من السهل التراجع عن جميع هذه المكاسب " الثوريّة " الهائلة .. بسبب هجومٍ مُضاد ، و مُفاجيء ، شنّهُ صاحب المخبز عليّ .
و بـ " وسامتي " تلك . بسمرتي الغامقة ، وجسمي الهزيل ، والثمان سنينٍ العجاف ، وسحنة وجهي اليابسة .. كُمِتْ أبجي بصوت عالٍ . أبجي بصوت يشبه صوت أرامل " مستجِدّاتْ " . أبجي .. وآني بعَدْني " امْعَرّتْ " بالشيش طبعاً .. وقرّرَتْ ما أهدّه ، لو يجي " الزعيم " بـ " زرّه " .
الظاهر الناس إنقهرَتْ عليّه .. وكُلهَه كَامَتْ تصيح بأبو المخبز :عمّي خطيّة . ما عنده غيرهالدرهم المْصَخّم . أُخذَه منّه لخاطر الله .. ( وبعد كَالوا اشياء ، خلّتني أبْجي بالزايد ) .
أبو المخبز زِهَك . وكَال : دجيب الدرهم يا وجه البومة .. وبعد لتجي إلاّ بدرهم جمهوري ، و عود ابجي إلى ان تموتْ ، ودا أشوف يا " كَوّاد ابن كَوّاد " ينطيك خُبز ) .
وإنطاني الخبز. وسِكَتِتْ فوراً. تكَول " دُكَمة " وطَفّتْ كُلْشي . ورجعتْ للبيت. وسوّيتْ جاي عـ " البْريمِزْ ". ونِمِتْ بصفّ " اللمبة " إلى أن " خِدَرْ " الجاي .
ومن ذاك اليوم " الأبيض " .. لهذا اليوم " الأسود " أخوان .. هاي سالفة الدرهم الجمهوري ، مسوّيتلي عقدة نفسيّة من عمليات " التغيير " ، والربيع " الأخضر " ، والخريف " البنفسجي ".. بحيث كمِتْ أكره كلّ الثورات والأنقلابات والأنتفاضات.. اللي تخلّي الناس متاكل 12 " كَرْصَة " خُبِزْ .. حتّى وان كان لديها " دِرهمٌ " مَلَكيّ .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درهم مَلَكي .. و 12 رغيف خُبز
- القلوب الكسيرة .. التي تلبطُ على الرمل
- بلادي التي تجور .. وأهلي الشحيحون .. و دولتي الفاشلة
- محكمة لتاريخ النفط ، والعائدات النفطية ، في العراق الحديث ( ...
- محكمة لتاريخ النفط .. في العراق الحديث
- عُصبة سبارتكوس .. في قيصريّة حنَش
- يمعودين شنو السالفة .. إنتو وين ؟
- كيف يكونُ العراقيُّ سعيداً .. في العراق
- عندما تتلف المعاملات .. لا معنى للعبادات
- النظام التعليمي في العراق ، وقرار - العبور - لطلبة المجموعة ...
- خام برنت .. المُبارَك
- عن الجنودُ الصائمين .. في تلك الحرب البعيدة
- العراقُ الذي .. لا يشبهُ شيئاً
- الأسكندر الذي يبكي .. على حافّة العالم
- عندما يمرُّ وجهُكِ بي
- الفتى العاشق .. الذاهب إلى الحرب
- أبو نؤاس ، ومدفع الأفطار .. تحت جسر الجمهوريّة
- إمامُ الجامع .. و رمضان .. و برشلونة
- الحدّ الأدنى من اللغة
- الليلة الكبيرة .. التي نحنُ فيها الآن


المزيد.....




- هكذا كشفت المغنية ريانا عن حملها الثالث في حفل -ميت غالا-
- فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على ...
- حزب -الحلم الجورجي- الحاكم يختار رئيسا جديدا له
- كينيا.. الحكم على سارقي 5000 نملة إفريقية بأقصى عقوبة
- إطلالة -جريئة- لمغنية البوب ليزا في ميت غالا
- في أول مقابلة منذ مغادرته البيت الأبيض، بايدن لبي بي سي: ترا ...
- حماس تنعى القائد في كتائب القسام خالد الأحمد إثر غارة إسرائي ...
- شركات وادي السيليكون تتسابق لإطلاق السيارات الطائرة.. لماذا؟ ...
- خسائر -ضخمة- بمطار صنعاء وقتلى في غارة إسرائيلية على غزة
- مراسلنا: عشرات القتلى والجرحى في قطاع غزة وارتفاع قتلى مدرسة ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - درهم جمهوري .. و 12 رغيف خُبز