أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - صباحك جميل أيها الرجل الأسود



صباحك جميل أيها الرجل الأسود


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 18:00
المحور: الادب والفن
    


ما أقساهم وما أبسطهم وما أتعسهم وما أفقرهم حين في مقاهي العرب والأتراك الرخيصة يجتمعون .. كم هي أصواتهم عالية ومضطربة ومتقاطعة .. كم هي كلماتهم بسيطة وحالمة وقاسية ومتشنجة .. كم هي نقاشاتهم سطحية وعراكية وحادة ومتزمتة وثنائية البعد فإما عن الدين أو عن السياسة العربية كما يفهموها .. كم هي تعابير وجوههم متلهفة وحائرة ومنتظرة .. وكم هي نظراتهم تائهة ومترددة ..

كم تجلدهم العزلة والوحدة والرغبة .. كم تسوطهم تعرجات المرأة الألمانية من مختلف الأعمار .. كم يلعنون كل يوم ألسنتهم العاجزة عن النطق بغير لغتهم الأم .. وإذا يلتقي أحدهم بها .. تلك التي تحتاجه وتبحث عنه منذ سنوات .. يبدأ رحلته بالتورد والتألق .. يصير أكثر حناناً .. تتفتح روحه .. تبدأ عقدة لسانه بالانفلات .. يعود إنساناً على مهل ..

في حديقة المدينة جلسا على المقعد الخشبي في حالة عناق .. رجل أسود وطويل القامة في منتصف العمر .. يرتدي قميصاً ملّوناً واسعاً وبنطلون جينز شابَ لّونه وتغيرت ملامحه وفي قدميه الكبيرتين حذاء شتوياً .. والمرأة بجواره بيضاء تجاوزت الخمسين من عمرها بقليل .. ترتدي فستاناً ربيعياً عارياً إلا من لحم جسدها الأبيض الشهي ..

اقتربُ منهما وأنا في طريقي إلى الجامعة .. تلمحني المرأة .. تضمه بقوة أكبر .. يعانقها أكثر .. بيده السوداء الغريبة الجميلة المشتاقة يفرك وجهها الأبيض .. وبيده اليسرى يعانقُ كتفها الأيمن .. يعانقُ كلها .. كل جسدها الطري .. يحاول امتلاكها ودخولها .. ابتلاعها وحمايتها ..

تبوسُ وجهه الأسود القاسي بشهوةِ الاشتياق .. تستنشقه .. تستنشق غبار أيامه .. تطمر وجهها في صدره الأسود .. تشمه شاكرة .. تُغمض عينيها وتستريح .. وتهمس له بكلمات لا يفهمها .. تعتذر له من خلالها عمّا ألم به من تعب وفقر وعجز وندبات ..
يفتح بدوره عينيه التائهتين الحالمتين .. وبيده اليمنى يلاعب شعرها "الأشقر" قسراً .. ويسرح بنظراته إلى البعيد البعيد .. ليرى نفسه وقد فاق من نومه في سريرها العريض المريح النظيف .. وبقايا رائحة وشموع من ليلة فائته تنتظر إزالتها .. ثم يجد نفسه في مطبخها الأنيق الدافيء ورائحة الصباح وقهوته تعبق بالمكان .. وإمرأة تترقب قدومه كاشفة عن فخذيها .. تهمس له "صباح الخير" .. إنها الكلمة الأولى التي يسمعها من مصدرها الأم .. تصله رائحة خبز طازج لا تقاوم .. وعلى طاولة الفطور ثمة جرائد وورود وصحون .. ثمة سكاكين وشوك و"سيرفتين" مطوية بعناية .. ثمة علب غريبة اللون والشكل "جبنة" و"مارمالادي" و"زبدة" وأشكالاً متنوعة من"سلامي وفورست" ألمانية المنشأ .. باسطرمة ونقانق وسُجُق المرقاز ..

فجأة تتحرك شفتاه معلنة ولادة ابتسامة قادمة .. ينظر خلسة في ساعة يده اليسرى .. يقول في سره: لقد اقترب مجيء الأصدقاء/الأخوة العرب المقهورين .. لقد اشتقت إلى حكاياتهم .. لقد اشتقت كي أحكي لهم عما عشته مع هذا الجسد المطمور في جسدي ..

اقتربُ من المقعد الخشبي في حديقة المدينة أكثر فأكثر .. أصير جواره .. الرجل الأسود يجلس باسترخاء .. أبادله النظرات وأحييه "صباح جميل أيها الرجل الأسود" .. تضحك لي عيناه الواسعتان ويقول: "صباحك أجمل يا سيدي" .. ويضيف: منكَ تفوحُ رائحة خبز طازج وفطور شهي .. هل أتيت لتوّك من المخبز؟ .. هل تناولت فطورك للتوّ يا سيدي؟



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -25-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -24-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -23-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -22-
- جميلة هي أمي
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -21-
- موعد مع السيد الرئيس
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -20-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -19-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -18-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -17-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -16-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -15-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -14-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -14-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -13-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -12-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -11-
- حكاية أبو العُلى -3-
- حكاية أبو العُلى -2-


المزيد.....




- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة
- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل
- موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع ...
- فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل ...
- أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا ...
- العرض المسرحي “قبل الشمس”
- اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. احتفال باللغة وال ...
- المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية ...
- يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية.. إطلاق معجم الدوحة التاريخي


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - صباحك جميل أيها الرجل الأسود