مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 4817 - 2015 / 5 / 25 - 13:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا هو الصحيح , نعم , أن يسقط النظام السوري ( الجملوكي , القيصري ) لصالح داعش , لا آل سعود أو أمراء الخليج الأصغر ( حتى الأحجام المجهرية ) , و لا لصالح السوريين العاديين , للأسف .. كلما بدا أن الأمور تجري في غير هذا الاتجاه كانت أصاب بالحيرة , إذن فثوراتنا , كثورات لشعوب متخلفة , تختلف عن الثورات المشابهة في فرنسا و روسيا .. لم يكن لدي شك , خاصة منذ أن أصبح واضحا تهافت نظام الأسد , خلافا لنظام الطغمة العسكرية الحاكمة في مصر , لم يكن لدي أي شك في انتصار اليعاقبة أو اللينينيين في الثورة السورية , أي الدواعش , و أن الجيرونديين أو المناشفة أي النخبة الليبرالية لا يمكن أن تكون في أحسن الأحوال إلا مطية لداعش أو لنابليون ما أو لعودة النظام القديم .. مع ذلك كنت أرى بكل وضوح فائدة انتصار داعش للثورة السورية و العالمية القادمة , إن داعش هي التعبير الأمثل عن الإسلام , كما كان ستالين , و آل كيم إيل سونغ , هو التعبير الأمثل عن الماركسية , و هتلر عن القومية الخ الخ .. لا تقبل داعش أي مساومة مع شيء "غير مسلم" , "غير إسلامي" , إنها تقيم كل مشروعها و خطابها و مفهومها للهوية و التاريخ , سواء الماضي أو الحاضر و المستقبل , على أساس الإسلام وحده .. هذا على العكس طبعا من ليبراليينا ( بمن فيهم من "إسلاميين معتدلين" ) الذين يأخذون شيئا من كل شيء ليصنعوا فكرتهم عن الدولة أو المجتمع أو الهوية , فيضيفون شيئا من الإسلام على القومية على اليسار ( على الأقل فكرة أولوية الاقتصاد إلى جانب تصور ساذج مجرد عن "العدالة الاجتماعية" ) على ليبرالية الغرب الكلاسيكية و الجديدة , و يصنعون من كل هذا الخليط الغبي ليبرالية غير مفهومة و مائعة لا تعني شيئا في النهاية , أكثر من "حلول وسطية و معتدلة" تحاول أن تخفف من غلواء و الهذيان السلطوي لكل واحدة من هذه الخطابات منفردة , معتقدين أن هذا الخليط العجيب يمكن أن يكون اساسا لسلطة أقل شمولية .. إنهم يصالحون الماضي و الحاضر باسوأ طريقة ممكنة , تبقي على كل ما قمعي فيهما , و تنتهك و تجرم ( أو تؤجل في أفضل الأحوال ) , و تخضع كل ما هو تحرري لصالح القمعي و السلطوي ( إن ليبراليينا إسلاميون , و طائفيون , لكنهم ليسوا دواعش , و يساريون لكن ليس ستالينيين , و ليبراليين لكن ليسوا برجوازيين , و قوميين لكن ليس بعثيين و لا ناصريين , الخ ) .. لم يكن المناشفة و لا الجيرونديين منافسين جديين لا لروبسبير و يعاقبته و لا لينين و رفاقه , تروتسكي و دزرجينسكي و ستالين , أما النخبة الأمريكية التي "قادت" الثورة الأمريكية فكانت تمثل شيئا مختلفا , من جهة كانت تمثل مصالح المستوطنين الأوائل التحررية في بناء اشكال تنظيم فيدرالية و شبه سلطة مركزية فضفاضة جدا و من جهة مصالح النخبة الصناعية الأمريكية الصاعدة .. طبعا كانت النخبة الصناعية هي التي تغلبت في النهاية على المطامح الفيدرالية الأكثر تحررية للأمريكيين العاديين , و فرضت شموليتها مع تركيز السلطة و الثروة في أيديها .. أما نحن لليس لدينا تيار شعبي تحرري , عفوي أو منظم , كما كان بين المستوطنين الأوائل في "العالم الجديد" , الذين مثلوا جماعات من المهمشين في القارة العجوز جاءت باحثة عن حلم الثراء و العيش و التفكير بحرية , كان الأصوليون من بعض المذاهب الهرطقية من أهم القوى المطالبة بشكل أكثر تحررية لتنظيم المجتمع , هذا لا يوجد لدينا للأسف , إن فكرة الفيدرالية و اللامركزية نفسها غريبة نسبيا عن ممارستنا و وعينا و هذا يتجلى في الحلول السلطوية المختلفة التي "نقترحها" "لمعضلة" أكثرية - أقلية .. و لا النخبة الليبرالية تمثل اجتماعيا إلا جزء من البيروقراطية المهمشة التي تبحث عن حصة أكبر من السلطة باسم دمقرطة المجتمع .. كان من الواضح أن أمامنا ثلاثة خيارات لا رابع لها , أو هذا ما يبدو , إما أن يخلق الناس العاديون كومونتهم , أو أن ينتصر اليعاقبة - البلاشفة أو نابليون ما ( داعش , أو أحد أخواتها ) , أو أن يعود لويس الثامن عشر إلى الحكم .. لقد بدأ العد التنازلي للإسلاميين , إن انتصارهم هو الخطوة الأولى في هزيمتهم الماحقة , في اندثار أساطيرهم و سقوط أصنامهم , النهائي .. سيصبحون دولة إقليمية مهمة , و سيعيدون بذلك سيرة "خصمهم" المزعوم و شبيههم الأقرب : الخميني , سيصعدون شيئا فشيئا , و يحققون ما يعتقدون أنه يوتوبياهم , حتى أنهم قد يحققون بعض "النجاحات" في التخلص من فساد الأنظمة السابقة و يمارسون "العدالة الاجتماعية" و حكم "قانونهم" على طريقتهم , و سيصبحون قوة إقليمية , و ربما عالمية من الوزن المتوسط , كما هي إيران اليوم , أو كوريا الشمالية , لكن كلما صعد نجمهم سيكون يوم انهيارهم أقرب .. و سيعتقد كثيرون أنهم يقتربون بالفعل من يوتوبيا "دولة الخلافة" التي تربط عادة بسير حكامها الأوائل , لكن محمد سيؤدي إلى عمر الذي يؤدي لا محالة إلى معاوية فيزيد فالسفاح فالمأمون و المتوكل , و أخيرا المستعصم بالله , هذا هو قانون السلطة الذي اكتشفه ابن خلدون , و الذي لا تحيد عنه أية سلطة ... بل وسيكون عندهم أيضا "تروتسكيهم" , الجولاني ربما , الذي سيحاولون أن يشيروا إليه كلما ازداد نظامهم ظلمة و انحطاطا , و يستعيدون ذكراه بسرية و صمت , نادمين على اختيارهم البغدادي أو شخصا ما , لكن الناس الذين طالما أيدوهم أو صمتوا عنهم لن يستمعوا إليهم يومها .. لا توجد قوانين في هذا العالم على الأغلب , إننا نخلق اليوم غدنا , لكننا عندما نفعل بالضبط ما فعله آباؤنا , أو ما فعله الآخرون , فسنحصل غالبا على نفس النتائج .. يمكننا دائما أن نحطم القوانين , بأن نتصرف على نحو مختلف , أن نجرب , بجرأة , نركب المجهول , و نحاول , لكن هذا يتطلب شجاعة استثنائية يبدو أننا لا نملكها , جميعا , إلا قلة قليلة من الناس الذين أصبحوا اليوم تحت التراب أو تابوا توبة نصوح , أو ربما ما زالوا يحاولون , بطريقة من الطرق .. بإمكان أولئك الذين تخلصوا جزئيا , أو يتوهمون أنهم تخلصوا , من عبء كل ما هو قمعي و سلطوي عليهم , أن يعيشوا "نضالاتهم" , أن يحاولوا أن يفكروا , بطرق جديدة , دائمة الجدة , "مبتكرة" , "مجنونة" , "هرطقية" , "كافرة" , الخ , و أن يحاولوا أن يعيشوا حياتهم كما يحلو لهم , هذا على ما يبدو هو العزاء الوحيد "للثوار" , التحرريين منهم خاصة , في هذا العالم , و ربما إذا حافظنا على تلك الشعلة ( أو تلك الجذوة من الرماد الأحمر ) متقدة , تلك التي غيرت اسمها كثيرا و ما تغير إيمانها بالحرية و مناهضة كل سلطة و قمع , التي سماها خصومها أخيرا فوضوية أو أناركية منذ منتصف القرن التاسع عشر , ربما أمكن للبشر يوما أن يقرروا بمحض اختيارهم أن يعيشوا أحرارا و متساوين على هذه الأرض
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟