مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 4563 - 2014 / 9 / 3 - 23:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أيها الخليفة , أولا أدين لك ببعض الاعترافات الصغيرة , أولها أني لو كنت أتقن صناعة القنابل , أو لو كان من الممكن أن نقف وجها لوجه , لكان يفترض أن تكون رسالتي إليك مختلفة , و أن أقوم بتوصليها إليك مباشرة .. لكني مضطر هنا لأن أستعيض عن تلك الوسائل الحوارية التي تشكل الأصل في العلاقة بيننا بهذه الرسالة , الآن على الأقل .. هناك حقيقة هي أننا نشبه بعضنا بعض الشيء أيها البغدادي , نشبه بعضنا لدرجة أن تناقضنا لا حل له إلا بالموت .. طالما كان الفاشيون و الأناركيون أعداءا ألداء , خصوما لا سبيل لحل خصومتهم إلا بموت أحدهم .. هكذا نحن يا بغدادي .. أنا أيضا قد أقتل مثلك لأسباب تافهة , أو أني مستعد للقتل لأسباب تافهة , لكني لا أحتاج أي إله لكي أختبئ خلفه .. سأشرح لك : بالنسبة لك كل شيء مباح , أنا أيضا أرى هذا , لكن هناك فرق ما بيننا , فبالنسبة لك , و لكل السلطويين , كل شيء مباح في سبيل السلطة , بالنسبة لي كل شيء مباح في سبيل الحرية .. هناك مفاجأة أخرى ايها الخليفة , هي أنك كافر , مثلي , أنت فقط تخشى أن تجاهر بكفرك , أن تعترف بكفرك , فتخفيه حتى عن نفسك , خلف إله ما .. أنت تعرف أنه غير موجود , أكثر مني ربما , لو كنت تثق بشيء من الكلام الذي تقوله عنه , لما ترددت لحظة في أن تكون أول "الاستشهاديين" , هذا على الأقل , لو كنت تثق بكلمة مما تردده عن "الجنة" و "النار" , عن عالم البرزخ و عن التراجيديا المرعبة التي تخيلها نبيك و حاول إخافتنا بها أو أراد أن يصف بها مأساتنا ليجعل منها مجرد كذبة , لكنك تعرف جيدا , سواء صارحت نفسك بذلك أم لا , أنه لا حوريات هناك , و لا أنهار لبن أو عسل , و أيضا لا جحيم , و أن كل ما تفعله هو من أجل ذهب هذه الدنيا , هذه الأرض , و من أجل لبنها و عسلها و حورياتها , أنت تعرف هذا جيدا , كل أفعالك تؤكد ذلك , كلها يا بغدادي .. حتى الصبية الذين يموتون , ينتحرون , بناءا على أوامرك , لا يفعلون ذلك لأنهم يصدقون ما تعدهم , لهم أسبابهم الأخرى , الوجيهة جدا , حورياتك ليست السبب , إنهم ليسوا بهذا الغباء , معظمهم على الأقل ... كلانا يعرف أنه تحت تلك العمامة السوداء يوجد شيطان صغير , و لهذا أحب ما تفعله أحيانا يا بغدادي , مشكلتي معك أنك شيطان يحاول أن يمثل دور الملاك , أو بالأصح : ملاك غبي يحاول أن يمثل دور الشيطان .. أنا و الشيطان أصدقاء قدامى , البشر و الشياطين أصدقاء قدامى , الغريب هنا يا بغدادي , أننا لن نعرف من يلعن من ؟ هل إلهك هو الذي يلعن الشيطان , أم أن الشيطان هو لعنة كل الآلهة , و هكذا نحن أيضا أيها البغدادي , ملعونون , لكننا في نفس الوقت , لعنة كل الآلهة و السادة ..... يجب أن أعترف : أحب ما هو كفر فيك , كل أفعالك الكافرة الجاحدة بالآلهة و السادة و الأنبياء و الأخلاق و القوانين الخ الخ , لكني أمقت لدرجة الغثيان إيمانك الساذج الغبي بحاجتك لرب ما كي تمارس طقوس عبادة الشيطان داخلك , و الأهم من هذا , أكره لدرجة الرغبة في القتل , ذلك الإله الغبي الذي تتقمصه كسيد جديد فوق هذه العباد , كخصي جديد يسود على بعض الخصيان , كأعمى يزعم أنه يرى الطريق أو النور ليرشد إليها بعض العميان .. أيها الخليفة , أريد أن أسر لك بسر ليس بالخطير , هو أنك لا تعرف القراءة , لا تجيد القراءة , لكني مع ذلك سأواصل سرد الحكاية .. لا أريد أن تفوتك المتعة , حتى لو كنت لا تجيد القراءة , فدورك فيها أكبر و أخطر بما لا يقاس من أدوارنا , نعم يا بغدادي , أنت البطل اليوم , بطل الحكاية , فاستمع .. أيها البغدادي , بفضلك أنت , يقترب يوم جد خطير , بفضلك أنت , يقترب ذلك اليوم الذي ستهدم فيه الكعبة و يحرق القرآن و تدمر فيه المساجد في كل "ديار الإسلام" , و تصور أيها الخليفة , تصور فقط من سيفعل كل ذلك : إنهم فقراء المسلمين أنفسهم , ربما أولادك أيضا سيكونون بينهم ... أعدادا لا حصر لها من بشر ولدوا مسلمين , فقراء , مضطهدين , مقهورين , عبيد , كانوا حتى اليوم يؤمنون بإلهك و بنبيك و صحابته و أمهات المؤمنين , كانوا حتى اليوم , حتى جئت يا بغدادي , راضين بقدرهم و خاضعين لسادتهم مستسلمين لمصيرهم , حتى جئت لتنير لهم طريقهم فعلا , لتعطيهم أبلغ الدروس في حقيقة السلطة و حقيقة الإسلام , لتكشف لهم عن حقيقة عبوديتهم و تضعهم أمام السؤال الأزلي , كيف يحرروا أنفسهم , كيف يصبحوا أحرارا .. أنت يا بغدادي من يجعل ذلك اليوم أقرب مما تظن و نظن و يظنه الجميع .. الموت البطيء الذي تحكم به أنظمة الاستغلال و الاضطهاد "الناعمة" , التي تختبئ خلف أقنعة "جميلة" أو أقل قبحا , و آليات تدجين و إخضاع أكثر تعقيدا , تجعل من الصعب على الفقراء أن يتملصوا من شباكها التي توقع بهم , تفترسهم منذ ولادتهم , حتى لحظاتهم الأخيرة على هذه الأرض .. أنت و أمثالك يا بغدادي , تمزقون تلك الأقنعة , و بدلا من الموت البطيء بالملل و الإحساس بالتفاهة و عبثية الحياة أو الصراع المضني الفارغ فيها و ارتفاع الضغط و السكر و غير ذلك من أمراض القهر و الاستبداد , الذي يستسلم له غالبية الفقراء و المضطهدين بصمت و خنوع , تأتي أنت بسيفك و سواطير زبانيتك لتفهم الناس حقيقة كل شيء , حقيقة ما تعنيه العبودية , و معنى الحرية , و أيضا معنى الحياة , لتضعهم أمام أصعب و أهم درس في حياتهم : إذا أرادوا أن يعيشوا بشرا , أو فقط أن يرفعوا رؤوسهم , لا بديل عن الخلاص منك و من زبانيتك , من كل السادة و الآلهة .. أيها البغدادي , صحيح أنك لا تعرف القراءة , لكن استمع , فأنا سأواصل حكايتي .. في ذلك اليوم سيقوم فقراء مسيحيون بحرق الفاتيكان , و فقراء روس بحرق الكرملين , و فقراء أميركان بيض و سود و صفر بحرق البيت الأبيض , سيحرق بريطانيون و إيرلنديون و هنود و بنغال مقر البرلمان البريطاني , قصر الإليزيه , كل الكنائس و المساجد و الكنس و المعابد في العالم , مقرات الأحزاب الحاكمة و المعارضة , البرلمانات , و تماثيل كل السادة الذي كانوا و الذين ما زالوا , تماثيل كل الأبطال القوميين , و كبار الفاتحين عبر التاريخ , كل الدساتير , و القوانين , كل الكتب المقدسة , تصور أيها البغدادي , كل شيء ساهم أو يساهم في تبرير اضطهاد الإنسان للإنسان , في استعباد الإنسان للإنسان , سيزول عن وجه الأرض , سيحرق , يحطم , و يلقى بعيدا , ثم ينسى , في يوم واحد , في ساعة واحدة , على يد بشر كانوا حتى ذلك اليوم أفقر و أتعس الكائنات التي عاشت و تعيش على هذه الأرض .. أتعرف ايها الخليفة , الذي لا يجيد القراءة , أن نبيك مات و هو يبول في ثيابه الداخلية خوفا من يأجوج و مأجوج , الحجاج أيضا مات ممسوسا , أتعرف ايها البغدادي من هم يأجوج و مأجوج ؟ من هؤلاء القوم الذين مات أسلافك و هم يعيشون كابوس هجومهم الأخير الكاسح على كل شيء ؟ أيها الخليفة , إن ألد أعداء أي نظام , أي سيد , ليسوا خصومه في الخارج , مهما بلغت قوتهم , إن ألد أعداء أي سلطة , و أي سلطان , هم رعايا ذلك السيد , و عبيده .. كل من كان مريضا بالسلطة , كنبيك , و كل من مارسها , كخلفاء نبيك و جلاديهم , يعرفون هذا جيدا .. في اللحظة التي يتوقف فيها العبيد عن تصديق الخرافات التي رددها محمد , و شيوخه من بعده , و ترددها أنت اليوم , على مسامع العبيد , في اليوم الذي يرفضون فيه عبوديتهم , يتمردون , ينتفضون , ليعيشوا أحرارا دون سيد , سيختفي محمدك , و ستختفي أنت معه , و معكم سائر السادة , دون أي أثر .. كان محمد و الحجاج يعرفان ذلك جيدا , تلك المعرفة و ذلك الرعب جزء لا يتجزأ من متلازمة السلطة الغاشمة , من مرض السادة الفتاك القاتل الذي لا دواء له يا بغدادي .. فإياك أن تتردد , أن ترتعش يدك و أنت تقطع رؤوس الخارجين عليك , ستصبح مسخرتهم و سيصبحون جميعا شعيطات ( اسم قبيلة تمردت على داعش فقامت داعش باستئصال شبه كامل لتلك القبيلة ) .. تلك الوجوه المتعبة التي تراها في كل مكان , أينما نظرت , تلك الهمهمات غير المفهومة , تلك النظرات الغامضة , عبيدك أيها الخليفة هم العدو , هم الخطر , هم من سيقضي عليك , أو على خلفائك ذات يوم , لعله قريب , هم من سيهدم كل ما تقدس , كعبتك و قصورك و سجونك و قصور حراسك , سيسحقون صولجانك , و سيقطعون رأسك , أو رأس خليفتك , ليجعلوا منه لعبة لأطفالهم , فإياك أن تغمض عينيك يا بغدادي , احذر يا بغدادي , فالعدو يقاسمك بيتك , إنه حتى في غرفة نومك , و في أحلامك أو كوابيسك : يأجوج و ماجوج على باب دارك فكيف تنام أيها الخليفة .. لا تأخذك لومة لائم في إلهك , أنت الإسلام الحقيقي يا بغدادي , أنت حقيقته يا بغدادي , الآخرون يحرفون ما قاله محمد ليصبح قابلا للحياة , و ليجعلوا منه مجرد خادم في بلاط ملك ما , أنت وحدك الذي تريد أن تخدم إله محمد فعلا , صحيح أنك تحوله شيئا فشيئا إلى خادم في بلاطك أنت , لكنك اليوم أصدق الجميع , أصدق منهم جميعا , و أنا أشهد لك بذلك , أنت الإسلام أيها البغدادي , كما جاء به محمد , أنت جنون القتل الذي تملك محمد عندما أنكره الجميع , أنت الوحش الذي استحوذ على محمد , الوحش المهووس بالسلطة , الذي لا يشبع , فيقتل و يسرق و يسبي و يستمر بالقتل , حتى يقتل , فاسمع يا بغدادي , اقتل و لا تتردد , و اقتل و اقتل .. افعل كما فعل ستالين و نيرون و هتلر و بوش و كثيرون قبلك , ستالين هو الذي كشف للفقراء حقيقة الماركسية , حقيقة الهراء السلطوي الذي دبجه ماركس , و هتلر كان الذي عرى بمذبحته الكبرى حقيقة عقلانية الحداثة البرجوازية , و جاء بعده بوش الأب ثم الابن ليكشفا بكل وضوح حقيقة انتصار النيوليبرالية و حقيقة سوقها و اقتصادها الخ الخ , أنتم تكشفون الوجه الحقيقي للسلطة , تمزقون تلك الأقنعة التي تغيرها السلطة دون أن تتغير هي أبدا : منظومة استعباد إنسان لإنسان , لاستلاب الإنسان الفرد , بعيدا عن نفسه , و مسخه إلى برغي في ماكينة قهره و اضطهاده .. ليست المشكلة في إسلامك تحديدا , أو في الستالينية يا بغدادي , أو في الفاشية , أو الليبرالية أو النيوليبرالية الخ الخ , هي كلها خرافات , أقنعة , تخفي الكذبة الكبرى , الكذبة الأكبر : السلطة و الملكية الخاصة , لكن الأكيد لأنه لا حرية مع أكاذيبك و أكاذيب غيرك , لا عدالة و لا مساواة , و لا وجود للإنسان أصلا .. بفضلك يا بغدادي يقترب ذلك اليوم , الذي ستنجلي فيه حقيقتكم جميعا , للمضطهدين , بأفضل مما يمكن لملايين المقالات أن تفعل , إنك , كما فعل ستالين و هتلر من قبلك , تعلم الفقراء معنى الحياة : إما أن تنهض و تقاتل دفاعا عن حياتك أو تحيا عبدا , كالموتى , أو أسوأ من الموتى ... و لأنك لا تجيد القراءة أيها الخليفة , فإنك ستقتل و تقتل , و ستمجد إلهك و نبيك و صحابته و زوجاته و عترته على جماجم الفقراء , حافرا بذلك قبرك و قبرهم جميعا .. مع كل نقطة دم يسفكها حراسك و جلاديك أيها الخليفة يقترب ذلك اليوم , الذي ستنتهي أنت فيه و معك كل اضطهاد و قمع و خرافة و قهر من على هذه الأرض , مع كل صفعة للفقراء , مع كل شعور بالألم , مع كل لحظة ذل , يقترب ذلك اليوم .. هذه المرة لن نفعل كما فعل القرامطة الأوائل , لن نهدم كعبة لنبني أخرى , أو كما فعل لوثر و كالفن , لن نهدم الفاتيكان لنبني فاتيكانا آخر , لن نستبدل خرافة بخرافة , سيدا بسيد آخر , كذبة بكذبة , كلا أيها البغدادي , هذه المرة سنهدم معكم كل شيء ينتمي للقهر و الاضطهاد من حياتنا , من عالمنا , مرة واحدة و إلى الأبد .. أنت لا تفهم .. لا تحاول أن تفهم أيها البغدادي , اتل قرآنك و امض في طريقك , لا تنتظر , علينا أيضا ألا ننتظر , علينا أيضا أن نبدأ , أن نتعلم من دروسك الثمينة , مع بقية العبيد , أن نستعد لذلك اليوم الأخير في حياة القهر و الخرافة على هذه الأرض .. علينا أن نتعلم صنع القنابل , كيف نحرق كل شيء .. امض يا بغدادي , أمامك و أمامنا الكثير
مازن كم الماز
أناركي
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟