مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 4512 - 2014 / 7 / 14 - 15:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مأزق الثورة السورية , و الثورات العربية
إننا في ورطة , صحيح أن الثورة كثورة , كما بدأت في آذار 2011 أو حتى كما كانت في بدايات حملها للسلاح , قد توقفت , هذا في أفضل الأحوال , لكن هناك في سوريا صراع سياسي و عسكري أحد طرفيه النظام الذي ثار السوريون في وجهه , صحيح أن الطرف الآخر لم يعد الجماهير السورية التي خرجت مطالبة بحريتها , لكن مع ذلك لا يمكن أبدا السماح بانتصار الديكتاتورية في هذا الصراع .. احتمال مثل هذا الانتصار يذكرنا على الفور بإسبانيا فرانكو بعد سحقه للقوات الجمهورية ( التي كانت قد سحقت هي نفسها الثورة الإسبانية من قبل , ما يشبه بعض الشيء ما جرى في سوريا أيضا ) .. ليس فقط أن إسبانيا فرانكو كانت نظاما توليتاريا شموليا , يقوم على الصمت و الخوف , بل أنها كانت نظاما سحق للتو مقاومة جيل بأكمله , و ربما أجيال قادمة , و أصبح منيعا لفترة طويلة على أي تغيير من خارجه .. أيضا لا يمكن السماح بانتصار القوى الأصولية , التي ستخلق هي الأخرى وحشا توليتاريا شموليا , يذكرنا ببدايات النظام الفاشي البعثي .. كيف وصلنا هنا ؟ لقد جرت تدريجيا عملية إعادة صياغة للصراع السياسي العسكري في سوريا بحيث استبعدت الجماهير السورية منه و بحيث جرى دمجه مع صراعات عالمية و إقليمية على السلطة و الثروة و النفوذ .. و بينما أجبرت الجماهير على دفع ثمن باهظ لوقوفها في وجه الديكتاتور , جرى شراء النخب و إعادة تشكيلها , بفعل قوى خارجية و داخلية أي من داخلها , وفق هرمية خاصة وضعت الأكثر ابتذالا و الأكثر عمالة للنظام العالمي الجديد ( النظام الرأسمالي النيوليبرالي العالمي و الإقليمي ) على رأسها .. لا يكفي هنا تجريم و اتهام كل من ساهم بهذه العملية على أهمية ذلك , إننا أمام واقع يجب تغييره لا الاكتفاء بنقده.. يجب هنا أن أشير إلى نقاط التشابه الفعلية بين حكم مطلق أصولي و بين استمرار الحكم المطلق لبشار الاسد كنتيجة للدمار الذي لحق بسوريا , و الأهم ربما , باستعداد جماهيرها على المقاومة : في كلتا الحالتين سنكون ليس فقط أمام نظام شمولي بل أمام نظام شمولي "مستقر" إلى حد بعيد , دون أية مقاومة جدية ضده من الجماهير , و وسط استسلام ( كيلا نقول رضا ) شعبي واسع نسبيا لهيمنته .. يذكرني ذلك بتحليل كورنيليوس كاستورياديس عن الاتحاد السوفيتي في أوائل الثمانينيات عندما رأى أن الطبقة الحاكمة هناك لم تعد البيروقراطية الحزبية الدولتية , رأى ذلك الاشتراكي التحرري اليوناني - الفرنسي يومها أن الاتحاد السوفيتي كان قد أصبح ستراتوكراسي * أي حكومة قادة عسكريين , أن الطبقة الحاكمة يومها في الاتحاد السوفيتي قد أصبحت النخبة العسكرية التوسعية في الخارج , و أنها أيضا ليست ديكتاتورية عسكرية بالمعنى الكلاسيكي , لأن الديكتاتورية تمارس على الضد من القوانين و الدساتير السائدة , أما الحكومة العسكرية فهي تمارس بحماية مباشرة من تلك القوانين و الدساتير و في كثير من الأحيان ب"رضا" شعبي أيضا ( في ميانمار تخصص القوانين السائدة ربع مقاعد البرلمان للعسكر و القوانين المرعية في تركيا تحتفظ للمؤسسة العسكرية بدور قيادي فوق بقية مؤسسات الدولة التركية حتى المنتخبة منها ) .. هنا تندمج الدولة و الجيش معا , و يتولى معظم المناصب المدنية العليا ضباط حاليون أو سابقون .. إني أعتقد أن هذا هو أفضل وصف للنظام الاسدي , أو الناصري أو الصدامي , ( و ربما السوفيتي أيضا على رأي كاستورياديس ) و أن هذا هو سر صمود النظام الاسدي في وجه الثورة الشعبية ضده .. لقد جرى التركيز على الصفة العائلية المافيوية للنظام الاسدي , لكن هذه الصفة لم تكن لتفسر صموده كل هذا الوقت أمام ثورة و تضحيات على المستوى الذي قدمه السوريون .. منذ أيام اللجنة العسكرية و صعود صلاح جديد , كان النظام السوري قد تحول بالفعل إلى نظام عسكري , و رغم الفردية المطلقة لحكم الأسد الأب لكنه مع ذلك حرص على استمرار الدمج بين السلطة و الجيش , و إلى جانب التمجيد الشخصي للزعيم الخالد في الخطاب الإعلامي للنظام بقي تمجيد الجيش و قيم الحياة العسكرية جزءا اساسيا من هذا الخطاب , الجزء الأكثر نجاعة اليوم ربما .. نفس الشيء وقع أيضا في مصر , رغم استقلال عبد الناصر النسبي بمؤسسة الرئاسة حرص الرجل على المحافظة على العلاقة المحورية بين الجيش و السلطة , حتى بعد صراعه قصير الأمد مع عبد الحكيم عامر حرص على استمرار تلك العلاقة بصيغتها الندية و لم يعمل على إخضاع النخبة العسكرية له بالكامل كما قد يعتقد , و مع صعود السادات و مبارك استمرت هذه العلاقة التي ميزت النظام و حددت القوة الاجتماعية المهيمنة فيه , و كان حكم المجلس العسكري ثم صعود السيسي تكريسا لنفس النهج , لنفس النظام , لا انقلابا عليه .. و قد يصح نفس التحليل على الجزائر و اليمن و دول أخرى شبيهة .. و حتى حيث جرى توريث السلطة بنجاح داخل العائلة الحاكمة ككوريا الشمالية بقي ابن الزعيم أو حفيده مجرد رمز أو تجسيد شخصي للسلطة او للطبقة الحاكمة يجب تقديسه أو احترامه , لكن السلطة الفعلية بقيت بيد النخبة العسكرية .. على الطرف المقابل , انتهت أحوال الثورة السورية لتنتج نظاما مشابها تماما لذلك النظام العسكري .. إن العارف بأحوال المعارضة السورية المسلحة , الإسلامية منها خاصة , سيعرف فورا أننا أمام صورة بالكربون , أو بالنيجاتيف , عن تلك السلطة العسكرية , و أيضا أمام خطاب إيديولوجي يعاكس خطاب النظام الاسدي بالاتجاه لكنه يشبهه تماما بكل صفاته إن لم يكن يطابقه .. هذا يضعنا أمام عدة مخارج محتملة اليوم للوضع في سوريا , أغلبها أو كلها مريع : استمرار الوضع القائم , لسنين , الأمر الذي سيترافق بتآكل أكبر في قدرة الجماهير السورية على المقاومة و النضال المستقلين و تركيز أكبر للقوى بيد حفنة من القادة العسكريين , أو انتصار النظام الذي سيعني تأسيس عبودية قد تكون أسوأ من عبودية القرون الوسطى , عبودية ستستمر لجيل أو جيلين على الأقل دون أية مقاومة جدية ربما , أو انتصار المعارضة المسلحة و تشكيلها لنظام عسكري بإيديولوجيا جديدة يعيدنا في الواقع إلى المربع صفر و لن تخرج دولة داعش المفترضة عن شكل حكم النخبة العسكرية الشعبوي هذا , أو حلول وسط مفروضة خارجيا أو بفعل التوازن بين الطرفين ستلعب فيها النخب دورا هامشيا و ستبقى القوى العسكرية هي الفاعلة فيها , أو استمرار حالة التقسيم الراهنة بشكل رسمي أو ضمني , مع صراعات في المناطق "المحررة" على السلطة و النفط , حيث سيعاد تقسيمها مرة تلو أخرى , و أيضا تدميرها مرة تلو أخرى .. لا أعتقد أن الجماهير السورية تمتلك الكثير من الإمكانيات اليوم لتفرض حلولها أو لتوسع حصتها من الثروة و السلطة , أرجو من كل قلبي أن أكون مخطئا , لكن الأوهام لا مكان لها في التاريخ , رغم أهميتها لصنع أمجاد شخصية أو لإثبات "علمية" فرضية ما .. أعتقد أن الصراع اليوم , من زاوية الجماهير , سيتركز على معنى و جدوى المقاومة أساسا , و على ابتكار أساليب مقاومة أقل عنفا ضد النظام القائم , و بدائله السلطوية , باختصار , على بقاء و تطوير ثقافة المقاومة .. إن احد أهم تكتيكات الجماهير لمقاومة تلك الأنظمة الشمولية أو المرعبة , في أوقات سيادة الصمت و الخوف و "الرضا" العام , هو التخريب .. تمارس الجماهير , الكادحين , عمليا تخريب الجهد الاقتصادي و غيره للأنظمة القائمة , عدا حفنة قليلة جدا من الأغبياء لحسن الحظ ممن يصدقون ما يقوله إعلام تلك الأنظمة .. لكن النقلة المهمة هو في جعل أعمال المقاومة تلك مستمرة , منتظمة , و واعية .. أن يدرك الكادح أنه لا يتغيب و لا يتهرب من العمل فقط لأنه لا يتقاضى ما يكفي أو ما يغطي حاجياته , إنه أكثر من ذلك بكثير , إنه يقاوم هذه السلطة , و يريد إضعافها و يحلم بانهيارها في نهاية المطاف .. إذا كانت أفعال المقاومة الجماعية صعبة جدا أو مستحيلة في معظم الوقت في ظل هكذا أنظمة فيجب تطوير أفعال المقاومة الفردية و تحويلها إلى أفعال منظمة , منهجية , و واعية .. كما يجب ربما أيضا العمل على تطوير الدعاية و التحريض التحرريين , كفانا من البدائل السلطوية و الشمولية , كفانا من الخطابات النخبوية التي تمجد السلطة و تتحدث عن ضرورة قمع الجماهير و خضوعها و تحقر الجماهير و عفويتها ثم تلهث وراءها في الأزمنة الثورية محاولة لجمها و لي عنقها , مفضلة أخيرا اية حلول سلطوية على "فوضى" حكم الجماهير نفسها بنفسها ... و قد يكون على التحرريين أنفسهم , أو على القطاع الأكثر ثورية من الجماهير , أن يجب على أسئلة مهمة هنا , مثلا عن دور الدعاية من خلال الأفعال و الحاجة إلى نقابات تحررية الخ ..
* Stratocracy
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟