أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حكاية معتقل ومحاكمة حلم














المزيد.....

حكاية معتقل ومحاكمة حلم


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4816 - 2015 / 5 / 24 - 15:47
المحور: الادب والفن
    


حكاية معتقل ومحاكمة حلم

اثناء الحرب العراقية الايرانية استبد طغيان السلطة بشكل رهيب وانعكس ذلك ايضا على مراقبة جميع الكليات وتصرفات الطلبة حتى في ادق التفاصيل اليومية البسيطة.. فكان ثمة خوف وارباك اضافي يؤرق راحة الكثيرين من الطلبة المحاصرين من قبل جواسيس النظام ووشاتهم وكاتبي التقارير وحاملي المسجلات الصوتية السرية التي كانت تخفى في جيوب الطلبة المرتزقة. وحتى الحوارات اليومية العابرة كانت تصل اغلبها الى اللجان الامنية في الكليات.
وكان الكثير من الطلبة يتم اعتقالهم على اثر نكته او نقاش او كلمة نقد. فيغيب البعض لاسابيع او لاشهر ثم يعودون مرعوبين الى مقاعد الدراسة مرة اخرى ولكن البعض من الطلبة يذهب دون عودة فيختفي في اقبية وسجون السلطة دون اثر يذكر. وهذا ماحدث لزميل كان معي في اكاديمية الفنون الجميلة وهو كان من ضمن زملاء اخرين سبق وان تعرضوا الى محنة الاعتقال.
وعادة مايأتي رجل مخابراتي سري الى الكلية وهو يرتدي ملابس مدنية فيستأذن الاستاذ المحاضر باخذ الطالب المعني من القاعة الدراسية على أمل ان يرجع في اقرب فرصة ممكنة.
بقي الزميل في مديرية الامن العامة مابين التحقيق والتعذيب الجسدي والنفسي اليومي المتواصل لمدة ثلاثة اشهر. وكانت تهمة الطالب الموجهة ضده .. هي بسبب فكرة طرأت على باله ذات يوم ولايعرف كيف وصلت تلك الفكرة الى السلطة حين اغراه مجرد حلم بالهروب خارج حدود جحيم العراق ومحرقة الحرب .. وكانت عقوبة التفكير بمثل هذا المشروع هي قاسية وقد تصل للاعدام احياناً.. فلا يحق للانسان في العراق ان يفكر خارج وصايا السلطة.
وفي احد الايام قاد الشرطي ..الطالب المتهم الى غرفة التحقيق مرة اخرى وكان شيء يدعو للتساؤل والغرابة لدى السجين لان هذا اليوم لم يستدعى لغرف التعذيب ولم ياخذ حصته اليومية من الركلات والكيّ الكهربائي. ثم دفع الشرطي بالمعتقل داخل غرفة التحقيق وكان في غرفة ضابط التحقيق يوجد ضابطين ايضا كانا يجلسان على اريكة مريحة، ثم أشار ضابط التحقيق على المتهم ان ينظر الى طاولة صغيرة كانت تقع
في منتصف الغرفة وقد نصبت فوقها ثلاثة زجاجات لمشروبات غازية بيبسي كولا.. وكوكا كولا ثم فنينة صغيرة من عصير شراب تراوبي والذي كان مشهورا في الاسواق العراقية . بعدها أمر الضابط ولوح للسجين ان يختار اي فنينة فهنالك حرية كاملة في ديمقراطية الخوزقة. انهار المعتقل باكيا ومرعوبا حين سمع بالخوزقة ثم توسل: ارجوك ياسيدي اعفني من هذا العذاب فتلك اقسى اهانة واسوء انتهاك لكرامة الانسان في وطنه!!!
-لاتضيع الوقت هذا قرار وهو من ضمن اخر عقوبة لك بعدها تغادر المعتقل: اجابه الضابط بحزم بينما الضابطين الاخرين كانا يحبسان ضحكة في دواخلهم. وبعد أن يأس السجين من توسلاته اجاب بصوت ذليل ساختار قنينة التراوبي اذن!!
-حسنا لك ماتريد ولكن لماذا قنينة التراوبي بالذات دون سواها من القناني: سأله الضابط؟؟
-لانها قنينة صغير والمها سيكون اخف على الاقل: اجاب المتهم بصوت ذليل ومحبط. انفجر الضباط بضحك جنوني.. عج بثنايا الغرفة.. فادرك المتهم فيما بعد انهم كانوا يسخرون فقط من تعذيبه الوهمي ومعرفة رد فعله باستفزاز كرامته وطعن انسانيته.
بعدها أمر الضابط واخبر الشرطي ان ياخذ السجين لتنفبذ اخر عقوبة ثم دفع الشرطي بالمعتقل الى قاعة كانت تكتظ بعشرات البساطيل العسكرية التي تكاد ان تمس سقف القاعة وصاح بالمتهم : مبروك باابن القحبة سوف تنال حريتك قريبا ولكن لبس بعد ان تنهي تنظيف وتلميع وترتيب جميع البساطيل والاحذية بشكل جيد وبدون ان ترفع راسك او تستريح ولو للحظة واحدة.
اخذت تلك المهمة الاخيرة من السجين مايقارب يوم ونصف من العمل المستمر.
وانبهر الشرطي من مهارة السجين وسرعته في تنظيف البساطيل وقال له ساخراً هل ادركت الان مدى نفع السجن لك .. سوف تخرج اليوم ولديك خبرة ممتازة بمسح الاحذية انصحك بان تفتح محل اسكافي ترتزق منه خير لك من دراسة الفن.
وفي الساعة الاخيرة دخل المتهم الى غرفة الضابط ووقع على تعهد واعتذار وتوبة من عدم التفكير مرة اخرى خارج سياق نظام السلطة ثم غادر مديرية الامن العامة.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث حكايات قصيرة عن الحرب
- حكاية اخرى من يوميات جندي معاقب
- فلورينا المقعدة وكلبتها -بالا-
- الحارس واسرار الليل
- الدهشة الاولى
- السرقات النبيلة
- حفلة في غابة
- الغراب وشجرة الصمغ الاحمر
- تجليات الفانوس
- يوميات الارصفة والمقاهي
- حكايات البخلاء
- قراءة الكاتب رضا الاعرجي حول تجاربي الفنية
- ليس للمقامر مايخسره
- جار وحديقة
- مكالمات هاتفية عابرة في هذا الصباح
- مابيني وبينك كان أكثر من عناق
- ليس للمزاميرِ مواسمُ للرقصِ
- تأملات في أبجديات الحرف والطين واللون
- مرثية الرماد والرصيف
- قارب الموت


المزيد.....




- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حكاية معتقل ومحاكمة حلم