أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - ثلاث حكايات قصيرة عن الحرب














المزيد.....

ثلاث حكايات قصيرة عن الحرب


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4795 - 2015 / 5 / 3 - 22:23
المحور: الادب والفن
    


ثلاث حكايات قصيرة عن الحرب
سعد محمد موسى
مازلت انثيالات الذاكرة البعيدة تعيد بيّ صدى قصة مثيرة رواها لي احد الاصدقاء في مقهى "القهوة المرة " قبل خمسة وعشرين عاماً في الناصرية فأسميتها
.. الوردة والحرب
وحين سكتت المدافع قليلا في جبهة الحرب العراقية الايرانية، وكأنها هدنة قصيرة اعتاد ان يتبادلها الجنود الاعداء احياناً للاستراحة من الحرب الطويلة.
غادر الجنديان الخندق المظلم والضيق وسارا في ارض المملحة .. استوقفت الجندي الشاعر وردة وحيدة وتائهة قرب خوذة جندي ثقبها الرصاص .. بينما الجندي الاخر لم يثيره المشهد فسار مبتعداً حتى داس على لغم كان مدفون تحت الارض فتشظى جسده في فضاء الفجيعة .. بينما رفيقه انقذته الوردة.
...
نبؤة في حانة..
في حانة القيثارة كنت اشعر بحميمية تربطني مع هذا المكان وكنت اتردد عليها احيانا وافضلها على بقية الحانات الاخرى في شارع ابو نؤاس وكانت حانة القيثارة تشبه سرداب او كهف منحوت في جوف جبل وكأن المكان فيه معزولا عن العالم الخارجي . وكنا نهبط للحانة بسلالم تقودنا الى باحة تتردد في ثناياها اضواء حذرة وسط التعتيم الذي فرض على المدينة لاسيما بعد العد التنازلي لبدء حرب الخليج الاولى وسط ايام كان يشوبها القلق
والترقب وساعة الصفر قبل الهجوم الجوي المرتقب للحلفاء في اية لحظة.
بينما رفيق الحانة كان يتمعن بكاس العرق فوق الطاولة بوجه تعلوه غمامة من الاسى في تلك الليلة بالذات اكثر مما اعتدت ان اراها في جلساتنا السابقة.. ولكن بعد صمت اباح لي بكلمات مازالت صداها عالقة بذاكرتي.
اشعر بان هذا هو اخر لقاء واخر جلسة تجمعنا معاً ياصديقي: اخبرني بذلك بصوت واهن.
ثم اردف قائلاً ستنجو ياصاحبي من جحيم الحرب القادمة ومن استبداد الطاغية وستغادر اسوار الوطن الى منافي كثيرة وسوف تقضي بقية عمرك في احدى منافيك الامنة التي تكون وطنك الاخير.
كنت اصغي اليه وكأنه درويشا تنساب هلوساته من اعماق الغيب.
ثم اطال النظر في ملامح وجهي وكأنه يبحث عن خطوط المدارات وعن مفاتيح القدر . ثم أشار الى نفسه متنهداً: اما انا ياصاحبي فاني ارى نهايتي تكون في حانة او فوق رصيف في بغداد وحيدا بعد ان يغادرني الاصدقاء واكون شاهداً على احتراق العاصمة المغدورة حين تستحيل الى ركام واطلال تؤمها اشباح مفزوعة وجائعة تبحث عن ملاذ . اطلق حسرة حبيسة من صدره وسالت دمعة فوق تضاريس وجهه المتعب الذي اضاءته ذبالة شمعة كانت تحترق ببطيء وهدوء فوق زاوية الطاولة.
فاشرت للنادل ان يسقينا بمزيد من الخمرة هذة الليلة.
ثم سألت رفيق الحانة بعد ان لاذ بالصمت مرة اخرى : أنبوءة كانت ام مرثية مااخبرتني به هذا المساء ؟؟!!

...
اللوحة الاخيرة..
وللفنان البوسني "امير قوراني" حكاية اخرى فحين جاء لاجئا الى استراليا كان من ضحايا حرب البوسنة والهرسك، وكأن ماخلفته الحرب بذاكرته من مأساة طبعت آثارها على ملامح وجهه الحزين وهو ينوء بثقل خذلانه ونكباته. اعتكف الفنان بمرسمه في غرب استراليا مدمنا على المخدرات والخمور وكان يتوخى من هذا الخدر مواساة لجراحاته التي تعذبه او هدنة قصيرة لذاكرته المثقبة والموجوعة بكوابيس الحرب التي تلاحقه.. لاسيما صورة زوجته وطفلته اللتين قتلنا وسط احتدام القصف العشوائي وقد كان شاهدا لمجازر الحروب المروعة ولحرق قريته ولوحاته ايضاً ثم عذابات نزوحة مع الالاف من اللاجئيين الفارين من الحرب الاهلية في يوغسلافيا ومحاصرتهم وسط الثلوج بعد ان نال منهم الجوع والهلع ومات منهم الكثير وهم يحاولون العبور الى المانيا.
ثم كانت محطته الاخيرة غرب استراليا.
كان اخر لقاء لي مع الفنان قوراني في معرض جماعي وكانت اعراض التعب واضحة على جسده النحيل .. ثم سمعت بعد بضعة اشهر بموته التراجيدي داخل الاستوديو امام احدى لوحاته التعبيرية الاخيرة التي رسمها لزوجته وابنته وسط مشهد من الحرب.
كان الفنان يستعجل الموت بطريقة الانتحار البطيء بواسطة المخدرات بعد ان سئم حياته وحيدا وممزقاً وهو يتطلع للحاق بزوجته وابنته في السماء.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية اخرى من يوميات جندي معاقب
- فلورينا المقعدة وكلبتها -بالا-
- الحارس واسرار الليل
- الدهشة الاولى
- السرقات النبيلة
- حفلة في غابة
- الغراب وشجرة الصمغ الاحمر
- تجليات الفانوس
- يوميات الارصفة والمقاهي
- حكايات البخلاء
- قراءة الكاتب رضا الاعرجي حول تجاربي الفنية
- ليس للمقامر مايخسره
- جار وحديقة
- مكالمات هاتفية عابرة في هذا الصباح
- مابيني وبينك كان أكثر من عناق
- ليس للمزاميرِ مواسمُ للرقصِ
- تأملات في أبجديات الحرف والطين واللون
- مرثية الرماد والرصيف
- قارب الموت
- نهاية شرهان وقدره المأساوي


المزيد.....




- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص
- صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم -الماديون-
- كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟ ...
- الممثل عادل درويش ضيف حكايتي مع السويد
- صاحب موسيقى فيلم -مهمة مستحيلة- لالو شيفرين : جسد يغيب وإبدا ...
- دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم
- افتتاح معرض -قفطان الأمس، نظرة اليوم- في -ليلة المتاحف- بالر ...
- -نملة تحفر في الصخر-ـ مسرحية تعيد ملف المفقودين اللبنانيين إ ...
- ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - ثلاث حكايات قصيرة عن الحرب