أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - آزارو مرّ من بسنادا














المزيد.....

آزارو مرّ من بسنادا


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4769 - 2015 / 4 / 6 - 18:47
المحور: الادب والفن
    


إهداء للمناضل أحمد دريوسي ابن بسنادا

كانَ الليل في أوجّه والشارع هادئاً في خريف 1979 .. ثلاثة رجال في عقدهم الثالث يغذّون السَّيرَ .. ها هم يقتربون من شجرة "الزعرور" .. رغم العَتَمة في كانون تلمح أهمية ثالثهم .. تَسْمعُ وَقْعَ حذاءه البني .. تَسْمعُ صَوْتَ أَقْدَامِه المستعجلة الواثقة وَهي تُحْدِثُ دَقَّاتٍ رَتِيبَةً حين تعانقُ إسفلتَ الشّارع .. تتمازج مع عُوَاء كَلْبٍِ في الجوار ..

حركات مرافقيه الحذرة توحي بأهميته .. يقترب من هدفه أكثر .. تفوح منه رائحة التحدي .. يعبق عطره الشتوي "azzaro" في فضاءِ الشّارع .. يَتمهَّلُ في خُطاه .. يقف أمامَ منزلٍ متواضعٍ .. في باحة الدار شجرة توت أحمر .. يفصلها عن الشارع جدار خارجي مدهون باللَّوْن الأصفّر الباهت المتآكل .. ينظر حوله .. بينما الرجلان المرافقان يراقبان مداخل الشارع .. يَلِجُ البَابَ الخارجي للمنزلِ .. بَاب الحديد المدهون باللَّوْن الأخضّر .. ها هو يسير باتجاه هدفه الواضح .. باتجاه الغرفة الكبيرة .. طرقات خفيفة .. ثُمَّ يُفتح باب الغرفة الخشبي .. هنا ينام الأولاد .. تُضاء الغرفة ..

يستيقظ أصغرهم .. دون أن ينهض من فرشته .. يفتح عيونه ويتأملُ الرجل الغامض .. بطقمه الأنيق المكوي جيداً بالَّلوْن "البيجي" وربطة عنق بلون شبابي .. ونظارته الطبية .. يصل الرجل الأنيق إليه .. يبوسه على خدّه .. تتسرب رائحة عطره إلى أنفه الصغير .. تحرضُ الرائحة ذاكرته ذات الأعوام التسعة .. يقول في سره: إنه هو .. الرجل نفسه الذي رافقني ذات يومٍ إلى طبيب العيون "نقولا حلبي" .. حينما كنت في الخامسة من عمري ..

بعد أن ضّم وبوّس الأولاد الستة .. انتقل إلى الغرفة الأخرى حيث الأب وزوجته .. كانوا يسمونّها غرفة الضيوف في النهار .. وغرفة نوم الأهل في المساء .. بعد بضعة دقائق شعر الصغير بالضجر .. لم يستطع الدخول إلى عالم النوم من جديد .. وخجله المعتاد من الضيوف يحتم عليه البقاء حيث هو في فرشة نومه .. آخيراً تجرّأ على النهوض واللحاق بالضيف "البيجي" .. دخل غرفة الضيوف .. جلسَ في الزاوية يراقبُ رجلاً غريباً يجلس على الصوفا .. يلفُ رجلاً على رجلهِ الأخرى .. يَبينُ حِذَاءه البني المُلَمَّع بعناية .. ولون جواربَه الغامق ..

يصله فنجان القهوة "السّادة" .. يتناوله شاكراً بابتسامة .. يضعه على "الطربيزة" طاولة الضيوف الصغيرة أمامه .. تمتد يده التي يزينها خاتمَ زواج ذهبي إلى جوربه .. يتناول منه علبة تبغه .. علبة زرقاء جميلة .. "جيتان" الفرنسية .. يشعل سيكارته البيضاء بقداحة صفراء معدنية .. ويتحدث بصوتٍ عالٍ واثقٍ .. وفجأة علت نَّبْرَةُ صوته والابتسامة وجهه .. بطريقة تشى بأن لديه غضب .. وقال بالفصحى شيئاً يشبه: "أقاويلهم لا تساوي مسماراً في حذائي" ..

في صباح اليوم التالي يستيقظ الولد الصغير مبكراً .. يرتدي صَدريّة المدرسة .. يتناول حقيبته القماشية .. ويمشي باتجاه المدرسة .. يجلس على حَجَر قطع "نَحِيت" .. ينتظر جرس المدرسة .. يتأرجح الحَجَر تحت ثقل مؤخرته القلقة .. ينشغل بفحص الحَجَر .. راغباً تسوية وضعه الأفقي بإضافة حَجَرٍ صغير .. يلمحُ "دفتراً" رقيقاً ملّوناً رطباً تحت الحَجَر .. يسحبه خارجاً بحذر وبخوفٍ لاَ مُبَرِّرَ له .. آخيراً يصبحُ الدفترُ الرقيق بين أصابعه ..

يقرأ في الصفحة الأولى كلمات غريبة جديدة: الراية الحمراء .. دحر الدكتاتورية .. ديموقراطية .. اِستَهجَنَ غرابة الكلمات .. أعاد الدفتر إلى موضعه بحذر مضاعف .. وأطلق العِنانَ لساقيه .. فجَرَسُ المدرسة قد نفذ صبره ..

حين كبر الولد وصارَ قادراً على الشراء .. أصبحَ "آذارو" عطره الشتوي المفضّل .. و"جيتان" ماركة تبغه المفضّل .. والبيج أو البني الفاتح لونه المفضّل .. والحديث بالفصحى أسلوبه المفضّل ..



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -5-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -4-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -3-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -2-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -1-
- جينات بسندلية -4-
- بماذا أخبرتني تلك اللوحة؟
- لِمنْ هذهِ الرائحة القادمة من لندن؟
- ما الذي تفكرُ به إمرأة؟
- انطباعات لندنية
- نبع معلّا في بسنادا
- رُعاف وقلم رصاص
- إيحاءات فيسبوكية مُشَتَّتة
- يا حبق ومنتور -2-
- يا حبق ومنتور -1-
- اعتقالات الفصول الأربعة -2-
- جينات بسندلية -3-
- حوارية فيسبوكية عن الوطن السوري
- غابة الإسكافي اللقيط
- اعتقالات الفصول الأربعة -1-


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - آزارو مرّ من بسنادا