ماجد مطرود
الحوار المتمدن-العدد: 4765 - 2015 / 4 / 1 - 13:14
المحور:
الادب والفن
مرارة حقيقة يتساوى فيها القاتل والمقتول في مكان واحد مهدد بالانفجار والتشظي
ما أثارني في رواية كاباريهت للكاتب والمسرحي العراقي المغترب حازم كمال الدين
والصادرة مؤخرا عن دار فضاءات في الأردن هما محوران رئيسيان.المحور الأول: الشخصيات
حيث رُسِمتْ شخصيات هذه الرواية بدقةٍ متناهيةٍ تماهتْ بالفعل مع شخصياتٍ واقعيةٍ ربّما تخيلناها وفق
معطيات الضرف الموضوعي الذي يعيشه العراق في فترة ما بعد السقوط ودخول القوات الامريكية
وانسحابها من مسؤوليتها الاخلاقية تاركة شعب العراق بيد قوى دينية لا مشروع لها غير تجييش الناس
على حسٍّ طائفي ضيق الآفاق ادى الى الاقتتال فيما بينهم,
في حرب قاسية انتجت مليشيات متنوعة,تابعة تحركها أياد خارجية مدفوعة الثمن تدفع بأتجاه نمو الجريمة
وخلق مسرح واسع للقتل والسلب والنهب والخطف والمساومات اللاخلاقية من اجل المال والنفوذ
والغايات لتحقيق مكاسب اللا شرعية.
شخصيات عرفناها سابقاً ولمسناها ماديا وتعاملنا معها باعتبارها جزءا من نمونا الاجتماعي حيث انها خارجة
من رحم بيوتنا وشوارعنا واحيائنا,عرفناها وأدركنا أنشطاراتها وقدرتها على التحّول والتبّدلِ حسب ما يرتضيهِ
الموقف أو الهدف بغضّ النظر عن الوسيلة.
شخصياتٌ تتراوحُ ما بين أبٍ مثقفٍ,ذو معرفة واسعة في فهم ما يدور في البلاد,كاتب صامت يرفضُ النشرَ,
ولا يهوى الظّهور,اكتفى ليكون هامشيا,يراقب الاحداث ويسجل شهادة حقيقية على العصر بعد موته,
ادانة وبراءة منه امام تاريخ قد يقول كلمة الحق يوما.
والأبنةُ داليا رشدي خريجة كلية الفنون الجميلة قسم المسرح,كاتبة قصة وصاحبة مشروع سردي,
هي محور الاحداث تدور في فضائها جميع الشخصيات الحاضرة والغائبة متماثلة ما بين حاضر تعيس,
وماض تليد,ما بين واقع يضيق وخيال يتسع,حائرة ما بين زوج مخطوف وزوج خاطف
في تناص متداخل عميق ما بين شهرزاد الرواية وشهرزاد الحكاية فيتداخل الزمان في الزمان
ويضيع المكان في المكان عبر أستحضارها الدائم لشخصياتٍ دخلتْ حياتنا
وربّما حُفرتْ بطريقةٍ أو باخرى في ذاكرتِنا الجّمعية كشخصيات السندباد وعلاء الدين
وربطهما بعنصر تناصيٍّ مثير.
ثمَّ زوج داليا رشدي الأول السندباد المخطوف,
هذا الكاتب البائس الذي هجر الكتابة بسبب منعه من النشر واضطراره للعمل كسائق تاكسي
حيث وفرت له هذه المهنة فرصة المعرفة الدقيقة للواقع وتفاصيله,لكن في الوقت نفسه
اوقعته في مطبات خطيرة حيث من خلال هذه المهنة وطد علاقاته بالعصابات الاجرامية والمليشيات
من اجل ان يؤمن حياته لكن النتيجة النهائية ادت الى خطفه كأنه يريد ان يقول من يدخل دائرة الخطر
يصيبه الأذى او الفناء.اما زوجها الثاني علاء الدين,
الوسيط الذي ينقل الاخبار ما بين الجاني والضحية حصل على لقب العلاس بامتياز كبير على الرغم من بؤسه
حيث يتضح فيما بعد بانه هو الذي علس صديقه الاعز السندباد انها الانتهازية بابشع صورها
والجريمة باقسى وسائلها
وهناك شخصيات كثيرة ومتنوعة كعبدالله الطنطل وغيره.
شخصيات تراوحت ما بين خطّاف ومخطوف علاّس ومعلوس, ذبّاح ومذبوح
استطاع الكاتب حازم كمال الدين ان يرسمها بدقة عالية تجعل كل من يقرأ هذا العمل يدرك حجم المأسات
وحجم الخسارات التي لحقت بهذا المجتمع الذي يعيش على هامش الحياة
أنّها مرارة حقيقة يتساوى فيها القاتل والمقتول في مكان واحد مهدد بالانفجار والتشظي
يضعُنا الكاتب في روايتهِ هذه في مواقفٍ عسيرة وامتحانات دقيقة لانسانيتنا,
أسئلة صعبة تطرحها شخصيات انتهازية , غريبة الأطوارِ,واسعة الخيال تتحرك على مساحة قابلة للتأويل
ومتفجرة بالاحتمالات التي لا تعدّ ولا تحصى
ان الأنتماءات الطّائفية والرايات التي ترفرفُ بالفوضى وغياب القانون والنصب والاحتيال
وطرق العيش اللاشرعية كلها تجدها في هذه الرواية تعيش على امكنة ضيقة وبائسة
سمت نفسها جمهوريات مستقلة رفعت اعلامها ورسمت سياستها وعدت جيوشها
ووضعت سيطراتها على مفترقات الطرق الرئيسة والفرعية وتحكمت في مصائر العباد,
كأن بغدادَ المدورة بمكانها وتاريخها وحضارتها ومركزها وقوتها ونفوذها
أنكمَشتْ على نفسها وأنشطرت ثم بلحظة تحولت الى امكنة بائسة غير صالحة للعيش
أمكنة صغيرةٍ هشّة موزعة بشكل عشوائي يدعو الى السخرية والاسى والخوف والرعب والضياع
انّها رؤيا مخيفة,موجعة بالرغم من أبعادها الساخرة ,تلك الابعاد التي ترسم لنا مستقبلا مفتوحا
على أجيال ستكون الجريمة فيها مؤسسةً قائمةً بذاتِها تُحركُ الأجيالَ وترسم المستقبل
كما جاء في احد فصولها بطريقة كوميدية سوداء.
أمّا المحور الثاني: فهو الأستراحات
انها وقفات هادئة ما بين فصلٍ وأخر, المثير في هذه الوقفات او المحطات سمها ما شئت
هو ان كلَّ فصلٍ من الروايةِ قد يحققُ بدايتهُ ونهايتهُ كأنَّ كل فصلَ هو عبارة عن عملٌ سرديٌ ,
مستقل بذاتهِ,متكامل ومستوفي كلِّ شروط وعناصر القص.
أنّ قدرةَ الكاتب المبدعِ حازم كمال الدين على استثمار خبرته في الكتابة والمسرح دعته لكي ينسجَ لنا
خطاً دراماتيكيّاً رقيقا يجرنا للتصاعد معه الى قمة الحدث والنزول بنا الى نهاية مقنعة,
هذا الخط الدراماتيكي جَمعَ كلَّ هذه الفصول المستقلة بأحداثِها وشخصياتها المتحركة في عمل روائي
جدير بالقراءة ,كما ان هذه الاستراحات ايضا منحَت المتلقيَّ خيارين جميلين,
الخيار الاول
هو أن يُكملَ السّيرَ مع ذلك الخط الدراماتيكي الرقيق الى نهايته فيحقق المتعةَ الجماليةَ
والمعرفة الكاملة لما سوف يكون.
اما الخيار الثاني:
هو يمكن التوقف في أيّ فصلٍ او استراحة يريد, حينها سيكون قد حقق متعة جمالية أيضاً لكنّها ناقصة
تاركة في مشاعره حيرة وفي ذهنه سؤال,ماذا سيحدث؟
هذا السؤال يدفع للفضول لمعرفة المزيد,هذا الفضول يجبر المتلقي على العودة ثانية الى الرواية
من اجل اكمالها حتى النهاية وبهذا يكون قد تحقق عنصرا مهما ألا وهو عنصر الاغراء والتشويق!
رواية كباريهت للكاتب والمسرحي حازم كمال الدين
ورقة سرية تسربت من دهاليز العتمة وسمحت لنفسها ان تعلن عن جوهرها في وضح النهار
وبحرية كاملة وبلا ايّ لفٍّ او دوران تطالب بموقف واضح لفترة قد تكون اشد سوادا في تاريخ العراق.
ماجد مطرود/بلجيكا
#ماجد_مطرود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟