أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الحارس واسرار الليل














المزيد.....

الحارس واسرار الليل


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4762 - 2015 / 3 / 29 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


الحارس واسرار الليل
سعد محمد موسى
في قرية فرحان كان الناس الطيبين والمسحوقين يجمعهم الفقر والحرمان وتربطهم اواصر اجتماعية ومودة . وقد شيدت جميع البيوت في تلك القرية من الطين أو من الصرائف والقصب.
ويفصل القرية عن مدينة الناصرية (شط ابو الخيس) .. وهو ممر تتجمع فيه المياة الاسنة ومياه المجاري، وكان الناس يعبرون من والى القرية بواسطة قناطر مشيدة من جذوع النخيل.
اعتاد اهل المدينة مشاهدة ذلك الحارس الليلي القادم من اعماق القرية الطينية في ليالي الشتاء الباردة معتمراً العقال والكوفية وملتحفاً معطفة الداكن الثقيل وهو يحمل بندقية (برنو) ويتأبط (مكَواره).
وعادة ماكان يردد مع نفسه شجون اغاني الابوذية اثناء ادائه الواجب في الخفارات الليلية وهو يحضر بلفائف التبغ ويعبئها في علبة سكائر فضية، ويجوب الشوارع الرئيسية والازقة الفرعية المعتمة والخالية الا من القطط والكلاب المشردة وهي تبحث عن فضلات طعام في المزابل.. او ربما يصادف بين الحين والاخر بعض العابرين.
كان ناطور الليل يعرف اسرار وخبايا المحلة .. واسرار الليل أيضاً.
بحكايات العشاق ولقاءاتهم الليلة من وراء الابواب وتبادل الرسائل.
أو الاجتماعات السرية لاعضاء منتمين للحزب الشيوعي وكان الحارس متعاطفا معهم في السر.
لقد تسامح الحارس وهو يغض النظر عن تسلل العاشق الذي يتستر تحت جنح الليل كي يلقي برسالة تحت الباب .. او يستلم رسالة بعد ان تطبع حبيبته فوق غلافها قبلة وتعطرها بشذا الياسمين او الجوري.. وقد اعتاد الحارس ان يرى هذا المشهد دون ان يداهم العاشقين او يحرمهما من متعة لقائهم الخاطف.
ثم سرعان مايتوارى العاشق ولا يعود الا في بعض الليالي حين يهيم به الوله فيغامر مرة أخرى متخفياً بين الدرابين كي يلتقي ببنت المختار ذات الجدائل الكستنائية.
لكن الحارس كان يغضب حين يرى البصاص الذي يتجسس ويسترق السمع من وراء النوافد لتأوهات الازواج في مضاجعهم .. فيلوح له الحارس بالمكَوار ويطارد الولد العاق الملثم القادم من محلة اخرى.
وفي اكثر من مرة كان الحارس يفاجأ البصاص من الخلف ويضربه بعصا المكَوار على مؤخرته ضرباً مبرحاً فيتقافز من الالم ويبدي توسلاته الى الحارس ويوعده ان لايكرر فعلته ثانية ثم ينهزم وهو يمسك بمؤخرته المتورمة.
وفي المرة الاخيرة كان البصاص يستمتع على التأوهات التي تنساب من نافذة الغجرية السمراء الشبقة مع زوجها عامل البناء الذي وقع في غرامها اثناء تردده الى مضارب الغجر وجلبها فيما بعد الى المدينة بعد ان تحدى الاعراف الاجتماعية في المدينة وتزوجها.
ومن أشباح الليل التي اعتادت ارصفة المحلة ان تتعرف على خطاه المتأخرة موسى: سكير المدينة بخطواته المترنحة التي تقوده الى بيت متهالك في اطراف المدينة وهو يهذي مع نفسه التي يتسامر معها بنكات ثم ينفجر ضاحكاً حتى يصل الى عتبة الدار فينام غالباً فوقها متكوراً وفي كثير من الاحيان كان الحارس يوقظه ويدفعه الى داخل البيت.
أما أكثر شخصيات المحلة التي كان الحارس يكن لها الاحترام هو المعلم اليساري الذي يتودد له ويتقرب الكثير من ابناء المحلة طلباً لصحبته واحيانا كان يقصده البعض حين تدور في خلدهم اسئلة معرفية لاسيما حول السياسة او التاريخ التي كان ملماً بها.

كان المعلم يسكن مع أمه العجوز التي كان يهتم بها لاسيما ان بصرها بات يشح وقواها تضمر.
عادة ماتكون غرفة الاستاذ مضاءة بمصباح خافت، اعتاد ان يسهر في غرفته المكتظة بالكتب حتى الساعات الاخيرة من الليل ثم يطفا المصباح، ويخلد للنوم.
كانت امنية الحارس ان يجيد القراءة والكتابة وان يعرف ماذا يقرا المعلم ولماذا يسهر الليالي!!؟؟
ذات ليلة شاهد الحارس حين انعطف في الشارع الفرعي الذي يقع فيه دار المعلم شبحين كانا يعدوان بسرعة نحو مركبة كانت مركونة في الجانب الاخر من الرصيف. ثم داهمت مسامعه صراخ متعب لعجوز مفجوعة .. فركض الحارس مسرعا قاصداً دار المعلم وامه وحين تقرب اكثر بانت ملامح جسد مسجى فوق عتبة الدار وكانت هنالك آثار لطعنات سكاكين مزقت صدره وخاصرته.. صرخ الحارس بالهاربين ان يتوقفا لكنهما وعلى وجه السرعة ادارا المحرك وانطلقا بسرعة.
صوب الحارس بندقتة نحو المركبة الهاربة فانعطفت في اول زقاق واختفت
ثم اخذ الحارس نفسا عميقا ومربكاً ونفخ بصافرته بعصبية .. آملاً ان يصل تنبيهه الى الحارس الاخر في المحلة الثانية. لكن الظلام والصمت لف الطرقات. ثم استيقظ الجيران على الحادث المفزع.

وبعد ايام من التقصي والتحقيق الموجز والسريع ثبتت الدعوة في اضبارة مركز شرطة الناصرية جناية قتل ضد مجهول.
واعفي الحارس من عمله واحيل على التقاعد.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدهشة الاولى
- السرقات النبيلة
- حفلة في غابة
- الغراب وشجرة الصمغ الاحمر
- تجليات الفانوس
- يوميات الارصفة والمقاهي
- حكايات البخلاء
- قراءة الكاتب رضا الاعرجي حول تجاربي الفنية
- ليس للمقامر مايخسره
- جار وحديقة
- مكالمات هاتفية عابرة في هذا الصباح
- مابيني وبينك كان أكثر من عناق
- ليس للمزاميرِ مواسمُ للرقصِ
- تأملات في أبجديات الحرف والطين واللون
- مرثية الرماد والرصيف
- قارب الموت
- نهاية شرهان وقدره المأساوي
- وكأنك ليس سوى أنا
- ثلاثية العشق والجنون
- مذبحة سبايكر


المزيد.....




- هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟
- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- الغاوون.قصيدة مهداة الى الشعب الفلسطينى بعنوان (مصاصين الدم) ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الحارس واسرار الليل