أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عقيل الواجدي - سنوات بلون اللُهاث / قصة قصيرة















المزيد.....

سنوات بلون اللُهاث / قصة قصيرة


عقيل الواجدي

الحوار المتمدن-العدد: 4743 - 2015 / 3 / 9 - 08:28
المحور: الادب والفن
    


سنوات بلون اللُهاث

اليدُ التي امتدتْ اليه لتمسكهُ من الخلفِ كانت اسرعَ اليه من الصوتِ الذي عبّأ مسامعه بأسمه الذي لا يعرفه به احد ، مجازفة كبيرة اَنْ تستدير بوجهك كله الى ماضٍ ايقنتَ ان ملامحه قُـيّدت ضد النسيان منذ اَمَدٍ بعيد ، والتجاهل بلاشك سَيُخسرك فرصة النجاة .. النجاة هو الحبل الذي تعلق به ويدرك يقيناً انَّ احتكاكاتِ الزمن ستقطعه ، الزمن لا يفي بالتزاماته .
القبلةُ التي سَبَقتْ الى خدّه من الخلف شتَّت ذهنه وملامحه الوجلة الى ابتسامة مصطنعة ، الوجه الذي تَخفّى الاّ من عينين بين طياتِ يَشْماغٍ لا يمنحكَ القدرة على تمييز من خلفه ! بريقُ عينيهِ لا تاريخَ له في ذاكرته ، ولا صوته الأجشّ طَرَقَ مسامعه من قبل .
- يبدو انك لم تعرفني يا صالح ! باغته بالسؤال لما رأى استدارة عينيه المملوءتين شَكّاً ، اشاحَ اللثامَ عن وجهه لَمّا انتبه انه لازالت ملامحه غير ظاهرة ..
لكن هذا لم يغير من الامر شيئا عند صالح رغم محاولته استدراك الامر بمجاملة لطيفة بالسؤال عنه وعن صحته كأنما يعرفه ، اَوْ بالأحرى محاولة منه لاستدراج الذاكرة التي لطالما اَحرجته بمواقف مماثلة قبل ان يودع ماضيه عند حافة الليل الذي اتخذه جَمَلاً وهو يغادر القرية الى حيث لا يدري ..
سنواته بلون الليالي التي امضاها متنقلاً بين المدن التي تَشُحُّ على روحه بالطمأنينة ، لا امان للأرواح التي تبحث عن ذاتها ، انها مدنُ المغيَّـبين الذين ركنوا الى واقعهم ، مُصَفَّدين بآمالٍ عقيمة ، السُّحبُ البيضاءِ لا يَنْبتُ خلفها عشب !!
المقهى القريبة جمعتهما الى طاولةٍ واحدةٍ أَفْضَتْ اليه ان كلَّ السنواتِ التي خلّفها مُتَخَفّيا سَقَطَتْ عند اَوّل شخص رآه ، تعاونا معاً على فكّ طِلْسَمِ التذكرِ الذي كلما اَوْغَلَ صاحبه بالأدلة زادتْ عِصْياناً عليه ، اِنّهُ لا يتذكره ...
تَصَفّحَ كلَّ الوجوه التي مَرَّتْ عليه ، لا اَحَدٌ يشبهه ، ولا حتى الجثة التي تَمَدَّدتْ تحته حين مَزّقها برصاصاتِ غضبه ، النخلة التي تنحني على النهر والليل وحدهما مَنْ شَهِدا الامر ، مَنْ تُرى منها اَفْشى سرّه !!
الوجه الذي يَطلُّ عليه عِبْرَ الطاولة تتغير تفاصيله وملامحه في كل لحظة ، الدخان الذي نَفَـثَهُ الفَمُ الذي تَهَدَّلَتْ عنه طيّة اليشماغ اَغْرَقَ عينيْ صالح بالدموع ، السعالُ يَتعالى وذاتُ الفم يزيد نفثاً ، دخانٌ يُخفي كل التفاصيل ، دخانٌ في كل مكان ، لا اَحَدٌ امامه ، لا طاولة ولا اكواب الشاي ، الجدران تنفتحُ على مساحاتٍ من العتمة ، الكرسي ينغرز في الارض ، تضيقُ انفاسه ، الدخان يَدٌ تُمْسِكُ برقبته التي يحاول جاهداً تحريكها لِيفكَّ يَدَيْ الدخان ، لِيُوقظَ نفسه ، مُؤلمٌ اَنْ تسعى لأيقاظ نفسك ، تَصْرخُ ، تُلَوّحُ بيديك ، لا اَحدٌ يراكَ اَوْ يَسْمَعَك ، الاسماءُ تتخلّى عن شخوصِها ، اُناسٌ من دخانٍ تُحيطُ بك ، الرقبة دَلْوٌ يتأرجحُ من النافذة ، تُبْصِرُ الماءَ الذي سَقط منها على الارض ، الاقدامُ تتركُ اَثرها على رُقْعةِ الشطرنج ، الخيلُ تَفِرُّ من النافذة ، حطامُ الجنودِ بقايا حائطٍ تعثرتْ به آخرُ القذائفِ التي مَرَّتْ باتجاهِ الجنوب حين اَعلنَ الملكُ عن بيعِ آخرِ ذرةٍ من ضميرٍ له .. طَلْقَةُ الضمير التي حاولوا تَدْجينها لتبيضَ لهم سلالاً من الخنوع ، وَحْدَهُ من جَلَدَ الوصايا بالتمردِ ليتركَ قريتهِ ترقدُ على احلامٍ لن تَفْـقُسْ !!

السعالُ يُوقظُ بقاياهُ التي تَفَحَّصَتْ المكانَ بعينين لا تبحثُ عن شيء ، يَسحبُ اَنفاساً الى صدره فلا تكادُ تمتلئ رئتاه ، يُشرعُ فَمَهُ على سَعَتِهِ بلا جدوى ، كوبُ الماءِ يسيرُ باتجاهِ حافَّةِ الطاولة ، يَسْقطُ ، صوتُ ارتطامهِ يوقظهُ مرَّة اخرى ، الدخانُ يُكَتِّفُ يديه الى حافة السرير ، اِرْتطامُ قدميه بحافّة السرير لا تُلْفِتُ انتباه الجالسين الى قُرْبِه ، لُغَتِهم اَزيزُ منشارٍ على حافةِ حديدٍ يَصِرُّ الاسنانَ ، اسنانهُ التي اعتلاها اللحمُ منذ ان تَوَرَّمَتْ حين نَبَشها بعودِ السعفِ عَمّا عَلِقَ بها من ليلةٍ دَسِمَةٍ اَوْلَمَها جارهُ بعد سرقة اخرى كبيرة ..
الموبايلُ الذي رَنَّ بنغمة هي اقربُ الى صوتِ عواءِ الكلبِ الذي خَلَّفَ في ذاتِ يومٍ عَضْةٍ على مؤخرته ، الفمُ الذي تناول الموبايل يَشي به بصوتٍ خافت ، السّينُ هو الحرف الذي يقفز نحو مسامعه ، اُحجية السيناتِ لازالتْ عَصِيّة عن الفهم ، اُستاذ اللغة ببنطاله الضيق الذي يظهر تفاصيل جسده ، وحده من كان يكتب السين بركزتين ، هو ذاته لا يعلم ، لاشك انه اعتاد هذا ..
يداه المقيدتان تنفلتانِ عن حيَّتينِ يَلْتَفّانِ على طول جسده ، ساقاهُ كَفّا عن الحركة ، رأسه يزدادُ التصاقاً بالسرير ، وَجعٌ يكاد يكسر رقبته ، صوته يضجُّ بالمكان ، لا هواء ، الانفاس تضيق ، تضيق ، يصرخ ، يصرخ .. لهاث ٌ ، كل ما حوله يلهث ..
لا صوت لصراخة ، كاد يسقط من سريره وهو يفز مرعوبا ، كوب الماء لازال يتوسط المنضدة الصغيرة التي الى جانب سريره ، فارغ هو الكوب ، لا اَثَرَ للماء على الارض ، اِتَّجه الى الثلاجة ، تناول قنينة الماء البارد ، بِنَهَمٍ بدأ يَدْلُقها بفمه ، الماء لا اثر له بفمه ، يشرب ولا يكاد يشعر بالماء يبلل ريقه ، انفاسه تضيق ، الماء يَكتمُ على انفاسه لكن لا طعم له ، الثلاجة فَمٌ لدهليزٍ مظلم ، خطواته التي تتابعت خلف القناني التي تبعثرت نزولاً على السلَّم ، الظلامُ يسحبه نحو الاسفل ، ما جاء بسريره هنا !! وما هذا الجسد الملقى عليه !! هَرعَ نحو السلم فاراً يصعده نحو الاعلى ، خطواته تُسابقُ درجاتِ السلّم التي تَنْزِلُ به الى تحت ، يدفع نفسه بكل قوة للأعلى ، لازال السلم يسحبه نحو الاسفل ، السلّم خيط دخان يغادر من النافذة ، اصواتٌ كالصدى تناديه من تحته ، عشراتُ الاصوات تزدحم ببعضها ، تناديه ، تعال ، تعال ، اَفْلَتَ يديه من الفراغ حين سمع صوت ابيه يناديه ، اباه الذي يبكيه الى الان ، غادرهم مبكراً وترك الحسراتِ تجلدُ الصدور ، وهذا عَمّهُ كذلك ، جارُهُمْ ، ما بال الاموات مجتمعين ها هنا ، يمدّون اذرعهم اليه يستعجلون نزوله ، ادرك انهم يسحبونه للموت ، يتشبَّـثون بانفاسه ، يُعَمّدونها بالثلج ، فرّ مرعوباً وصدى اصواتهم لازالت تلاحقه ، الشارعُ الذي جمع شُـتاتَ خطواته التي بعثرها السلم يَنفرجُ عن صَفّينِ من البيوتاتِ المتقزّمة التي تختفي خلف بعضها ، الشوارع الضيقة تسحبه نحوها ، الدرابينُ تتشبث بقدميه ، الابواب تعوي ، الحيطان تنزاحُ نحو بعضها ، تحاصره ، تُطْبِقُ عليه ، انفاسهُ عصفورٌ يَفرُّ من قفصه ، يصرخ ، لا اَحدٌ يلتفتُ اليه ، الواقفون عند رأسه منشغلون عنه ، بريقُ السكاكين التي اِنْغرزتْ بجسدهِ لا وَجعَ لها ،

الصباحُ الذي تسلَّلَ اليه من النافذة اَعادَ عصافيرَ الانفاسِ الى اقفاصها ، ها هي انفاسه تُوقِظُ تفاصيل جسده ، الصدريّات الخضراءِ تخلعُ عن وجهه جهاز التنفس وكل الاسلاك المربوطة بجسده ، عيناه تتفحصانِ المكان ، سقفٌ باضوية بيضاء ، اَسِرّة تتراصفُ الى بعضها ، اَجسادٌ نصفُ مكشوفة ، منضدةٌ صغيرة تَحْتكُّ بالسرير ، طلقةٌ وقطنٌ مخضبٌ بالدم ، انها الطلقة التي تسلَّلَتْ اليه في زحمة الدخان وغياب الذاكرة ، الطلقة التي تقصَّت اثرهُ عِبْرَ سنينٍ من الهرب ، طلقة الحقد التي لا تموت ...


الناصرية
9/3/2015



#عقيل_الواجدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذي لم يصل ........ قصة قصيرة
- وجهها آخر المارين / قصة قصيرة
- قراءة في ( فلسفة الطين ) للناقد وجدان عبدالعزيز
- قصة قصيرة / لحظةُ لقاءِ السكّين
- الصفعة / قصة قصيرة
- عربة الليل
- الوقت لايكفي لبناء حلم آخر
- ذاكرة الدخان / قصة قصيرة
- الشاعرة دادة عبيد والتداخل اللوني
- جمالية النص عند عامر عواد
- الاطر الفنية في حوار مسلح
- اتعفو وفي الارض نزفُ !!!
- حينما اشتقت لك
- وجع الأثداء
- فلسفة الطين / قراءة للناقدة عزة الخزرجي
- ميار
- فلسفة الطين
- مدن التشظّي
- سلال النارنج
- هناك حيث لا انا


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عقيل الواجدي - سنوات بلون اللُهاث / قصة قصيرة