أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عقيل الواجدي - الوقت لايكفي لبناء حلم آخر














المزيد.....

الوقت لايكفي لبناء حلم آخر


عقيل الواجدي

الحوار المتمدن-العدد: 4642 - 2014 / 11 / 24 - 08:41
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
عقيل فاخر الواجدي

(( الوقت لايكفي لبناء حلم آخر ))

الزمن المتبقي لا يَصْلـُـحُ لتشييد عصر آخر ، ولا الوجوه المكعبة تصلحُ لبناءِ هيكلِ بطلٍ اسطوري ، فكل ما في المدينة أزقة خرساء وليل يتسلل كالخدر في المفاصل ، اوصدت المحلات ابوابها ليغرق المكان بكلمات التوديع المعتادة والمتأملة ان تكون الليلة افضل من سابقتها ، استسلمت المدينة للظلام بانطفاء اخر ضوء لمحل اعتاد صاحبه ان يكون الاخير من بين المغادرين ، حَزِمَ البقايا من وقته ليركنه في زاوية التأمل بعيدا عن العيون التي تتسرب اليه – نهارا - من النافذة الواطئة المطلة على الشارع وهو يرمق اخر المغادرين - بظهره المحدودب - يدلف من اخر الشارع نحو شوارع اشد حلكة ، كان الليل ملاذه الوحيد ليتلمس وجوده في غرفته المنزوية في طرف البناية التي تهالكت حتى يكاد يشعر بثقل البناية على غرفته بتقوس جدرانها .
الاحلام ضيقة في المدن التي تغفو مبكرة ، والادعية ساذجة حد القيء ، الابواب متطفلة تترصد المارة ، تنبح كالكلاب في وجوه المتسولين ، لا شيء يمكن ان تجود به البيوت الخاوية الا للفئران خشية على اسلاك الطاقة ..
فالوقت يغمض عينيه سأماً من حركة الرقاص غير المجدية ، متوقف كلُّ شيء في هذه البيوتات ، حتى شهوات الرجال تنام مبكرة ، فتحتضن النساء الوسادات لتملأ فراغ الرجال الذين استحالوا قططا عمياء .
كأيّهم – هو - كان يغلف شهواته او يلقيها سراً يشيعها بتأوهات مكبوتة ، ليطمئن على سلالاته ان تنفد ! وكأيهم كان يماطل سنين العوز بالاستسلام ، يدخر خيباته في اقصى زاوية من ايامه ، الشارع على ضيقه كان متنفسه ، هو العالم الذي اخضرّت فيه امانيه المتسلقة كشجرة اللبلاب عند نوافذ الحبيبة ، الحبيبة التي لم تطل منها منذ ان غادرت الحي ، الكل يغادر من هنا الا العوز !!
اعوام يستظل العصا التي هي كل ما ورثه عن ابيه ، معلقة على الحائط منذ ان اقتسموا تركته – ابيه - وهو لازال يرسف في اغلال بدلته البيضاء في الغرفة المجاورة ، كان صغيرا حينما مات ابوه ، شاركهم – اخوته - الضحك كثيرا وهم يرتدون الاقنعة ، اشعروه بالحب الذي لم يعهده منهم من قبل ، حتى انه اوشك ان لا يصدق ما يراه هو جثمان ابيه !
ضحك كثيرا وهو يغمس ابهامه في الحبر ، وعدوه بالكثير من الحلوى ان رسم لهم ظلا لإبهامه على الورقة ، كم ضحك كثيرا في وقتها ولازال يضحك للان من خيبته !!
رسم ظلال مملكته في جوف الغرفة التي منحها له اخوته بدلا من اصابع الحلوى التي وعدوه بها ، اسدل الستارة الوحيدة على شباكه الذي خلا من الزجاج في احدى جانبيه فاكتفى بورق الكارتون عوضا عن الزجاج ، واوصد الباب بعناية خوفا من ان يصدر صوتا باحتكاكه بالارض ، الماء الذي يتسرب اليه في الايام الممطرة زاد من اتساع الباب فجعل من الصعوبة اغلاقه ، الكرسي الذي يستند الى الحائط المقابل للشباك متعته الكبيرة ، كان حلمه ان يجلس على هذا الكرسي الذي لطالما كان ابوه يجلس عليه ، كان يغبطه كثيرا وهو يرى المتزلفين يحيطونه ايام المناسبات لتهنئته ، كان - ابوه - سخيا فأورثه العوز !
ايقظه جرس الندم وهو لا ينفك يرن بذاكرته مشتتا من حوله لحظات الصمت التي يعج بها المكان ولحظات الاسترخاء التي يعيشها متصفحا السكون من حوله من على كرسيه ، فها هو يعيش عزلته دون تلك الوجوه التي لطالما تزاحمت هنا لتحط رحالها عند اخوته ، الوجوه كالذباب لا تحط على الصحون الفارغة ..
- لابد ان اقنن مؤونتي كي لا تنفد ، يكفيني رغيفا واحدا ، وان كان نصفا فسيمنحني زمنا اطول للبقاء ، هكذا تقافزت المفردات في مخيلته ، وما يضيرني ان أحرم القطط من الطعام لتتمكن من القضاء على الفئران لأرتاح من خشخشتها داخل الغرفة وهي تتسلل اليَّ من بيوت الجيران !
الوحدة لم تمنعه من السعي لتحقيق ذاته ،لاشك ان الفئران وحدها كانت كافية لتمنحه السعادة وهو يراها مضرجة بمخالب القطط الجائعة ، او مرتهنة وسط الاقفاص الصغيرة ، اطمئنان تام ان ترى الفئران حبيسة او ميتة او حتى جائعة !!
عليه ان يدون تاريخا له ، فالتاريخ الذي لا تدونه الدماء لا يُكتب !!
سخر كثيرا مما آل اليه تصوره وهو يدرك ان غرفته حتى الفئران هجرتها من امد بعيد ،عمله في بيع الكتب على الارصفة لن يمنحه ان يجلب مما يمكن ان يغري الفئران بالعودة لغرفته ، انسل منها - غرفته - يطويه الظلام باتجاه الشارع ليرقب نافذة الحبيبة ، الهواء البارد يجلد جسده ، والحزن يجلد البقايا من حلم تسمَّر عند اطراف النافذة المظلمة ، مدركا انها لن تطل مرة اخرى ولا الوقت يكفي لبناء حلم اخر ..


الناصرية
24 تشرين الثاني 2014



#عقيل_الواجدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة الدخان / قصة قصيرة
- الشاعرة دادة عبيد والتداخل اللوني
- جمالية النص عند عامر عواد
- الاطر الفنية في حوار مسلح
- اتعفو وفي الارض نزفُ !!!
- حينما اشتقت لك
- وجع الأثداء
- فلسفة الطين / قراءة للناقدة عزة الخزرجي
- ميار
- فلسفة الطين
- مدن التشظّي
- سلال النارنج
- هناك حيث لا انا
- أُهدْهدُ سكينكَ التي طوَّحت بأحلامي !!!!
- أُحجيات ايلينا مدني
- ايتها التي ماكان لها ان تصدق
- ماذا لو ان الحسين حاضرا ؟
- بهية مولى والضمير الغائب
- اضاءة من عالم القاص عبدالمحسن نهار البدري
- ايماءة القبول


المزيد.....




- كيف استغلت مواهب سوريا الشابة موسيقى الدراما التصويرية في ال ...
- -فنان العرب- محمد عبده يعلن إصابته بالسرطان
- ترام الإسكندرية و-أوتوبيس- القاهرة..كيف يستكشف فنان الجمال ا ...
- تردد قناة بطوط كيدز Batoot Kids 2024 بجودة HD وتابع أجدد الأ ...
- مسلسل المتوحش الحلقة 32 على قصة عشق باللغة العربية.. موت روي ...
- اخيرا HD.. مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 ( مترجمة للعرب ...
- مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر قناة الفجر الج ...
- -من أعلام الثقافة العربية الأصيلة-.. هكذا وصف تركي الفيصل ال ...
- خطوة جرئية من 50 فناناً امريكياً وبريطانياً لدعم فلسطين!
- الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عقيل الواجدي - الوقت لايكفي لبناء حلم آخر