بين العرض و الارض 1

جمشيد ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 4718 - 2015 / 2 / 12 - 15:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

بين العرض و الارض 1
عند التوغل في واحة او غابة معاني و اشتقاقات الثلاثي (عرض) الكثيرة في القواميس العربية و الغربية (قواميس المستشرقين و اللغوين الغربية) القديمة و الحديثة و التي تدل على التطور الشاسع لصياغات و معاني الثلاثي (عرض) بمرور الزمن طبعا نريد ان نرجع الى البداية - الى العين - الى الاساس - الى نقطة الانطلاق - الى المعنى الاصلي للثلاثي رغم المعاني التي تبدو للوهلة الاولى متناقضة لان القواميس المتوفرة مع الاسف لا تزودنا بقاعدة و ارضية مشتركة لمشتقات و معاني الجذور رغم ان الامر لا يمكن ان يكون صعبا على خبراء علم اللغة و تطورها التأريخي. من خلال دراسة هذا الثلاثي المثمر جدا نستطيع ان تتعرف على طريقة تطور اللغة العربية نفسها.

القاعدة التي تستند عليها الثلاثي (عرض) هي المكان و كما نعرف يلعب المكان دورا اساسيا في اللغة و صياغاتها خاصة عند القبائل البدوية التي في حاجة ماسة الى منزل لتنزل فيه (من البعير) كالايات القرآنية (التنزيل الحكيم) للمزيد عن هذا الموضوع (راجع مقالي السابق على هذا الموقع) قبل التحول الى الصياغات و المعاني المجازية. ينطلق الثلاثي (عرض) من مكان يتوسع و يكبر او تزيد مساحته افقيا و تنفتح عرضا على الارض اي ان هناك علاقة وثيقة بين (العرض) و (الارض) من الناحية اللفظية و المعنى و هناك ايضا علاقة وثيقة بين العين و الهمزة و موقعهما في الحنجرة.

يعتبر (كتاب العين) اول قاموس عربي للخليل بن احمد الفراهيدي العين اعمق صوت في الحنجرة و هذا هو سبب تسميته بكتاب العين اي تم ترتيب الاصوات حسب موقعها في الحنجرة ابتداء من اعمق صوت (لربما ايضا لاجل اللعب على معاني العين الاخرى كحاسة البصر و مصدر او عين الماء) و طبعا ليست الهمزة الا العين المخففة و ان علامة الهمزة (ء) اما اشتقت من حرف العين او العكس هو الصحيح و كما يعتقد ان الهمزة / الالف كانت صورة لقرن الثور اي ان هناك علاقة وثيقة بين الهمزة و العين كالعلاقة بين العرض و الارض و من الجدير بالذكر ان هناك تشابه لفظي بين الارض و الانجليزية earth او الالمانية Erde. لا تتطرق الدراسات اللغوية مع الاسف الى العلاقة بين الهمزة و العين و مقارنتها في مختلف المفردات العربية التي تبدأ بالعين و الهمزة. مثل عجل و اجل....

عندما تتوسع مساحة الارض تصبح عريضا و تفتح الابواب لاجل عرض ما فيها و عليها (كالعرضات و الاستعراض و المعرض) على الناس او تقدم كعريضة الى المحاكم و الدوائر و عندما تنتشر الغيوم و تغطي السماء مساحتها تسمى بالعريض و طبعا للمرض اعراض تبين المرض و العرض هو الناموس (استعارة من اليونانية) و الشرف لانه يرمز للمساحة التي نحتلها و القاعدة التي نستند عليها.

يعتقد ان اهم ما يهدف اليه الانسان في الحياة هو العرض فالمرأة الجميلة تعرض جمالها و الرجل يعرض ماله و ممتلكاته لاجل الحصول على استحسان الاخر. يتلاشى العرض بدون الاخر او يخف عندما تقل اهميته (بعد الزواج لا تهتم الزوجة بمظهرها و لا يهتم الزوج بمظهره) الى ان نصل الى الاقتصاد في العرض و الطلب: عرض السلعة. يقصد بالعرض ايضا المكة و المدينة و اليمن و ما حولها و يتطور المعنى: عرض عليه امرا و عرض عليه المتاع و عرضهم على السوط او النار.

و اذا تحرشت بالناس باخرى فانها تتعرض لها لانها توسع مساحتها على حساب مساحة الاخرين و لان العرض يحتل مساحة من الارض فانه يشكل حاجز و عائق بيننا و بين الاخر في (عارض و اعترض و اعتراض). سافرت كلمة (اعتراض) القانونية مسافات بعيدة لربما بسبب توسع الدين الاسلامي و دخلت معظم اللغات الشرقية بضمنها الهندية.

و لكن العربية ليست عربية ان لم تكن بعيرية في صياغاتها: عرض البعير اي اكل الاجزاء العليا (الظاهرة) من شجرة او شجيرة و عرضت الناقة اي جرحت نفسها (بسبب كشفها و فتحها و (عرض بعيره) اي ترك عليه علامة / ماركة تسمى عٍراض (راجع مقالي السابق من البعيرية الى العربية على هذا الموقع).
يتبع...
www.jamshid-ibrahim.net

#جمشيد_ابراهيم (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل