أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - زين اليوسف - تفاصيل من الماضي التعس














المزيد.....

تفاصيل من الماضي التعس


زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)


الحوار المتمدن-العدد: 4670 - 2014 / 12 / 23 - 20:38
المحور: كتابات ساخرة
    


من أصعب الأمور التي تواجهني يومياً في حياتي هي امتلاكي لعينين لا تكفان عن التقاط التفاصيل المحيطة بهما..أعشق قدرتي على رؤية تلك التفاصيل الصغيرة و الهامشية المحيطة بي رغم كراهيتي غالباً للمضمون الذي تحمله..و ما أسوء من امتلاكي لهاتين العينين إلا امتلاكي لذاكرةٍ تهوى أرشفة تلك التفاصيل..متى بدأت تلك العادة المقيتة تتشكل في روحي؟؟..لا أعلم حقاً..حسناً حسناً أعترف أني كاذبة هنا كثيراً فأنا مُدركةٌ تماماً لتلك الحادثة التي بدأت بعدها تلك العادة في التشكل لديَّ و لكني كعادة أي أنثى لا أبوح بأسراري كلها في ليلةٍ واحدة..لهذا لن أتحدث عن هذا الأمر الآن ربما بعد عدة سنواتٍ إضافية.

على أية حال بعد تلك الحادثة بدأت أدرك أن حفظ تفاصيل الآخرين هو أمرٌ يستهويني فهو يمنحني صورة أقل ضبابية لشخصياتهم..ماذا عن تفاصيلي أنا؟؟..هل تصدقين لو أخبرتك أني لا أشعر أن هناك من يكترث لكي أخبره بها!!..لهذا أميل إلى كتمان معظمها رغم أن من يحيطون بي يعتقدون أن هذا الأمر ليس بالعادة الصحية تماماً إلا أنني ما زلت على قيد الحياة بالرغم من ذلك..و لكن فلنلقي بي خلف ظهورنا و لننتقل معاً إلى الأسفل لأحدثك عن بعض من تلك التفاصيل التي ما زالت عالقةً في ذاكرتي.

ذات مرة و في حصة الدين أخبرتنا المعلمة أن الله خلق السماوات و الأرض في ستة أيام فرفعت يدي المرتجفة خوفاً من ردة فعلها على تساؤلي و الذي كان فحواه هو لماذا في ستة أيام بالذات؟؟..ما كان يرعبني أكثر من عواقب رغبتي الدائمة في التساؤل هو ذلك الصمت المُطبق الذي يلازم من هم حولك عندما تُلقي بتساؤلاتك..كنت أشعر أن الجميع يصمت لا اقتناعاً بل رعباً و لعلي كنت أكاد أصغي إلى همساتهم الداخلية و هي تردد "هل فقدت صوابها لتسأل!!..لماذا لا تصمت كما نفعل جميعاً!!"..ذلك الصمت الظاهر عند تلقي الأفكار من الآخرين كان -و ما زال- يرعبني لأنه يخفي تحت سكونه الظاهر ضجيج خطوات الانقياد مع قطيع الجموع.

و ذات مرة طلبت إحدى معلماتي مني عندما كنت في السابعة عشر من عمري أن أعرض نفسي على طبيبٍ نفسي فقط لأني لا أحاول بشكلٍ كاف لكي أكون كالآخرين..أو بمعنى آخر لا أحاول الاندماج في المجتمع بصورةٍ مُرضية كما تفعل البقية بنجاحٍ كنت لا أتمكن من إدراكه..فأنا أصر على عدم السير على ذك الخط الأبيض و الذي رُسم لي -كما لسواي- على الأرض لكي أسير فوقه دون حياد عنه..ذلك الخط الأبيض الذي يجب أن أركز كلتا عينايَّ عليه دون أن أسترق النظر على من لا يسيرون فوقه أو حتى يكترثون لأمره ممن هم حولي خاصة إذا كان "هؤلاء" هم من غير المسلمين.

ذلك الخط الأبيض الذي يجب على الجميع السير فوقه ليس وهماً اختلقته مخيلتي بل هو واقعٌ مررنا به في الماضي..فقبل ظهور الصحون اللاقطة و القنوات الفضائية كانت الأفلام الأجنبية القليلة التي يتم بثها يتم اقتطاع أي مشاهد منها قد لا تروق للرقيب المناوب على رؤوسنا تلك الليلة..تلك المقاطع ليست بالضرورة أن تكون مشاهد القُبل فقط فحتى الحوارات التي كانت لا تروق للرقيب و التي يشعر أن فيها تجديفاً ما كان يقوم بحذفها دون مبالاةٍ حقيقة باختلال سياق الفيلم أو ترابط أفكاره.

تلك العادة المقيتة لم تكن تتم ممارستها فقط تجاه الأفلام الأجنبية بل حتى تجاه مسلسلات الأطفال المترجمة إلى العربية و التي كان يتم إخضاعها لرقابةٍ شديدة لكي تتلاءم أفكارها مع أفكار مجتمعاتنا الإسلامية "المحافظة"!!..هكذا كان أغلبنا يشاهد تلك المسلسلات و هو على قناعةٍ تامة بأن كل من يظهرون فيها هم من الأشقاء و الشقيقات فقط لنكتشف بعد عدة سنوات -و بعد فشل الرقابة في ترسيخ سلطتها في العالم الافتراضي- بأن عصمت في مسلسل الأطفال أخي العزيز كانت تربطها علاقةٌ مثلية مع شقيقتها ريم و أن جورجي -في المسلسل الذي كان يحمل ذات الاسم- كان في حياتها ثلاثة رجال يتنازعون عليها اثنان منهم هم أشقاؤها بالتبني.

في الماضي كان أغلبنا يسير فوق ذلك الخط الأبيض الذي رُسم له سلفاً..فكانت الصحون اللاقطة من المحرمات و التصوير الفوتوغرافي من الكبائر التي سأتعذب لو مارستها لأني حينها سأكون كمن يُزاحم الرب في مهنة الخلق بما ستخلقه عدسة الكاميرا الفوتوغرافية على ورقٍ مطبوع..في الماضي كانت أغلب -إن لم تكن كل- تفاصيل حياتنا الاستهلاكية و القادمة من الغرب هي من المحرمات و لكن الآن أصبحت كل تلك الأمور لا تشوبها أي شائبة بل هي من نعم الله علينا التي يُحبذ استخدامنا لها!!.

سيخبرني البعض أن تغير فحوى الفتوى الدينية مرده هو تغير الحال و الكائن الذكي هو من يتكيف مع تلك المتغيرات..نعم أتفق مع دوافع نظرية البقاء تلك و لكن بسبب ذلك الكم الهائل من الفتاوي و التي كانت تُحرِّم علينا كل شيء يحيط بنا تم سحق مبادئ جيلٍ بأكمله..جيلٌ كان يؤمن أن حربه في أفغانستان مقدسة و الصحن اللاقط من الكبائر و التصوير تهمة تستحق أن يقف بسببها أمام محكمة تفتيش يُدير وقائعها الرب بنفسه!!..فقط ليكتشف بعد عدة سنوات أن حربه المقدسة تلك لم تكن كذلك تماماً و ليجد أن جميع من حرضه على خوضها يُطلون عليه عبر قناةٍ فضائية يشاهدها عن طريق صحنٍ لاقط أخبروه سابقاً إنه بامتلاكه له فهو في الجحيم سيستقر..و ليزيدوا من وطأة سحقهم له أصبح يرى أبواق تحريم الأمس في كل مكان و هم يهوون التموضع كثيراً لتلتقط الكاميرات الفوتوغرافية صورهم دون الخشية كثيراً من وقوفهم في محكمة تفتيش الرب.

و بالرغم من كل تلك التفاصيل الكثيرة التي لا ترغب في أن تفارق مساكن ذاكرتي ما زلت أحاول أن أتجاهلها لأتمكن من السير مع القطيع و لكني لا أستطيع أن أفعلها بنجاحٍ كما البقية..فأنا كما تعرفينني أملك ذلك الخوف الغريب من الزحام و الذي يجعلني أشعر بصعوبةٍ في التقاط أنفاسي عندما أكون في وسطه..لعلي لهذا السبب أفضل السير وحدي و لو زحفاً نحو الجحيم -كما يخبرني الكثيرون أني أفعل- و لا أعلم حقاً كيف يملكون هذا اليقين بشأني بالرغم من أن لا أحد يستطيع أن يزعم بأن لديه تواصلٌ مباشر مع الرب لينبئه بالخبر اليقين!!.



#زين_اليوسف (هاشتاغ)       Zeina_Al-omar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إجماع
- نقاب
- إذن بالسفر
- و ثالثهم الله
- أستار الكعبة
- رجل الكهف
- قصة اغتيال نمطية
- هلوساتٌ في حوض ماءٍ ساخن
- القطعة الناقصة
- سيارة للدعارة
- خطأ إملائي
- -سيلفي- إسلامي
- اعتراف
- تصويت
- صداع الجمعة
- على الكنبة
- حج مسعور
- محمد بين الأقدام
- أوجاعٌ جنسية
- لوط


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - زين اليوسف - تفاصيل من الماضي التعس