جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 4666 - 2014 / 12 / 19 - 18:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تواصل لجنة أمنية شكلها رئيس الوزراء مهمة التفتيش عن الأسباب الحقيقة للهزيمة الكبرى في نينوى, وعيب هذه اللجنة الأساسي أنها تشكلت من عناصر هي من دائرة النظام المنهزم ذاته, لذلك ليس من متوقعا من هذه اللجنة مطلقا ان تضع يديها على الأسباب الحقيقة التي تكمن وراء الكارثة, لأن تشخيصا كهذا سيشير بكل تأكيد إلى ان الهزيمة العسكرية هي هزيمة نظام قبل ان تكون هزيمة جيش, وإن حقيقة كهذه من شانها ان تؤكد الحاجة إلى مساءلة النظام السياسي ورئيس وزرائه السابق نوري المالكي ورهط من أركان قيادته الأساسيين قبل مساءلة عبود كنبر أو غيدان والغرباوي, ولتمر المساءلة بعدها على مجاميع من المسؤولين ليس غريبا ان يكون بينهم أعضاء لجنة التحقيق ذاتها, فلا أحد يذهب إلى ذيل السمكة ويترك الرأس, وعادة ما تفحص السمكة من خياشيمها لا من زعانفها.
نعم, هزيمة نينوى لم تكن ابدا هزيمة جيش وإنما كانت في الملخص المفيد هزيمة نظام عجز عن بناء عقيدة سياسية وطنية ومؤسسة عسكرية ذات قضية تقاتل وتستشهد من أجلها , أما الجوانب الفنية ودور القيادات وسوء التخطيط والتنسيق فهي تداعيات لغياب المبادئ المركزية التي تُشغِل أو تُعطِل هذه الجوانب مجتمعة.
في حرب الثمانية سنوات مع إيران, كانت هذه الأخيرة تمتلك الكثير من عوامل النصر المركزية. من ناحية لا تشكل مساحة العراق غير ثلث مساحة إيران تقريبا وكان بإمكان إندفاعة إيرانية في الأراضي العراقية تقسيم العراق إلى نصفين, اما المقاتل الإيراني فلم يكن أقل شراسة من مقاتلي داعش ولا أضعف منه إيمانا بقضية الموت هدف الوصول إلى الجنة. وشاهدنا كيف ان المئات منهم كانوا يفجرون حقول الألغام بأنفسهم لغرض ان يفتحوا طريقا للمقاتلين الآخرين. ولم يكن ذلك قد اتى من فراغ أو نتاجا لموروث جيني يتفوق به الإيراني على غيره من الشعوب وإنما لأن دخول العراقيين إلى أراضيهم كان وضع في ايديهم قضية يقاتلون من اجلها إضافة إلى أن جذوة ثورتهم على الشاه كانت ما تزال مشتعلة ومجتمعهم متماسكا ومسحورا بشخصية الخميني.
على الجهة الأخرى كان العراقيون أيضا يمتلكون الكثير من مفاتيح النصروقدرات المطاولة في المعركة, وكان اثمن تلك المفاتيح شعورهم بأنهم يصدون عدوانا إيرانيا هدفه الإستيلاء على وطنهم تحت عنوان تصدير الثورة وإقامة (الأمة الإسلامية), ولم يكونوا حينها أقل ثورية من الإيرانيين ولا أقل إعتزازا بوطنهم كما أن زعيمهم صدام حسين, قبل دخوله إلى الكويت, لم يكن حينها أقل كاريزما من زعيم الإيرانيين الخميني وكانت في يده وفي خدمته أوراق إنجازات سياسية وإقتصادية هامة جعلت مجلة تايم الأمريكية تتحدث عن إمكانات لإنتقال العراق إلى خانة العالم الثاني في أقل من عشرة سنوات.
ويكفي للتأكيد على وجود هذه العوامل وفاعليتها في عملية الصمود ان الجيش العراقي الذي خلق تلك الملحمة كان أغلب جنوده من الشيعة وكذلك جزءا اساسيا من ضباطه وقادته, ومع ذلك, وفي مواجهة خصمهم الذي كان قد شغل بنشاط ماكنة التوجيه الديني والمذهبي فإن قضيتهم الوطنية هي التي تقدمت على أية قضية اخرى لتجعل من المقاومة والنصر تحصيل حاصل.
وقتها رفعت أمريكا ومن ورائها الغرب شعار اللاغالب واللامغلوب كخاتمة وحيدة للحرب, ولم يأتي ذلك بمعزل عن تخطيط يستهدف الوصول إلى تلك الخاتمة بل وإعتمادا أيضا على حساب عوامل التكافؤ على الجانبين, فلا الجانب العراقي كانت تعوزه عوامل النصر الاساسية ولا الجانب الإيراني كان يشكو من قلتها. وفي الختام خرج كلا البلدين المتحاربين بنصف نصر ونصف هزيمة.
إن أفضل ما تقدمه تلك الحرب من دروس هو ذلك الذي يتجلى في الحقيقة التي تقول انه لولا وجود قضية وطنية وأخلاقية كان يؤمن بها العراقيون وقتها, وكاريزما لقائد لم يكن فقد بريق شخصيته بعد, ومنجزات إقتصادية وسياسية ناجزة, لكان بوسع إيران ان تأكله في يوم وليلة.
في نفس الإتجاه تمنحنا الهزيمة العراقية الكبيرة في الكويت قدرا كبيرا من الوضوح لحساب تاثير غياب تلك العوامل عن رفد المعركة التي توفرت مع إيران حينها. ولسنا هنا بنية التقليل من تأثير عدم التكافؤ في الجوانب الفنية العسكرية بين العراق وقوات التحالف ولكن الإشارة إلى اهميته لا تقلل من أهمية العوامل المبدئية اللازم توفرها لضمان النصر او المقاومة الباسلة ألا وهي وجود قضية يجتمع عليها المقاتلون ويؤمنون بالدفاع عنها والإستشهاد من اجلها, فقبل ذلك خاض الفيتناميون في حربين من حروبهم الباسلة, الأولى ضد فرنسا, والثانية ضد أمريكا, حربين تكللا بالنصر الباهر, ولم يكن بمعيتهم سلاحا أقوى فاعلية من سلاح الإيمان بقضية وطنية واحدة وبوجود رجال مناضلين من أمثال جياب وهوشي منة.
ولو أن الجيش العراقي كان دخل إلى المواجهة في حرب الخليج الثانية بمثل ما دخل في الأولى لما قدر له أن ينكسر بتلك السرعة التي إنكسر فيها, لكنه كان دخلها وهو منهزم اصلا ولأنه لم يكن يشعر بانه يقاتل من اجل قضية, كما ان كاريزما قائدهم ونظامهم لم يعد بذلك البريق السابق بعد ان بدا الغش يطفو على السطح ممثلا بصعود القبيلة وممارسات العيال الذين كبروا إضافة إلى السياسة غير المعقولة والأقرب إلى الجنون الذي مثلها خير تمثيل قرار الدخول إلى الكويت الذي كان إتخذه صدام حسين بعيدا عن الشعور بالمسؤولية تجاه مصير شعب وجيش ووطن دفاعا عن دولة ونظام.
في نينوى كل عوامل الهزيمة كانت هناك.. جيش بدون قضية, وشعب مزقته الطائفية ونظام عمل جهده من اجل تغييب قضية الوطن الواحد بحيث صار اهالي نينوى يشعرون بانه جيش محتل وليس جيشهم, فإذا ما صفق هؤلاء لداعش في البداية فالعدالة تقتضي على الأقل إستدعاء الأسباب التي جعلت نسبة كبيرة من العراقيين يخرجون للترحيب بقوات الإحتلال الأمريكي, وقبل ذلك كيف قاتلت أحزاب طائفية شيعية مع الجيش الإيراني ضد وطنهم وشعبهم.
ليست النية هنا النيل من هذا الفصيل أو ذاك, أو تفضيل هذا المشهد على ذاك, وإنما نحن بصدد تأشير اهم مفاصل تاريخنا الحديث لغرض الإستفادة في رسم المشهد العراقي اللائق, فإن تطرقنا هنا إلى هزيمة نينوى فلغرض التشخيص المبدئي السليم لعوامل الهزيمة وصولا إلى إعادة رسم المشهد العراقي على اسس أخلاقية وعقائدية رصينة من شانها بناء قضية وطنية عراقية واحدة يقاتل من اجلها الجميع مع إنجازات سياسية وإقتصادية وإجتماعية توفر لعراق التاريخ والإنسانية فرصة أن ينتصر على نفسه لكي ينتصر لنفسه.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟