جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 4634 - 2014 / 11 / 15 - 20:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هنود عبدالجبار محسن
جعفر المظفر
أثارت المقالة التي كتبتها قبل يومين بشأن المناظرة التي جرت بين النائبين حنان الفتلاوي واللهيبي, أثارت ردودا إيجابية لدى البعض, لكنها أيضا أثارت شجونا لدى البعض الأخر, وأنا لا أتحدث هنا عن الشتامين الذين لا يملكون فما في وجوههم بل يملكون بدلا عنه فتحة لتصريف القذارة, وهل يمكن المراهنة على أن بإمكان بالوعة أن تفوح بالروائح الزكية.
ولقد كان هناك من ذكرني بمقالات جريدة الثورة التي كتبها عبدالجبار محسن بعد الهزيمة في الكويت وعلى إثر ما أسماه النظام بداية إنتفاضة الغوغاء, أوالإنتفاضة الشعبانية كما اسماها أصحابها , وقيل أنها كانت لصدام نفسها, وكيف أنها حملت ضغينة عنصرية ضد الشيعة وخاصة في مناطق الأهوار بعد أن إتهمتهم بشتى التهم ومنها التشكيك بأصولهم العربية بطريقة كان القصد منها الإساءة والإنتقام.
لهؤلاء الأخوة أقول أن تلك المقالات حينها كانت أزعجتني أكثر بكثير من إنزعاج أولئك الذين ظلوا لفترة طويلة داخل منظومة الحزب والسلطة, ولم يحاولوا الخروج منها, ثم نراهم الآن أكثر من يذكرنا بتلك المقالات اللعينة.
وبعضهم يتذكر ان موقفي حينها كان واضحا, فالمقالات تلك مازلت أعتبرها إحدى وصمات العار في جبين النظام الصدامي, وكنت تألمت منها كثيرا لأمرين على الأقل: شخصيا تضمنت هذه المقالات إساءة لي ولكل من ينحدر من تلك المناطق.
وإنما أذكر ذلك هنا لكي لا يزايد عليَّ أحد من خلال عروض قِرَدية بائسة, مثلها مثل تلك التي إعتاد أن يقدمها مخلوق مشوه قرر فيما يبدو أن يواصل وضع بصمته القذره على كل مقالة بت أكتبها. وأظنه, يوم كنا لا نبخل على النظام السابق بكل كلمات الإدانة على الأقل, كان هو من ناحيته ينعم في عسل الصمت إن لم يكن ينام في عسل الولاء لصدام أو حتى في عضوية الحزب على طريقة عبدالجبار محسن.
والأمر الثاني الذي آلمني من خلال تلك المقالات أنها كانت تمثل خروجا عنصريا على أبسط الأخلاقيات الوطنية والإنسانية, لأن جريدة الثورة وقتها كانت ناطقة بإسم الحزب الذي يقود الدولة, وكان من العار حقا ان يكون ردها على ما أسمته حينها بإنتفاضة الغوغاء ردا عنصريا مدانا. وهكذا تجلت لي الهزيمة في الكويت على شكل هزيمتين كبيرتين, إحداهما تلك التي تجسدت بالموقف العسكري الفاضح والثانية تلك التي إمتدت لتنال من قضايا وطنية وإنسانية بطريقة عنصرية فجة.
هذا الرد كان دفع على السطح بثقافة عنصرية وطائفية يبدو أن الحزب الوطني أو القومي أو الماركسي لا يستطيع ان يقتلعها من جذورها في عقول حتى البعض من قادته. وإن من الطبيعي ان يطرح ذلك وما يزال إشكالية كبيرة تتجلى في عمق الموروث الطائفي الذي غالبا ما يطفو على السطح ولو على شكل رد فعل, والذي لا يتمكن البعض من رجالات تلك الأحزاب على مقاومة فورانه فتصير مسألة إستدعائه ولو بشكل خدمي أو إنفعالي أو بدون وعي مسألة طبيعية جدا.
ثم إنني كنت رثيت لحال عبدالجبار محسن مرتين. في الأولى لإسفافه في طريقة تقديم الولاء, ولم يكن ذلك غريبا على طبيعة وسلوك المنافق والمرائي حينما يلهث لتقديم فروض الطاعة إرضاء لحاكمه فيقدم وثيقة براءة عنصرية من أهله, وليس براءة من عمل قاموا به.
لكني رثيت له في الثانية أكثر حينما راح بعد السقوط يبرئ نفسه من تلك المقالات السيئة الصيت ويلقي بذنبها على صدام نفسه. نعم كان لصدام صلة بما كتبه عبدالجبار محسن, وإلا لما سكت عليه أولا, ولوجد نفسه مجبرا على الرد بما يبرئه من تلك السقطة المشينة. أما سبب الشدة في رثائي له هذه المرة فمصدره هو هذه القابلية القِرَدية التي يختص بها الإنتهازي والتي تجعله متوهما أن الناس سوف تصدق ببساطة ما يقوله لمجرد أن يقوله.
وأجزم أن محسن لو ظل على ما كتبه لكان أفضل له أن يكون عنصريا من باب الموروث بدلا من أن يصير عنصريا من باب الوقاحة والإنتهازية أو من باب الرياء أو النفاق.
وأعرف أن الأحزاب الثورية والوطنية التقدمية لا تقدم وصفات سحرية لأعضائها, فهي لا تستطيع أن تجعلهم يتخلون بالكامل عن موروث إجتماعي ثقيل كالموروث الطائفي. وأعرف أيضا انه ليس سهلا أن يتخلى الجميع عن هذا الإرث الضارب الجذور في ثقافة المسلم كما لا يمكن المراهنة مطلقا على غياب الطائفية حتى عن مجتمعات لها تاريخ علماني طويل. ففي المجتمعات الأوروبية وفي أمريكا بدرجة واضحة هناك تمسك من قبل المسيحيين المتدينين بمذاهبهم ومذهبيتهم أيضا. ولذا فإن المراهنة على وجود مجتمع عراقي بلا طائفية هي ضرب من المثالية والخيال. وما نسعى إليه حقا هو قيام دولة تحرم الثقافة والتمييز الطائفي على مستوى مؤسساتها وتفرض قوانينا تساوي بين الجميع. وستكون هذه الدولة مسؤولة تدريجيا عن إشاعة وتكريس ثقافة لا طائفية وتجعل من يمارس التثقيف بالطائفية والتحريض عليها مسؤولا أمام القانون.
فإذا ما عدنا إلى قضية (هنود عبدالجبار محسن) فسنرى الإثم يتحرك في مخلوقَيْن, أولهما عنصريا لا يستطيع الإفلات من ثقافته العنصرية أو الإنتهازية, وثانيهما من يقف على الجانب المعاكس لكنه يذهب إلى تأسيس نظرية سياسية على هذا الإثم فيكون إثمه مساويا لإثم الأول.
عبدالجبار محسن كتبها أو صدام أو الإثنان معا. إدانة ذلك يجب ان يعلنها الجميع بشجاعة دون تسويف او تبرير يقول أن ذلك جاء كرد فعل على فعل, حتى ولو كان الفعل نفسه قد كان طائفيا.
فالوطني, وخاصة القائد او المفكر, لا يكون ضدا طائفيا أو عنصريا, بل ان عليه ان يكون ضدا وطنيا وإنسانيا في كل الحالات.
وسيكون من الحق التساؤل: إذا كان عبدالجبار أو صدام طائفيان وعنصريان, فلماذا لا نكون أفضل منهما , اي أن تكون ردود أفعالنا صادرة من ضد وطني وإنساني بدلا من ضد طائفي.
لماذا نذهب إلى تأسيس نظرية سياسية ..على إجتهادات مدانة .. بطرق مدانة.
إن الذي يكون رد فعله طائفيا على فعل طائفي تراه يطرب لخطأ الضد الطائفي, وهكذا هو شأن البعض من الذين يقفون إزاء قضية (هنود عبدالجبار محسن) فهو تعامل مع الخطأ وكأنه كان يتمناه.
ولولا الطائفية المتجذرة لهؤلاء لما تعاملوا مع تلك القضية بمنطق طائفي ولظلت الإدانة تتحرك في ساحة الرفض الوطني والإنساني الذي يمكن المراهنة عليه لبناء عراق موحد..
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟