|
نعلن الحبَّ عليكم
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4630 - 2014 / 11 / 11 - 20:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دون أن يشعر به أحد كالعادة، مرَّ "عيد الحبّ المصري"، الثلاثاء الماضي، الذي دشّنه الكاتبُ الكبير مصطفى أمين. ولهذا العيد حكاية. في ذلك اليوم عام 1988، شاهد الأستاذ جنازًا يمرّ بحيّ السيدة زينب، ولا يسير وراء النعش إلا ثلاثةُ رجال! فاندهش الأستاذ وسأل عن المتوفى وسرّ خلو الجناز من المشيعين! فعلم أنه رجل في السبعين، عاش عمرَه ولم يحب أحدًا، فلم يحبّه أحدٌ. فكتب الأستاذ في عموده "فكرة" بجريدة الأخبار، يستأنس برأى قرّائه في أن يجعل ذلك اليوم "عيدًا للحب"، لكي نتذكّر ونُذكّر بعضنا بعضًا بقيمة الحب. اليومَ، وبعد مرور أكثر من عقدين، أتساءلُ إن كان يجوز أن ننطق كلمة "حب"، دون أن نشعرَ بالخجل! هل عاد للحبّ مكانٌ بيننا وسط تلك الضغائن التي تملأ قلوب بعضنا تجاه البعض الآخر؟ هل يجوز أن ننطق كلمة (حب) وسط المذابح والدماء التي تُغرق الوطن العربي السعيد من محيطه إلى خليجه، بأيدينا لا بأيدي سوانا؟! هل لو نطقنا بها، سيضحكُ علينا أولئك "الأقوياء" ذوو القلوب الفولاذية الذين ينحرون الأعناق ويهرقون الدماء ويسبوْن النساء وهم يقهقون، ثم يخوضون في عقائدنا وأعراضنا ويرموننا بالكفر والزندقة والفجور لأننا نقول: ’أحبّوا بعضكم بعضًا يحببكم الله‘؟! هل نحن كفّارٌ هراطقة ملاعين لأننا نحاول أن ننعش في قلوب الناس تلك الملكة السماوية التي أمرنا اللهُ بها، ولكننا أمعنا في قتلها داخل أرواحنا بصلف وغرور، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من ويل ودمار؟! دعوني أقصّ عليكم حكاية رجل "كافر" أحب بشرًا لا يعرفهم ولن يتسنى لهم أن يقولوا له: "شكرًا لأنك أحببتنا يا عمّ!" أعلن الملكُ الفارسي أنوشيوان عن جائزة قدرها 400 دينار لمَن يقول كلمة طيبة. ثم راح يجول في أرجاء مملكته تصحبه حاشيُته. فشاهد فلاحًا عجوزًا تخطّى التسعين من عمره، يغرس شجرة زيتون. فسأله الملكُ متعجّبًا: لماذا تغرس شجرةَ زيتون لن تأكل منها، لأنها تحتاج إلى عشرين سنة حتى تثمر، بينما أنت طاعنٌ في العمر، ودنا أجلُك؟ فأجاب الفلاحُ العجوز: "السابقون زرعوا؛ ونحن حصدنا. كذلك نزرع نحن لكي يحصد اللاحقون.” فقال الملكُ: “أحسنت. هذه كلمة طيبة.” وأمر له بأربعمائة دينار. أخذها العجوزُ وابتسم. فسأله الملكُ: "لمَ ابتسمت؟" فأجاب الفلاحُ: "شجرةُ الزيتون تثمر بعد عشرين سنة، بينما أثمرت شجرتي قبل مولدها.” فقال الملك: "أحسنت! وهذه 400 دينار أخرى لقاء هذه الكلمة الطيبة.” فأخذها الفلاح وابتسم مجدّدًا. فسأله الملكُ: “ولمَ هذه الابتسامة الجديدة؟" فأجاب الفلاحُ: "شجرة الزيتون تثمر مرةً في العام، بينما أثمرت شجرتي مرتين!” فأمر له الملكُ بأربعمائة دينار أخرى، ثم مضى مسرعًا بعدما ألقى السلامَ على الفلاح. فسأله رئيسُ الجند: "لماذا مضيتَ قبل اكتمال الحديث يا مولاي؟" فأجاب الملكُ: "إن جلستُ إلى هذا الفلاح حتى الصباح، لنفدت خزائنُ الأموال، قبل أن تنفد كلماتُ العجوز الطيبة.” أن تحبّ أقرباءك وذويك، فأنت تشبه القطة التي تحبُّ أولادها، والأسد الذي يحنو على أسرته، ثم يفترس ما يشتهي من أجساد سواها. لكن أن تحبّ بشرًا لا تعرفهم، فأنت تستحق لقب: "إنسان". في هذا يقول "مارتن لوثر" الذي أنقذ أوروبا من صكوك الغفران التي ضحك بها رجالُ الدين على بسطاء الناس: “الإنسانُ العادي يميلُ إلى موافقة الجماعة التي ينتمي إليها. أماالعبقري فيشعر أنه ينتمي إلى البشرية جمعاء. ولذا فهو يخترق حدودَ الجماعة التي نشأ فيها ثم يخاطب الإنسانية كلها بلغة الحب." إنها الكلمة الطيبة التي قتلناها في أفواهنا، لنطلق ألسنَ التباغض والبذاءة والتلاعن والتكفير. متناسين ما ذكره القرآنُ الكريم: “ألمْ ترَ كيف ضرب اللهُ مثلاً كلمةً طيبة كشجرةٍ طيبة، أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء، تؤتي أُكُلَها كلَّ حين بإذن ربّها. ويضربُ اللهُ الأمثالَ للناس لعلّهم يتذكرون.” سورة إبراهيم. سوى أن الأشرار "لا يتذكرون" وتجتاحهم شهوةُ الدم وتطيير الرؤوس، فيغمضون أعينَهم عن أوامر الله. وأعلم أن مقالا كهذا لن يجد صدى في قلوبهم لأنهم اختاروا طريقَهم ونجدَهم الذي لن يحيدوا عنه للأسف، إلا لحظة الضعف والانكسار والأوب إلى الله. يشبهون العقربَ الذي شاهده الحكيم العجوز وهو جالس على ضفة النهر. وقع العقربُ في الماء، وراح يتخبّط محاولا النجاة من الغرق. فمد له الحكيم يده لينقذه، فلسعه العقرب. صرخ العجوز من الألم، لكنه مدّ يده من جديد، فلسعه مجدّدًا. وحاول مرة ثالثة، حتى وبّخه شابٌّ جالس يصطاد: “ألم تتعظ يا رجل!” فلم ينصتُ الحكيم للصياد وكرر محاولته حتى أنقذ العقرب. ثم سار إلى حيث يجلس الصياد وربت على كتفه قائلا: “طبع العقرب أن يلسع، وطبعي كإنسان أن أحبّ وأغيثَ الملهوف. فهل تريدني أن أسمح لطبعه أن يغلب طبعي؟" لهذا، سنعلن الحبَّ عليكم أيها الأشرار، ولن نتعلم منكم البغضَ والكراهة. وأنتم، كونوا كما شئتم. وكل سنة والطيبون طيبون.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنصريّ في سلة القمامة
-
رانيا وصاحبتها
-
فتاوى تكسيح الأطفال
-
كأننا نتعلّم (1)
-
فاطمة ناعوت -كاتبةٌ صحفية وشاعرة ومترجمة مصرية - في حوار مفت
...
-
أنا ابن مصر العظيم
-
استلهموا هجرة الرسول
-
أنا أعلق إذن أنا موجود
-
ماذا نفعل بالإخوان؟
-
أنا عاوزة ورد يا إبراهيم!
-
عيد ميلاد دولة الفرح
-
قرد فاطمة ناعوت
-
لا تقربوا الصلاة!
-
اطفئوا مشاعلَهم، نورُها يُعمينا
-
هل لدينا محمد يونس؟ 2-2
-
القطة التي كسرت عنقي
-
قرّاء العناوين والصحف الصفراء
-
رصاصة في رأس يفكر
-
والدليل: قالولووو
-
هذا قلمي بريءٌ من الدم
المزيد.....
-
من المشرق إلى المغرب.. حكايات الآثار الإسلامية
-
493 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
كيف سيتعامل الحزب المسيحي الديمقراطي مع حزب البديل؟
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من شرطة الاحتل
...
-
آلاف اليهود المتشددين يتظاهرون في نيويورك ضد تعديل محتمل لقو
...
-
مصر: ضجة بعد توافد أعداد غفيرة على مولد السيد البدوي..وعضو ب
...
-
-لا تنتقد اليهود-.. حرية التعبير في أوروبا موجهة ضد المسلمين
...
-
النحات ميثم العبدال يحوّل آلام الجد الفلسطيني إلى منحوتة بعن
...
-
اسلامي: تقنية الإشعاع تسهم مباشرة في رفع جودة المنتجات الزرا
...
-
بالفيديو.. السيدة مريم العذراء في الجمهورية الاسلامية الايرا
...
المزيد.....
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
المزيد.....
|