كأننا نتعلّم (1)

فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4623 - 2014 / 11 / 3 - 13:03
المحور: المجتمع المدني
    

مشغولةٌ أنا بقضية التعليم في مصر، لإيماني بمقولة ڤ-;-يكتور إجيو أن "مَن يفتح باب مدرسة بيد، يُغلق باب سجن باليد الأخرى"، فلا نهضة بلا تعليم. أوروبا لم تشعل نهضتها الكبرى (الرينيسانس) إلا بالفلسفات التنويرية والعلوم والآداب والفنون الراقية. في عهد مبارك، كتبتُ كثيرًا عن أحلامي في ملف التعليم، ولكن الأمور سارت من سيء إلى أسوأ، وفي 11/2/11، خِلتُ أن الوقت حان للنهوض بالتعليم، لكن مع 19 مارس، انكسرت أحلامي، ليس فقط الخاصة بالتعليم، بل بدأت أشكُّ في إنقاذ ثورة التهمتها التيارات الإسلامية. ومنذئذ، وحتى 30 يونيو 2013، انخرطتُ في معركة مصر العظمى ضد الظلام، فجمّدتُ حُلمي بتطوير التعليم، لأن مصرَ نفسها كانت تحتضر على مرأى منّا ومسمع. وبعد إسقاطنا أعداء مصر الإرهابيين، بدأ الحلم يتحرك داخلي من جديد، لكن أرجأتُ استئناف الكتابة حوله، بسبب سيولة الواقع السياسي وتبدّل الحكومات المتسارع. فلم أشأ طرح أفكاري على حكومات أعلم أنه مؤقتة لتسيير الأعمال. وها مصرُ الجديدة لاحت بوادرُها في الأفق، فدقّ في رأسي ناقوسُ الحلم يقول: إنْ اكتبوا عنّي وحققوني فقد طال كُموني.
سأبدأ سلسلة مقالاتي بعرض أمّ الأمراض التي تضرب في جذور الشجرة العربية، بشكل عام، بما فيها غُصن التعليم الهش الذي يوشك ينكسر. "الشكلانية”. للأسف نحن نؤدي "كل" مفردات الحياة على نحو قشري لا عمق وراءه. نحن أبناءُ ثقافة: "كأننا نفعل". "كأننا نعمل”: نذهب إلى أعمالنا ونقضي ثماني ساعات، والمنتج يقارب الصفر. “كأننا نستمتع": نحيا في فراغ ولا نعرف كيف نستغلّ أوقات الراحة على النحو الأمثل والأبهج والأمتع. والأمر ذاته ينسحب على كل مناحي الحياة. "كأننا نحبّ”: نخفق في إنهاض مَن نحب من شريك حياة وأبناء وأصدقاء وجيران! كأننا نتعبد لله: نؤدي الطقوس ونُغفل الإيمان ونسيء المعاملة! "كأننا نهوى الرياضة”: نشاهد ماتشات الكرة ونهلل ونصرخ ونتعارك، ولا نمارس ولا حتى رياضة المشي! وهكذا دواليك، حتى نصل إلى “كأنه التعليم": معلِّمٌ "كأنه يُعلِّم"، وطالبٌ "كأنه يتعلّم"، أولياءُ أمور "كأن أولادهم متعلمون"، ودولةٌ "كأنها توظّف خريجين متعلمين".
هذه التمثيلية الكبرى التي نعيشها تحت لواء "كأننا"، هي السبب الرئيس في تخلفنا، وإن لم نكافحها، ستنعدم تقريبًا كل فرص التنمية الحقيقية في المجتمع حتى ينتهي بنا الحالُ إلى خانة "كأننا نتطور"، "كأننا نعيش”، "كأننا قمنا بثورة”.
سلسلة مقالاتي هذه موجّه ليس وحسب إلى رئيس الحكومة، ووزير التعليم، والقائمين على منظومة التعليم، بل موجهة لكل مواطن مصري. لأن قضية التعليم، في أي بلد، هي مسألة "أمن قومي"، خاصة إذا تعلّق الأمر بمجتمع يحبو أولى خطواته نحو النور، خارجًا من كهف مظلم عاش فيه عقودًا طوالا. ولحديثنا بقية.

#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل