أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - والدليل: قالولووو














المزيد.....

والدليل: قالولووو


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4602 - 2014 / 10 / 13 - 09:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



كتبتُ كثيرًا عن ثقافة: “قالوا له" التي نتقنها نحن العرب خير إتقان، لأننا تعلّمناها منذ طفولتنا، فأصبحت تسري فينا مسرى الدم. سكرتيرتي تعمل معلّمةً في مدرسة ابتدائية. جاءها طفلٌ صغيرٌ وقال لها بالحرف: “والمصحف يا ميس، والكعبة الشريفة، ورسول الله، أنا شفتهم بعنيا دول بيقتلوا الناس في رابعة!” فقالت له المعلمة: “أولا متحلفش عشان ميصحش نحلف. وثانيا، أنت شفتهم بعنيك ازاي؟! وازاي رحت رابعة أصلا؟" فصمت الولد وأطرق خجلًا. فأنقذته المعلمةُ قائلة: “حد قالك وأنت بتردد الكلام زي ما سمعته، صح؟" فهمس: “ايوه يا ميس. عمو هو اللي قالنا كده!”
ولا شك عندي أنك لو استجوبت هذا "العمّو" سيعترف لك أنه سمع عن صديق، وهذا الصديق سمع عن صديق، وهذا الأخير ربما لا يدري شيئًا عما يتحدث عنه رفقاؤه عن لسانه.
هذا الطفلُ الذي أغلظ الأيمان بالمصحف والرسول والكعبة، بينما يجب ألا نقسم، وإن اضطررنا لا نقسم بغير الله، سوف يكبر ويغدو نموذجًا لملايين المصريين والعرب ممن يسمعون ما لم يروه بعيونهم، ثم يؤكدون إنهم رأوا رأي العين! ولا مانع من أن يقسموا على هذا الذي لم يروه أمام قاض في محكمة، فيُعاقبُ بريءٌ، أو يُبرأ مجرمٌ.
في مسرحية "شاهد مشافش حاجة"، سُئل الشاهد (اللي مشافش حاجة) "عادل إمام" سؤالا عن جارته القتيلة. فأجاب. ولما سأله النائب العام كيف عرفت؟ قال: "إن الناس قالولو.” فهتف النائب العام: “كذا وكذا وكذا والدليل: قالولوووو".
كم من جرائم إنسانية كبرى راحت ضحيتها قممٌ فكرية ورموز شاهقة من العسير على الإنسانية أن تعوضهم بسبب تلك الثقافة "الأُذنية" "الببغائية" البغيضة، ثقافة: “قالولو" فالذي طعن نجيب محفوظ، "قالولو" إنه كافر! وبفرض أن من حق إنسان أن يقتل إنسانًا لأنه لا يؤمن بعقيدته، وهذا قطعًا غير صحيح، إلا أن السيد الطاعن "المحترم" أصلا لم يرهق نفسَه ويقرأ للأديب رواية ولا قصة ولا مقالا ليعرف إن كان كافرًا أم غير ذلك، قبل أن يضرب خنجره في عنق الرجل العجوز الذي يتوكأ على عصاه. واللذان قتلا العظيم "فرج فودة"، الناس "قالولو هم" إنه عدو الإسلام، دون أن يقرءآ له حرفًا. ولو فعلا لتأكدا أنه أكبرُ ناصر للإسلام لو عرفا. لكنهما ضغطا الزناد دون أن يشقّا على نفسيهما بجهد القراءة؛ فهما أُميّان أصلا "مش بيفكوا الخط". وعُد بالزمن لتُذهل من كمّ ضحايا العرب ممن كُفّروا وأهينوا ونُفيو وخيض في أعراضهم بالزور والكذب؛ ومفتاح السر دائما: "والدليل: قالولو".
فلاسفة ومفكرون وأدباء عُذِّبوا وشُتموا وأهينوا وما يزالون يتلقون اللعنات من بشر لم يقرأوا كتبهم ولا قاربوا فكرهم. نصر حامد أبو زيد (العقلانية في تفسير النص)، الشيخ علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم)، خالد محمد خالد (من هنا نبدأ)، طه حسين‬-;- (في الشعر الجاهلي)، والقائمة تطول وصولا إلى الحلاج والسهروردي والنفّري وابن عربي، والعظيم العلاّمة الفيلسوف شارح أرسطو وصاحب اليد البيضاء على نهضة أوروبا "الوليد ابن رشد"، الذي قال بعدما اكتشف أن فكره أصعب من أن يستوعبه الجميع: “لا ترمِ نورَك للعامة.”
تلك إحدى محننا العربية المتجذّرة فينا منذ الطفولة. ثقافتُنا "سمعيةٌ"، وصوتُنا عالٍ، وضمائرُنا، دائمًا، مستريحة ونحن نسبّ ونلعن ونقتل. لهذا نعتَنا الغربُ بأننا "ظاهرة صوتية"، ولا شيء أكثر.
وإن خرجنا عن الدائرة العربية تصدمنا واقعة سقراط الذي تجرّع السُّمَ طوعًا، رافضًا الهرب، ربما حسب ظني، لأنه شعر أنه جاء في الوقت الخطأ. والحق أن كل تنويري يحسب أنه جاء في الوقت الخطأ، على غير الحقيقة. فلو جاء في زمان يناسب أفكاره التنويرية وحل على مجتمع مستنير، ما كان له دور ولا كان لمشعله رسالة.
كل قتلة التنوير عبر التاريخ لا يقرأون! لكنهم يقتلون دفاعًا عن الله الذي لا ينتظر دفاعهم، بل كان ينتظر منهم أن: “يقرأوا" "يتبيّنوا" "يتدبّروا" "يتفكّروا" و"يعقلوا" كما أمرهم الكتاب. لكنهم لم يفعلوا، ولا يفعلون، ولن يفعلوا. ولماذا يفعلون ومعهم دليل الإدانة وهدر الدم جاهزًا سهلا طيّبَ الثمر. الدليل: "قالولووو".



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا قلمي بريءٌ من الدم
- محمود عزب، أزهرىٌّ من السوربون
- بيان حول الكلمات الثلاث التي أغضبت البعض
- بيان بشأن الذبح في عيد الأضحى
- بيان د. حسام بربر بشأن أزمة فاطمة ناعوت مع قضية الذبح
- ليس بالخروف وحده تدخل الجنة | بقم أمير المحامي
- لنذبح فاطمة ناعوت | بقلم أمير المحامي
- رجلان وامرأة
- بيان توضيحي بشأن اللغط المفتعل حول موقفي من الدم
- هل لدينا محمد يونس؟ 2/1
- أول كتاب قرأته
- أبناء مدرس الرياضيات
- حتى لا نؤذي عيون الأحرار
- زغرودة من أجل مازن
- تخريب برمجة الروح المصرية
- زهور على جبين 57357
- إن لم تجد بشرًا، اصنعهم
- قصص الأنبياء، والكائنات الرخوة
- أين مضيتَ يا سميح؟
- الأم تريزا، أم الغلابة


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - والدليل: قالولووو