|
الأم تريزا، أم الغلابة
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4575 - 2014 / 9 / 15 - 13:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
“أنْ تأتي بألواحٍ من جَوزِ/ جُفِّفَت في الشمسِ عشر سنواتٍ/ وبعض مساميرَ ومطرقةٍ/ كي تصنعَ صندوقًا/ يماثلُ حجمَكَ/ ثم تجِّربَ مزلاجَه الذي ثبَّته من الداخلِ/ أثنتىْ عشرةَ مرّة/ لتتأكدَ أنه جيدُ الصنعِ/ وأنكَ إن دخلتَ/ لن تخرجَ بإرادةِ سواك. والآن/ بينما تَهمُّ بالدخول/ ترى فراشةً/ كنتَ قد صبَّرتَها داخل تجويفِ دماغكَ/ تحاولُ الخروجَ من إحدى عينيك/ سوف تفتحُ التابوتَ فورًا/ تودعُهُ أشياءكَ القديمة/ تدقُّ مسمارًا واحدًا/ وتمضي.”
***
أمٌّ، وعذراء. استمتعتْ بسماع تلك الكلمة الساحرة: “أمي" من ألسن ملايين الأبناء من البشر الضعفاء والأقوياء، رغم أنها لم تنجب على الإطلاق، ذاك أنها لم تتزوج. بل اختارت حياة الرهبانية والبتولية والعُذرية والفناء من أجل أطفال لم تحملهم في أحشائها. كرّست عمرَها لمحاربة عدو واحد، هي التي لم تصنع أعداء طيلة حياتها الشاقة. لكنها عرفت كيف تختار عدوَها. فالذكاء يكمن في اختيار الأعداء، لا في اختيار الأصدقاء وحسب. المثقف الكبير هو مَن يختار عدوَه كبيرًا هائلاً خطيرًا، حتى يكون النزالُ بين نِدّين كليهما كبيرٌ وقويّ. أيُّ نُبل في أن تختار عدوًا ضعيفًا كسيرًا، مهزومًا سلفا! لهذا اختارت تلك السيدة القوية عدوَها ذا بأس وجبروت، ويمثل خطرًا داهمًا على كامل المجتمع البشري. عدوُها الأوحد كان مرضًا خطيرًا يهدد الجنس البشري أطلقت عليه اسم: “مرض نقص الحب". كانت تؤمن أن لكل داءٍ دواءً، إلا مرضٌ واحد عزّ دواؤه ونَدُر. هو شعور الإنسان أن "لا أحد يحبُّه". لهذا استهدفت أولئك المرضى بعوز الحب ومنحتهم كامل حبّها، ثم حرّضت الآخرين الأصحاء على منح أولئك المرضى جرعات حب مكثفة، فكان كلٌّ يعطي بقدر طاقته، فيما بقت طاقتُها الخاصة على منح الحب، لا تباريها طاقةٌ بشرية أخرى. كانت تعلّم الناسَ كيف يحبون قائلة: “الأشياء التي تؤمّن لنا دخول السماء هي أعمال المحبة والكرم التي يتحتم أن تملأ وجودنا وأيامنا. آه لو عرفنا ماذا تفعل ابتسامةٌ مُحبة لمريض! هكذا نعلن من خلال ابتساماتنا أن الله يسامحنا إن تعلمنا كيف نحب المرضى ونساعد الفقراء، بهذا فقط نستحق أن يغفر الُله لنا خطايانا.” أحبّت مرضى الجُزام، الذين يهرب الناسُ منهم مخافة العدوى، واحتضنتهم وحملت أطفالهم المصابين المنبوذين وقبّلتهم غير عابئة بالميكروب الخطير الذي يفتك بالجسد. حوّلت معبدًا هنديًّا يسمى معبد "كالي"، وهو إله الموت والدمار عند الهندوس، إلى دار لرعاية المصابين بأمراض لا شفاء لها، لكي يتمتعوا بالحب والرعاية والحنو وقبول الآخر لهم في أيامهم الأخيرة. ثم توالت الدور التي أنشأتها لإيواء المنبوذين المصابين بأمراض مُعدية مثل: "مدينة السلام"، "القلب النقي"، "أخوة المحبة"، عدا مئات من دور الأيتام شعروا فيها كم هم محبوبون ذوو كرامة وعِزة. وارتدت طوال حياتها ثوبًا بسيطًا أبيض اللون مثل الساري الهندي، له إطار أزرق عند الكُمّين لكي يتعرف المحتاجون على الراهبات فيطلبون المساعدة. هي الراهبة الألبانية الأم تريزا. أم المرضى والفقراء والمجزومين واليتامى، التي ولدت عام 1910، ورحلت عن عالمنا عام 1997، بعدما نالت جائزة نوبل للسلام عام 1979. أيتها البهية النقية البتول، أحببتك دون أن أراك، كما أحبّك مليارات البشر في شتى أرجاء الأرض. ولأنك اخترتِ أن تغادري عالمنا يوم 5 سبتمبر، وهو موعد طيران أمي إلى الله، فأنا أعزّي نفسي فيكِ مرتين، لا مرةً واحدة. عزيزتي "نصف الدنيا"، كم واحدة منكن قادرةٌ على أن تكون مثل تلك السيدة العظيمة؟ دعونا نتبارى لأن نحذو حذوها ونمنح المحتاجين محبتنا لكي يحبنا الله. طوبى لكِ أيتها البتول، وطوبى لكل من تعلّم منك المحبة والحنو، لكي يصل إلى الله.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العيون النظيفة
-
حوار مجلة نصف الدنيا مع الشاعرة فاطمة ناعوت بعد فوزها بجائزة
...
-
عروس النيل
-
مصريون ضد الحزن
-
هنا قناة السويس
-
قَسَتْ أمي.... ودلّلني القراء
-
نجيب محفوظ، هل سامحتني؟!
-
إلا إيزيس يا داعش!
-
محنتي مع المثقفين
-
داعش أم الرسام الدنماركي؟
-
حوار مجلة (حواء) المصرية مع الشاعرة فاطمة ناعوت
-
الراهبات يا د. جمعة!
-
المسرح في المستشفى
-
الجهل، الحصان الرابح
-
داعش أم دولة الإسلام أم عمعيص؟
-
اقتلوهما كما قتلتم ابن رشد
-
من أرض مشروع القناة
-
من ينقذ كردستان الجميلة؟
-
تكبيرات داعش
-
دافنينو سوا تحت الوصايا السبع
المزيد.....
-
نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024
...
-
قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال
...
-
كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا
...
-
بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي
...
-
أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا
...
-
لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن
...
-
المتطرف -بن غفير- يعد خطة لتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى
...
-
فيديو/المقاومة الإسلامية تستهدف قاعدة ميرون -الاسرئيلية- با
...
-
-شبيبة التلال- مجموعات شبابية يهودية تهاجم الفلسطينيين وتسلب
...
-
المقاومة الإسلامية تستهدف مقر قيادة الفرقة 91 الصهيونية في ث
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|