أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - دافنينو سوا تحت الوصايا السبع














المزيد.....

دافنينو سوا تحت الوصايا السبع


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4536 - 2014 / 8 / 7 - 02:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان هناك شقيقان لديهما حمارٌ يعتمدان علىه في الارتزاق ونقل البضائع بين القرى؛ أسمياه: “أبو الصبر”. وبينما هما سائران في الصحراء بين قريتين، سقط الحمار ونفَق. فحزنا عليه ودفناه وأكرما مثواه، ثم جلسا جواره يبكيانه بِحارِّ الدمع. وكلما سألهما أحدُ المارة عمن يبكيان، أجابا بحرقة: “مات أبو الصبر، قاضي الحوائج، وحامل الأثقال، وموصّل البعيد، كان خيرنا وبركتنا.” فكان الناسُ يشاركون الأخوين البكاء ويقرأون الفاتحة ثم يضعون النذور والعطايا فوق القبر، ظنًّا منهم أنه عبدٌ صالح وشيخ جليل ووليّ مبروك. مع الوقت، بنى الشقيقان فوق قبر الحمار ضريحًا فخمًا ونصبا خيمة ثم بناية أنيقة صارت مقامًا، وصار صندوق النذور يمتلئ بالمال كلما أُفرِغ. ثم بدأ الكلام يملأ الآفاق عن كرامات “أبو الصبر” وكيف يفك العقد ويزوج العوانس ويُحبّل العواقر ويشفي الأمراض ويحقق المعجزات، فيأتي الناسُ من كل صوب يجزلون العطايا، وأثرى الشقيقان من أموال الفقراء والبسطاء والسذّج، الذين يبحثون عن “صنم” يُعبد، من دون الله. حتى جاء يومٌ اختلف الأخوان حول تقسيم المغانم، فصرخ أحدهما في وجه أخيه مشيرًا إلى الضريح: “والله لأشكونك للشيخ “أبي الصبر” لينتقم منك!”، فضحك أخوه قائلا: “أيُّ شيخ يا أخي؟! يبدو أنك نسيت الحمار! يا راجل ده احنا دافنينو سوا.”
هكذا تتم صناعةُ بعض المقدسات الوهمية التي يلزمها فريقان: 1- نصّاب كذوب ماكر، 2- ساذجٌ جهول غبيّ. فإن اجتمع الفريقان، تحولت حفرةٌ يرقد فيها حمارٌ إلى مزار مبروك، وتحول حجرٌ أصمُّ إلى صنم يُعبد، أو تحول رجل تافه لا قيمة له اسمه “سيد نفيسة” قتل زوجته وعذّب أولادها، إلى وليٍّ من أولياء الل، وصارت ابنته الجاهلة الطماعة الحاقدة القاسية إلى مبروكة يُخشى جانبها، كما شهدنا في المسلسل الجميل عميق الأثر: “السبع وصايا”.
قتل سبعة أبناء أباهم ليثروا بميراثه الضخم،ثم تفرّقوا في محافظات مصر بعدما أصبحوا طريدي العدالة، فاستغلت إحدى الممثلات المغمورات “أوسة” جهل الأبناء وطمعهم، وسخّرتهم لتنفيذ أطماعها بعدما أوهمتهم أن أباهم قد ترك لهم سبع وصايا عليهم تنفيذها لكي ينالوا ميراثهم الضخم، وبعدما أوهمت أهل الحار البسطاء المتعطشين لزعيم روحي، بأن هذا الأب الهالك وليّ مبروك. انصاع الأبناءُ ونفذوا الوصايا التي أودت بهم جميعًا إلى ارتكاب الجرائم ثم الموت، فنهبت “أوسة” الأموال، وصدقها الجهلاء ويظلوا يزورون ضريح الشيخ المزيف “سيد نفيسة” إلى نهاية الزمان!
لكن المسلسل يطرح، إلى جوار فكرة “صناعة المقدس”، فكرة مهمة أخرى. هي فكرة “الازدواج الأخلاقي”، وركاكة تعريف قيمة “الفضيلة”. فالمرأة التي ترفض أن تضاجع رجلا غير زوجها العجوز العقيم لتنجب الطفل، لأنها شريفة، لا يمنعها شرفها المزعوم هذا من إنجاب طفل بحيوانات منوية لرجل غريب مشبوكة في خيط الصوف، ولا يمنعها شرفها المزعوم من أن تنسب طفل السفاح هذا إلى الزوج العقيم، لتسرق ميراثه، بعدما تقتله بدم بارد. ذاك هو تقزيم مفهوم الفضيلة في مضاجعة فراش بين رجل وامرأة، أما الكذب والقتل وسرقة المال وخلط الأنساب، فلا تمسّ قيمة الشرف ولا تنتقص من الفضيلة!
كذلك طرح المسلسل ظاهرة “الكهنوت”، الذي يمارسه الخطاة، رغم أن الإسلام لا يعترف بالكهنوت. والكهنوت هو جعل وساطة بشرية بينك وبين الله، بينما قال تعالى عن نفسه: “ونحن أقربُ إليه من حبل الوريد”. أولئك الخُطاة يرتكبون المعاصي الجسام من قتل وزنا وسرقة وكذب، ثم، بدلا من أن يرجعوا إلى الله ويسألونه العفو والبراء من الذنب، يذهبون إلى ضريح السيد البدوي، أو غيره من أضرحة الصالحين، فيتبرّكون ويمسحون على قبره، ويضعون المال في صندوق التبرعات، فيظنون أنهم برئوا من خطاياهم، فيخرجون سعداء ليرتكبوا خطايا جديدة، مطمئنين إلى وجود الضريح الذي يغسل الذنوب! ذاك هو الشرك بالله، حين يلجأون إلى بشر لا حول له ولا قوة ليغفر لهم ذنوبهم، ظانين أن الله يقبل رشاوى المذنبين بجنيهاتهم، متناسيًا حقوق من ظلموهم؛ حاشاه. ومن الطرائف أن المبروكة، ابنة سيد نفيسة، اتهمت شابًّا بالسرقة فأوسعه أهل الحارة ضربًا أفضى إلى موته، فهبّ رجل بالدفاع عنه راميًا المبروكة بالكذب والتدليس، فدافع الشاب الضحية، قبل موته، عن قاتلته، لأنها “مبروكة”، وهاجم من حاول إنقاذه!
تحية احترام لكل من ساهم في هذا المسلسل الذي كشف مكامن جهالتنا وعورات أفكارنا لكي نرتقي بأنفسنا من أوحال الزيف. وتحية احترام لصناع تتر المسلسل وكاتب القصائد الصوفية الآسرة والموسيقى التي أضفت أجواء الرهبة والغموض على العمل الثريّ.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوف من جائزة جبران
- انتفضوا للأقرع، وباركوا داعش!
- باليرينا في سجن النساء
- تكفيريون في ثوب الميري
- القتل أرحم فظاعات داعش
- هل ندرس عملية الفرافرة؟
- سجينات الفقر
- أيها الشيطان، قرّ عينًا
- الدراما، آمرةٌ أمّارةٌ، أم مرآة؟
- ميرفت التلاوي، جبلُ الكريستال
- أستاذية العالم الداعشية
- لما كنا صغيرين
- سرقوا التلاجة يا محمد
- دريّة شرف الدين.. شكرًا
- -الشاعر- هاني عازر
- هل يعرف الداعشيون جبران؟
- العنف ضد المرأة
- الكاتب الداهية
- المجد للنباتيين يا آكلي اللحوم
- الفئران أول من يشعر بالخطر فتغادر السفينة قفزاً في الماء، يل ...


المزيد.....




- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين
- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه
- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...
- اسلامي: نعمل على كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العالقة بي ...
- اللواء سلامي: اذا تخلى المسلمون عن الجهاد فإنهم سيعيشون أذلا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - دافنينو سوا تحت الوصايا السبع