ميرفت التلاوي، جبلُ الكريستال

فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4518 - 2014 / 7 / 20 - 04:58
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    

عزيزتي نصف الدنيا

“أنا ملاكُ الفرح يا صغيرتي. أمَسُّ قلوبَ المُتعبينَ بريشتي، فتهدأ. مسَستُ قلبَ أمِّكِ هذا الصباحْ، ولم أتركْها، حتى ابتسمتْ.
البناتُ الجالساتُ تحت الشجرِ البعيد، يُطرِّزنَ فستانًا للصغيرة الجميلة. ثوبُكِ أبيضُ من أوراق الياسمين، مُطعَّمٌ عند الصدرِ بحبّاتٍ اللؤلؤ، وزهرِ الجوري.
عند المغرب، تدورين مع الصَّبايا الحِسانِ في الحديقةِ الواسعة. تنثرنَ الشموسَ والأقمارَ على صفحةِ السماءْ، فتُنيرُ الأرضُ في بُقعةٍ، وتُظلِمُ في أخرى. ثم يُعلِّمنَكِ كيف تلملميَن قَناني العِطرِ من أشجارِ الصَّندلِ والنرجسِ والعنبر، وتجولين بين أرجاءِ الفردوس الأعلى، لتسكبي الطِّيبَ عند أقدامِ الصالحين.
الآن دعيني أشبكُ زهرةَ الحِنّاء في جديلتك، فيغمرُ الفرحُ الأبديُّ قلبَك."

***
ميرفت التلاوي، جبلُ الكريستال


لا تنخدعوا في جسدها النحيل مثل عصفور يطيرُ برشاقة بين المؤتمرات الدولية والجولات الميدانية في قُرى مصر ونجوعها، ولا تستضعفوا ملامحها الحانية، وعينين تترقرقان بما يشبه الدمع، حين تحكي عن امرأة فقيرة محرومة من آدميتها، وصوتها الذي يتهدج وهي تسرد وقائعَ مخيفةً وسخافاتٍ عنصريةً وأحداثًا دامية تتعرض لها النساءُ والصبايا والطفلات في شمال مصر وجنوبها وأحيائها الفقيرة، ولا تستهينوا بقلبها الذي ترونه يذوب أمام عيونكم فيما تقصُّ إحصاءات مخجلة بما يذوقه الأطفالُ من ويل في العشوائيات والشوارع وتحت سفوح الكباري. فوراء كل هذا جبلٌ صلدٌ صمود تتكسّر على صخره العَصِيّ كلُّ النصال التي تتلقاها المرأةُ المصرية في نحرها وقلبها الواهن.
الدكتورة "ميرفت التلاوي"، سفيرة مصر الأسبق في اليابان والنمسا، والوزير الأسبق للتأمينات والشؤون الاجتماعية، والأمين العام للمجلس القومي للمراة، وأمينة لجنة المرأة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان. ابنة محافظة المنيا، وخريجة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الحاصلة على شهادة الديبلوماسية الدولية من معهد الدراسات الاستراتيجية، وعلى درجة الدكتوراه من معهد الدراسات العليا في جنيف، وأول سيدة من السلك الديبلوماسي المصري تنال لقب سفير ممتاز، والوكيل الأسبق لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا.
صوتٌ صارخٌ في البريّة لم يتوقف يومًا طوال عقود عن المطالبة بحقوق النساء المهدَرة جيلا بعد جيل، وعهدًا إثر عهد. تلك الحقوق التي، للأسف، كثيرًا ما تساهم النساءُ أنفسُهن في إهدارها بأنفسهن! لهذا تبدو التلاوي في كثير من الأوقات، كمن ينتزع حقَّ المظلوم من المظلوم نفسه، حين يتواطأ مع الظالم على نفسه! إما بسبب الجهل، أو بسبب القمع، أو بسبب استظلال الأنثى المظلومة بقسوة الذكر الظالم؛ خوفًا من مواجهة مجتمع قد يكون أشد قسوة وظلمًا من الذكر؛ على مبدأ: “ضِلّ راجل ولا ضِل حيطة"!
في مبادرة إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي حضرناه الاثنين الماضي 7 يوليو، بنادي الشرطة بالجزيرة، استضاف المجلس القومي للمرأة برعاية السفيرة ميرفت التلاوي، رئيسَ مجلس الوزراء، مهندس "إبراهيم محلب"، وسبعَ وزارات مختلفة، للتوقيع على الوثيقة التي أطلقها المجلس لمناصرة المرأة والتصدي للعنف الواقع عليها بألوانه.
وهنا، أوضحت التلاوى أن العنف ضد المرأة لا يعني، وحسب، الإيذاء البدني. بل أن هناك ألوانًا شتى من العنف منها الجسدي والجنسي والفكري والمعنوي والمادي واللفظي وغيرها. فالختان عنفٌ، وحرمانُ البنت من التعليم عنف، والزواج المبكر، والتحرش الجنسي، والبذاءة اللفظية، وحرمانها من الميراث والاستقلال المادي والملكية، كلها ألوان قبيحة من العنف ضد الإناث في المجتمع العربي.
أنشأ المجلس مكتبًا خاصًّا لتلقي شكاوى المرأة ضد العنف بكافة المحافظات المصرية وخصص خطًّا ساخنًا مساعدة الضحايا على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وأثمرت مطالباته على مدى سنوات ثلاث بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات بأن أصدر المجلس العسكري 2011 مرسومًا بتغليظ عقوبات التحرش الجنسي بما فيه التحرش الإلكتروني. كما وقّع المجلس بروتوكول تعاون مع وزارة الداخلية عام 2013 لحماية المرأة والسماح لمحامي مكتب شكاوى المجلس بتحرير محاضر لضحايا العنف من النساء والإطلاع عليها في أقسام الشرطة. وحتى في ظل حكم الإخوان الظلامي البائس 2013 نجحت المقاتلة الشرسة ميرفت التلاوي في انتزاع وثيقة مكافحة العنف ضد المرأة بالأمم المتحدة، ولاقى موقف مصر احترامًا وتقديرًا دوليًّا هائلا، خصوصًا أن الوثيقة قد أخرجت مفهوم العنف من ثوبه القزمي الضيق ليشمل ألوانًا أخرى مثل الفقر والإهمال الصحي والحرمان من التعليم.
لو علمتْ نساءُ مصرَ ما تفعله تلك السيدة من أجلهن، لشيّدن لها في قلوبهن تمثالاً من الكريستال النقيّ. ميرفت التلاوي، باسمي كامرأة مصرية، أشكرك.




***
من قصيدة: “صائد المريمات" | فاطمة ناعوت

#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل