أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - لما كنا صغيرين














المزيد.....

لما كنا صغيرين


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4516 - 2014 / 7 / 18 - 15:20
المحور: المجتمع المدني
    


لما كنا صغيرين
When We were Kids


أركضُ إلى حصّالتي، حيث أخبئ كنزي. أفتح بابها السريّ، ثم أفرغ ما بها على طرف سريري. أثبُ في الهواء، وأهبط متربّعةً، في جلسة "الكاتب المصري الفرعوني". ثم أشرع في عد قروشي. واحد، اثنان، عشرة، خمسة وعشرون، وهذه ورقة بعشرة قروش، وورقتان بجنيه كامل، وسبعٌ بقيمة ربع الجنيه، فيكون المجموع أربعة جنيهات وربع. تبدأ المشكلة الآن. ما الحيلةُ التي سأخرج بها من البيت؟ كل طلبات الخروج، عدا إلى المدرسة، ترفضها أمي بحسم، دون أسباب، ودون استئناف ولا طعن. تطفر دموعي وأصرخ: "لكنه رمضاااان يا ماما، وكل صحابي متجمعين لتزيين الشارع بالورق الملون والفانوس الكبير هنعلّقه بين العمارات في منتصف الشارع.” فتبتسم أمي وتوافق.
لا شك أن مغامرتي مع حصالتي وأمي، كانت تتشابه مع مغامرات كل أطفال شارعي القديم. نتبارى مع أبناء الشوارع الأخرى لنرى أيُّنا فانوسه أكبر، وزينته أكثر أناقة وأكثفَ لونًا. ولم ننتبه، إلا حين كبرنا، أن نصفَ أطفال شارعنا من صُنّاع زينة رمضان، كانوا مسيحيين. فشهرُ رمضان في مصر، لا يخصُّ المسلمين وحسب. إنه شهرُ الجميع، وبهجةُ الجميع، وصلاةُ الجميع لإله واحد مالكِ هذا الكون الشاسع؛ نعبده جميعًا، كلٌّ عبر رؤيته. ونحبُّه جميعًا، كما أحبَّنا هو ومنحنا الحياة وجعلنا شعوبًا وقبائلَ لنتعارفَ ونتحابّ ونتآخى.
يأتي رمضان؛ فلا يشبه أيَّ شهر آخر. ولا يشبهه أيُّ رمضان آخر يجولُ في العالم. يتفق المسلمون، وغيرُ المسلمين، على أن لرمضانَ في مصرَ طعمًا ونكهةً لا مثيلَ لهما في أية دولة آخرى. ما السبب؟ إنه سرًّ المصريين الخاص، منذ آلاف السنين، قبل نزول الرسالات. تعويذةٌ تصبغُ الأشياءَ بلون مصر، وتسبغُ على الأيام طعمَ النيل. إنها عبقرية المصريين في صناعة الفرح. المناسباتُ الدينية عندنا هي مناسبةٌ للحياة. حيث تلتقي السماءُ والأرضُ في معزوفة موسيقية ساحرة، ليست تشبه المقطوعاتِ السماويةَ الخالصة، ولا المعزوفات الأرضية الخالصة. مزيجٌ فريد. فقط في مصرَ، يأتيك من السماء، صوتُ سيد النقشبندي عند الفجر يشدو: "قلْ اِدعُ اللهَ، أو اِدعُ الرحمنَ، أيًّا ما تدعوه فله الأسماءُ الحُسنى"، ثم يأتيك عند المغرب شجوُ محمد رفعت مؤذّنًا؛ فلا تُخطئُ صوتَه بين ألف صوت عداه. الشوارعُ غارقةٌ في اللون والضوء والصَّخب. الناسُ ساهرون لا يعرفون النومَ في ليالي رمضان. يتجاوزون الفجرَ، وينتظرون حتى ينسلَّ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود. شهرٌ لا تميّز فيه المسلمَ من المسيحيّ. فالكلُّ يحتفل؛ كأنه شهرٌ مصريٌّ، وليس دينيًّا. المسيحيُّ يصوم مع المسلم؛ لأنه يؤمن أنه لا يليق أن يشبع وأخوه جائع. وإن باغته أذانُ المغرب في الطريق، سيجد الصِّبيةَ والصبايا يستوقفونه مبتسمين يلوّحون له بالخير. يفتح زجاج سيارته ويتناول كأسَ العصير وحبّاتِ البلح لكي "يكسر صيامه". فإن قال لهم إنه مسيحيّ، سوف يُفاجأ بأغرب ردٍّ في الوجود: "واحنا كمان، كل سنة وأنت طيب!" يحدث فقط في مصر؛ أن يقفَ مسيحيّون ليسقوا مسلمين صائمين، زارهم المغربُ وهم خارج بيوتهم.
كل سنة وأنتم طيبون. كلُّ سنة ومصرُ، مصرُ.

***
رائحةُ الشمع في فانوسي الملوّن
تشبه صوتَ النقشبندي:
مولاي
إنّي ببابِكَ
قد بسطتُ يدي،
مَن لي
ألوذُ به؛
إلاكَ يا سندي؟

فاطمة ناعوت
--



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سرقوا التلاجة يا محمد
- دريّة شرف الدين.. شكرًا
- -الشاعر- هاني عازر
- هل يعرف الداعشيون جبران؟
- العنف ضد المرأة
- الكاتب الداهية
- المجد للنباتيين يا آكلي اللحوم
- الفئران أول من يشعر بالخطر فتغادر السفينة قفزاً في الماء، يل ...
- متى ينام إبراهيم محلب؟
- ثاني رمضان، بلا إخوان
- المايسترو
- المتحرشون لم يفسدوا فرحتنا
- وجدي الحكيم، وحلم لم يكتمل
- الروث في مياه الشرب!
- أحمر باهت
- العذراء، وشمس الدين التبريزي
- المحاكمة داخل الكهف
- -فتحية العسال- وحصان عم محمد
- انتخبت بدمائها وطفلة تغني
- الخطاب الديني والتحرش، يا ريّس!!!!


المزيد.....




- بعد 200 يوم من بدء الحرب على غزة.. مخاوف النازحين في رفح تتص ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في قطاع غزة
- العفو الدولية تحذر: النظام العالمي مهدد بالانهيار
- الخارجية الروسية: لا خطط لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة إ ...
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بتهمة تلقيه رشى
- أستراليا.. اعتقال سبعة مراهقين يعتنقون -أيديولوجية متطرفة-
- الكرملين يدعو لاعتماد المعلومات الرسمية بشأن اعتقال تيمور إي ...
- ألمانيا تعاود العمل مع -الأونروا- في غزة
- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - لما كنا صغيرين