أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أول كتاب قرأته














المزيد.....

أول كتاب قرأته


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4589 - 2014 / 9 / 30 - 17:05
المحور: الادب والفن
    


"هي أنا الخلاسيةُ/ التي تركتَها سنواتٍ تُربّي شَعرَها/ في ضواحي إشبيليّة/ وتغزلُ مع الغجريات/ فساتينَ واسعةً/ بكرانيشَ زرقاءَ/ تناسبُ أحزانَ الفلامنكو.

بشرتُها/ لوّحتها الشمسُ/ والنجومُ سقطتْ/ لتُرصِّعَ جدائلَ/ جاوزتِ الخِصرَ/ تتماوجُ في الهواء/ مع قدمين/ تدقّان الأرضَ / على إيقاع الكاستينيت.


***
من الصعب نسيان "أولَ" مرة من كلّ شيء. أولَ لعبة، أول يوم في المدرسة، أول صديق، أول معلم، أول حب، أول كلمة تعلّمت كتابتها، أول بلد سافرت إليه، وطبعا أول كتاب قرأته.
بالنسبة لي، وبعد تجاوُز ميكي وسمير وتان تان، وألغاز "المغامرون الخمسة"، وقصص "المكتبة الخضراء"، لا أنسى أن أول عمل أدبي رصين قرأته كان: "أحدب نوتردام" للفرنسي فيكتور إيجو. وجدت الكتابَ في مِصعد العمارة وأنا عائدة من مدرستي. سمحت لنفسي "بسرقته" بعدما سقط من كرتونة يحملها حمال ينقل متاع أسرة قررت الانتقال من عمارتنا إلى السكنى في ڤ-;---;--يلا. كنتُ طفلة؛ بالكاد "أفك الخط". بدا لي العنوان طلسميًّا غامضًا فقررت أن أفهم.
كوازيمودو وأزميرالدا. نقيضان. الأول رجل مشوه الجسد قبيح الوجه. والثانية فتاة غجرية ممشوقة بارعة الحسن. أحدبُ، يحمل فوق ظهره نتوءًا شاذًّا جعل منه أضحوكة باريس القرن الثاني عشر، له عين واحدة والثانية ضامرةٌ مطموسة، وإن تكلم تلعثم. لهذا انتخبه أهالي باريس "أميرًا للحمقى" في احتفالهم السنوي الساخر. لم يكن كوازيمودو سوى لقيط وجده قسٌّ في فجر أحد الصباحات الباريسية القارسة على باب كنيسة نوتردام. تركته أمه خلسةً، ربما لدمامته وبشاعة تكوينه. فالتقطه القس ورباه وجعل منه أداةً طيّعة تنفذ أوامره دون تفكير. وأصبح كوازيمودو قارعَ الأجراس الضخمة بالكنيسة؛ مما أفقده السمع، فاكتملتْ عاهاته.
أما الجميلة "أزميرالدا"، يعني زمردة، فهي البنت الغجرية التي ترقص في احتفال الحمقى في صحبة عنزتها التي تجيد السحر. سمراء ممشوقة شعرها جَعِدٌ فاتن. تسلب ألباب الحضور، ومنهم قس الكنيسة، المتزمت، الذي سيحاول هباءً أن ينالها. فيخطفها ويسجنها في غرفة بأحد أبراج الكنيسة تمهيدًا لحرقها بتهمة السحر والشعوذة وفقًا لقوانين أوروبا القروسطية. يدخل عليها الأحدب محاولا مواساتها لكنها تجفل من بشاعته. أحبها لأنها الوحيدة التي لم تسخر من عاهاته وسقته جرعة ماء حين كبّله القس بالأغلال في ساحة الميدان عقابًا على مخالفته أمره وخروجه من الكنيسة استجابة لنشوة الفرح بلقب "أمير الحمقى"، غر واع بكمّ السخريات التي يضمرها شباب باريس فيما يتوجونه بالتاج الورقي الرخيص. هو أحبها. وهي أشفقت عليه. كان في وجودها، دليلٌ له على وجود الجمال الإنساني المكتمل. الروح والجسد. لذلك حارب البشرَ جميعًا من أجل الإبقاء عليها حيّةً. صدَّ بجسده المعوّق بوابةَ الكاتدرائية الضخمة فيما الباريسيون يحطمونها بجذوع الأشجار ملوحين بشعلات النيران طلبًا لرأس الساحرة الملعونة. ولما قتلها القسُّ في الأخير، لم ينتبه كوازيمودو لنفسه إلا وقد قذف بربيبه القسّ من البرج الشاهق ثم جثا على ركبتيه يبكيهما معًا قائلا جملته الخالدة: أولئك كلُّ من أحببت! ثم يدفن نفسه معهما حيًّا ليحفر الناس القبر بعد سنين فيجدون هيكليْن عظميين متعانقيْن، أحدهما لفتاة، والآخر لمسخ بشري معوّج الظهر. حين حاولوا فصل الهيكلين يتفتتان نُثار عظام صغيرة.
جعلني الافتتان بالرواية، أبحث عنها في لغات أخرى فقرأتها في ترجمات عن الفرنسية بالإنجليزية والعربية. نحن لا ننسى أول رواية قرأناها ولو بعد مائة عام. لا سيما إذا كان الكاتب فيكتور إيجوو. عرفت تفاصيل الكاتدرائية غرفةً غرفة وبرجًا برجًا وجرسًا جرسًا. وحين دخلتُ كلية الهندسة قسم العمارة بعد ذلك بعقد كامل درست الكنيسة في مساقطها الأفقية والرأسية كأحد أجمل القطع الفنية التي أفرزتها المدرسة القوطية Gothic Architecture في القرن الثاني عشر. شيء يشبه الحلم وأنا أتتبع بقلمي الرصاص كل خطوط الكنيسة. النوافذ الدائرية بزجاجها الملون المعشق، الأبراج الشاهقة، المنمنمات والحفائر والمنحوتات، الأجنحة الطائرة، تماثيل الملائكة التي تعدُ الخطّاءين بالمغفرة. حتى الأرشيدوق فرولو وكوازيمودو رأيتهما في المساقط داخل بعض أروقة الكنيسة وعند المذبح. كأنني أسير داخلها في صحبة الأحدب الذي لم أره إلا وسيمًا ساحرًا. وحين زرتُ باريس لأول مرة سألني الرفاق أين تريدين أن تذهبي؟ فرددتُ فورًا كنيسة نوتردام، بيتي الأول. أقف على ضفة نهر السين وأتأمل البناية الشاهقة، وألمح كوازيمودو يلوح لي من أحد أبراجها هاتفا: تعالي يا عزيزتي، فأنا أحبك أيضًا!



***
* من قصيدة "الخُلاسية" | ديوان "صانع الفرح" فاطمة ناعوت | دار "ميريت" 2012



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبناء مدرس الرياضيات
- حتى لا نؤذي عيون الأحرار
- زغرودة من أجل مازن
- تخريب برمجة الروح المصرية
- زهور على جبين 57357
- إن لم تجد بشرًا، اصنعهم
- قصص الأنبياء، والكائنات الرخوة
- أين مضيتَ يا سميح؟
- الأم تريزا، أم الغلابة
- العيون النظيفة
- حوار مجلة نصف الدنيا مع الشاعرة فاطمة ناعوت بعد فوزها بجائزة ...
- عروس النيل
- مصريون ضد الحزن
- هنا قناة السويس
- قَسَتْ أمي.... ودلّلني القراء
- نجيب محفوظ، هل سامحتني؟!
- إلا إيزيس يا داعش!
- محنتي مع المثقفين
- داعش أم الرسام الدنماركي؟
- حوار مجلة (حواء) المصرية مع الشاعرة فاطمة ناعوت


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أول كتاب قرأته