أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - زغرودة من أجل مازن














المزيد.....

زغرودة من أجل مازن


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4583 - 2014 / 9 / 23 - 21:29
المحور: الادب والفن
    


هل يجوزُ أن نسمعَ "زغرودة" مجلجلةً في دار الأوبرا؟! قطعًا لا يجوز!!! فدور الأوبرا، في أرجاء العالم، لها قواعدُها الصارمة وبروتوكولاتها الصلبة التي لا يصحُّ العبثُ بها. لهذا دائمًا ، في مقالاتي وأحاديثي، أسمي "دار الأوبرا المصرية": “دولة الأوبرا". لأنها دولةٌ مستقلة لها دستورٌ مُلزِم، ورئيسٌ يضبط القوانين، وكتيبةٌ ضخمة من العاملين تراقبُ تطبيقَ القانون بدقة، وشعبٌ متحضّر يحترم الدستور والقانون، هم روّاد الأوبرا في ملابسهم الرسمية الأنيقة، ثم طبقة الإنتليچينسيا والقوى الناعمة، التي تقدّم لذلك الشعب المحترم، الغذاءَ والدواء المحترم: (الموسيقى والباليه والأوبرات والديكور والإضاءة والأزياء.... )، وهُم فرق الأوركسترا، وقادة المايسترو، والعازفون، والصوليستات والراقصون والباليرينات والمطربون والتشكيليون ومهندسو الصوت والإضاءة ومصممو الملابس، …. الخ.
في دولة الأوبرا، لا تسمع إلا صوت الموسيقى الراقية، وفقط. ولا تشاهدُ إلا الجمالَ البشريَّ الحيَّ، وفقط. ولا تتشبّع حواسُّك الخمس إلا بالأنيق من القول والسلوك والأزياء، وفقط.
بعد كل هذا، هل يليقُ أن نسمع "زغرودة" فولكلورية يتردد صداها في فضاء المسرح الكبير يوم الاثنين الماضي 15 سبتمبر؟! ومِن مَن؟ من تلك الأديبة المفتونة بهذا المكان الآسر الذي لا تكاد تبرحه إلا لتكتب عنه، ومنحته في مقالاتها وأحاديثها لقب: "دولة الأوبرا؟!” "يا للهول!” بتعبير العظيم يوسف بك وهبي.
نعم، هي أنا السيدةُ التي كسرت بروتوكول دولة الأوبرا، وحطّمت في لحظة فرح لوائحَها المتحضرة التي امتدّت قرونًا طوالاً منذ نشأتها في إيطاليا عام 1600 وحتى نهاية الزمان! لم أتمالك مشاعري وزغردتُ حين شاهدتُ هذا الفتى الوسيم يصعد على خشبة المسرح، مرتديًا روب التخرج الأكاديمي الأسود، Academic Dress والوشاح الأحمر موشًّى باسم "جامعة المستقبل" ورابطة العنق الحمراء، معتمرًا فوق رأسه قبّعة الخريجيين الذي تعلوه شريحةٌ سوداءُ مربعة، كأنها كتابُ العلم والحياة!
فهذه السيدة، التي هي أنا، لم تكن في ذلك اليوم تلك الكاتبة التي تنشد الجمال الروحي والسلوكي وتعشق الأوبرا وتحثّ الناسَ على دخولها لكي يتطهروا من أدران التعاسة، بل كانت مجرد "أمٍّ" مبتهجة، وفقط. أمٌّ لا تكاد تصدق أن هذا الذي كان جنينًا في أحشائها، ثم وليدًا فوق ساعديها يرنو بعينيه للسماء، ثم طفلا لطيفًا يركضُ أمامها ليملأ الدنيا "شقاوةً" وفرحًا، ثم صبيًّا رائعًا يُدهش الجميعَ بذكائه وخفة ظلّه، ثم فتًى عنيدًا يناقش ويعترض ويتمرد، ثم شابًّا مليحًا يسرُّ الناظرين، هو ذاته الذي يتسلّم الآن شهادة تخرجه من الجامعة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف من رئيس الجامعة د. عبادة سرحان، ويصافح عميد الكلية. عبد الرحيم بدر، ويربت على كتفه د. طارق النبراوي، المهندس المثقف الذي فزنا به في نقابتنا، نقابة المهندسين، بعدما سرقها الإخوان منّا ستة عشر عامًا!
أنظرُ إلى طفلي في هيبة سموّه واقفًا بين زملائه على منصّة المسرح، وأتذكّر يومه الأول في الحياة، نُطفةً نحيلة تسبحُ داخل قلبي، قبل ميلاده بتسعة شهور. مازلتُ أحتفظ بورقة التحليل البيضاء المكتوب عليها (Positive+) التي تخبرني أن جنينًا ضئيلا يتحرك في جسدي فأطيرُ فرحًا أنا ووالده ثم نُصلّي لله ركعتي شكر، أنْ منحنا طفلا انتظرناه طويلا. هل أصبح هذا الفرحُ الصغيرُ، ذاك الشابَّ الفارعَ الأوسمَ الذي يحملُ الآن شهادةَ تخرجه ليصبح مهندسًا معماريًّا واعدًا، مثل والده، ومثلي؟! شكرًا لله الأكرم!
تمرُّ الآن في خاطري، كلُّ الوجوه التي صنعت هذا اليوم الجميل. من وجه "ميس أميرة" معلّمة طفلي في أولى سنوات دراسته بمدرسة "سانت فاتيما"، وحتى وجه أ.د. سمير صادق، أستاذ ورئيس قسم الهندسة والتخطيط العمراني بجامعة المستقبل، الذي منحه العلم والرعاية على مدى خمس سنوات بقسم العمارة، مرورًا بأساتذة الهندسة المعمارية أ.د. محمد العادلي، أ.د. أسامة الراوي، وغيرهم. مدينةٌ أنا لكل الذين ألقوا ثمارَهم الطيبة في سَلّة ابني وسلّتي، حتى يغدو مهندسًا موهوبًا مثل أبيه، الذي منحه من جهده وسهره وموهبته ما تعجز الكلماتُ عن وصفه. أشكرهم جميعًا لأنهم منحوني هذا اليوم الخالد في حياتي. ومن طرائف المقادير الطيبة أن كان د. سمير صادق أستاذي أيضًا، حين كنت طالبة في كلية الهندسة جامعة عين شمس، وزميل والد ابني الذي يتخرج الآن، وأكسرُ من أجله بروتوكول دولة الأوبرا.
بعد مراسم الحفل الرائع، ركضتُ إلى مكتب د. إيناس عبد الدايم، مدير دار الأوبرا المصرية، لأعتذر لها. هتفتُ: “سامحيني يا دكتورة لأنني خرقتُ دستور الأوبرا بزغرودتي!” ابتسمتْ فنانةُ الفلوت الجميلةُ حين قدمتُ لها "مازن" ابني، قائلةً: “ألا يستحقُّ أن تسامحيني من أجله؟!” وسامحتني، تلك الساحرةُ التي خرج من أجلها مثقفو مصر في اعتصام مفتوح، حتى حرّرنا مصرَ من الاحتلال الإخواني التعس.
دولة الأوبرا الجميلة، سامحي أُمًّا تجرّبُ الفرح.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخريب برمجة الروح المصرية
- زهور على جبين 57357
- إن لم تجد بشرًا، اصنعهم
- قصص الأنبياء، والكائنات الرخوة
- أين مضيتَ يا سميح؟
- الأم تريزا، أم الغلابة
- العيون النظيفة
- حوار مجلة نصف الدنيا مع الشاعرة فاطمة ناعوت بعد فوزها بجائزة ...
- عروس النيل
- مصريون ضد الحزن
- هنا قناة السويس
- قَسَتْ أمي.... ودلّلني القراء
- نجيب محفوظ، هل سامحتني؟!
- إلا إيزيس يا داعش!
- محنتي مع المثقفين
- داعش أم الرسام الدنماركي؟
- حوار مجلة (حواء) المصرية مع الشاعرة فاطمة ناعوت
- الراهبات يا د. جمعة!
- المسرح في المستشفى
- الجهل، الحصان الرابح


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - زغرودة من أجل مازن