أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عيد ميلاد دولة الفرح














المزيد.....

عيد ميلاد دولة الفرح


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4611 - 2014 / 10 / 22 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


كل مرّة، وبمجرد أن أنزل من سيارتي أمام درجات السلم الثلاث تحت القوس الكبير الذي يسبق بوابة المسرح الكبير، تبدأ الكماناتُ في التسلل إلى عقلي بهدوء وخفوت مثل قطعة من الفرو الناعم تداعب وجهي. مع كل خطوة أخطوها نحو الباب العالي، ترتفعُ أقواسُ الفيولين فوق أوتارها في أيدي العازفين، فتعلو النغمات شيئًا فشيئًا، مع ارتفاع عصا المايسترو الأصمّ العظيم، بيتهوڤ-;-ن، حتى، أشاهد، بعيون عقلي، طاقمَ الكورال في خلفية الأوركسترا، ينهضون عن مقاعدهم، وفي يد كل منهم دفتر أشعار "فريدريك تشيللر"، مفتوحًا على قصيدة "أنشودة الفرح"، ثم يبدأ الصوليست بصوته الجهوري الباص يُنشد:
"أيها الأصدقاءْ/ اتركوا هذا النشاذَ الصاخبْ/ وبدلًا منه/ تعالوا نُشعلُ الكونَ بلحنِ البهجةِ والفرح/ الفرح/ الفرح.
أيتها الفرحةُ/ أنتِ شرارةُ السماءِ الجميلة/ أنت طفلةُ الجنّة/ ندخلُ بكِ الفردوسَ نشتعلُ حماسةً/ نغدو كائناتٍ سماويةً/ نرنو إليكِ لأنكِ ملاذُنا القدسيّ الأخير/ سحرُكِ الخاصُّ يلملمُ ما تشظّى فينا بقسوة/ بيد التقاليد والأعراف/ كلُّ البشر سيغدون أخوةً/ حينما يحوّم فوقنا جناحاكِ الرقيقان.
كلُّ مَن كان محظوظًا حين يجدُ صديقًا/ كلُّ مَن وجد زوجة حبيبة/ دعوه ينضمُّ إلينا في أنشودة الثناء/ نعم/ بينما مَن يظن أن الأرض كلَّها لا تسعُ إلا روحه/ مَن لا يقدرُ على الحبَّ/ فليتسللْ بعيدًا عنّا/ وليغرقْ في دموعه.
كلُّ المخلوقاتِ تشربُ الفرحَ/ من ثدي الطبيعة/ الطيبون والأشرارُ على السواء/ يتبعون دربَ الزهور الذي تغزله لنا الطبيعةُ/ تمنحنا القبلاتِ والنبيذَ/ وتمنحُنا الصديق الوفيَّ/ حتى في لحظةِ الموت/ حتى الدودة الضئيلةُ منحتها الطبيعةُ أمنيةً/ فيقفُ ملاكٌ صغيرٌ يتضرّع أمام الله.
بحبورٍ وبهجة/ مثلما تتسارعُ شموسُ الله في أرجاءِ الأفق الهائل/ كذلك أنتم/ أيها الأخوة/ يجب أن تؤدوا أنشودتَكم/ بفرح/ مثل بطلٍ منتصر.
تعانقوا أيها الملايين/ هذه القُبلة السماويةُ هي لكلِّ العالم/ لأن فوق مِظلّة النجوم تلك/ لابد يسكنُ أبٌ محبٌّ/ هلا انحنيتم أمامَه أيها الملايين البشرية؟/ هل تشعرون بخالقكم/ يا أبناء هذا العالم؟/ ابحثوا عنه فوق مظلّة النجوم/ فلا شك أنه يسكنُ خلف النجوم.
الآن وصلتُ إلى مقعدي بالمسرح الكبير، وما أن أجلس، وسط الجمهور الحاشد، تكون آخر لكمة من القصيدة، وآخر نغمة من الحركة الرابعة من أعظم سيمفونيات التاريخ قد بدأت في الخفوت، ويُنزلُ بيتهوڤ-;-ن عصاه، ويستريح. ثم يبدأ شلال التصفيق في عقلي يهدر مثل طوفان، حتى يهدأ، فأعتدلُ في مقعدي، وأبدأ في فتح مسام عقلي وخلايا جسدي لأستعد لشلال النور القادم من خشبة المسرح.
هذا بالضبط ما يحدث لي في كل مرّة أزور فيها حبيبتي "دولة الأوبرا"، التي تطلقون عليها خطأ "دار الأوبر المصرية"، بينما أراها دولةً مكتملة الأركان، وحول هذا كتبتُ مقالا تفصيليا في مجلة "7 أيام" بتاريخ: 17 ديسمبر 2013 بعنوان "لماذا أسميّها دولة الأوبرا؟"
لماذا بالتحديد "أنشودة الفرح" والحركة الرابعة من السيمفونية التاسعة؟ لستُ أدري! ربما لأنني أذهب إلى الأوبرا لأغتسلَ بالفرح من أدران وأوجاع ومعارك الأسبوع. ربما لأنني أؤمن أن ما ينقص حياتنا هو الفرح. ربما لأنني أرى أننا، نحن المصريين، نجتهد أن نقتل الفرحَ في حياتنا وحياة سوانا بأيدينا، لسبب مجهول، ولصالح مَن؟ مجهول! ربما لأنني مؤمنة أننا يجب أن نؤدي كل طقوس يومنا بفرح وإلا ما استحققنا أن نكون عبادًا لهذا الإله العظيم الذي منحنا الحياة والفرح. نعبد اللهَ بفرح. نؤدي أعمالنا بفرح. نحبُّ الوطن بفرح. نحافظ على مصر بفرح. ندلّل أولادنا بفرح. نربّيهم ونعلمهم بفرح. نحبُّ جيراننا بفرح. نساعدُ الفقير والمريض والموجوع بفرح. نكتبُ بفرح. نقرأ بفرح. نصّرُ أن نمنح الفرح العميق ولو لشخص واحد كل يوم. نحبُّ بفرح ونلفظ أية لمحة من دنس أو كراهية تسللت إلى قلوبنا ذات غفلة.
هذا الشهر تتمُّ "دولة الأوبرا" الجميلة عامها السادس والعشرين يوم 10 أكتوير. في هذا اليوم أشكر كل من وضع طوبة في هذا الحصن التنويري الهائل، حصن الفرح البهي، لأنه يمنحني الفرحَ كلما اخترقت قلبي الهمومُ والكدَر. اليوم حقٌّ عليّ أن أقول:
كل سنة وأنت طيب أيها الخديوي إسماعيل، لأنك مَن شيّد لنا أول دار أوبرا مصرية عام 1869.
كل سنة وأنت طيب يا إمبراطور اليابان الذي أهدانا دار الأوبرا الجديدة بعد احتراق الأولى عام 1971.
كل سنة وأنت طيب أيها الرئيس محمد أنور السادات لأن قرار إنشاء دار الأوبر الجديدة كان في عهدك حتى وإن لم تحضر افتتاحها عام 1988.
كل سنة وأنت طيب يا كل شخص يعمل في دولة الأوبرا الجميلة، لأنكم تمنحونا الفرح.
كل سنة وكل خشبات مسارح الأوبرا طيبة، وكل مقعد وكل مصباح وكل آلة موسيقية، وكل ستارة وكل بساط وكل طوبة شرفة وكل قطعة ديكور بخير وفرح.
وأولا، وفي الأخير، كل سنة وأنت طيبة يا حبيبتي د. إيناس عبد الدايم، مديرة دار الأوبرا، لأنك تتحدّين كل الصعاب لتقدمي لنا كلَّ تلك الخوالد التي تملأنا بالفرح، حتى في أحلك اللحظات العسرة التي تمرّ بها مصر.
وكل سنة ومصرُ الجميلةُ طيبةٌ، ودار الأوبرا مصابيحُها مشتعلة، بفرح.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرد فاطمة ناعوت
- لا تقربوا الصلاة!
- اطفئوا مشاعلَهم، نورُها يُعمينا
- هل لدينا محمد يونس؟ 2-2
- القطة التي كسرت عنقي
- قرّاء العناوين والصحف الصفراء
- رصاصة في رأس يفكر
- والدليل: قالولووو
- هذا قلمي بريءٌ من الدم
- محمود عزب، أزهرىٌّ من السوربون
- بيان حول الكلمات الثلاث التي أغضبت البعض
- بيان بشأن الذبح في عيد الأضحى
- بيان د. حسام بربر بشأن أزمة فاطمة ناعوت مع قضية الذبح
- ليس بالخروف وحده تدخل الجنة | بقم أمير المحامي
- لنذبح فاطمة ناعوت | بقلم أمير المحامي
- رجلان وامرأة
- بيان توضيحي بشأن اللغط المفتعل حول موقفي من الدم
- هل لدينا محمد يونس؟ 2/1
- أول كتاب قرأته
- أبناء مدرس الرياضيات


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عيد ميلاد دولة الفرح