أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نعيم عبد مهلهل - الجوع عندما يكون قاسياً كالنساء ..(.........)















المزيد.....

الجوع عندما يكون قاسياً كالنساء ..(.........)


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1289 - 2005 / 8 / 17 - 09:44
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



الجوع عندما يكون قاسياً ..(كالنساء …….)

نعيم عبد مهلهل
(( والجوع قاس كالنساء العاريات ))
بيار جان جوف

قرص الرغيف وقرص الشمس لهما دورة واحدة . كذلك قرص القمر . العيون الحائرة لها دورة منتظمة أيضا . الدمعة الصادقة كذلك . والقبلة الدافئة . أما كيف ترتبط هذه الظواهر وتلك المشاعر بالجوع فهذا أمر يحتاج إلى مسح شامل لكل نظرة حزينة لبشر التكوين منذ آدم ع وحتى مجاعة دافور.
في قرى أفريقيا النائية هناك أغنية طوطمية تقول : بطني وفول الصويا في برج سماوي واحد .
تمنحنا مشاعر الجوع شعورا بمتعة سعادة الكشف عن عاطفة كالتي كنا نتمتع فيها بطفولة الأمس الذي لن يعود حين كنا نذهب زرافات إلى دور السينما لكي نبكي ونحن نتمتع بمشاهد الجوع في الأفلام الهندية وكانت تلك المتعة عبارة عن غموض في الأحاسيس والشعور باللذة المطلقة حين نرى الأم الهندية تتضور جوعا ووليدها الذي يكاد أن يكون بنحافة عود البخور وفي الليل تطل علينا كوابيس الجوع بعد فصل من الشكوى حين نجبر قبل النوم على تناول الخبز والتمر فقط .
عندما أتذكر تلك الليالي أساق إلى هاجس الاحتفاء بالرغبة إلى أن انصب نفسي ملكا على الجهات الأربعة ومع الحلم أدفن رأسي في الغطاء القطني القديم المليء برائحة يوريا التبول وأفترش سجاديد التمني كما تفترش الحمامة باطنها لذكرها المتعالي .
تسير كلمة الجوع مع حافلة التأريخ بموازات منتظمة ويبدو أن ألفة وصحبة حميمية تجمع بينهما وحين تقرأ في أصول الهجرات الشعوبية ترى أن الجوع هو وحده من قادها الى الأمكنة الجديدة ويبدو أنه سببا رئيسيا لفكرة الغزو قبل أن تكون فكرته طمع الملوك والرغبة بتسلط الضعيف على القوي أو لنشر مبادئ رسالة ما فطالما تقرأ في الميثولوجيات العالمية والمحلية ولادات خارقة أتت من بفعل جدب ما أو أن حافز الحصول على الغذاء هو الدافع لأرسال وهم المخلص كي يجلب معه الرخاء .
ومن التأريخ ..الى زمن الوصول الى المريخ تنطبع صورة الرغيف المدور بشكله المليئ بنتؤات القمح أو الشعير على الذاكرة البشرية فيزدهر هاجس التمني ومعه يزدهر الأدب الذي يكاد أن يكون الجوع والحاجة بعض خصائص ولادته الحقيقية . أنا جائع ..أذن أنا أستطيع أن أكتب جيدا .
يعتقد بافلوف وكان من النحافة بأنه يظهر للرائي أنه لم يذق طعاما منذ أيام : أن سايكولوجية الجوع هي سايكولوجية للذات الأزلية والشعور بها مرادف دائم عند عموم البشر وليس الفقراء وحدهم .
هذا يعني أن الجوع ليس أن تلوك الرغيف . القلب يجوع أيضا . العيون . رغبة الذكورة والأنوثة . لهذا فالبيت الشعري الجميل لبيار جان جوف القائل : والجوع قاس كالنساء العاريات . هو هاجس لأبعاد لاتنتهي من التصور ولكي أعطي هذا التصور خيالا من رومانس روحي أذهب بقسوتي الى رغبة تمني أمراة كانت تتمايل بوركيها كما تتمايل الغيمة في نسمة الصباح النشيطة فيشدني هول الذكورة الى فقر عجيب من الأستنكار والأستهجان حين اتامل بنطالي المثقوب وقميصي العتيق وجيبي الفارغ فيهزني رعاف الشعر وأنطق ببراءة القطط الولودة : ليت رغيف الخبز يصير درهماً . وليت بالدرهم أغوي هذه المراة ؟
تلك هي الدراما التي يتشح بها بيت الشعر هذا . ومعها حين أنتفض من أحاسيس خيال الجسد وأعود للرغيف المصنوع من دقيق شعير سني القحط أسمع أبي بسعاله الأسطوري وراتب البلدية الذي لايتجاوز بضعة دنانير يتلمس في مقولة الأمام علي ع وضعه الأسري وكآبته الملونة بقسوة نيكوتين السكائر اللف وهو يكرر عبارة الأمام علي ع الهائلة ( لو كان الفقر رجلاً لقتلته ) .
أنه بذلك يبغي غاية . فقط ليذكرنا أن لانتمادى ونطلب قروشا للذهاب الى بحيرة الدمع والعوم في تراجيديا فيلم ( أم الهند ) الذي بدأت أسراب االمكتئبين تنتظم امام واجهة السينما قبل بدء العرض ولأني لاملك أربعين فلسا للدخول فلقد بيقت على رصيف الشارع أسمع أغاني الفيلم من مذياع السينما واتخيل مأساة ام الهند وابكي .
هذا المشهد وغيره في أعتقادي هو من دفع شاعرا كبيرا مثل السياب ليقول في رائعته الشهيرة أنشودة االمطر : مامر عام والعراق ليس فيه جوع . وبسبب تلك الأسطرة المموسقة بنحيبي وانا أرى الأغنياء يمزقون الدمى من الملل بقيت حد هذه اللحظة أنتظر فرصة سانحة لأقرأ أنشودة المطر بطريقتي الخاصة ولو كنت مؤلفا موسيقيا لجعلتها اوبرا تفوق مأساة عايدة أو بجعات جاكوفسكي بألف مرة لكننا في بيت ابي المصنوع من اطواف الطين والدمع لم نحظ بشرف رؤية الكمان أو ملامسة خشب آلة العود كلما نملكه ان نجعل قدور الطبخ ( المطعوجة ) طبلاً نعزف عليه خيبة أن تلد في جنوب فقير مرمي بين حذاء الجندي الأجنبي وتأريخ حروب الطوائف والقرامطة وطف كربلاء ..
وهكذا تشربنا انهار الجوع . وتأكلنا أفواه الأرغفة وتمضي بنا المقادير الى أن نتطلع في كل مدونة الى عهد من أشباع الرغبات والبطون وهذا قد يكفل لنا نسيان أسى كلمات أبو الحسنين علي ع أو قسوة بيت الشعر لدى بيار جان جوف أو كآبة الصورة في نائحة السياب انشودة المطر .
فالجوع في رؤاه النفسية هو شكل من أشكال الحاجة وغريزة تولد بتأثيرات الأستلاب ولأن الجوع يكاد يكون دافع اولي للنظرية القتصادية أي كان شكلها فأنه يمثل في تصوري وأنا من عايشته جيدا انه قد يكون قدرا محسوبا بتعداد اللآله لوضع البشر . وتلك القدرية هي من ينبغي أن نحترمها ونسكن أليها حتى لو تركت فينا الحياة جلدا وعظما ونعود الى نص سومر الأزلي والقائل ( لقد أرادت الآلهة لي ذلك .والأنحاء الى تلك الأرادة واجب )
أذن لننحني لهذا الغول الذي يلتهم شهواتنا ويدفعنا لشم رائحة يوريا البول فقط وللذين مسحت الالهة على رؤوسهم بأصابع ناعمة لهم رائحة الشانيل والزعفران والياسمين . غير أن محصلة أزلية الحلم ونتاجه في كل مرة تميل لصالح رائحة اليوريا ولولاها لما تمتع العالم بأنشودة المطر ومراثي طاغور حين يقول : لم أكتب الشعر وبطني مملوءه لقد كنت أكتبه وانا جائع .
بهكذا رؤى أثر الجوع فينا وأثرنا به . صنع منا رواة للحلم وصنعنا منه دمعة دائمة في شمعة ميلاد السعادة . أرادنا أجسادا وسماء وأردناه رصاصة ورغيف . فتشفع لنا في أيوان الخلود وتشفعنا له في مصطلحات القواميس .عرفوه بأنه لعنة تصب غضب السماء على البشر . قلنا : كلا . تعريفه نجمة تضئ سماوات البشر بالأمل .
هذا هو الجوع . يفترضه الساسة غولا . أفترضه أنا امراة بكامل الحسن . يفترضه رجال الأقتصاد خزنة دولة نامية من دول العالم الثالث افترضه أنا خزنة من خزائن الشعر عندما يفتحها سارق مثلي كي يقتل جوعه بقطعة نقد ذهبية من نقودها فلا اجدها سوى غرفة مستطيلة يتمدد عليها أساطين مودة الحب . الخيام ، بودلير ، لينين ، مالك بن الريب ، جلجامش ، سبارتكوس ، روميو ، السياب ..كثر لاينتهون .
وهم وحدهم نزلاء فندق من خمسة نجوم يدعى فندق الجوع ..

أور السومرية في 16 أوغست 2005





#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية للزمن المفترض بصورته الفيثاغورسية
- ميثولوجيا الأهوار ..مستوطنات الحلم السومري والطوفان المندثر
- قلوب معلقة تحت أهداب الشعر
- غادر مبتهجاً وعاد مع سلة تمر
- أمنيات وجنود ورز التموين
- حب وعولمة وقبعة جيفارا
- ليل وطني أغنية للعشق
- لتكن أنت الأشبين
- مشاعر من ذهب لأمي وحبيبتي
- خاتم أمي الوحيد وتسريحة كوندليزا رايس
- قمر يولد من رحم وردة .أمي تصفق لتلك الندرة
- وطني ومعطف غوغول
- وخزة دبوس
- الفهارس في تصوف الأطالس أو رحلة السعيد الى القبرالبعيد
- رومانس لايعطله حزن امرأة او ذوبان وردة الثلج
- من جلب الشيشان الى سوق البزازين ؟ شيء من تسمية القماش وتأريخ ...
- حوار مع السيد عبد الهادي مرهون نائب رئيس مجلس النواب البحرين ...
- الشعر وأنكيدو ومفاتن صاحبة الحانة
- الشعر والمتغير الحضاري ..غيمة في بنطلون لمايكوفسكي إنموذجا..
- غيوم حمر لوطن أزرق وعيون خضر


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نعيم عبد مهلهل - الجوع عندما يكون قاسياً كالنساء ..(.........)