الأسطورة والتاريخ والدين

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 4574 - 2014 / 9 / 14 - 22:17
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

كثيرة هي الأشياء التي نختلف حولها وكثيرة القضايا التي نتفق أيضا في تصوراتنا المشتركة لها وهذا يعني أن المعرفة متمددة ومتنوعة كما هي قابلة للتحول حسب الدليل الذي نؤمن به, منا من يؤمن بالسماء وقيمها وما يأتي من السماء بأي حال هو محض حق ومحض يقين لا يحتاج إلى دليل لأن دلية نابع من نفس الإيمان الخاص ومن ذاتية هذا المصدر, هذا الإيمان الفطري إيمان تسليمي سلبي من وجه وإيجابي من وجه أخر ولكن عند المتمسك به هو عين الصواب.
هناك الإيمان الأكثر عقلانية حينما يجعل من السماء وما ورد منها محل المحرك العقلي الذي يدفع دوما باتجاه أمتحان الفكرة ليست لأنها فقط فكرة ولكن ليجعل من العقل المسئول عن هذا الإيمان بموجب ما أعدت السماء له من قدرة طبيعية وبالقوة ليكون كذلك, وهنا العقل يفرق بين ما هو ثابت ومتوافق بثبوتيته من العقل ومنطقه وبين من هو في دائرة المتحرك المتبدل بطبعه وأيضا بموجب ما هو منطقي وعقلاني محض.
وأيضا هناك فهم لا ينحاز للسماء ويقينيتها ويرى فيها مجرد قضية عقلية خاضعة للبرهان والتجربة العلمية ولا بد من أن تمتحن أسوة بكل القضايا الفكرية ولكن بدوره أيضا لا ينكر مصداقية السماء ولكن ليوثق إيمانه بالدليل العلمي والعملي ,فهو يتعامل مع الإيمان من دائرة الشك واليقين.
لكننا نجد أيضا هناك من لا يؤمن بالسماء ولا بالغيب ولا كل فكرة لا تستند بأحقيتها في أكتساب اليقين والتصديق مالم تتوافق مع القواعد العلمية التجريبية وتطرح فرضيتها للبرهان العلمي والعملي بتجرد من دون سبق الإيمان بها ولو بمقام التشكيك مفترضا القطيعة بين العلم والإيمان حتى يثبت العكس بموجب قواعد العلم والتجربة الحسية.
هنا نستكشف أن الإيمان بالفكرة من عدهما بالصور السابقة دوما محكومة بالنسبية ولا يمكن اعتماد منظومة موحدة تجمع هذه التصورات فهي تبتدئ من الإيمان الفطري البدوي المبسط لتنتهي في شبكة معقدة من الوسائل والمفاهيم التي تصنفها على أنها من الحقائق العلمية المؤكدة والمجزوم بيقينيتها بموجب ما يصل إليها النظام العلمي الحسي وما وضع له أصلا من أشتراطات ومستحقات لا بد أن تحترم بصرامة وتتبع بالدقة العالية, وحتى هذه الحقائق لا تعد ثابتة طالما لم يظهر دليل يمكن به نقضها ولو من باب الأحتمال الممكن على المدى الزمني اللاحق.
في موضع بحثنا هنا يختلط ما هو سماوي بما هو علمي ليمر ايضا بالأسطورة كونها شكل من أشكال المعرفة التي تصنع صورة ما للفكرة ذاتها يختلط فيها الغيبي مع الحسي والخيال دوما حاضر ويلعب دورا إلهاميا في صنع الفرض وفي تصور النتيجة لذا فمن الممكن أن نصطدم بالمتعارضات في الإقرار بما هو حقيقة نسبية وبين ما هو مجرد تصور يفتقر للدليل, لذا علينا أن نفهم أن كل ما نصل له يبقى محل تشكيك ومحاولة لقراءة اخرى وجديدة وفقا لتطور وسائل البحث وانتظارا لكل جديد على مستوى صنع المعرفة وعلى مستوى أدراكنا معنى النسبي من المطلق.
لا نجزم بشيء ونعده نهاية المطاف هي قراءة تحاول أن تُناغم بين الديني كما نزل وبين العلم وتجربته في الوجود ليس خلطا بينهما ولا إسقاطات لمفاهيم العلم على قراءة الدين ,ولكن هنا يتمحور الجهد على المشترك من الفهم المشترك بالفرض وبالنتيجة دون الانحياز إلا للدليل العقلي السليم الذي يمنح الفكرة مشروعية للاتصاف بنوع من اليقين الذي يبقى محل احترام حتى يقوم العكس وأيضا بالدليل المؤكد واليقيني.
منهجنا لبحثي سيقوم على أستعرض الفكرة بجوانبها الثلاثة حسب تدرجها التأريخي من الأسطورة وتنوعاتها من حيث الشكل ومن حيث لتصور لنهائي وما تريد ان تقوله الأسطورة من فكرة ولو بالإيجاز الذي لا يفقد جوهرها, مرورا بما هو ديني بالنصوص خارج الخيال والفهم المبسط والعمومي مستعينا بالنص كقراءة مترابطة وليس النص المجزأ الذي يشير لروح الانتقائية, لنصل في نهاية البحث لما توفر من دلائل العلم والتجربة الحسية من وقائع ومفاهيم أمن بها وأعتمدها ولو بنسبيتها الخاصة التي هي دوما محل شك, لتكتمل صورة المشهد البانورامي الموسع وندع عندها العقل يستخلص الفكرة النهائية ويصيغها على الشكل الذي يترسخ بنوع من اليقين الذاتي بها.

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات