أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - ما أجمله ذلك الصيف!















المزيد.....

ما أجمله ذلك الصيف!


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 4564 - 2014 / 9 / 4 - 16:08
المحور: الادب والفن
    


ذات يوم في بداية بداية صيف من النصف الثاني من السبعينات، جلسنا نحن الخمسة في مقهى البستان: المرحوم د.ماهل السودا والذي كان حينها يدرس مثلي الادب الانجليزي والمرحوم عيسى بعجانو (الفنان هيشون) الذي كان قد درس الرياضيات ولكن اهتماماته كانت بالمطلق في مجال الثقافة والفن وكان قد أصدر حينها مجموعة قصصية (لا أتذكر عنوانها بعد هذه السنوات الطويلة لأنني بعيد عن كتبي والذاكرة لاتخدم بالشكل المناسب والتفاصيل المطلوبة ولكنني أتذكر قصة ضمن تلك المجموعة حكى فيها عيسى عن "شلالو" دائم الترحال وكتب بتلك القصة موالا يقول فيه: "هب الهوا على بستاني وانا صغير...وكسر روس أغصاني وأنا صغير...ويا ربي لاتموتني وأنا صغير ولا تحرمني من شمات الهوى..." ) وأما ثالثنا فكان الصديق محمد ادريس الذ كان يدرس الأدب الفرنسي إلا أن اهتماماته كانت بالتصنيع والرابع كان الصديق الفنان محمد أسعد (سموقان) الذي كان يدرس حينها في قسم اللغة الفرنسية... وقررنا أن نستثمر جيداً في ذلك الصيف وأن نلتقي يومياً في مكتبة المركز الثقافي باللاذقية التي كانت وقتها بعد البلدية القديمة و بالقرب من "سوق الصوف"...محمد ادريس اعتذر قبل نهاية الجلسة أنه لن يستطيع لأن مشاغله كثيرة وأما أربعتنا فقد التقينا بالفعل في اليوم الأول وملأنا استمارات استعرنا بموجبها الكتب التي نريد وجلسنا حول طاولتين وبدأنا القراءة بشغف...كانت "قاعة المطالعة" تعج بالبشر وكان المنظر جميلا حيث الناس تقرأ...في اليوم التالي اعتذر الراحلان ماهل السودا وعيسى بعجانو لأنهما انشغلا ...وأما الصديق محمد أسعد وأنا فكنا هناك في الموعد المحدد واستعرنا الكتب المرادة كالمتفق عليه...كان هناك اختلاف في المنظر عن اليوم الذي سبق فقد كانت هناك بعض الطاولات تخلو من القراء..تابعنا القراءة حتى نهاية الدوام كالمعتاد...في اليوم التالي جئنا كما في اليومين السابقين ولكن لدهشتنا فلم يكن هناك غيرنا في القاعة..فاقترح أمين المكتبة أن نجلس حول طاولة واحدة ففعلنا وجلسنا متقابلين وقد كانت الطاولة مستطيلة الاطار لكن سطحها بني على شكل نصف هرم...بقينا حتى نهاية الدوام وانصرفنا...وفي اليوم التالي تكرر المشهد لكن بإضافات جديدة من أمين المكتبة فقد أطفا المصابيح الكهربائية المتدلية من السقف من فوق جميع الطاولات إلا تلك التي نجلس حولها..ولاحظنا أن الغبار تمت ازاحته عن الطاولة التي خصصها لنا فقط وأما بقية الطاولات فكانت مغبّرة...بقينا هكذا حوالي الشهر نأتي يوميا في الوقت المعتاد ونخرج بنهاية الدوام...وأثناء تلك الفترة نشأ نوع من الألفة بل التفاهم بيننا وبين أمين المكتبة الذي كان يظهر شيئا من الاعجاب بمواظبتنا ولكنه بنفس الوقت يتمنى في داخله (حيث فضحه سلوكه) لو كنا أخف ظلا من ذلك، ومع مرور الأيام تشجع ليسألنا فيما ان كنا سنغادر القاعة، قل، خلال الساعة القادمة لأنه سيحتاج للوقت لشراء بعض الحاجيات من السوق...! وهكذا سارت الأمور حتى قال لي محمد أسعد بأنه سيبدأ مع عيسى بعجانو مشروعا جديدا في الرسم وسيقدمان اللوحات في معرض تحت عنوان "الحضارة الأوغاريتية"...وهكذا بقيت بمفردي أرتاد قاعة المطالعة في المركز الثقافي غير عابئ بالغبار الذي بدأ يتراكم على جوانب الطاولة نفسها التي أجلس حولها لأقرأ...ولكني اضطررت أن أتوقف بعد أيام لسبين أولهما أن أمين المكتبة كان يتكلم هاتفيا بصوت عال عدة مرات وفي كل مرة يكرر هذه العبارة: "لا والله أستاذ ما في حدا الا واحد...ما في غيرو..." يستمع للآخر على الجانب الثاني من الخط ثم يتابع: "لا والله يا أستاذ ما في غيرو..!"وكأنه يقول لي بشكل غير مباشر كم أنت ثقيل على صدري بوجودك...! وتحاشياً لسماعها بشكل مباشر وربما بكلام أوضح قررت أن أتوقف عن القراءة داخل المركز تذلك الصيف! والسبب الآخر هو أنني شعرت بالوحدة بعيداً عن الأصدقاء....
***
لم يمض الطويل من الوقت حتى اتصلت بالأصدقاء محمد وعيسى لأسألهما أين ينفذان مشروعهما حيث أبتغي زيارتهما فوصفا مكان المرسم لي: "الزقزقانية...تأتيها من جهة كذا...ترى أرضا فسيحة الأرجاء في وسطها يوجد بيت ترابي وأمامه شجرة توت...والجو مشجع على القراءة والرسم..." في اليوم التالي وعند الظهيرة حملت كتاباً بيدي وقصدت المرسم الموصوف.. في الطريق إليهما كان الحر لايطاق رأيت الأرض الموصوفة ومن بعيد لمحت الغرفة الترابية ـ المبنية بما يسمى في الدوائر العقارية عادة "الحجر الغشيم" المسقوفة "بالقسع والبلان"ـ وباقترابي أكثر لمحت عيسى واضحاً عند الباب..كان الجو في داخل المرسم مختلفا عما في خارجه بدرجات واضحة فالاعتدال سمة واضحة للجو في الداخل ولا أثر للحرارة التي رافقتني في الطريق...وأما ما رأيته من اصطفاف اللوحات فكان يحكي عن انهماكهما في ذلك المشروع...وكانا قد أعدا الكثير قبل البدء بالمشروع فقد كانا من أوائل الحضور في كل ندوة أو فعالية تتحدث عن أوغاريت ولم يفتهما مقابلة كل من كان مهتما بحضارة أوغاريت مثل الراحل جبرائيل سعادة (كابي) وكذلك قراءة كتابه وكتبا أخرى عديدة مترجمة عن أوغاريت...عند تعريفي بما أنجزاه من اللوحات توقفا وقتاً طويلاً أمام كل لوحة وتكلما بما فيه أكثر من كاف عن اللوحات...أما أنا فكانت ترن في أذني عناوين اللوحات...تحرير العبيد عن الأوغاريتيين...نظام السقاية عند الأوغاريتيين...(...) عند الأوغاريتيين...و(...) لدى الأوغاريتيين...وفي رأسي لمعت فكرة أنني أريد أن أرسم وبطريقتي عن الأوغاريتيين...ولكنني ترددت لبضع دقائق في البوح بتلك الفكرة، ثم تكلمت بصوت مسموع أنني أرغب بالرسم، أو التجربة في الرسم، ولكن ما يمنعني هو أنني لا أريد أن أهدر المواد التي بحوزتهما لكنهما طمأناني أن لا شيء يتلف ومن الممكن إعادة استخدام الاطار الخشبي والخام مرة أخرى...وهكذا، وبكل كرم وسخاء، سلماني اطارا خشبيا شدا عليه قطعة من القماش "الخام" وأعطياني مجموعة من الأقلام والألوان ايذانا بالبدء...اتخذت في زاوية من ذلك البيت مرسما لي، وجلست على الأرض... لم أكن أفقه إلا ما هو أقل من القليل في ذلك المجال ومع ذلك قررت أن أرسم وبدأت الرسم والتلوين......رسمت امرأة عارية مستلقية على الأرض وعند رجليها يقف رجل....وللحظات شعرت بنفسي أنني أصنع تحفة فنية فكنت أقف وأمشي بضع خطوات ثم أنظر الى "لوحتي" وأعود لأضيف شيئا أو أغير خطا أو لونا....وعندما انتبها محمد وعيسى الي سألا ما هذه؟ قلت "طقوس متخيلة عند الأوغاريتيين" فضحكا بصوت عال جدا...عندما انتهيت قلت لهما أنجزت لوحتي...لم يحبطاني ولم يقولا عنها أي كلمة سلبية بل كانا في غاية الحرفية يقيمانها بأنها لا تخلو من ضربات لعب فيها الاحساس دورا كبيرا...وهكذا لم يتلفانها في الحال...وانتقل مكان "لوحتي الفنية" من الزاوية الى القرب من الباب ثم لاحقاً إلى خارج البيت، نتيجة لتراكم اللوحات، لتستقر بعدها تحت الشجرة المظللة..والطريف أن الزوار من الأصدقاء كانوا يتوقفون عندها بعضهم يتساءل عنها بإعجاب والبعض الآخر (ممن يعرفون في الفن) ينظرون إليها ويصمتون...! انتهى الرسم وانتهت الاستعدادات للمعرض الفني عن حضارة الأوغاريتيين...وأما لوحتي فلم أهتدي إليها سبيلا بعد ذلك..لكنها بقيت ذكرى طريفة وجميلة أستعرضها بعد هذه السنين فتمتلىء نفسي بمشاعر مختلطة عن كل شيء.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باقة ورد مرفوضة
- قبر لمن لا قريب له
- ليتها بقيت اسما بدون صورة!
- رحلة في خيال وواقع الصديق المكبوت*
- جارة
- ما يتعمد إهماله أرباب نظام الأسد
- يا كاشف الأسرار!
- من ذكريات الخدمة العسكرية 1983
- حجر لايستجيب وكتاب يهدد!
- هل نميز أنفسنا بالكره في يوم الحب!؟
- الآه الفاشلة
- لقد تنافسوا مع الطاغية على القتل والدمار في سوريا
- استنساخ الوحش في مقارعته
- هموم أبو مصطفى
- كتاب جديد عن علاقة الدين بالدولة
- اغتيال البوطي وخلط الأوراق
- هل نحتاج لثورة على ((الثورة))؟
- العائلة تذهب إلى السينما
- كلبهم...ومخلوقنا
- لن نكون وقوداً لمن يريد حرق سوريا


المزيد.....




- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - ما أجمله ذلك الصيف!