أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - باقة ورد مرفوضة















المزيد.....


باقة ورد مرفوضة


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 4546 - 2014 / 8 / 17 - 15:04
المحور: الادب والفن
    


منذ أن تخرج مهيوب من جامعة الفنون الشهيرة في برلين (Hochschule der Künste) لم يحصل على العمل الذي يريده كما لم يقبل بأي عمل كلفه به مكتب العمل الذي يتبع إليه في ذلك الجزء من المدينة اعتقاداً منه أنه أكبر من كل تلك الأعمال ولا يليق به أي عمل عادي فهو فنان كبير نهل من مؤسسة أكايديمية متميزة بشهادة الجميع في العالم. وهكذا بدأت مرحلة من التناقضات في حياة مهيوب، فباعتقاده أنه يستحق المناصب الكبيرة التي تليق به ولكن الواقع يشير إلى أن هناك فائض من الفنانين الغربيين المتميزين ينتشرون وسط المدينة بدون عمل؛ يطلب أحداً من مهيوب أن يرسم صورة له فيطالب بمبالغ خيالية في حين أن الكثير من الفنانين الذي يجلسون في منطقة الكودام أو بالقرب من التسو (منطقة حديقة الحيوانات) يرسمون الوجوه بشكل بارع لقاء مبلغ زهيد؛ يدور في رأسه أنه فنان كبير ولكن الواقع يشير إلى اتجاه آخر غير الذي يدور في رأسه...في البيت، كانت الغرف تضيق به وبزوجته لأنه طوّر بشكل لا إرادي مزاجاً ليس من السهولة فهمه أو تحمله، فإضافة إلى ميله للعصبية المفرطة، يجلس بمفرده لساعات دون كلام يشاهد التلفاز طيلة النهار وعندما تأتي الزوجة من عملها كان عليها أن تنظف من الأواني ما استخدمه وتركه في مكانه موزعا في المطبخ وغرفة النوم وغرفة الجلوس وغرفة المكتب ويتوقع منها أن تطبخ وأن تكون مدللته ومواسيته وغالبا ما يكرر لها أن عليها أن تقتدي بوالدته في العراق والتي كانت لوالده ليست زوجة فقط بل صديقة وخادمة وممرضة و...و...و...وان صرخ في وجهها أو ضربها كانت تبتسم! وكان يعيد هذه الاسطوانة يوميا مع بعض التنويعات في القصص عن مواصفات والدته والتي يريد منها إفهام تلك الزوجة أن من واجبها أن تفعل أكثر مما تفعله لترضيه فهو الرجل والفنان.....كانت الزوجة تسأله بشكل يومي ان راجع مكتب البلدية ليعرف ما آل إليه طلبه في الحصول على الجنسية الألمانية...وأحياناً تخبره بأنها اتصلت أثناء عملها بالمكتب المختص وقالوا لن يتأخر حصوله على الجنسية كثيراً....بعد مضي عدة أشهر تلقى مهيوب رسالة من مكتب التسجيل في البلدية (Standesamt) يخبرونه بتوجب الحضور إلى المكتب من أجل اكمال اجراءات التجنيس...وفي المكتب المختص وقفت الموظفة ومشت باتجاهه مادة يدها مصافحة وقالت: "أنت الآن، وبعد أن أكدت قراءتك للدستور الألماني وفهمك له وموافقتك عليه، واستيفائك للشروط المطلوبة، أصبحت مواطناً ألمانياً لك ما لكل ألماني وعليك ما على كل ألماني.. مبروك...يبقى هناك ملاحظتين: في كل دول العالم أنت ألماني إلا في بلدك الأم فلا نستطيع مساعدتك لو احتجت ذلك، والملاحظة الثانية هي أنك في حال حصلت على جنسية أخرى غير الألمانية فتسقط عنك الجنسية الألمانية تلقائياً لأن ذلك غير مسموح به...مرة أخرى مبروك وكلي أمل أن تكون سعيدا في انتمائك الجديد هذا..." استلم مهيوب شهادة التجنيس وجاء إلى البيت متصلا بزوجته في عملها وأخبرها بالنبأ السعيد...قالت: "هذا هو اليوم الذي أنتظره منذ سنوات...!"
عند المغيب عادت الزوجة من عملها، دخلت البيت وتعابير وجهها تختلط اشاراتها فلا تعرف ان كانت حزينة أم فرحة أم أن في وجهها مزيج من الاثنين...باركت له بالحصول على الجنسية وكررت ما قالته هاتفيا: "هذا هو اليوم الذي كنت أنتظره منذ سنوات..." صمتت لفترة، اقتربت من مهيوب وحضنته وضمته إلى صدرها لثوان ثم تركته واحتبست دمعة في عينها وتابعت في الكلام: "عندما رأيتك للمرة الأولى وجدت نفسي مشدودة إليك..وتجاوبت معك...لا أستطيع الجزم عن السبب! ربما لأنني كنت أحمل الكثير من الأحلام ووجدت فيك من الغرائبية الأثيرة (exoticism) ما ذكرني بحكايات كارل ماي..! بدأت أطور صورة لك في ذهني تختلف عما أنت عليه في واقعك، جعلتك حلما بنيته بحب صادق...تجاهلت ما نصحني به الجميع عن اختلاف الثقافة وقررت أن أستجيب لندائك بالزواج... ولكنني اكتشفت أننا لا يمكن أن نستطيع المتابعة، اكتشفت أن لك طباعا غريبة، وعرفت أنك لا تريد شريكة بل تريد خادمة تفعل كل ما تريد وأنت جالس تعطيها الأوامر...! فقد كنت أتألم وأنا أبتسم لك وأتألم وأنا أتذكر كلماتنا التي رددناها أثناء تسجيل الزواج وأتألم وأنا أتذكر كيف وقف أصدقائي وصديقاتي يلتقطون الصور يوم زواجنا، و أتألم عندما يأتي عيد الميلاد ورأس السنة، وأتألم عندما تزورنا والدتي ولا تجالسها بحجة أن سترسم... لقد تحولت حياتي الى كابوس... أتعرف متى كانت النهاية لصبري ولتحملي!؟ كنت أتوقع أن تغضب لسبب ما فما أنت إلا بشري مثلي ومثل الجميع ولكن ما لم أكن أتوقعه هو أن تشتمني بأقسى الكلمات وأن تلطمني بيدك على وجهي ثم تدفع رأسي باتجاه الجدار وبحضور أبناء بلدك فقط لأنني قلت أن الصوت عال ولنفكر بجيراننا... يومها قررت أنني لا يكن أن أكمل حياتي معك..المسألة بالنسبة لي أكبر مما تتصور، انها أكبر من الخيانة، كيف سيكون شعورك فيما لو خنتك؟ هكذا شعوري تجاهك بعد أن أجزت لنفسك بضربي وأنا من فعلت كل شيء من أجلك....ولكنني لم أشأ أن أتركك لحظتها لأنني أعرف أنك لا تستطيع أن تتدبر أمورك بمفردك ولا تعرف ماذا تفعل ولهذا أردت أن أساعدك في الحصول على الجنسية عندها يصبح لك الحق في كل شيء كمواطن ألماني...اليوم ارتحت أنك حصلت على الجنسية ولم تعد بحاجتي...في الأشهر الماضية كنت أحصي كل ما يمكن أن تحتاج إليه بغيابي وكنت أشتري مزيدا مما سيلزمك بمفردك...أعدك بأننا سنبقى أصدقاء وسيبقى أهلي أصدقاء لك لأنني لم أخبرهم عما فعلته فقد تركت صورتك جميلة أمامهم وهم يحبونك..." توقفت قليلا ثم تابعت "أثاث البيت سيبقى لك بالكامل...وسأترك الشقة لك بدءاً من هذه الليلة.. وسأدفع الايجار في الفترة التي تتم فيها اجراءات الطلاق وبعدها سيدفع عنك مكتب الضمان الاجتماعي ريثما تجد عملاً..." اقتربت منه وضمته بذراعيها وبكت بحرقة...ثم ابتعدت باتجاه خزانة الملابس وبدأت تخرج ملابسها...بكت أكثر.. فتحت أدراج الكومودينة وبدأت تخرج أوراقها وشهاداتها...بعدها رفعت سماعة التليفون واتصلت بصديقتها بيرجيت وطلبت منها الحضور لمساعدتها....وبأقل من ساعتين كانت قد حزمت حقائبها وبمساعدة بيرجيت بدأت بإنزالهم الى سيارة الأخيرة...وقبل الخروج التفتت لمهيوب الجالس بمكانه وقالت لو نسيت أي شيء من الأوراق الخاصة سأرتب معك لأخذها.." ومضت مع صديقتها...
كانت صدمة غير متوقعة لمهيوب ولكن تفكيره تأرجح ما بين التفكير بأنها ستعود بعد فترة قصيرة وما بين مواساة نفسه بأنه سيحصل على فتاة أصغر وأجمل منها فهو الذي تنجذب إليه الفتيات الألمانيات عندما يذهب لدار ثقافات العالم لحضور فعالية ما وهو من تطلب منه الفتيات أن يرافقهن لشرب كأس من البيرة بعد الخروج من الجاليريات...فلماذا سيحزن على زوجة بعمره وهو محط إعجاب الصغيرات!؟
***
مضت سنوات ومهيوب يعجز عن بناء علاقة جدية مع أنثى...وكلما تعرف بواحدة تركته بعد اللقاء الثاني أو الثالث على الأكثر....ولكنه وجد ما يؤنسه بمشاهدة التلفاز وما يعرضه من أفلام دائما، وأحيانا أخرى أقل بالذهاب الى السينما، وبترقب أخبار الجاليريات والمعارِض ليذهب محاولا التعرف بأية فتاة...وبين شهر وآخر يمسك الريشة ويحاول أن يرسم..مرة يرسم بسرعة وبشكل يتسم بالاتقان ومرات أخرى يقضي أوقاتا طويلة والريشة بيده يمررها على القماش وهو بغير القادر على إنجاز شيء....ومضت بضع سنوات على هذا الحال.
في منتصف تشرين التاني من ذات عام ذهب إلى جاليري (بالقرب من "جاندارم ماركت" التي كانت جزءاً من برلين الشرقية سابقاً)...وبعد قليل من التجوال أمام اللوحات توجه لطاولة الضيافة التي يمتلئ سطحها بكؤوس النبيذ وقبل أن يمد يده ليلتقط كأساً منها رأى امرأة تقترب منه وعندما التقت عيناهما بانت عليهما الدهشة اقتربت منه بلهفة وقالت مهيوب....! ونطق باسمها "جوندُلا"...! أسرعت إليه وقبّلته وقالت: سنوات طويلة مضت...لم أعرف عنك شيئا منذ تركنا كلية الفنون...! ماذا حل بك؟ وأين تعمل ؟ أحب أن أعرف أخبارك بالتفصيل...ثم قالت هلا انضممت لنا في القاعة الأخرى لأقدمك لزوجي وصديقتي...؟ سارا معاً يحملان كأسيهما وفي القاعة المجاورة قدمته لصبية جميلة الوجه ممشوقة القوام قائلة هذا مهيوب زميلي في الدراسة وهذه ميشائيلا صديقتي وهي فنانة أيضاً ثم تابعت قائلة: بيتر..، هذا مهيوب زميلي في الدراسة وقالت لمهيوب هذا بيتر زوجي وهو فنان أيضاً وكان في شتوتغارت قبل أن يأتي لبرلين...وتابعا التجوال لبعض الوقت بعدها اقترحت جوندلا أن يذهبوا أربعتهم بعد الانتهاء من الجاليري الى حانة ليتناولا شيئا وليتسنى لهم الحديث براحة وحرية أكثر...وافق الثلاثة الباقون على اقتراح جوندُلا...ومهيوب ارتسمت البسمة على وجهه وهو ينظر لصديقة جوندلا ميشائيلا فهي جميلة وأنيقة وجذابة...في الحانة حكى كل منهم للآخر بما فيه الكفاية عن الجزء المفقود من تاريخهم بعد الانتهاء من الدراسة...ولكن مهيوب لم يكن يشغل باله الا ميشائيلا فلم يفوت الفرصة بسؤالها عن هوايتها وفنها...ووجد في الاستماع اليها فرصة في التمعن بوجهها أكثر وصار واضحاً أن مخيلته الايروسية شرعت بالنشاط...كان بيتر فرحاً لأن زوجته فرحة بلقاء زميل دراستها مصادفة وفجأة خطرت له فكرة بأن يقوموا أربعتهم بالاعداد لمعرض مشترك يقدم كل منهم عددا من اللوحات..وافق الثلاثة على اقتراح بيتر ومن أجل الجدية قالوا فلنثبّت موعداً للمعرض منذ الآن ولنطبع غداً بطاقات الدعوى لكي نُلزم أنفسنا بالعمل الجاد بدون تقاعس..! تفاعلوا كثيراً مع المسألة ثم اتفقوا على القيام بما هو غير مألوف بإنجاز لوحة يشتركون بها أربعتهم...! وقبل نهاية السهرة تبادلوا أرقام هواتف بعض...
تلك الليلة لم ينم مهيوب فقد بدأ يتخيل نقاوة وجه ميشائيلا ولونها وشعرها الحريري...وفكر أنها بدون صديق والا لكان معها...فلماذا لا يعمل على اقامة علاقة معها وسيغيظ مطلقته بجمال هذه الفتاة الأصغر سنا...؟ عند منتصف اليوم التالي اتصل مهيوب بميشائيلا قائلا لها أنا مهيوب يجب أن نلتقي لبحث تفاصيل أكثر فوافقت، وحدد لها المقهى الذي سيلتقيها فيه بعد ساعة ونصف من الوقت...في المقهى لم يأت مهيوب بالجديد أو بالمختلف عم بحثاه في سهرة الليلة التي سبقت فكان يكرر كل ما قيل من قبل...ولكنه كان يسرق الفرصة بين الفينة والأخرى ليعرف تفاصيل عن جليسته...وأهم ما أراد معرفته هو عما إذا كان لديها ارتباط بشخص ما...! قال: تستطيعين التفرغ للعمل في اللوحة المشتركة ان لم يكن لديك التزامات..هل لديك التزامات ؟ قالت: "لا" ثم قرر أن يكون أكثر وضوحا بسؤاله: هل عندك صديق؟ أجابت: "لا" ويا له من جواب يسقط كالموسيقا على روحه قبل أذنه لأن هذا ما أراد سماعه بالضبط ...وأما ميشائيلا فلم تكن لتتوقف أمام ما يمكن أن يقصده بأسئلته...كانت هادئة، جدية، تصغي لما يدور حول العمل وتترقب للعمل بشكل جدي وتتكلم عن أهميته... بعد أن أنهت كوبها من الشاي الأخضر استأذنت ميشائلا وانصرفت...أما مهيوب فقد تبعها مراقبا مشيتها...وعند أول محطة لقطار الأنفاق نزلت مستخدمة السلم الكهربائي...كان مهيوب يمشي بخفة ورشاقة ابن العاشرة من عمره وزيادة على ذلك كانت الوسطى في كلتا أصابع يديه تتقابل مع الابهام فتحتك معها بحركة منفلتة بشيء من الإقسار نحو راحة اليد لتصدر طقطقة تنم عن فرحه والطاقة التي انزرعت فيه...وصل شقته وبدأ يستمع للأغاني دون أن يكمل واحدة منها..فبدل عدة أغان في دقائق: "ي ام العباية حلوة عباتك،" "ما ريده ما ريده الغلوبي،" "قللي يا حلو منين الله جابك،" "أهواك،" "رسالة من تحت الماء"... ثم أوقف الأغاني واتصل بجوندُلا... فأخبرته بأنها أوصت بطبع البطاقات كما هو متفق والمعرض سيكون في الأسبوع الثاني من كانون أول...أغلق سماعة الهاتف بوجه جوندلا ثم اتصل بميشائيلا ليقول لها البطاقات ستطبع والأسماء الأربعة عليها وستكون جاهزة في الحال...فقالت له أعرف ذلك فقد أخبرتني جوندلا...سألها ماذا ستفعلين الآن؟ قالت سأرتاح لأنني متعبة...فعلق ولكنك كنت بكامل نشاطك عندما رأيتك! عقبت: ليتني كنت كذلك فعلا..! تعالي اليوم لنبدأ في الرسم! قال مهيوب، فأجابت لا أستطيع... قال سأكلمك غدا. في الصباح التالي اتصل بها وقال: قلت في نفسي سنشرب القهوة سوية ونبدأ بالرسم قالت اعذرني عن القهوة لكن بعد الظهر سنلتقي من أجل أن نرسم...وبعد الظهر حضرت تحمل أدواتها مستعدة للرسم ولكن مهيوب كان في عالم آخر غير عالم الرسم فقد طبخ و صار يطلب من ميشائيلا أن تأكل مما أعده للغداء وبدأ يشرح لها: أحضرت قدرين من الطبق الأشهر في بلدنا انه "التشريبة" وقدر منه بصوص أحمر(صلصة حمراء) والثاني بصوص أبيض...كانت ميشائيلا تنظر إلى حبات الحمص والخبز الأبيض المبلل وأرجل الدجاج وللسائل المليء بالدهون وللصحن الآخر المكون من نفس محتويات الأول ولكن لون الصوص حمراء لأنها تحتوي على رب البندورة والشطة... وتتوسل إليه أن يعذرها لأنها لا تستطيع...ولكنه لم يتفهم أنها لا تستطيع وبدأ يشرح لها أن "هذه إهانة لنا كعرب.." وقد أعددت كل هذا خصيصا لك...ولدى اصراره أمسكت بالملعقة ومدتها الى الصحن لتخرج بعض حبات الحمص والخبز المبلول بالدهن...أكلت ما لايزيد عن الخمس ملاعق وشكرته وتوقفت...ثم بدا على وجهها عدم الارتياح فوقفت واستأذنته وخرجت...
كان مهيوب يتوقع منها مكالمة هاتفية لتمدح في طبخه ولكن هاتفه لم يرن في ذلك اليوم ولا اليوم الذي تلاه... في اليوم الثالث اتصل بها ولكنها لم تجب على التليفون...أعاد الكرة مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة ولكن لم يرفع أحد سماعة التليفون ليجيب...في اليوم الرابع فعل نفس الشيء وليس هناك من مجيب أيضاً...لم يعد يحتمل مهيوب...أخذ يزرع أرض الغرفة جيئة وذهابا...يهز رأسه يمنة ويسرة و يمشي ثم يتوقف ويسأل نفسه بصوت عال ومن تظن نفسها كي تهملني بهذا الشكل؟ سأنتقم منها.
بعد أسبوع اتصلت جوندلا به وقالت كل شيء يسير وفق ما هو مخطط ولوحاتنا جاهزة وبقي أن نشرع في اللوحة المشتركة... ولصدمتها قال لن أسمح لميشائيلا أن تشترك معنا في هذا المعرض...ولن أسمح لها بالحضور بيننا... ولن اقبل أن يكون اسمها موجودا...وهكذا بدأ يقرر مهيوب كل ما من شأنه إبعاد ميشائيلا لأنها بنظره مغرورة و لم تعطه أهمية...! رجته جوندلا أن يحاول أن يكون ذو صدر أوسع وأن لا يتوقف أمام أي شيء وأن ميشائيلا أرق من أن تتصف بما يظنه و لم تقصد اهانته بل كانت تتصرف بشكل طبيعي وفق ما تستطيع...وكررت له مهيوب لا تستطيع ميشائيلا أن تكون غير ذلك فلها ظروفها الخاصة...! رجته مرارا أن يسمح بأن تكون ميشائيلا مشاركة ليس فقط لأن اسمها موجود على بطاقات الدعوى بل أيضاً لأن هناك "عاملا جوهريا يستوجب أن تكون بيننا وتشارك بهذا العمل..." لكنه ارتهن لعناده وقال لا يمكنني أن أقبل أن تكون بيننا...قالت له أرجوك ان في مشاركتها سعادة لها وهي بأمس الحاجة الى السعادة...فعلق ولأن ذلك يسعدها لن أقبل أن تكون سعيدة...ويكرر لماذا هذا التكبر من قبلها؟ ألأنني عراقي!؟ فرجته من جديد أن يتفهم أنه لايوجد شيء من هذا في قلب أو عقل ميشائيلا..وان لم ترد على هاتفه فلأنها لم تكن في البيت...قال أنا أعرف ليس عندها صديق...! تنهدت جوندلا وقالت: مهيوب فكر جيدا أرجوك وحاول أن تسعد تلك الفتاة فهي بحاجة لذلك...أرجوك افهمني...لكن مهيوب لم يكن بواقع الاستماع أو التفهم بل كان بالمطلق بواقع القصاص نظرا لما اقترفته ميشائيلا من خطأ بحقه...لم تضحك! لم تمزح! لم تكن سعيدة بطبخي! لم تتجاوب معي..! كل ما أرادته هو أن يكون اسمها جنب اسمي لتكبر باسمي وهي مغمورة ولا من يعرفها...! وبقي مهيوب أسيراً لرأيه المتشنج...وإزاء تعنته ما كان من جوندلا وزوجها الا الغاء اللوحة المشتركة وجعل المعرض يقتصر على عرض لوحاتهم...وعندما اقترب موعد الافتتاح اتصلا بمهيوب للالتقاء عند الجاليري التي حصلا على مفتاحها من صديق لهما ... جاؤوا باللوحات في شاحنة خاصة محافظين عليها قدر الامكان وعند انزالها وادخالها الى الجاليري وقف مهيوب قائلاً لجندلا هذه لوحاتك وهذه لوحات زوجك ولمن تلك مشيرا الى مجموعة لم تفتح بعد فقالت انها لوحات ميشائيلا..بدأ مهيوب بالصراخ لن أقبل وسأسحب لوحاتي...قال بيتر لزوجته: نستحق ما نلقاه، لا نستطيع الالغاء حفاظا على سمعتنا ولن نظهر على الاطلاق ما يوحي بأن هناك خلافا ما قد نشب...وهكذا ركبت اللوحات على جدران الجاليري بدون لوحات ميشائيلا...وأما مهيوب فقد كان فرحا بانتقامه...كان يفكر بأنه سجل انتصاراً....عند الافتتاح أتى الزوار وشاهدوا اللوحات وتوقفوا أمام بعض منها أكثر من الأخرى وتحدثوا وحللوا وأثنوا عليها جميعا وانصرفوا.. بعد الانتهاء أخذ بيتر وزوجته لوحاتهم..وقالوا لمهيوب وداعاً...وعاد مهيوب الى شقته حاملا لوحاته...مرت أيام لم يتصل به أحد ليكلمه عن المعرض...ولم يسمع شيئا من جوندلا أو زوجها...فقرر أن يتحرش بهما ويتصل هاتفيا... اتصل بجوندلا التي أجابت بفتور عن سؤاله لها عن أحوالها...ثم تابع ليقول أن الكثير من أصدقائه قد علقوا بأن المعرض كان من أجمل ما رأت عيونهم...وتابع: "أما كانت تلك التافهة ستكسب شهرة فيما لو كانت عاقلة بسلوكها؟" صمتت جوندلا...فتابع مهيوب: "أشعر الآن بالارتياح أنني انتقمت منها ومن تكبرها..."هناك علقت جوندلا بغصة: "مهيوب، أما آن لتلك المسكينة أن ترتاح منك وترقد بسلام!؟ أي صنف من البشر أنت حين تشعر بالفرح أنك انتقمت ممن كانت تعيش أيامها الأخيرة؟ ألم تقرأ في الصحيفة المحلية انها الآن تحت التراب وأنت مازلت تتحدث عن الانتقام...!؟ رجوناك أن تجعلها تفرح لأن أيامها معدودة بسبب سرطان الرئتين... ولكنك رفضت...لم ترد على مكالماتك لأنها كانت في المشفى فقد شعرت بآلام مبرحة وتكتمت كي لاتشعر أنت أن طبخك هو السبب...كانت فرحة بأن تودع الدنيا بذلك العمل الفني المشترك...وأنت كل ما تفكر به الانتقام...آسفة مهيوب دعني لحزني ولا وقت لدي الآن لمناقشتك بأي شيء.." وأنهت المكالمة.
بعد أن أغلق الهاتف وقف مهيوب لا يعرف ماذا عليه أن يفعل أو ماذا يقول...! فاتصل من جديد بجندلا التي رفعت السماعة لتقول له أرجوك أن تتركنا بحالنا...ماذا فعلنا لك لنستحق هذا منك؟ قال اسمعيني فقط أريد أن أقل شيئا واحدا..أنت المخطئة لأنك لم تخبريني بأنها مريضة...إنني آسف... قالت لا تتأسف لي لأنك أخطأت بشكل أساسي بحق تلك المسكينة...قال: ماذا علي أن أفعله لأصحح من الخطأ الذي ارتكبته!؟ قالت لا شيء يعيد الزمن الى الوراء...قال أرجوكما ساعداني لأفعل شيئا أعبر به عن اعتذاري! قالت: كنت أفضّل أن لا تمعن في الخطأ أولا كي لاتعتذر ثانيا... قال: أريد أن أضع باقة ورد على قبرها... فقالت باقة الورد لن تغير من حقيقة أنها ماتت وحزنها مضاعف...ليتك فكرت بتفهم لكانت تلك أكبر باقة ورد ممكن ن تهديها لها وهي على قيد الحياة...إن باقة وردك لاتعني شيئا لمن هي غير موجودة...باقة الورد ضعها في بيتك انظر اليها وفكر فما فعلته علك تتعلم....! كرر أرجوكما أن تفهماني ...قالت لا يقرب أو يبعد كلامك لنا من شيء، كان بإمكانك أن تسعد إنسانة في أيامها الأخيرة لكنك لم تفعل وكنت انتقاميا وعدوانيا لا لخطأ ارتكبته تلك المسكينة ـ الرحمة لروحها ولترقد بسلام ـ بل لشيء ما في نفسك...وأنهت المكالمة.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبر لمن لا قريب له
- ليتها بقيت اسما بدون صورة!
- رحلة في خيال وواقع الصديق المكبوت*
- جارة
- ما يتعمد إهماله أرباب نظام الأسد
- يا كاشف الأسرار!
- من ذكريات الخدمة العسكرية 1983
- حجر لايستجيب وكتاب يهدد!
- هل نميز أنفسنا بالكره في يوم الحب!؟
- الآه الفاشلة
- لقد تنافسوا مع الطاغية على القتل والدمار في سوريا
- استنساخ الوحش في مقارعته
- هموم أبو مصطفى
- كتاب جديد عن علاقة الدين بالدولة
- اغتيال البوطي وخلط الأوراق
- هل نحتاج لثورة على ((الثورة))؟
- العائلة تذهب إلى السينما
- كلبهم...ومخلوقنا
- لن نكون وقوداً لمن يريد حرق سوريا
- عرف عالمي وسوفتوير عربي (software)


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - باقة ورد مرفوضة