نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4532 - 2014 / 8 / 3 - 10:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بوح ٌ في جدليات – 5 – جارنا و الأفعى.
قبل سنوات وُلد لأحد جيراننا طفل ٌ صغير، ذهبنا مهنئين فوجدناه قد أحاطه بالحب و الرعاية و العناية. لكن هذا الجار و بعد أن تعلم الولد المشي و اصبح له من العمر ثلاث سنين قرر أن يُحضر إلى البيت أفعى، ثم يضعها في أحد الغرف عند لعبة ٍ من الألعاب المفضلة لطفله.
سمعنا من الخادم أنه قد نادى طفله، و حمله و قبله ثم أشار بيده إلى الغرفة و هو يضحك، و قال له: "لا تذهب إليها، فهناك و عند لعبتك المفضلة التي تحبها، و التي أعلم كم أنت مشتاق إليها، توجد أفعى." ثم تركه و غادر نحو المطبخ إلى الثلاجة، فأخرج منها زجاجة ً من البيرة المثلجة، فتحها، و أخذ يعب منها و هو يراقب ولده.
الصغيرُ الذي له من السنين ثلاثة تذكر لعبته و شعر بالرغبة في اللعب، و ساقته الطفولة و البراءة نحو الغرفة، و خطا نحو اللعبة التي ما أن وضع يده عليها، حتى نهشته الأفعى فصرخ، و بكى، و هرع أهل البيت إليه، هكذا روى القصة لنا الخادم، لكن الأب كان أول الواصلين و بيده الترياق الذي سقاه ُ الولد َ الصغير المرعوب الذي لم يستوعب ما حدث له.
بعد ذلك شهدت الحارة ُ منظرا ً عجيبا ً إذ أن الأب استأجر لطفله بيتا ً صغيرا ً جدا ً غرفة ً و حمام، ووضعه فيها مطرودا ً لأنه عصى أمره و دخل إلى الغرفة، و لم يكتفِ بذلك لكن وضع في الغرفة ِ هناك ذات الأفعى مع الولد لتستمر َ في عضه، على أن يسقيه الخادم كل حين و مين الترياق كي لا يموت.
يقول الخادم الذي يعيش مع الطفل أن الهلع و الخوف لم يعودا في العينين لكن استقرا في القلب و اختفيا، و أن ما يظهر الآن في عيني الطفل هو الألم و التعب و الصدمة و العجز و الذهول، و يقول أيضا ً أن الطفل تنتابه حالات ٌ شديدة من الغضب و السخط ثم الصمت المُطبق و الانكفاء على الذات، و يبدو أنه يفقد قدرته على التعامل مع الواقع بفاعلية رويدا ً رويدا ً.
كبر الولد و أصبح يمضي أمامنا في الحارة من المدرسة و إليها، أحيانا ً مع الخادم، و أحيانا ً بدونه، و ما زالت الأفعى في الدار، و الأب في بيته الكبير، و يقال أن الاب ما يزال غاضبا ً من الطفل لغاية هذه اللحظة، لكنه يرسل إليه بأوراق مُهترئة فيها وعود بالعودة إلى البيت الكبير إن أحسن التصرف و كان مطيعا ً. يقال أيضا ً أن الطفل أصبح يُكن ُّ نحو الأب مشاعر مريضة هي مزيج ٌ من الخوف و الرغبة و الرهبة و الحب و الكراهية الشديدة.
تُرى، ما رأيكم في هذا الأب؟
من كان له عقل ليفهم، فليفهم!
--------------------------------------------
كانت تلك سيداتي سادتي قصة مُستوحاة ً من حياة ِ نزيل ٍ في إحدى مستشفيات الأمراض العقلية، نتمنى أن تكون قد نالت إعجابكم و حازت رضاكم و دفعتكم للتفكير قليلا ً، قليلا ً جدا ً.
مع أطيب التحيات.
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟