أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - قراءة في ظاهرة التنمُّر المدرسي – مريم المغربية و وليم الأردني نموذجين.















المزيد.....

قراءة في ظاهرة التنمُّر المدرسي – مريم المغربية و وليم الأردني نموذجين.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4468 - 2014 / 5 / 30 - 05:45
المحور: المجتمع المدني
    


قراءة في ظاهرة التنمــّـُر المدرسي – مريم المغربية و وليم الأردني نموذجين.

"بنشوفكم بنص الشهر الجاي" ودعت ُ الزملاء و الزميلات في العمل و أنا خارج ٌ بحماس بعد انتهاء العمل يوم الخميس مُتطلعا ً نحو إجازتي السنوية و التي ستمتدُّ لستة عشر يوما ً (16) يوم، و فتحت ُ باب الهوندا بحماس ٍ و عزم، و أدرت ال CD فطالعني الشاب خالد بصوته المُنطلق C’est La Vie لكني وجدت أصابعي تقلِّب ُ في الإذاعات بدون هدف سوى استجابة ً لحماس بدء الإجازة، حتى استقرت على صوت ٍ صلب ٍ جاد لمذيع ِ ما عرفت بعد حين أنها إذاعة الـ BBC Extra و التي تذيع تقريرا ً من الدار البيضاء – المغرب.

قال المذيع أن فتاة ً اسمها مريم قد انتحرت، قال "مريم" و بدون وعي ٍ مني حضرت صورة "مريم" ابنتي ذات الأحد عشر عاما ً إلى ذهني، "مريومتي"، نبض قلبي، نور عيني، فتوقفت ُ عن التقليب في القنوات بدون إرادة ٍ واعية، و تركته ُ يُكمل.

"مريم" أحب الأسماء إلى قلبي، قال المذيع، أنها طفلة مغربية عمرها 15 عاما ً، انتحرت، قتلت نفسها، انتهت، و لماذا؟؟؟؟ لأن من معها في الصف (زملاء، زميلات) عايروها أنها فقيرة، تعيش ُ في حي ٍ سُكَّانه في بيوت ٍ من صفيح، نعم و حقِّ كل مُقدَّس ٍ عرفه إنسان ٌ أو اخترعه لا أُبالي، هذا ما حدث!

أنهى المُذيع ُ الفقرة ليأتي بأبيها ليخبرنا أن "مريم" كانت لمدة ِ عامين اثنين قبل موتها تعاونه في دكانه الصغير على البيع، و أن الأنظمة و القوانين و هيئات ِ المدينة كانت و في خلال هذين العامين تضيق عليه لأنه لا يملك تصريحا ً، و أن "مريم" تلك المريم كانت معاونته في معركته غير المتكافئة، معركة الحاجة و الإنسان ضد القانون و النظام مكفوفين الوعي!

تحدث أبو مريم و استفاض و قال و أتبع الكلام بالكلام و الحسرة بالحسرة و الألم بالألم، لكن مريم كانت قد ذهبت، ماذا بقي له، غير أبنائه و بناته الآخرين؟ فقط حسرة و الم، بينما بقي لنا عار ٌ إنساني، و فشل ٌ حضاري يُعلن أنه لم يستطع أن يوفر لطفلة ٍ في المغرب بيتا ً من طوب، و حياة ُ بغير عذاب، و كرامة ً بين الزملاء أو الزميلات في المدرسة.

اعادني الموقف أكثر من عشر ِ سنوات إلى الوراء، حينها كنت ُ مُعلما ً في مدرسة ٍ للذكور، للأعمار الصغيرة، لأولئك الذين علموني كيف أكون إنسانا ً أكثر ما علمتهم مهارات الحاسوب و أسرار نقرات الماوس و ضربات الكيبوردات، وقتها خرجت ُ مع زملائي الأساتذة و المعلمات مُعزيا ً في "وليم".

"وليم" كان طالبا ً في المرحلة الثانوية، لم أكن أعلمهم وقتها (علمتهم بعد سنوات)، كان حسبما قيل لي من معلميه زملائي الكرام أنه طالب ٌ رائع، يتسم بخجل ٍ و أدب ٍ شديدين، كانا سببا ً في إغراء طلاب ٍ آخرين من محبي التنمر و السخرية لمضايقته.

قالوا عنه أنه "فتاه"، أنه "ناعم"، ثم تمادوا فوضعوا له إصبع "أحمر شفاه" في حقيبة المدرسة خلسة ً و بدون علمه ثم أخرجوها أمام الاساتذة و الطلاب و اتهموه أنه "شاذ". لم يحتمل "وليم" فتناول مسدس أبيه و أطلق على رأسه رصاصة ً واحدة ً كانت نهايته.

حضرت ُ جنازة "وليم"، إثنان ِ من الرجال الرجال أسندا أباه من اليمين و اليسار، الأب الذي لم يقدر أن يمشي بعد أن فُجع بولده، مشى شبه محمول نحو المقبرة، نظر إلى تابوت ولده ثم قال بصوت ٍ خافت ُ جدا ً "وين حطتوه" إي "أين وضعتموه؟؟؟؟؟"

دُفن "وليم" في "فستقية" و "الفستقية" لمن لا يعرفها عندنا نحن معشر المسيحين هي غرفة فوق الأرض تتسع لتابوت ٍ واحد، أو أكثر حسب البناء.

أشاروا له نحو "الفستقية" فقال "ادفنوني جنبه!" اي "أدفنوني بجانبه حينما أموت"

كانت هذه الجملة كفيلة بانهياري تماما ً، و تساقطت دموعي بدون أي اعتبار ٍ لطلابي أو زملائي الأساتذة و الذين هم أيضا ً كانوا في حالة ٍ مأساوية لم يكن ينظر فيها أحد ٌ إلى الآخر.

ماتت مريم المغربية لأنهم عايروها بفقرها، و مات وليم الأردني لأنهم اخترعوا له قصة خزي، و كلاهما ضحية ٌ لسلوك التنمر المدرسي.

ما هو التنمر؟

التنمر هو سلوك يتخذه سخص ٌ أو أكثر تجاه زميل ٍ يُرى فيه ضعف ٌ لا يرتقي لمستوى القوة المقبولة و التي تتجلى في السلوك المقبول في الصف المدرسي.

يتسم "المُتنمِّر" بكونه حاملا ً لمجموعة من "المعاير" التي تحدد "المقبول" داخل الصف من "غير المقبول"، و تتنوع درجات "عدم القبول" و تتناسب ُ معها درجات التنمر، فمن كان سلوكه غير مقبول ٍ للمتنمر بدرجة ٍ ضعيفة سينال قسطا ً قليلا ً من التنمر، أما من كان سلوكه غير مقبول ٍ بدرجة "كبيرة" فسيكون نصيبه من التنمر و الأذى النفسي أو الجسدي كبيرا ً.

يعتمد المتنمر في قوته على ضعف مقاومة الضحية، فمن قاوم المتنمر و مجموعته و تحداه و صمد أمامه حتى لو تم إيذاؤه بشده فقد فاز َ بتذكرة انعتاق ٍ دائم، لأن المُتنمر لا يحب من يشوه هالة الهيبة و القوة التي تحيطه حتى لو انتهت المواجهة بخسارة الضحية جسدياً، فالمهم للمتنمر و جماعته أن لا يتم تحدي سلطتهم أو الصمود أمامها، أما من يستسلم و يقبل الهجوم فسيتم وضع علامة الاستهداف عليه لمعاودة استهدافه لاحقا ً.

يخسر المتنمر و مجموعته أمام من يصمد، امام من يقبل التحدي و يقاوم، لأن التنمر لا يقوم على مبدأ قوة المتنمر، لكن على مبدأ صمت الضحية، و هذا ما يدركه هذا المتنمر و مجموعته الذين يكونون في العادة في غاية الهشاشة أمام المقاومة. و هم لا ينجحون مع مجموعات أصدقاء تحافظ على تجمع صداقة، لذلك يحبون استهداف الأشخاص غير المنتمين إلى المجموعات و الوحيدين أو الجُدد أو الذين يتمتعون بصفات ِ طيبة ٍ و حساسية في الشعور.

تتميز ضحايا التنمر بعدم رغبة ٍ في القتال أو المقاومة إما لطيبة أو حساسية أو وعي ٍ عقلاني مُتقدم يرى في المواجهة الجسدية بوهيمية لا تليق بها (نعم بعض الأطفال الواعين يدركون هذا بالفعل)، لكن هذا النوع من الإدراك الحضاري لا يتواجد للضحية بدون ضريبة ٍ تدفعها للمتنمرين الذين لا يفهمون خصائصها النفسية بل يجدون فيها مادة ً يتغذون عليها لإشباع نزعات العدوانية و الدناءة.

تقع ُ على المدرسة مسؤولية تحديد الأطفال المتنمرين، و مراقبة سلوكهم و إرشادهم و منعهم من إيذاء غيرهم، كما تقع عليها بنفس القدر مسؤولية الإرشاد النفسي للضحايا لبناء شخصياتهم لتستطيع موازنة المشاعر الداخلية مع الواقع و بالتالي اتخاذ الموقف الصحيح الذي سيُثبِّط ُ المتنمر و يردعه عن السلوك التنمري.

مريم و وليم ضحايا في قوائم َ سابقة، و سيتبعها قوائِم ُ لاحقة، فالتنمر مشكلة ُ مُستمرة لا يمكن إنهاؤها، لكن يمكن تقليلُها و تحيد نتائجها بمقادير و درجات، و مساعدة ُ ضحاياها في كل الحالات، و تقويم ُ سلوك متنمريها، لكنها ستظل دوما ً مصدر أرق ٍ للآباء و الأمهات و المعلمين و المعلمات و الأدارات المدرسية.

ينبغي أن نعترف َ بوجود هذه المشكلة و تأهيل المشرفين و المشرفات النفسين للتعامل معها بمهنية و حرفية تضمن نتائج َ تخرج لنا أجيالا ً صحية واعية قادرة على إدراك مشاكل مجتمعها و التعامل معها، نحو إنتاج ٍ اقتصادي لبشر ٍ أسوياء نفسيا ً و جسديا ً.

معا ً نحو الحب، معا ً نحو الإنسان!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في الإنسان – 4 – في الصواب السياسي و توظيفه لخدمة الإب ...
- البابا فرنسيس في عمان – انطباعات
- بوح ٌ في جدليات - 2 - عين ٌ على مستحيل ٍ مُمكن ٍ مستتر
- هل سنبقى ندور ُ في حلقة؟
- بوح ٌ في جدليات
- قراءة من سفر التطور – 3 – بين الجين و البيئة و السلوك بحسب ا ...
- قراءة في الإنسان – 3 – في الهوية الدينية و الدفاع العصبي الم ...
- في نفي دونية المرأة – 3 – وراثة معامل الطاقة في الخلية البشر ...
- قراءة في الإنسان – 2 - وجها الوجود و الألوهة الناقضة لفعلها
- قراءة في الشر – 6 – الرجاء ُ في الألوهة، عتابُها و الدفاع ُ ...
- عندما ينتحب ُ هاتور
- قراءة في الشر - 5 - سفر أيوب نموذجا ً ثانيا ً.
- قراءة في الشر – 4 – سفر رؤيا أخنوخ نموذجا ً.
- على هامش إفلاس المحتوى – إضحك مع المناخ الروماني
- قراءة في الشر – 3 – الحكم البشري على أخلاقيات الألوهة
- قراءة في الشر – 2 - احتجاب الألوهة
- وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ
- عندما تجلس لتتعلم
- رسالة إلى رواد الموقع الكرام.
- قراءة في واقع المسلمين العرب – الكشف ُ عن جذر ِ التخلف.


المزيد.....




- الأمم المتحدة: العمليات الإسرائيلية في غزة غيرت معالم القطاع ...
- الأمم المتحدة: مقتل 542 مدنيا على الأقل شمال دارفور
- اعتقال مواطن.. مستعمرون يعتدون على ممتلكات المواطنين في الخل ...
- مكتب إعلام الأسرى: الأسيران حسن سلامة وعبد الله البرغوثي يتع ...
- شهداء بقصف إسرائيلي على غزة وتحذير أممي من تفاقم المجاعة
- الإمارات تدين إساءة استخدام القوات المسلحة السودانية لمنصات ...
- تحذيرات أممية ودولية من وقوع وفيات بسبب المجاعة وسوء التغذية ...
- حماس: حسن سلامة يتعرض لتعذيب ممنهج في سجون الاحتلال
- في يوم العمال العالمي: عمّال غزة ضحية أخرى لجريمة الإبادة ال ...
- التطهير العرقي في مخيمات فلسطين المحتلة منذ العدوان العسكري ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - قراءة في ظاهرة التنمُّر المدرسي – مريم المغربية و وليم الأردني نموذجين.