أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مختار سعد شحاته - من شكّ وجد.. ربُ ضارة نافعة.















المزيد.....

من شكّ وجد.. ربُ ضارة نافعة.


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 4396 - 2014 / 3 / 17 - 18:48
المحور: المجتمع المدني
    


من شكّ وجد:
يجد البعض مرحلة الشكّ التي أمر بها محض مراهقة فكرية، ويبدأ الكثير منهم في التنظير حول أفكاري حتى تطال في النهاية تنظيراتهم شخصي نفسه، وهو ما يجعلني أعاني الأمرين مع القريب أو البعيد، وهذا الأمر ربما توازى مع إيماني المطلق بثمة مؤامرة كبرى داخلية من قوى ما حولي لتحولني إلى تلك المنطقة من الشك في كل الأشياء، لتبدا بالشك في حياتي الشخصية والعاطفية، وتنتهي بالشك في أمور العقيدة ومرورًا بالشك في هذا الوطن ومن يتولى زمامه، وهو ما رأيته بين نفسي تقديرًا ما لهذا الشك الذي تنافى مع ظاهر الكثير ممن كنت أحترمهم وأؤمن بهم. صدقني، طال شكي كل الأشياء وأعظمها وكل الأشخاص وأسماها ولم يستثنِ أحدًا، وبدات تلك المرحلة من الشك تؤتي ثمارها بما عرفته عن نفسي من تغيرات وتغييرات جذرية في نمط تفكيري واتجاهاتي وحتى قراءاتي، وهو ما زكاه المرحلة الآنية من حياتي الشخصية ومفرداتها بشكل خاص وحال البلد بشكل عام ومباشر.
أذكر مرة محاولتي نصيحتي لطفل تودد إلي طلبًا لأمر ما؛ وحين قدمت نصيحتي هاج وثار الطفل، الأمر الذي لا يدركه الطفل أنه طفل وأنني ناضج، وهو ما لم يوقني كثيرًا عند مهاتراته الصبيانية، والتي دفع بها واستغلها البعض بشكل مريب حول إنسايتهم المُدعاة، حتى انتهيت إلى جعل الطفل يصرخ ويصرخ، وأغلقت بابي على طفولاته وسذاجاته وتابعت دون التفات، وشاء القدر أن تتأكد لي ظنوني وشكي بأن من يقبل سطحية الطفل يختلف عمن يقبل أن يظل بذاته في المرحلة ذاتها ولا يتعداها. الحقيقة أني في البداية ارتبكت حين فكرت في أسباب ثورة هذا الطفل، لكن حين رأيت إصرار الناس على ان يظلوا أطفالا لا يكبرون ولا يتعلمون فضيلة الشك، تخلصت من حزني عليه لا منه وقلت في نفسي "ربّ ضارة نافعة".

يقينٌ في شكي:
أعرف أن رحلة شكي تلك طالت، وأنها ستطول أكثر، وقد تمتد إلى ما قبل نهاية عمري إن كنا بالأصل نموت، وهو ما أشك فيه برمته، أعرف أننا نختفي عن عالم المحسوسات بأجسادنا، بشكل ما يتم تغيب الجسد، لكن يقينًا لا تغيب تلك الأرواح التي تحتل تلك المساحة الصغيرة المسماه الجسد الإنساني. هذه واحدة من شكوكي القديمة التي تهترت تفكيرًا ومرورًا عليها من ملايين قبلي، لكن الملفت لي في تجربتي تلك، هو إيماني المطلق بأن ما بعد الفناء حياة ما أكثر خبرة نصبح فيها نحن، وأعظم عطاءً وأرقى إيجابيًا من تلك التي نحياها، والتي لا يمكن إدراكها إلا بهذا الشك، والذي تبدأ أولى خطواته –على الأقل مثلما حدث معي- بمرحلة من الفقد السريع والمباشر، وضربات توجع تعيد بعدها إحساسك بالموجودات وتقيمه وتبدأ الشك، حتى تتفصد حبات اليقين على جبين شكك مالحة ورطبة، وقد تتحول في مرحلة ما إلى دمعات شديدة الملوحة والحرارة في آن. لكنها أبدًا تريح، وهو ما يجعلك تنظر إلى ما تفصد على جبينك أو تحدر على خدك من منظر واحد: "ربُّ ضارة نافعة".

تنظير مخالف:
تساءلت مع صديقي الذي أشاركه الكثير من مشاريعي الفنية والأدبية حول دوافع الإبداع عند هؤلاء ممن حمل همّ الكتابة، وبدات تنظيرات الكثيرين ممن قابلناهم خلال رحلتنا البحثية، ودون وعي منهم رأيتهم يؤسسون للشك في شيء ما، ربما شيء عميق غير مدرك، أو هلامي لا يمكن تحديد عناصره بسهولة حتى وإن كانت شواهده جلية وواضحة للعميان، لكنهم لا يعرفون كنه هذا الأمر، وهو ما جعل دوافعهم تختلف وتتباين، لكنها في النهاية كانت شكًا في إمكانية استمرار حيواتهم دون هذا الهاجس الذي رأيته أحد أطراف نظرية مؤامرتي الكونية الكبرى بشكل شخصي، فعرفت أنه بحث حثيث منهم عنه حين غاب، وكل محاولاتهم وأسبابهم ودوافعهم مجرد بحث عن هذا الغائب أو محاولة لنفي الشك في وجوده، وعرفت أنه بصورة ما يعتبر هذا النفي تأكيد لوجوده الذي شككت فيه مرة، فابتسمت في داخلي وعرفت أنه "ربّ ضارة نافعة".

إليك يا شقيق الروح والاسم:
تركت يدي، سافرت منذ 14 عامًا، انهارت ثقتي في العالم وفي الأشياء، حاولت التماسك فتخبطت كثيرًا، قررت الزواج أملا في بعض الحضور الذي غاب، وزاد غيابك، وزادت اكتشافاتي لأثر الغياب، وأثمرت الجديد والجديد من مدركات وإنسانيات تعرفتها، فعرفت عن بعض معاني السكن، والمودة، والأسرة، والأطفال، والأولاد، والوطن، وكل الأشياء الأخرى التي اتسعت لها حياتي التي حاولت أن أملأ فراغ غيابك بها، وشككت في كل الأشياء مرة جديدة بعد يقين ما كان قد بدا يتسلل إلى داخلي، ثم جئت أنت في عودك الحميد السريع، فأكدت تلك اليقينات التي وصلت إليها، وأزلت كل شكي حول الأشياء القديمة، وزرعت شكًا جديدًا فريدًا يبني لا يهدم، ويقيم لا يُحِط، ثم تركتني على البوابة الزجاجية للمطار وابتعدت خطوتين، كلانا غالب دموعه، وفي مشهد يشبه الروايات والأفلام عدت وقبلتني، فأدركت أنها ليست قبلت الوداع بقدر ما كانت قبلة التقدير على كل شكي في غيابك، وحين غبت، وكانها مكافأتي بعد 14 عامًا من الحيرة ومحاولات التعرف على الذات، كأنها شكرتي على موهبتي التي تذهل البعض فيتحمس لجنونها، وتثير غيرة البعض كثيرًا، قبلى واحدة كانت لي بمثابة النجمة الحمراء على كتابات قلم الرصاص في كراس طفل بالروضة او بالصف الاول الإبتدائي، وغالبنا الدمع من جديد، وحدثنا أنفسنا بغير كلام أننا حين يعطي أحدنا الآخر ظهره، لن ينظر إلى خلفه ليرى الآخر يبتعد أو تفجعه دموع الآخر، فقط عرفنا دون كلمة، وسرنا نتابع ما اختصرناه من الألم والشك طوال رحلتنا القريبة البعيدة ومختلفة التفاصيل خلال سنواتنا الأخيرة، وعرفت أنه لولا الشك في غيابك، ولولا بعدك الطويل الذي ذوبته بزيارة سريعة كلمح البصر، لما كان ما وصلت أنا إليه من محبة أسرتي، ومحبة كتاباتي وإن لم تعجب البعض أو اتهموها، وتصالحت مع شكي، وقررت المضي في رحلتي في الشك في كل شي، أملا في يقين القبلة التي طبعتها على خدي في صالة المسافرين، وقلت في نفسي عن غيابك السابق والمنتظر "ربّ ضارة نافعة".
أعرف أنه ربما كان الوداع الأخير واللقاء الجسدي الأخير، فأنت كما وصفتني "عيل فقري"، لكن الآن أشك في أنه الأخير أو أن الكون باستطاعته أن يزيد المسافات. صدقني كل تلك السنوات الماضية والمنتظرة كلها صارت محل شك في أنك كنت بعيدًا.. صدقني من شكّ وجد، ولأكن على نقيض ما وصفت من كوني "عيل فقري"، ودعني لا أشك هذه المرة فيها، أو ربما بيقيني بها أشك في أشياء أخرى، فقط دعها تسيطر الآن: "ربُّ ضارة نافعة".

مختار سعد شحاته.
Bo Mima
روائي.
الإسكندرية/ مصر.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجم السبوبة في إطلالة بمكتبة الإسكندرية
- ياقة قميصي المتسخ.
- حدث بالفعل : زلزال في معرض القاهرة الدولي للكتاب..
- حكموكي ما حكوكي.. بين البطل الشعبي ورئيس الجمهورية.
- خمسة مشاهد من فيلم -البامبِرز السوداء-.. عن فيلم الشموع السو ...
- أجب عن الأسئلة الآتية إجباريًا أو اختياريًا.. تفتكر هتفرق؟؟
- كل هذا يدعو للسخرية يوم المولد النبوي
- رسالة لن يقرأها الفريق السيسي، وقد يقرأها -أبانا- الذي طفحنا ...
- زرقاء شبرا، والبيت الرمادي.. عن رواية -بيت من شبرا- ل (د/ عص ...
- مقطع من رواية -تصلح للحزن-
- سانتا كلوز.. محاولة كتابة نص شعري.
- بوست الفيس المعنون : اكتب 10 أسماء 10 كُتب أثرت في حياتك
- قراءة أولية لرواية -الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا ل: د/ طارق ...
- هل يموت الصوت.. وداعًا يا أيها -الفاجومي-
- إعادة التدوير، ومحمود مليجي الثورة
- بالونات الاختبار الصفراء.
- كيف تصنع قائدًا.. -بتصرف-.
- كلام في الجون بس مش في الرياضة
- من سلسلة حكاياتي مع العفاريت -حكي بالعامية المصرية-.. مقابلت ...
- قراءة إنسانية لا نقدية في ديوان -بما يناسب حالتَك- للشاعر د. ...


المزيد.....




- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق مستقل حول المقابر الجماعية في مس ...
- مخيمات واحتجاجات واعتقالات.. ماذا يحدث بالجامعات الأميركية؟ ...
- ألمانيا تعتزم استئناف التعاون مع الأونروا
- -طيور الخير- الإماراتية تُنفذ الإسقاط الـ36 لإغاثة سكان غزة ...
- إيران.. حكم بإعدام مغن أيد احتاجات -مهسا أميني-
- نداء من -الأونروا- لجمع 1.2 مليار دولار لغزة والضفة الغربية ...
- متوسط 200 شاحنة يوميا.. الأونروا: تحسن في إيصال المساعدات لغ ...
- -القسام- تنشر فيديو لأسير إسرائيلي يندد بفشل نتنياهو بإستعاد ...
- إيطاليا.. الكشف عن تعرض قاصرين عرب للتعذيب في أحد السجون بمي ...
- -العفو الدولية-: كيان الاحتلال ارتكب -جرائم حرب- في غزة بذخا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مختار سعد شحاته - من شكّ وجد.. ربُ ضارة نافعة.