ايغور ، بافل والمُستهلك العربي ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

الحوار المتمدن-العدد: 4387 - 2014 / 3 / 8 - 14:32
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

ايغور ، بافل والمُستهلك العربي ..
ايغور وبافل هما شابان يهوديان من أُصول سوفييتية يعيشان في اسرائيل ويعملان في شركة لتطوير برمجيات مُتقدمة للتلفونات الذكية (سمارت فون ) .التقيتهما في مقر الشركة التي يعملان بها بالقرب من حيفا . لأقوم بتدقيق لغوي الى العربية لبرنامج على الهاتف مُوجه لكبار السن من العرب ، وذلك بناء على طلب شركة ترجمة توجهت الي ، لهذا الغرض .
وحيث أنني شبه أُمي تكنولوجيا ، فقد راودتني بعض الشكوك حول قدرتي القيام بالمهمة المنوطة بي ، فأنا أُترجم نصوصا من العبرية الى العربية وبالعكس ، ولكنها نصوص تُعنى بالعلوم الاجتماعية ، وهذه هي المرة الاولى لي والتي أقوم فيها ، بترجمة مواد تكنولوجية .
ليس هذا هو الأمر المُهم ، فالأمر الهام حقا هو روح المُبادرة لدى هؤلاء الشباب وهذه الشركة ، التي تُفكر في أسواق جديدة لها . سوق كبار السن من العرب .
واسرائيل وكما هو معلوم من الدول الكبيرة في تصميم وبيع البرمجيات ، وقام بعض المُبرمجين ببيع نتاج عملهم الذهني بمئات الملايين من الدولارات ، للسوق العالمية . وهذا الأمر تباهى به شمعون بيرس أمام جميع الأُمم ، حين قال بأن العقل الاسرائيلي يبيع منتوجات تُضاهي مدخول السعودية من النفط ..!! ومؤخرا لم ينسَ نتانياهو التباهي ايضا بالعقل الاسرائيلي ، أثناء زيارته للولايات المُتحدة .
ما يُغيظ هو ، معرفتهم للحقيقة المُرة ، بأن العالم العربي هو مجرد سوق مُتعطش لكل جديد في عالم التكنولوجيا ، وهي سوق تدر الربح الوفير والسريع .
والمُبكيات المُضحكات في هذا الشأن ، هي أن العرب لا يُنتجون ما يستهلكونه ، فهم أُمة تعيش على هامش الاحداث ، بانتظار أن يتلطف الغرب (بما فيه اسرائيل ) ويتعطّف عليها ببرنامج "يُسّهل " لها الامور ، دون أن تبذل جهدا ، اللهم سوى الاستهلاك .
انها أُمة تعيش "أمجاد " الماضي في هذا العصر ، حاضرها ومُستقبلها يقبع بعيدا في التاريخ السحيق ، ويتباهى أبناؤها بإنجازات تحققت قبل الاف السنين على أيدي عُلماء من ابناء الاقليات القومية المُختلفة الذين انضووا تحت "عباءة " الدولة العربية .
يُفكّر بافل وايغور بالعربي كبير السن ، ويبرمجون له تطبيقا على الهاتف ، يجعله في تواصل دائم مع ابناء عائلته ، طبيبه والعالم الخارجي . ويُردد العرب شعارات متهرئة عن الأخلاق .
لا أعلم ، متى سيتم تسويق هذا البرنامج ، ومن سيُسوقه وتحت اسم اية دولة ، لكنني أعلم علم اليقين بأن هؤلاء الشباب في شركة البرمجيات ، ومع سعيهم وراء الربح ، فأنهم يُساهمون في التخفيف عن كبار السن العرب ، أكثر بكثير من كل الخطابات والشعارات الجاهزة دوما للاستعمال ..
وكُلما تعاظمت الفجوة العلمية والحضارية بين العرب والغرب ، كلما زاد اعتماد العرب على الغرب واسرائيل من ضمنه ، وكلما زادت كمية الشعارات والخطابات التي تُمّجد الماضي وتدعو للتمسك به .
وكلما انضم "ايغور" جديد الى عالم البرمجيات ، سينضم عربي جديد للرافضين بقوة السلاح للحضارة الغربية ، ويقوم بتفجير نفسه في مجموعة من العرب الفقراء ، لأنهم يريدون الحياة ...مع العلم بأن سلاح القتل هو صناعة غربية أيضا ..!!

#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات