أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رفسة إسطنبول















المزيد.....

رفسة إسطنبول


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4243 - 2013 / 10 / 12 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


في سيارة الركوبة التي نقلتهم من مطار إسطنبول إلى فندقهم الفخم الكائن قريباً من ميدان " تقسيم " في القسم الأوربي من أسطنبول ، سأل " أمير" زميله عضو الوفد الرسمي " أحمد " :
- هل يوجد من يتكلم العربية في إسطنبول ؟
- كلا ! الأتراك قوم متعصبون ؛ و هم يُؤثرون التخاطب مع الأجانب بلغتهم التركية التي يفاخرون بجمالها . و حتى إن وُجد من يتَّقن منهم العربية ، فإنه لا يستخدمها لغة للتخاطب . نفس الشيء ينطبق على الأكراد المغلوبين على أمرهم في أسطنبول : فهم لا يتحدثون بلغتهم الكردية إلا فيما بينهم .
- ألا يوجد عرب يقيمون في أسطنبول ؟
- يوجد عدد قليل منهم ، و هم هنا نوعان : مصطافون همّهم ينحصر بالكرش فما دون ، و يتحدثون بالإنجليزية المكسرة و ليس بالعربية ؛ و مقيمون يشتغل أغلب شبابهم إما طلاباً يستخدمون التركية لغة للتخاطب ، أو قوّادين لا يستخدمون العربية إلا في أصطياد ضحاياهم من المصطافين العرب المغفّلين ؛ و هم كُثر ، و الحمد لله .
- قوّادين ؟
- نعم ! هل هذه المرة الأولى التي تزور فيها إسطنبول ، يا أبا كرّار ؟
- نعم ! و أنت ؟
- إسطنبول هي بمثابة "الباب الشرقي" ، بالنسبة لي . و ما دامت هذه هي زيارتك الأولى لإسطنبول ، فإني أنصحك نصيحة أخوية – يا أبا كرّار - بعدم التحدث البتة في الشارع مع أي شاب يخاطبك باللهجة العربية ، خصوصاً الشامية أو المصرية أو العراقية ، فأن في اللغة الفخاخ . مفهوم ؟
- مفهوم .
- يأتيك القفّاص مبتسمأ بوسامة مشرقة ، و يعرض عليك بنعومة الأفعى و إغراء ألوانها الزاهية حمّاماً تركيّاً ، أو الجاكوزي ، أو مساجاً ، أو المتعة الجنسية ، أو إيجار شقة ؛ فتذهب معه ، بحسن نية ، أو بدافع الفضول ، للبار أو الملهى . و هناك يحتالون عليك ، و يكشرون لك عن أنيابهم ، فينتفون ريشك كله حسب الأصول . أنا أسمّي هذه الخدعة - التي إخترعها القوّادون في إسطنبول خصيصاً للزوّار العرب المغفّلين : رفسة إسطنبول .
- و من قال لك أنني من صنف الرجال المغفّلين ؟
- حاشاك ، أبا كرّار الورد !
- أنا رجل خشن ، و مفتِّح باللبَن ، و عبقري !
- أنعم و أكرم . المشكلة هي أن كل المغفّلين يعتبرون أنفسم عباقرة لوذعيين ، و إلا إنتفت الغفلة من هذا العالم . شُف ، سيد أمير ، لقد حذرتك من القفّاصين ، و أنت حر في التصرف ؛ مثلما سبق و أن حذرت أكثر من شخص واحد قبلك ، و لم يسمع التحذير مع الأسم ، فابتلع رفسة أسطنبول من اولئك القفّاصين حسب الأصول ، و خسر كل مصاريف الإيفاد التي إستلمها من دائرته خلال أقل من ربع ساعة ، و اضطر لأستدانة مصاريف طعامه و مشترياته مني طيلة مدة الإيفاد - الذي تحول إلى همٍّ و نَكَد ، بدلاً من أستغلاله فرصة للراحة و الإستجمام . إسطنبول هي ماخور كبير خطير ، و شعارهم هنا هو : أفرغوا جيوب الزوّار الأجانب تماماً بأي شكل كان ، قبل أن يستقلوا رحلة العودة ، و يبقى فلس واحد في جيوبهم و ليس جيوبنا ؛ واضح ، يا أبا كرّار الورد ؟
- واضح .
- إذا كلّمك شخص بالعربية في هذا الجانب من الرصيف ، دُر إلى الجانب المعاكس ، مفهوم ، سيد أمير !
- صار . أنا أخوك السبع : الخيل و الليل و البيداء تعرفني ؛ و السيف و الرمح و القرطاس و القلم !
- خوش طيـ - ، ههاه !
- هاهاها !
بعد ربع ساعة من وصولهما للفندق ، نزل أحمد إلى قاعة الإستقبال ، و جلس على أريكة وثيرة ، و أنتظر نزول زميله أمير حسب موعده معه ، للخروج و التمتع بمنظر مضيق البسفور ، و شراء شريحة جديدة لمهاتفة الأهل في بغداد . مضت خمس دقائق ، دون أن يوافيه أمير . توجّه أحمد لموظف الإستقبال و طلب منه – بلغة تركية صافية التنغيمات - الإتصال بالغرفة رقم 324 التي ينزل فيها زميله أمير . هاتف موظف الأستقبال الغرفة إياها مرتين : لا يوجد رد !
بدأت الوساوس و الهواجس تُنَغْمِشُ جلد أحمد ، و تعكَّر فِكرَهُ . هل يمكن ... ؟ لا ، لا ! مستحيل .. ! أبداً ، لا يمكن أن يكون أميراً على هذه الدرجة من الغباوة . نعم ، لا يمكن ! لم تمض بعد حتى نصف ساعة على وصولهم للفندق . و لكن أين هو أبو كرّار الآن ؟
أخذ أحمد المصعد للطابق الثالث . دق على باب الغرفة 324 . ما من رَد . لعله نائم . كرّر الطرق مرتين بقوة : لا يوجد رد .
فجأة ، إنفرج باب الغرفة 364 المقابلة ، و مد رجل سمين شبه عارٍ رأسه الغارق بالعَرَق ، و راح يتفرس به لاهثاً بعيون صاعدة أعلى ناصيته ، و كأنه يريد إفتراسه .
نسي أحمد أنه في أسطنبول ، فقال معتذراً باللهجة العراقية :
- العفو ، أخي ! صديقي نائم هنا ، و أريد أگـعّده .
جاءه الرد بلهجة بغدادية كاسحة :
- صديقك ؟ أگول منو هذا الحمار اللي يدگدگ بالبيبان بلا أدنى ذوق و لا إحساس ! أگول : شنو أنتو العراقيين ماكفاكم الدبّات مالت بغداد ، إنّوب لاحـگينا بعرباينكم حتى لهنا ؟ إنهزمنا لاسطمبول ، و ما خلصنا منكم ؟ يعني إلّا تطلّعوها علينا زقّوم وين ما نروح ؟ إي ـ ما دا تشوف نفسك كَسَّرْت الباب بالدَّگ ، و ما كو رد ؟
- حقّك علي ؛ أعتذر .
- لا خصمانة ! أعتذر ؟ إييي ، و آني شراح يفيدني إعتذارك هذا ؟ ها ؟ تدري دَگك هذا طيَّر الفياگـرا من إذاني ؛ و هذا النذل كَشَّت رُوحه ، و لَفْ راسه ، و نام ؛ و الطبيب مانع علي آخذ أكثر من حبّة وحدة باليوم . مَتـگللي منو راح يـگـعِّده لهذا النذل مرة اللخ حتى أشوف شغلي زين ويّا هايي الآرتست اللي تخبّل و اللي ساعتها بستميت دولار ؟ ها ؟ منو راح يـگـعِّده ؟ القُبَيْس ؟
- آني جداً آسف ، أستاذ !
تفوّه أحمد بإعتذاره ، و هو يضع كفه على فمه ليكتم بالكاد ضحكة مجلجلة تتكسر بصدره ، مسارعاً إلى مغادرة المكان ، عائداً لركن المصاعد ، ليسمع صدى صوت البغدادي السمين اللاهث يلاحقه كالرصاصة الخارقة الحارقة :
- يضحك السفيه ! فرخ جايف ! تفوه !
لوحده في المصعد ، أنفجر أحمد بالضحك حتى جلس القرفصاء . ما أن بلغ طابق قاعة الإستقبال ، حتى إستجمع قواه و انتصب ، وعادت الهموم تقرص مزاجه . بحث عن أمير بين الجالسين على مقاعد القاعة : لا أثر له . قرر الخروج و التوقف عند باب الفندق ليدخن ، و ينتظر أميراً هناك . لا بد أنه خرج قبله ليتفرج على المدينة .

ما أن ولع سجارته ، حتى شاهد أميراً قادماً يهرول بقميص متهدل ، و هو يتلفت خلفه يمنة و يسرة ، و قد خلع سترته .
- قوّاك الله ، أبا كرّار ! لماذا قميصك متهدل ؟ و لم نزعت سترتك ؟
- لم أنزعها ! أبقيتها أمانة !
- أمانة ؟ أين ؟
- في المسرح !
- أي مسرح ؟
- المسرح الذي أخذني إليه .
- من الذي أخذك إليه ؟
- صديقي !
- صديقك ؟ و لماذا لم تخبرني من قبل بوجود أصدقاء لك في إسطنبول ؟
- تعرفت عليه هنا ؛ اقصد هو الذي عرَّفني بنفسه .
- و ماذا يعمل صديقك هنا ؟
- إنه ، إنه – أقول لك الحقيقة ، يا أخي ؟ لقد إزدرت رفسة إسطنبول . نعم ! و لكنني صرت سبعاً ، فلم أدفع كل المبلغ المترتب عليَّ ، بل أبقيت سترتي بدلاً من بقية المبلغ المترتب بذمتي و البالغ ثلاثة آلاف و مائة و خمس و سبعين دولاراً !
- كم دفعت ؟
- كل مستحقاتي من مصاريف الإيفاد و الإقامة التي صُرفت لي : ألفاً و مائتي دولار !
- عجيب ! لا حول و لا قوة إلا بالله ! و هل سرقوا جواز سفرك أيضاً ؟
- كلا ، كلا ! إنه ما زال عند مكتب الإستقبال في الفندق .
- الحمد لله !
- الحمد لله !
- أراك منهكاً و خائفاً . تعال ندخل الفندق ، لنرتاح قليلاً هناك .
في كافتيريا الفندق ، جلس أحمد و أمير . جاءهم النادل ، فطلب أحمد قدحين من عصير الليمون .
- متى خرجت من الفندق ، يا أبا كرّار ؟
- قبل أقل من نصف ساعة !
نظر أبو كرّار إلى معصمه ، ثم ضرب بكفه على جبهته .
- لقد أخذوا الساعة أيضاٌ مني ! بقيت أمانة لديهم !
- ساعتك الأوميغا السويسرية ؟
- نعم .
- بكم أشتريتها ؟
- إشتريتها الشهر الماضي من بغداد بألف و خمسمائة دولار .
- و ما ذا أخذوا منك غير الساعة ؟
- الهاتف النقّال ! گـلاكسي فور ! جديد ! أشتريته قبل يومين بثمنمائة دولار . بقي هو الآخر عندهم أمانة !
- عجيب ! أخي ، إستناداً لأقوالك الآن ، فقد أخذوا منك ما قيمته ثلاثة آلاف و خمسمائة دولار أمريكي ، و هذا مبلغ كبير . هل نكحت كل مومسات إسطنبول خلال ثلث ساعة ؟
- لم أنكح و لا واحدة ، و لا من يحزنون ! ذلك هو ثمن خمس و عشرين كأساً من الشمبانيا الفرنسية الفاخرة !
- شمبانيا فرنسية ؟ و كيف تسنى لك إحتساء هذا القدر من الشمبانيا خلال ثلث ساعة ؟
- لم أشرب و لا قدحاً واحداً ، و لم أبق في المسرح أكثر من خمس دقائق . هنَّ اللائي شربن !
- مَنْ هنَّ ؟
- أربع آرتيستات ، و صديقي نجدت !
- قم بنا نذهب إلى صديقك هذا ، الآن !
- لا أستطيع ! لقد إختفى فجأة ، و لا أعرف مكانه بالضبط !
- إحكي لي القصة من أولها ، أرجوك ، علَّني أساعدك ، فلدي معارف هنا .
- أرجوك ، ساعدني ! لم يبق لي عضيد غيرك هنا ! أنا خائف ! هأهأهأ . لقد نتفوا ريش أخيك كله . ثلاثة آلاف و خمسمائة دولار ضُيِّعن في خمس دقائق ! و السترة أيضاً ! سوَّد الله وجهي ! هأهأهأ ! لم أسمع كلامك ! أنا حمار بن ستين حمار ! و لكنني أُخذت غدراً ، و الله ! هأهأهأهأ .
- إهدأ . هاك منشفة كلينكس . أمسح دموعك ، و خذ قسطاً من الراحة .
بعد أن فرغ أمير من شرب قدح الليمون ، و هدأت نفسه ، سرد قصته لزميله ، أحمد :
- حال فراغي من أدخال الشنط للغرفة ، نظرت من الشباك للبحر و للخضرة ، فتاقت نفسي للتنزه قليلاً ، و أستكشاف المنطقة لدقائق قبل موعدي معك . خرجت من الفندق ، و عبرت الشارع للتنزه على المغازات . أقترب مني شاب و قال : " عاوز شابّة ، يا بيه ؟" قلت له : " لع عيني ، آني ما أدوّر قحاب ." أبتعدت عنه ليس أكثر من خطوات ثلاث ، فتقدم مني شاب عملاق ، و قال لي بلهجة بغدادية دافئة : " شلونك داد ، صار لي هوايا ما شايفك ، يا صديقي الوفي ،" و أخذني بالأحضان . ثم قال لي : " أنا صديقك البغدادي "نجدت" ، هل تتذكرني ، أم أنك نسيتني ، لا سمح الله ؟ " سألته : " أي نجدت ؟ " رد علي بالقول : "أنا صديقك الحميم : نجدت بن المُلا علي . هل تذكرتني الآن ؟ " و لما كان " الملا علي " هو الصديق الصدوق للوالد ، فقلت له : " نعم ، نعم ، لقد تذكرت والدك . كيف هي حاله الآن ؟" فأجابني : "لقد أعطاك عمره ، رحمه الله" . فترحَّمت عليه . ثم سرنا معاً ، فسألني عن حال والدي الحاج ، فقلت له إنه بخير . فقال : " الحمد لله الوالد بخير ". ثم سألني : "لماذا تزور إسطنبول و لا تعطيني خبراً بذلك ، كي يتسنى لي ترتيب إستقبال يليق بمقامك ؟" فقلت له أن السبل بيننا قد إنقطعت منذ وفاة والده ، و أنني لم أصل إسطنبول سوى الساعة . فأنبني على عدم إبلاغه بزيارتي لإسطنبول ، و هو يقول : "أنت معزوم عندي اليوم لعرض فنّي يخبّل في مسرحي الخاص" . ثم أدخلني عدة دهاليز و أزقة ، إلى أن دخلنا مسرحه . ما أن جلسنا ، حتى جاءت أربع آرتيستات صغيرات السن و شقراوات ، و جلسن حولي , و عرَّفنني بأسمائهن : واحدة إسمها "سميرة" ، و أخرى أسما "گل" ، و نسيت الأسماء الصعبة للأخرتين . ثم جاء النادل يحمل أقدحاً صغيرة جداً ، مليئة بسائل الشمبانيا الأسود ، فسألني نجدت إن كنت أود تكريم الفنانات بإسقاءهن الشمبانيا على حسابي ، فقلت : نعم ، و أنا أتصور أن سعر القدح الواحد لن يزيد عن الدولار الواحد . أنزل النادل خمسة كؤوس أمام كل واحدة منهن ، و أمام نجدت ؛ أما أنا فقد قلت له بأنني لا أشرب الخمر . بعد الفراغ من شرب الشمبانيا ، قام نجدت و أختفى ، ثم جاء شاب طويل و عريض ، و طلب مني دفع الحساب و هو يضع الفاتورة أمامي . قرأت المبلغ المدون في الفاتورة ، فلم أصدق عيني : أربعة آلاف وثلثمائة و خمس و سبعون دولاراً . إستفهمت من الرجل الطويل العريض عن دواعي فرض هذا المبلغ الضخم ، فأراني قائمة الأسعار : السعر الرسمي المطبوع لقدح الشمبانيا الواحد لديهم هو : مائة و خمس و سبعون دولاراً . رفضت الدفع ، فهددني الرجل الطويل العريض باستدعاء الشرطة ، و حبسي في حالة الإمتناع عن الدفع ، و تطاول عليًّ بالكلام البذيء ؛ ثم أحاط بي ثلاثة عمالقة ضخام الجثة ، مفتولي العضلات ؛ فارتعبت منهم ، و دفعت له كل المبلغ الذي عندي : الفاً و مائتي دولار ! ثم طالبني الرجل الطويل العريض بدفع بقية المبلغ ، فأعلمته بأنني أعطيته كل ما لديَّ من النقود . عندها قام أحد العمالقة برفعي عالياً من أبطي ، و قام عملاق ثان بتجريدي من سترتي و ساعتي ، و قال لي الرجل الطويل العريض أن سترتي و ساعتي ستبقى أمانة لديه حتى أجلب له بقية المبلغ . و أرسل سميرة معي لإيصالي للفندق ، و التي أوصلتني قريباً من هنا ، و قالت لي أنها ستوافيني عند مكتب الإستقبال هنا في الفندق بعد ساعة من الآن لتستلم مني بقية المبلغ ، و تسلمني أماناتي ، و هذا هو كل الذي حصل .
- و بأي لهجة تحدثت معك سميرة ؟
- باللهجة المصرية .
- و الرجل الذي طالبك بالتسديد ؟
- باللهجة المصرية أيضاً ، و لكنه يتقن السب و الشتم بالعراقية أيضاً .
- لا بد أنه أقام فترة بالعراق . شُف ، عيني أبا كرار ، لقد وقعت ببراثن عصابة محترفة من القفَّاصة . الشخص الأول الذي عرض عليك القحبة ، فعل ذلك لكي يكتشف من ردك من أي بلد عربي أنت . و فيما كُنْتَ ترد عليه باللهجة العراقية ، كان يقف حواليك أربعة أشخاص آخرين : أحدهما يتقن لغة المغاربة ، و الآخر لغة الخلايجة ، و الثالث اللغة الشامية ، و الرابع – الذي عرَّفك بنفسه باسم نجدت - يتقن العراقية ، علاوة على القفاص الأول الذي يتقن المصرية .
- و كيف عرف نجدت بأبي الحاج ، و بالملا علي ؟
- أنت تعلم بأن كل العراقيين بعمرنا يُسمّونهم الناس حجّاجاً ، بالمخاطبة ، حتى المسيحيين و الأيزيديين و الصابئة منهم . كما أنّ ربع العراقيين إسمهم " علي " ؛ و نصفهم أصبحوا من الملالي بعد الإحتلال الأمريكي .
- كيف فاتت عليَّ كل هذه الحقائق ؟ يالي من قشمر كبير !
- أما الشمبانيا الفرنسية التي أنزلها النادل على منضدتكم ، فلم تكن شمبانيا ، بل هي المشروب الغازي : بيبسي كولا ! الشمبانيا لونها أبيض شفاف يشوبه خيط رفيع أصفر !
- عجيب ! لا حول ولا قوة إلا بالله !
- هذا يعني أنك دفعت ثلاثة آلاف و خمسمائة دولاراً ، و فوقها سترتك ، لقاء قنينة بيبسي كولا سعرها لا يتجاوز الدولار الواحد !
- دولار واحد فقط ! المجرمون ! أوووه ! و لكن لا عليك ، بعد أقل من ساعة ، ستأتي سميرة إلى هنا ، و عندئذٍ ، سيكون حسابها عسيراً معي !
- هاهاها !
- لماذا تضحك ؟
- لن تأتي لا سميرة الخطيرة ، و لا منيرة الحقيرة . الفتاة التي سمّت لك نفسها بالإسم المستعار "سميرة" هي أحد أفراد العصابة ؛ و واجبها ينحصر بالجلوس مع العصافير المريّشة ، و شرب البيبسي معهم ، و من ثم إيصال أولئك الضحايا الغرباء من أمثالك إلى فنادقهم بعد نتف ريشهم ، لكي لا يتيهوا ، و لا يلجأوا إلى مراكز الشرطة ، و يقيموا الشكاوى ضدّ من سلبهم ، فتبدأ التحريات و التحقيقات الجنائية ضدهم ، و قد يحصل سين و جيم .
- هل تقصد أنها لن تأتي إلى هنا لتستلم مني بقية المبلغ حسب الموعد الذي ضربته بنفسها لي ؟
- بالطبع لا . هل سمعت بسالب يسلم نفسه للمسلوب بعد إتمامه لسلبه ؟
- سوّد الله وجهها و وجهي ، أنا الحمار بن الحمار . هأهأهأ ! لعن الله أسطنبول و أهلها !
- الأمل الوحيد المتبقي أمامنا هو أن تنجح بإرشادي إلى المحل الذي دخلت إليه . هل لاحظت وجود نقطة دلالة واضحة أو متميزة قريبة منه ؟ عمارة ؟ محل ؟ يافطة ؟
- لا ، مع الأسف . شكل أغلب العمارات هنا متشابه ، و اليافطات مكتوبة بالإنجليزية التي أموت منها منذ طفولتي !
- صحيح ! نحمد الله أنك خرجت سالماً معافى ؛ أما المال ، فهو وسخ الدنيا ، و فداء لقلامة أظافرك . إنس الموضوع ، و دعك من همّه ، و تطلّع للمستقبل ؛ و أنا حاضر لإمدادك بكل ما تحتاجه من المال ، و بالمساعدة في كل شيء ، من هنا الآن ، و لحين أيصالك سالماً لدارك ببغداد بعد أسبوع ، إنشاء الله .
- جزيل الشكر، أخي العزيز . بصراحة : أنا لست متألماً بسبب خسارة المال ؛ قهري هو من السب المقذع الذي رماه بوجهي ذاك الرجل السمين الطويل ، و أنا لا أستطيع الرد عليه .
- بماذا نعتك ؟
- حاشا الحضور، بصق علي وأنا محاط بالعمالقة ، ثم عاجلني بلهجة عراقية بسبة : أنت فرخ جايف !
- ما عليك ؛ الإناء ينضح بما فيه .

10 / 10 / 2013 .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- نَجْلاء
- الخِطّة الأمنيّة العبقريّة
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 7 الأخيرة
- مهرجان الصماخات
- تطور الشعر الإنگليزي 1920 - 1950 / 6
- خروف الطاقة و سيّده
- شعشوع ، تائه الرأي
- البومة زلومة المشؤومة و خماسي الحُكم
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 5
- نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتا ...
- نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتا ...
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 4
- كابوس الدوّامة الإنفلاشية
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 3
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 2
- تطور الشعر الإنگليزي 1920-1950 / 1
- الديك و عضو البرلمان
- الحب الخريفي في ترجمة لقصيدتين عربيتين


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رفسة إسطنبول