البومة زلومة المشؤومة و خماسي الحُكم

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)

الحوار المتمدن-العدد: 4151 - 2013 / 7 / 12 - 19:16
المحور: الادب والفن
    

كان يا ما كان في قديم الزمان ، غابة تسمى بغابة الإنذباح و الإنسلاح و الإنبطاح و الإنكفاح (ذسبك) ، و التي إنقسمت دوابها بين فصيل منغمس في الإنذباح و آخر محبذ للإنبطاح و ثالث مدمن على للإنسلاح و رابع نصيبه الإنكفاح . و كان يحكمها تنين خنيث خبيث له رأس ذئب و جسد غوريلا يدعى " بَزْبَزْ " . جمع " بَزْبَزْ " رؤساء فصائل الدواب ، و تلى عليهم متن القانون الثوري التقدمي الجديد الذي أصدره و نصه :
تصنيف القانون : عقوبات
الجهة المصدرة : غابة ذسبك
رقم التشريع : 200
تاريخ التشريع : 1234
سريان التشريع : ساري
عنوان التشريع : قانون العقوبات رقم 200 لسنة 1234
المادة : 1
يعاقب بالإعدام شنقاً أو رمياً برصاص الرشاشات أو البنادق أو مسدسات كاتم الصوت أو تطشيراً بالأحزمة الناسفة أو بالقنابر أو بالصواريخ أو المدافع أو آليات الثرم من أي نوع أو تهشيماً بالهراوات أو منظومات التعذيب أو سلخاً بالسيوف أو السكاكين أو الخناجر أو الفؤوس أو الطبرات أو الشفرات أو الحربات أو دفناً بالشفلات أو زهقاً بالتيار الكهربائي أو بالثاليوم أو بالتيزاب أو بالعوامل الكيمياوية أو الجراثيم أو السموم أو خنقاً أو شوياً بأي شكل كان كل من :
أ‌. ارتكب عمداً فعلاً بقصد المساس باحتكار حكومة رئيس الغابة للإنذباح و الإنسلاح أو حرّض أحد دواب الغابة على الكفاح ضد الحكومة أو عدم الإنبطاح أو الإنكفاء أمامها أو كان الفعل من شأنه أن يؤدي إلى ذلك .
ب‌. أخفي شيئاً مغتصباً بفعل الأفعال المذكورة في الفقرة السابقة أو اختلسه أو مكّن من وقوعه في يد الغير أو أساء عمداً لصلاحه .
ت‌. من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ و لو بالواسطة من دولة أجنبية أو من أحد ممن يعملون لمصلحتها أي منفعة أو وعداً بشيء من ذلك بقصد الإضرار بالإحتكار المذكور أو منع الدواب من تنفيذ الأفعال المذكورة في هذه المادة .
ث‌. من أعطى وعداً أو عرض شيئاً مما ذكر بقصد الإضرار بالإحتكار المذكور أو منع الدواب من تنفيذ الأفعال المذكورة في هذه المادة و لو لم يقبل عطاؤه أو وعده أو عرضه .
ج‌. من توسط في ارتكاب جريمة من الجرائم المذكورة في هذه المادة .
المادة : 2
تسري الاحكام السابقة على :
أ‌. المتعاقدين الثانويين و الوكلاء و الوسطاء إذا كان الإخلال أو الغش في تنفيذ هذا القانون راجعاً إلى فعلهم .
ب‌. من اشترك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المادة الأولى أعلاه و اتخذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه .
ت‌. كل من سعى في تكوين هذا الاتفاق أو كان له دور رئيسي فيه .
ث‌. من دعا آخر إلى الانضمام إلى اتفاق من هذا القبيل و لم تقبل دعوته .
و لتشجيع الدواب على الإنبطاح المثير و المستمر أمامه بكل يسر و سلاسة و حماسة و كياسة ، فقد أصدر " بَزْبَزْ " قراراً بتكريم كل من ينبطح له على البطن بإستكان واحد من العليقة ، و من ينبطح له على الظهر بثُلُثي إستكان ، و من ينبطح له على الجنب بثُلُث إستكان ؛ و يتم التوزيع بموجب بطاقات تموين العليقة . و لمنع المنبطحين عن التمرد على مواصلة الإنبطاح البهيج المبارك ثورياً ، فقد أصدر تعليماته المشددة بمعاقبة المتمردين بتغريمهم ما يعادل وزن العليقة الموزعة عليهم من لحوم أجسادهم : اللسان و الإذنين و الأطراف العليا و السفلى . و في حالة عدم كفاية لحم جسد المتمرد لموازنة العليقة الموزعة عليه ، فيصار إلى خوزقته حسب القانون و على التوالي على ثلاثة أنوع من القناني : قنينة بيرة هنينگر لصاحب الإستكان ، و قنينة پيپسي لصاحب ثلثي الإستكان ، و قنينة سڤ-;-ن أب لصاحب ثلث الإستكان .
و استقدم التنين القوارض النهمة المجلوبة من مزبلته في الغابة ، و أوكل إليها أمر حمايته ، علاوة على تنفيذ مواد هذا القانون بحذافيرها و بكل جد و إخلاص ، و التسبيح بحمد " بزبز " آناء الليل و أطراف النهار .
و يوماً بعد يوم ، تعاظم إعجاب التنين بنفسه و بكفاءته و قدراته العبقرية ، و هو يشاهد كيف أن قوانينه أصبحت تفعل فعل السحر في تدجين الدواب و تكريس إنبطاحها اليومي بكل سلاسة و كياسة و حماسة أمام عظمته . كما نفخت القوارض في صوْر ذات " بزبز " و ذلك على وقع ضرب النواقيس الحربية-الجنائزية ، و قلبت قصص غدره الجبان الماضية إلى قصص بطولة عنترية تروى في أعياد الدواب الوطنية ، فآمن الأخير إيماناً مطلقاً بكونه القائد الضرورة الملهم بفعل إرادة سماوية مباركة .
و تحسباً لأي مخاطر يمكن أن يتعرض لها إستقراره الأبدي على عرش الغابة ، فقد طلب قراءة بخته و أخذ فأله عند البومة " زلومة المشؤومة " التي كشفت له بأن حتفه كامن في خوفه من قيام الدبابير الزرق المحمرة بقرص أنفه . إستبد الحنق بالتنين على البومة لكشفها عن نقطة ضعفه ، و هجم عليها يريد إفتراسها ، فطارت بسرعة ، و لاذت بالإختفاء بين أجمات الغابات المجاورة ، و راحت تؤلب الجيران على التنين " بزبز " .
و يوماً بعد يوم تمدد القرض و النفخ و القرع بحمد و سطوة " بزبز " إلى البعيد متجاوزاً حدود الغابة ليرعب دواب جيرانها التي تخاف من النسيم ، فاستشار هؤلاء البومة " زلومة المشؤومة" في كيفية القضاء على " بزبز " و قوارضه التي سمنت حتى كادت تنفجر من نفخة التغنم ، فنصحتهم البومة باستخدام العلف الأخضر لكسب ودِّ قوارض التنين أولاً ، و من ثم إنتداب عمّهم الضربان " أبي سامج لر " لإرسال الدبابير الزرق المحمرة المتجمعة لديه لقرص أنف التنين و القضاء عليه قضاء مبرماً . طبَّقت دواب الجيران نقاط هذه الخطة بكل تتبع و جد و دقة حتى عزلت التنين الخنيث الخبيث عن قوارضه التي لم تتأخر عن تسليم رقبته صاغراً لـ " أبي سامج لر " بدون مقاومة خوفاً على أنفه من قرص الدبابير الزرق المحمرة المهيمنة على الأجواء كافة .
بعد قتل " بزبز " حسب الأصول وفقاً لشريعة الغاب ، أهدى الضربان " أبو سامج لر " مقاليد غابة " ذسبك " للبومة زلومة المشؤومة و لمساعديْها : " خنزير الطاقة المجعمصاني " ، و " الكلبة خيال المآتة المزينواني " ، و الفأرين " أخوان الچتا الطرزاني " .
و لأن الخماسي هذا كان من أخلص و أشرف المعجبين الورعين بسيدهم القتيل " بزبز " خلقاً و خلقة و تخلقاً و تخلفاً و تقلفاً ، و باعتبارهم خير شلف لخير سلف ، فقد اتبعوا نفس قوانينه و سيرته باحتكار حكومتهم للإنذباح و الإنسلاح و فرض الإنبطاح و الإنكفاء على كل دواب الغابة .
ضجت دواب الغابة من ظلم حكامها الجدد الذين أصبحوا يعرفون بالخماسي الفاسد الملطخ بدماء الأبرياء ، و تجمهرت معلنة العصيان العام ضدهم ، و قدمت قوائم بمظالمها و مطالبها . كما نظمت المهرجانات الخطابية التي بينت كيف أن حكومة الخماسي الفاسدة الملطخة بدماء الأبرياء من الدواب قوامها مخلوقات أمية في السياسة و الإقتصاد و الإدارة و التدبير و أن كانت متمرسة بالبلطجة و سرقة المال العام و الإلتصاق بكراسي الحكم عبر الدجل و التزوير . و الدليل على كل ذلك هو فشلها الدائم في حل أبسط مشكلة من مشاكل الغابة . و عليه ، فقد تفاقمت المشاكل و الأزمات الرهيبة حتى طالت كل خلية من خلايا الغابة ، و راحت تدوِّخ باستمرار رؤوس الدواب من الصباح حتى المساء ، كما و تؤرقهم حتى في الأحلام ، لذلك فأنه لا توجد دابة لا تضطر إلى شتمهم عشرات المرات كل يوم صباح مساء .
عقد الخماسي الحاكم إجتماعاً فوق العادة للتصرف بشأن العصيان ، و رسموا خارطة الطريق التالية :
1. يتولى " خنزير الطاقة المجعمصاني " الإعلان عن إستجابة حكومة الغابة لكافة مطالب المتمردين للضحك على ذقونهم و التغني بحمد الدمِّقراطية الربانية المباركة شرعياً حتى حين . و عندما يأتي ذلك الحين الموعود ولا يتحقق أي شيء ، يؤجل موعد الإنجاز إلى حين آخر ، و هكذا دواليك ، حسب القانون السرمدي المقدس : عش يا حمار حتى يأتيك الربيع ، لكون دواب غابة " ذشبك " كلهم من أفضل القشامر في غابات العالم .
2. إبعاد الدواب عن التفكير في إختيار رؤسائهم مستقبلاً من غير دواب الخماسي و ذلك :
أ . بدلاً من السماح للدواب بالتدقيق و التمحيص لإختيار أفضل الحكام الجدد من الشرفاء و الكفوئين ممن يستطيعون بناء مستقبل واعد لها من غير الخماسي ، تتولى " البومة زلومة الشؤومة " و " الكلبة خيال المآتة المزينواني " و أتباعهما من دواب الدِين البيضاء و السوداء إجبار بقية الدواب كافة على التفرغ للتدقيق و التمحيص و من ثم الإحتراب فيما بينها بشأن من هو أفضل من كان يجب أن يحكم أجدادهم المنكودين قبل أربعة عشر قرناً ، و بذلك تخلو الكراسي للخماسي فيتربعون عليها سالمين غانمين إلى الأبد دون أن يعملوا شيئاً سوى خدمة أنفسهم و قيامهم – كلٌ على فصيله – بالتأكيد ليل نهار و في كل المحافل و بمناسبة و بدون مناسبة بأن ألأسلاف الأخيار هم من كان يجب له الحكم بدلاً من المفضولين الأشرار ، أو بالعكس ، و بكون أتباع هؤلاء أو أولئك هم وحدهم أتباع الأفاضل و الفئة الناجية من النار و غيرهم كافر فاجر يستحق الذبح و السلخ و العلس و الصك و الحرق بالنار . و بإمكان الخماسي العمل على تعزيز سياسة فرق تسد هذه عبر جعل عبادة السلف تستحوذ على عقول الخلف بالإستعانة بالإرادة الإلهية و بالحاكمية الربانية و بتوزيع المناصب و المقاولات و الهبات على نخب المؤيدين تحسباً لاحتمال أن ينقلب هذا التدبير على الخماسي بزعم استحالة إرجاع وقائع التاريخ إلى الخلف من جديد لكي يستطيع من يختارهم هذا الفريق أو ذاك تسنم مقاليد الحكم بدلاً من أولئك الذين حكموا فعلاً .
ب. يتولى الفأران " أخوان الچتا الطرزاني " بالترغيب و الترهيب لتأليب غير المتعلمين من الدواب على المتعلمين منهم عبر تقديس عائلتيهما كزمرة مختارة من الأرباب المعصومين اللاصقين بكراسي الحكم وفقاً للشرعية التاريخية .
ج . قيام الخماسي بترحيل التفويض الرباني و الحاكمية الإلهية هذا على الوضع الراهن للحفاظ عليه آسناً فيستطيع الخماسي ارتكاب ما يشاء بغير حساب و تبرير ذلك بدعوى كونها مشيئة ربانية ، و إنطاق الإرادة الإلهية بما يريده الخماسي للرد على المعارضين للدمِّقراطية .
و بالفعل فقد نجحت هذه الخطة .
و في قلب الليل ، تطلع القمر إلى غابات الأرض ، فوجدها كلها مغمورة بشلالات الأنوار ؛ وحدها غابة ذشبك بقيت قابعة في الظلام الدامس . تألم القمر لحالها ، و عاد إلى تدخين السجائر .

العمارة ، 12 / 7 / 2013

#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات