أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - على صهوة المجد.. واشكالية الهوية الشعرية















المزيد.....

على صهوة المجد.. واشكالية الهوية الشعرية


رحمن خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4215 - 2013 / 9 / 14 - 22:01
المحور: الادب والفن
    


على صهوة المجد
واشكالية الهوية الشعرية
رحمن خضير عباس
ينتمي ديوان الشاعر المغربي حكم حمدان ( على صهوة المجد ) الى الشعر العمودي ، او ما يطلق عليه الشعر الكلاسيكي . وتوصيف الشعر بالكلاسيكية ، يأتي لوضعه في خانة الشعر العربي التقليدي القديم ، الذي يعتمد على بحور الشعر الخليلية المعروفة ، وما تفترضه من اوزان . ومن قواعد صارمة في وحدة القافية . ولكن الشاعر حكم حمدان لم يلتزم بهذه القواعد المعروفة فحسب ، وانما حافظ حتى على الأساليب التقليدية ، في كتابة الشعر وتقفي اساليبه والألتزام باغراضه التقليدية ، والأنتقال من المقدمات الغزلية الى الوصف او المدح او الرثاء والشكوى . بمعنى آخر ان الشاعر قرر ان يعيش مرحلة شعرية ولغوية لاتنتمي الى زمنه . وكأنه يتقمص الماضي بتفاصيله البهية ، لينقله الى حاضرنا . وفي الحقيقة ان تجربة الشاعر حكم حمدان جديرة بالدراسة والمراقبة عن كثب . شاعر استطاع ان يروّض الحرف ، ويهيمن على زمام القوافي ويتمكن من اللغة . ولكنه بدلا من ان ينتمي الى الألفية الثالثة ، اختار ان يختبيء بين رمال القصيدة القديمة واطلالها وقوافيها واغراضها ، متناسيا انه ينتمي الى عصر آخر ، يتطلب هوية شعرية مغايرة للهوية التي ارتداها . بحيث انه يتقمص - احيانا- شيخوخة مبكرة، وهو في ريعان صباه :
( ذريني وهذا المشيب اعتراني الام التجافي وسهم رماني )
لاشك انها مغامرة فنية كبيرة . ان يحاول شاعر معاصر ان يحاكي روائع النص الشعري . ويجيد هذه المحاكاة بشكل ينمّ عن مقدرة كبيرة في القابلية الشعرية . وفي الفن التشكيلي يعتبر التقليد والمحاكاة لكبار الفنانين العالميين خطوة كبيرة لصقل الموهبة وتدريبها ، حتى يتشرب الفنان المتدرب بنفس خصائص واسرار اللوحة المستوحاة . لقد فعل ذالك شاعرنا حكم وأجاد في ابداعاته ، ولكن ابداعه ينتمي الى عصر آخر ، لذالك فقد بقي كدون كيخوتة يحارب طواحين الهواء وشياطين الشعر ، حالما بسنابك الخيل التي تطوي رمال صحارى شاسعة ، متناسيا انه ينتمي الى لحظة زمنية لاتنتمي الى الماضي الا بخيوط واهية .
حكم حمدان أصرّ على معانقة بهاء الشعر العربي ، مقتفيا آثاره ومنعطفاته ، حتى سالت قصائده بكلمات ومعان مضمخة بعبق الماضي ، حتى انسحب ذالك على اسماء الحبيبات ( ليلى وسلمى ..) والأمكنة ، والصفات والأغراض والتشبيهات والأستعارات .
وسارت على عيس تسر لحملها وخلخالها فوق السنام مجلجل
انه انبهار حقيقي استلب الشخصية الحقيقية للشاعر وجعله ظلا لغيره . ذالكم الأستلاب الذي جعله يقتفي ادق الأنسجة التي كانت تنبض في جسد القصيدة التقليدية. وكان يغذّيها من ملكته الشعرية ، بدون جدوى لأن قصائده ذابت وانصهرت في قوالب شعرية لاينتمي اليها . ولو كان انبهاره منصبا على الشكل - اي الألتزام بنظام الشطرين والقافية - لكان ذالك هو الأبداع بعينه . ولكنه انساق خلف معمارية القصيدة القديمة ، وحاول أنْ ينسج على منوالها . ومع ذالك
فقد استطاع ان يروّض الحرف ، ويدجن القوافي ، ويكسبها مرونة لتستجيب لسليقة شعرية مازالت طرية .لاسيما وهو يعيش عنفوانه الشعري . كيف لا وقد كتب كل قصائد هذا الديوان مابين عام 2000 الى 2003 . حيث انه في تلك الفترة كان يربو قليلا على العشرين ربيعا من عمره . واعتقد ان هذه المرحلة التي شهدت ولادة ديوانه البكر ( على صهوة المجد ) هي مرحلة التجريب. وما لهذه المرحلة من قلق شعري . واعتقد ان جهده الشعري بعد هذه المرحلة سيكون فيه نصيب لكي يكتسب هويته كشاعر حقيقي وموهوب ، يمتلك قدرات فذة ستمكنه من وضع لمسات مهمة على الشعر المغربي الحديث .
اخذت مدينته تارودانت حيزا كبيرا من ديوانه . لقد كان ابنا باراً ل ( رودانة ) كما يحلو له ان يسميها تحببا او لضرورات الوزن . لقد اشاد بتاريخها وحاضرها ، وعن مساهماتها في صنع التأريخ المغربي ، وعن ابنائها وعلمائها ومثقفيها . ومن خلال القصائد التي قيلت في المدينة على ما يبدو انها منبثقة من مناسبات اجتماعية ووطنية ، لذالك اتسمت بالهتافية وبرفع شعارات عامة ‘ يقتضيها سياق المناسبة التي تسلب الشاعر - احيانا - دفق احاسيسيه الحقيقية ، ليبقى اسيرا للأجواء العامة لتلك المناسبة ، التي غالبا ما تتطلب الفخامة في اللغة واختيار الألفاظ الأكثر تأثيرا على السامعين . واكاد ان اجزم بان الشعر العمودي هو اكثر تأثيرا على السامع من الشعر الحديث . لقد كانت تارودانت بالنسبة اليه سلة من القيم والمعاني النبيلة:
(أقصد ردانة طف بها متوددا أهلا تحل بها عزيزا سيدا
تلقى بها كرم الكرام ومنة وضيافة ومحبة، وتوددا )
لقد تناول الشاعر اوصافا معنوية لمدينته ، دون ان يدخل في مجال الوصف الحسي .لم يتناول المدينة ككيان جغرافي ،. لم يتناول بيوتها ، اسواقها ، اسوارها الضاربة في عمق التأريخ .مشاكلها ، الفقر او الغنى ، الحب او البغض فيها . لم يتناولها ككيان انساني/مكاني متكامل . ومع ذالك فاني احسد تارودانت لأنها انجبت شاعرا بقامة حكم حمدان الشعرية، كما احسده لأنه وُلد وترعرع في اعرق المدن واقدمها . وهو يدرك فضل هذه المدينة على بناء شخصيته ، وبناء شاعريته ايضا ، لذا فهو يعشق هذه المدينة ويعتبرها خليلته الأولى ،التي طالما تغنى بامجادها وانجازاتها وبراعة ابنائها .
كما اتخذت اشعاره في مواقع اخرى منحى وطنيا ، تحدث بحزن عن حالتنا الراهنة ، وعن الهزيمة العربية المتمثلة في القدس ، وحالة النكوص المستديم للوضع العربي . لكن قصيدته تبقى هتافية ، تتناول لون الجرح ولاتغور في عمق ألمه . اما القصائد التي ترجمت حالاته النفسية والعاطفية ، فهي كثيرة وغريزة في العاطفة . قصيدة تسجل له ارتفاعا في منسوب الحزن والضجر والخيبة ، وقصيدة اخرى تسجل عكس ذالك . ولكن في جُلّ قصائده كان متأزما ، وكأنه يمر بتجارب عاطفية فاشلة ، تركت الكثير من اللمسات المعتمة على لوحة قصائدها ، فقدمها الى القارئ وهي تتضرج بالعتمة . والحزن - في تقديري- هو اكسير الأبداع الشعري ، بدونه تصبح القصائد اقل شحنة واقل تأثيرا . واكاد أجزم بان الشاعرحكم حمدان كان يعاني حتى وهو يمدح او يصف او يتغزل . السياب قال اجمل اشعاره وهو في قمة الألم وكذالك نزار قباني اوأمل دنقل . ثمة كيمياء لصنع القصيدة وكأنها تمزج دماء الشاعر بوهج حروفه لأنتاج نص شعري متميز . ولعل قصيدته ( اني شربت مُدام الحزن) مثالا على ذالك والتي يقول فيها :
( إني شربت مُدام الحزن من زمني كأسا معتقة والقلب يحترق ) .
وفي قصيدة اخرى( أرنو الي ) تتجسد حالة من المزاوجة بين الفرح الخارجي والحزن الداخلي ، حينما راى الشاعر صورة له وهو يبتسم ، وكأنه قد قبض على نفسه وهو متلبس بفرح غريب ، لايمت اليه بصلة :
( أرنو إليّ ولا أدري الذي رمقت عيني أهوّ أنا أم تكذب الصور )
وقد استطاع الشاعر من خلال هذه القصيدة أنْ يسبر بعض متاهات النفس البشرية التي تتناقض بين باطنها وظاهرها .وقد كان مجددا في قصيدته هذه على عكس الكثير من قصائده ، واستطاع ان يطرح سلوكا بشريا مزدوجا ، يقوم على اساس الفصل بين الشكل ومضمونه .
لم يكن حكم حمدان مصففا للحروف ، ولم يحترف الكلمة او يمتهن قدسيتها . انه ينظر الى القصيدة كجزء مكمل لذاته . إنه يتنفس الشعر ، يعيشه لحظة بلحظة ، وكأنه مهووس بجمالية الكلمة . كان يغني الشعر صمتا ، او يبوح به وكأنه يهذي ، سمعته مرة وكأنه يهمس بكلمات للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد " صبر العراق صبور انت يا جمل ..." قلت في نفسي : انها هذا الشاب العامل والمكافح ، والذي ينهض فجرا الى عمله في مرسى اغادير ،ألم تستطع حرارة الأيام وقسوتها ان تنسيه رقة الكلمة وانسانيتها ؟ . لقد خاطب قصائده وكأنهن حبيباته ، دنياه الأثيرة ، وكأنه لايستطيع العيش بدون ان تتضوع غرفته ببخور الشعر .
لقد كان يحمل روحا من التحدي والمثابرة على انتهاج هذا الدرب العسير الذي اختاره عن وعي . ولكن هذه المتاهة الشعرية التي جعلته مغتربا وهو يتهجى الحروف لأول مرة طارحا على نفسه سؤال ، ظلت إجابته تتأرجح بين ثنايا قصائده ( أمن هوى سال شعري أم من الألم ؟ ) ومن تلك اللحظة ظل يطارد اللحظة الحياتية لينسج منها حروفا وكلمات وقصائد . هذه القصائد التي تسجل بعض خفايا الأوجاع الأنسانية المسفوحة على ارصفة مدننا العربية . لذالك فاني اهيب به ان يتأمل هذه الملامح ، وان يمسح عن الوجوه المتعبة غبار التعب ، وذالك بجمالية الشعر ، لاسيما وان الشاعر حكم حمدان يمتلك خميرة شعرية كبيرة تؤهله ان يرسم خارطة شعر حديثة ، يستلها من الواقع اليومي ومراراته ، وليترك القصيدة التي لاتنسجم وروح العصر .
اوتاوة / كندا



#رحمن_خضير_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيّنة من نوابك ..ايها الشعب العراقي
- مظاهرات اليوم
- تجليات الواقع والخيال ..في رواية طوفان صدفي
- هروب سجناء القاعدة
- السطوع
- مدن اخرى ..وقلق المكان
- الجونوسايد في مصر
- رواية (كوميديا الحب الألهي) والذاكرة المعطوبة
- الرحيل ..وحزن اوتار العود
- علي دواي .. بصيص أمل في عراق جريح
- قف بالمعرة ..
- وأد الأطفال ..في بلاد النفط
- أحمد القبانجي .. سجينا
- بغداد عاصمة ..لأية ثقافة
- الوطن بعيون مهاجرة ( الأمن السياحي )
- شكري بلعيد .. وداعا
- لاشيء فوق العراق
- بهاء الأعرجي والمصباح السحري
- مباراة العراق في كأس الخليج
- رد على مقالة الدكتور عبد الخالق حسين


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - على صهوة المجد.. واشكالية الهوية الشعرية