|
|
إشتراكيون لا يدركون ماهيّة الإشتراكية
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 4148 - 2013 / 7 / 9 - 17:34
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
سيظن القارئ أنني اكتب هنا تحت هذا العنوان المخالف للقياس العام من أجل أن أثير فيه غريزة حب المعرفة . ليس بعض هذا الظن إثماً ؛ ففي الحقيقة أنني لم أتعرف بعد على قارئ أو كاتب أو محلل ـ ودون ابتذال لوصف المحلل ـ يدرك حقيقة ماهيّة الإشتراكية . ولن أخطئ في اعتباري حتى قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي ـ باستثناء لينين وستالين بالطبع ـ أنهم لم يدركوا ماهية الإشتراكية وهو ما كان له الدور الحاسم في هزيمة البروليتاريا أمام البورجوازية الوضيعة السوفياتية بعد رحيل ستالين مباشرة . قصّر أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي في إدراك أن الخطة الخماسية الخامسة (1951– 1955) التي قرروا إلغاءها في اجتماعهم في سبتمبر 53 خلافاً للقانون وللنظام أنها كانت المعركة الفاصلة الأخيرة في انتصار الاشتراكية الحاسم داخل الاتحاد السوفياتي وأن الرجوع عنها هو البداية للرجوع المحتم عن الاشتراكية وحتى التقويض النهائي لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية . أن يدرك الشيوعيون على الأقل ماهية الاشتراكية لهو أمر قاطع حاسم في انتصار قضية البروليتاريا المركزية ألا وهي الإشتراكية. لكل ذلك فإننا ندعو بحرارة سائر أدعياء الاشتراكية لأن يتفكروا مليّاً بكل العمق والموضوعية المطلوبين لإدراك ماهية الاشتراكية ودورها التاريخي الفاصل .
الإشتراكية التي يفهمها جميع من يوصفون عادةً باليساريين، ومثلهم الشيوعيون الذين فشلوا في التطهّر من فردانية البورجوازية الوضيعة، على أنها نظام اجتماعي يقيم العدل والمساواة بين الناس ويرعى مصالح الأمة، كل من لديهم مثل هذا الفهم الخاطئ للإشتراكية إنّما هم يسيئون لأنفسهم إذا ما كانوا اشتراكيين مخلصين جقاً للإشتراكية، ويشكلون عقبة كأداء على طريق العمل الاشتراكي والشيوعي . الاشتراكية ليست نظاماً اجتماعيا مستقراً يقوم على علاقات إنتاج محددة وثابتة، والعدل والمساواة ليست من القوانين التي تحكم عملية التطور الإجتماعي فالناس كل الناس لا يذهبون كل يوم إلى أعمالهم ليقيموا العدل والممساواة بل العكس هو الصحيح . الاشتراكية تلغي علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تقوم أساساً على قانون القيمة الرأسمالية دون أن تستبدلها بعلاقات إنتاج محددة أخرى تقوم على أي قانون للقيمة، بل إن الإشتراكية تنحو أساساً لإلغاء كل أثر لقانون القيمة كيما تكون جميع "السلع" لدى العبور إلى الشيوعية بلا أدنى قيمة سوى قيمتها الإستعمالية . فمعاش العامل في "التظام" الإشتراكي لا علاقة له نهائياً بقيمة إنتاج العامل كما في النظام الرأسمالي، وينتفي بذلك المفهوم الأولي للعدالة . والدولة الاشتراكية، وهي بطبيعتها دكتاتورية، فإن شرط قيامها هو ألا تكون عادلة وأن تمحو من الخريطة الاجتماعبة طبقة الفلاحين ثم طبقة البورجوازية الوضيعة بكامل أطيافها وأخيراً طبقتها هي نفسها وهي طبقة البروليتاريا . دولة دكتاتورية البروليتاريا لا ترعى إلا مصالح البروليتاريا التي وحدها تصنع مستقبل الإنسانية الزاهر نظراً إلى نمط إنتاجها الخصيب .
الإشتراكية التي أشار إليها ماركس باقتضاب شديد في " نقد برنامج غوتا "، ووصفها إنجلز بالإشتراكية العلمية تمييزا لها عن دعاوى الاشتراكية غير العلمية وغير الحقيقية الأخرى، إنما هي فترة قصيرة نسبياً تأخذ فيها البروليتاريا على عاتقها إعداد المجتمع للدخول إلى الحياة الشيوعية من خلال محو كل الطبقات الأخرى وإلغائها نهائياً من المجتمع ؛ ولذلك يتوجب عبور مرحلة الاشتراكية بقيادة دولة دكتاتورية البروليتاريا حيث هي الدولة الوحيدة قصراً المؤهلة لمحو الطبقات إذ لا يمكن محو الطبقات دون سلطة دكتاتورية . اليساريون بعامتهم ومنهم الشيوعيون سابقاً ومعهم كتبة البورجوازية يندبون بمراثي لا تنتهي غياب الحرية والديموقراطية خلال مرحلة عبور الاشتراكية بمثل ما كان عليه الحال في الاتحاد السوفياتي بقيادة ستالين . في الحقيقة أن هؤلاء المناصرين للبورجوازية يندبون غياب الهامش الضيق من الحريات الذي تضطر البورجوازية لأن توفره للبروليتاريا، لأنه بدون بروليتاريا لا وجود للبورجوازية بمختلف أطيافها . البورجوازية هي بورجوازية تتمتع بامتيازات لا حصر لها لأنها تستغل البروليتاريا، ومن باب الإعتراف بجميل البروليتاريا فهي تفسح هامشاً محدوداً من الحريات للبروليتاريا . البروليتاريا لا تحتاج للبورجوازية خلال عبور الاشتراكية فهي تشكل عبئاً ثقيلاً تنوء به دولة البروليتاريا ؛ وعليه فإنها لا تتردد في التخلص منه خاصة وأنه يتسبب بإعاقة التنمية الإجتماعية بمختلف حقولها . من هنا يترتب على دولة دكتاتورية البروليتاريا تضييق الخناق أكثر فأكثر على البورجوازية الوضيعة في المجتمع الإشتراكي وهو ما لا يتحقق إلا من خلال السهر على توفير الحرية للبروليتاريا بلا حدود . لا يجوز مقارنة الحريات في المجتمع الإشتراكي بتلك المعروفة في المجتمع البورجوازي أو الرأسمالي حيث الإختلاف نوعي ينفي كل مقارنة بينهما. فـاثناء العبور الاشتراكي يشترط توفير كل الحريات بلا حدود للإشتراكيين وللبروليتاريا ومنعها على البورجوازية الوضيعة والعكس هو الحال في المجتمع البورجوازي فالحرية كل الحرية تتوفر للبورجوازية حتى حرية الاعتداء على البروليتاريا وحرمان البروليتاريا من حقها في الدفاع عن وجودها وأسباب حياتها . إن انتصار اليساريين والشيوعيين المرتدين وكتبة البورجوازية للديموقراطية والحريات البورجوازية إنما هو في نهاية الأمر انتصار للبورجوازية في استغلالها للعمال، وهو "انتصار" مخجل ومعيب ولاإنساني . ما يجدر التوقف عنده في هذا المقام هو النقاش حول الاشتراكية في الإتحاد السوفياتي حيث ينفي البعض قيام أية اشتراكية في الاتحاد السوفياتي ويرد عليهم البعض الآخر باشتراكية لم تكتمل هناك . الفريقان ينطلقان من افتراض خاطئ يقول أن الاشتراكية نظام اجتماعي يستقر على علاقات إنتاج ثابتة . الافتراض خاطئ بالطبع، فطالما أن الإشتراكية ليست نظاماً اجتماعياً مستقراً فإن أي معنى للاشتراكية يكمن في مكان آخر. انتفاضة أكتوبر في روسيا قامت 6/7 نوفمبر 1917 . دولة لينين في صباح 7 نوفبر لم تكن دولة دكتاتورية البروليتاريا وليس أدل على ذلك من توزيعها الأراضي على صغار الفلاحين وهو إجراء منافٍ للإشتراكية باعتراف لينين نفسه . انتفاضة أكتوبر قامت لتحقيق كامل برنامج الثورة البورجوازية شباط 1917 . في 6 آذار 1919 فقط أصبحت دولة لينين دولة دكتاتورية البروليتاريا دولة اشتراكية بكل ما في الكلمة من معنى. دولة لينين كانت قد أجهزت على الثورة المضادة التي قامت بها البورجوازية وخلفها كل القوى الرجعية . في 6 مارس آذار 1919 أعلن لينين أمام الاجتماع التأسيسي للأممية الثالثة الثورة الاشتراكية العالمية ومركزها موسكو ومنذ تلك اللحظة بدأت الدولة السوفياتية برامج إلغاء الطبقات في المجتمع السوفياتي وهو الدمغة الفارقة للإشتراكية . هنا يمكننا القول أن العبور الاشتراكي قد توقف مع إلغاء الخطة الخماسية الخامسة في ايلول سبتمبر 1953 . قبل ذلك الأيلول المشؤوم كانت الدولة السوفياتية ومنذ السادس من مارس آذار 1919 دولة اشتراكية، دولة دكتاتورية البروليتاريا .
حسناً ترى الطبقة البورجوازية الوضيعة كل القوى المنافية لها في النظام الرأسمالي : مثل مكننة أدوات الإنتاج دون انقطاع، وتقسيم العمل، وتركيز الأموال والأراضي في أيدي قليلة، وفيض الانتاج وما ينجم عنه من أزمات دورية، وفوضى الإنتاج، وانحلال المعايير الأخلاقية، وتفكيك العائلة الكلاسيكية، وحروب إبادة بسبب التنافس الصناعي بين الأمم، وغير ذلك من الموبقات . وهكذا فالبورجوازية الوضيعة ترى في النظام الرأسمالي وتطوره نهايتها المأساوية المحتومة . لذلك تبادر البورجوازية الوضيعة إلى استعارة سلاح البروليتاريا، كما أشار ماركس، والمناداة بالإشتراكية كما نادى زعيمها سيسموندي مع إطلالة القرن التاسع عشر . لكن اشتراكية هؤلاء إنما هي صرخة رجعية وطوباوية . إنهم يريدون العودة إلى علاقات الانتاج القديمة وبقاء الأحول كما كانت عليه في السابق، فيما قبل الرأسمالية وهو ما يخالف قانون التطور ولذلك وصفها ماركس بالطوباوية والخيالية . البورجوازية الوضيعة بمختلف تشكيلاتها تدرك تماماً كل موبقات النظام الرأسمالي فتنادي باشتراكية تمتنع عن الدخول في نظام الإنتاج الرأسمالي والإبقاء على علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية، إشتراكية تتأسس على إلغاء قانون التطور بعكس الاشتراكية العلمية الماركسية التي تستجيب لقانون التطور استجابة استثنائية ومتميزة . ولذلك يناضل الاشتراكيون الماركسيون في تفعيل قانون التطور من أجل تقصير عمر النظام الرأسمالي والتخلص منه ومن كل موبقاته . محرك التطور الإجتماعي منذ أن بدأ الإنسان ينتج حياته وينتظم في مجتمعات تحددها علاقات الإنتاج هو بالضبط قانون الصراع الطبقي . تفعيل وتسريع قانون التطور ينجم قصراً عن إحماء وتسعير الصراع الطبقي حتى حدوده القصوى . لذلك نقول أن الإشتراكية هي أولاً وقبل كل شيء حرب تشنها طبقة البروليتاريا حالما تشكل دولتها على الطبقات الأخرى بقصد إبادتها أو محوها بتعبير لينين من خلال إلغاء وسائل الانتاج الخاصة بها واقتصار الانتاج بعامته على الوسيلة البروليتارية . إذاً الإشتراكية إنما هي حرب طبقية يعلن نفيرها العام أول تشكيل لدولة دكتاتورية البروليتاريا ولا تنتهي قبل محو كل الطبقات الأخرى لدى الدخول إلى المجتمع الشيوعي، وأية إضافات أخرى وتجاوز حدود هذا التعريف كالقول بالحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية لا تضيف إلا تشويه معنى الاشتراكية ونشر الأفكار البورجوازية المعادية للإشتراكية . ليت أدعياء اليسار بمختلف أطيافهم يعون ذلك كيلا يكونوا أعداءً للإشتراكية !!!
www.fuadnimri.yolasite.com
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرفيق وليد مهدي يراجع الماركسية
-
معوقات العمل الشيوعي
-
ماذا عن يسار أميركا اللاتينية ؟
-
تلكم هي الشيوعية فليخرس أعداؤها
-
لماذا البطالة في العالم العربي وغير العالم العربي !؟
-
ما زالوا يجادلون في انهيار النظام الرأسمالي !!
-
المؤتمر الأخير للشيوعيين
-
مجرد تعليق محجوب
-
ما بين اتحاد الشيوعيين ووحدة اليسار
-
طلائعيو البورجوازية الوضيعة في الأردن يعلنون اتحاداً شيوعياً
...
-
الشيوعيون القدامى ودورهم
-
في العمل غير المنتج (رد على الدكتور حسين علوان حسين)
-
الإنتقال - السلمي - إلى الإشتراكية (2/2)
-
الإنتقال - السلمي - إلى الإشتراكية 1/2
-
تعليقاً على رأسمالية الصين
-
الصين وروسيا لن يعودا إلى النظام الرأسمالي
-
إلى السموأل راجي والمنظمات المنتدية في تونس
-
الإشكال الرئيس في الماركسية (2/2)
-
الإشكال الرئيس في الماركسية (1/2)
-
كَذَبَ خروشتشوف (Khrushchev Lied)
المزيد.....
-
Self-Determination, Not Goodwill, Will Decide the Global Sou
...
-
The False Stability of the “Right” in Italy
-
Missile Defense Fraud Goes Ballistic: Needless, Unworkable,
...
-
“من له مصلحة في استمرار الاحتقان بالمديرية الجهوية للاستشارة
...
-
الشيوعي العراقي: بعزم لا يلين نواصل نضالنا رغم كثافة التحديا
...
-
Polishing Genocide: Israel’s Desperate War to Erase History
...
-
سبع أطروحات حول انتفاضات جيل Z في الجنوب العالمي
-
في اليوم الثاني من الإحتجاجات عمال “مياه الشرب” يجبرون رئيس
...
-
الأمن يقتحم “الوراق”.. متضامنون مع أهالي الجزيرة
-
مادورو: الإمبريالية تختلق روايات زائفة بعد فشل تهم -الشيوعية
...
المزيد.....
-
الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو&
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة
/ رزكار عقراوي
-
كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|