أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ماذا عن يسار أميركا اللاتينية ؟















المزيد.....


ماذا عن يسار أميركا اللاتينية ؟


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 4107 - 2013 / 5 / 29 - 15:02
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


صراع البروليتاريا ضد الرأسماليين يؤول قطعاً إلى الإشتراكية، وصراع البورجوازية الوضيعة ضد الرأسماليين أو ضد البروليتاريا يؤول قطعاً إلى الفوضى والتخلف . هاتان حقيقتان أكدهما بصورة قاطعة التاريخ السوفياتي القصير 1917ـ1991 . ففي نصفه الأول (37 سنة) كانت دولة دكتاتورية البروليتاريا تعبر الإشتراكية بنجاح متسارع شَدَهَ كل المراقبين والسياسيين في العالم، وفي نصفه الثاني (37 سنة) كانت دولة البورجوازية الوضيعة، دولة الشعب كله كما أسماها خروشتشوف وقد ألغت رسمياً دولة دكتاتورية البروليتاريا، تنحط شيئاً فشيئاً في الفوضى والتخلف حتى الانهيار في العام 1991 . في العام 1961 إدعى خروشتشوف في تقريره للمؤتمر العام الثاني والعشرين للحزب الشيوعي أن دولته البورجوازية (دولة الشعب كله) ستصل إلى الشيوعية في العام 1990 . وعندما تيسر لي في السجن مطالعة تقرير خروشتشوف ذاك في العام 1963 قلت لرفاقي في السجن نقضاً لتقرير خروشتشوف أن الإتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990 وهو ما كان لسوء حظ البشرية جمعاء . ذلك هو الفرق بين البروليتاريا ومسارها السياسي من جهة وبين البورجوازية الوضيعة ومسارها السياسي من جهة أخرى . فهل طينة اليسار في أمريكا اللاتينية تختلف عن طينة خروشتشوف البورجوازية الوضيعة !؟ الإجابة على هذا السؤال إنما هي رجع الصدى لصرختنا قبل نصف قرن تحذر أشباه الماركسيين من خيانة خروشتشوف وزمرته في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي للثورة الاشتراكية . نعيد التحذير فما زال أشباه الماركسيين الذين انساقوا وراء الخائن خروشتشوف والذين تعلموا في مدرسته يخونون العمل الشيوعي وهم يبشرون العالم ببزوغ فجر الاشتراكية من جديد في بلدان طرفية في أمريكا اللاتينية .

التحريفية التي رفع لواءها خروشتشوف واستظلت به عامة الأحزاب الشيوعية في العالم كان لواء الثورة المضادة التي عملت في النهاية على تقويض المشروع اللينيني، وهو أعظم مشروع نهضت به الإنسانية بقيادة البروليتاريا العالمية . النجاحات الهائلة التي حققتها دولة دكتاتورية البروليتاريا ما بين 1917 ـ 1953 انقلبت إلى أفشال هائلة في عهد دولة دكتاتورية البورجوازية الوضيعة ما بين 1954 ـ 1991 . الحزب الشيوعي السوفياتي بقيادة خروشتشوف وعصابة العسكر وكل الأحزاب الشيوعية الموالية له إقترفت جريمة الخيانة العظمى التي كانت نتيجتها تقويض أعظم مشروع نهضت به الإنسانية بقيادة البلاشفة الروس وهو المشروع اللينيني . هؤلاء الخونة ما زالوا سادرين في غي الخيانة دون أن تشكل أعظم نكسة للإنسانية في التاريخ دعوة لهم للمراجعة والنقد، وهو ما يدعو لأكثر من التساؤل . إن عدم اعترافهم بجريمة الخيانة ما زال يشكل العقبة الكبرى على طريق العمل الشيوعي . ليس إلا من باب الصفاقة في تبرير الخيانة وقد أخذتهم العزة بالإثم، ينهال اليوم هؤلاء الخونة في الحديث عن الصحوة الاشتراكية في أميركا اللاتينية . لماذا لا تكون هناك صحوة اشتراكية بالتوازي مع حديث المتأسلمين في العالم العربي عن الصحوة الإسلامية !؟ ما يستدعي الهول حقاً هو أن أناساً يدعون أنهم على مساس بالماركسية هم في الحقيقة ليسوا أكثر وعياً من المتأسلمين المنغلقة بصائرهم على كلام قديم في القرآن والحديث والسنة . هؤلاء الخونة لقضية البروليتاريا لم يتعلموا الدرس من تحريفية خروشتشوف اليساروية التي قوضت الاشتراكية السوفياتية وتلك كانت قضيتهم الأولى . ولم يتعلموا الدرس من اليسار الأوروبي وهو في ألمانيا موئل الخيانة منذ عهد كاوتسكي ورفيقه بيرنشتاين . ما الذي حققه اليسار الأوروبي غير أنه صفّد البروليتاريا الأوروبية بأصفاد النظام الرأسمالي بدعوى أنها أصفاد عصيّة على الكسر . اليساريون الاشتراكيون الألمان عملوا تقتيلاً باليساريين الاشتراكيين الفرنسيين في الحرب العالمية الأولى، وهم من قام بسحق الجمهورية السوفياتية في بافاريا وفي اغتيال قائدي البروليتاريا الرفيعين روزا لكسمبورغ وكارل لبيكنخت في العام 1919 . هذا هو التاريخ الرقيع للحزب الاشتراكي الديوقراطي الألماني . أما الاشتراكيون الفرنسيون فهم من قاد الحملة الاستعمارية المفضوحة على مصر في الاعتداء الثلاثي 1956 . ليس هناك من تفسير آخر لليساروية سوى أنها خيانة البروليتاريا أو خيانة الإشتراكية، وهذا حقيقة لا يجوز لليسارويين الإستمرار في تجاهلها فتحق عليهم أرذل الرذائل، رذيلة الخيانة .

اليساريون الاشتراكيون في أميركا اللاتينية ليسوا من طينة مختلفة عن طينة اليساريين الاشتراكيين الأوروبيين . الاشتراكيون الأوروبيون يعلنون للطبقة العاملة في أروربا بكل صفاقة ودون أدنى حياء أو خجل أن تجاوز النظام الرأسمالي قد غدا أمراً مستحيلاً، ولذلك يترتب على العمال أن يسكنوا إلى عبوديتهم والإكتفاء بتحسين الأجور وظروف العمل ليس أكثر . وعندما تفلس الدولة بقيادتهم في كل مرة ه في السلطة ينحيهم الشعب فيعود اليمين الرجعي إلى السلطة الأمر الذي يؤكد أنه ليس لهؤلاء "الإشتراكيين" أي علاقة بالإشتراكية تدعوهم إلى تجاوز الرأسمالية إلى الإشتراكية، ولإدراك أن الإشتراكية تبدأ بإلغاء علاقات الإنتاج الرأسمالية وليس بتحسينها وتجميلها وهو ما يفعله الاشتراكيون الديموقراطيون الأوروبان .
اليساريون الإشتراكيون الديموقراطيون في أميركا الجنوبية وبالعكس من نظرائهم في أوروبا، الذين أفتضحت خيانتهم للطبقة العاملة ولشعوبهم، لم يتوانوا في الإفصاح عن رغبتهم في تجاوز الرأسمالية إلى الإشتراكية . في العقود الستة الأخيرة بدا ان الإشتراكيين الأوروبيين صادقون مع أنفسهم على الأقل، فبعد استيلاء البورجوازية الوضيعة على السلطة في الاتحاد السوفياتي، مركز الثورة الإشتراكية العالمية في العام 1953، غدا انتقال أوروبا بل والعالم كله أيضاً إلى الإشتراكية إنما هو حلم من أحلام اليقظة . موسكو التي كانت حتى العام 1953 مركز الثورة الاشتراكية العالمية التي استشرفها كارل ماركس، كما أعلن لينين في السادس من مارس 1919 لدى تشكيل الأممية الثالثة (الكومنتيرن)، باتت في العام 1953 مركز الثورة المضادة للإشتراكية، تقاوم العمل الشيوعي ليس في الاتحاد السوفياتي فقط بل وفي العالم كله أيضاً . انقلب قادة الحزب الشيوعي السوفياتي، حزب لينين وستالين، انقلبوا من شيوعيين إلى يساريين، أعداء الشيوعية . وعليه فإن أي دعوة للثورة الإشتراكية في عالم اليوم في أميركا اللاتينية وغير أميركا اللاتينية بغياب مركز عالمي قوي للثورة الاشتراكية كما اشترط كل من ماركس ولينين إنما هي دعوة شعبوية وتضليلية لها مآرب أخرى .

الثورة الإشتراكية تنجزها البروليتاريا قصراً والبروليتاريا طبقة يخلقها نظام الإنتاج الرأسمالي المتنامي والمزدهر قصراً وهو ليس موجوداً بالطبع في أميركا اللاتينية . بعضهم يتنكر لهذه القاعدة الماركسية الأولية باعتبار أن الثورة الاشتراكية انطلقت بداية من روسيا القيصرية حيث لم تكن الرأسمالية قد تجاوزت مرحلة الطفولة ومثلها كانت طبقة البروليتاريا . وهذا صحيح لكن ما يتوجب أن يحتسب غير صحيح هو خيانة الحكومة البورجوازية المؤقتة، حكومة الحزب الاشتراكي الثوري برئاسة كيرانسكي، خيانتها للثورة البورجوازية التي كنست القيصرية واستولت على السلطة في فبراير 1917 لكنها تراجعت عن تنفيذ أي من أهداف الثورة الثلاث الرئيسة وهي الخروج من الحرب والإصلاح الزراعي والدعوة لانتخاب الجمعية التأسيسية . رفض حكومة كيرانسكي الانسحاب من الحرب بعد أن وصلت جيوش إمبراطور ألمانيا قريباً من موسكو وبطرسبورغ وبدت هزيمة الجيوش الروسية أمراً محققاً هو ما دفع بجماهير العمال والفلاحين ومعهم أقسام هامة من البورجوازية نفسها ومن الحزب الاشتراكي الثوري صاحب السلطة أيضاً، دفع بكل هؤلاء إلى مناشدة الشيوعيين البلاشفة للإنتفاض والإطاحة بحكومة كيرانسكي واستلام السلطة وصولاً إلى تحقيق برنامج الثورة البورجوازية وخاصة الإنسحاب من الحرب والحفاظ على استقلال روسيا بعد أن شاع بين الروس أن الألمان والإنكليز يتفاوضون سرياً على اقتسام روسيا بينهم . وهكذا انتفض البلاشفة في 25 أكتوبر (بالتقويم اليولياني) واستولوا على السلطة ووقع لينين رئيس حكومة الإنتفاضة في صبيحة الإنتفاضة مرسوم السلام وهو ما يقضي بالإنسحاب من الحرب ومرسوم الأرض وهو ما يقضي بالإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين الذين لا يملكون أية أراضي، رغم أن تمليك الأراضي إجراء منافٍ للإشتراكية كما وصفه لينين . وفي الشهر التالي دعت حكومة لينين إلى انتخاب جمعية تأسيسية . وهكذا قامت حكومة البلاشفة بتحقيق الأهداف الرئيسة للثورة البورجوازية خلال أسابيع قليلة . استولى البلاشفة على السلطة في انتفاضة أكتوبر (insurrection) ليس لإعلان الثورة الاشتراكية العالمية التي أُعلنت فقط في مارس 1919، بل لإنجاز الثورة البورجوازية التي تقاعست البورجوازية الروسية عن إنجازها، وهو ما كانت قد طالبت به الأممية الثانية في اجتماعها العام في بازل/سويسرا في العام 1912 . البورجوازية الروسية التي خانت ثورتها سرعان ما أنكرت على الشيوعيين حق قيادة الثورة البورجوازية ورفعت السلاح بوجههم مدعومة من قبل بقايا القيصرية والإقطاع وهو ما رتب على البلاشفة الدفاع عن أنفسهم يؤيدهم بالطبع العمال والفلاحون الفقراء الذين استفادوا من الإصلاح الزواعي. البورجوازية ورغم استنجادها بتسعة عشر جيشاً أجنبياً دخلت روسيا لمقاتلة الشيوعيين ـ وهو ما يكذب حجة البورجوازية في إعلان الحرب على البلاشفة بسبب تهاون لينين مع المحتلين الألمان في معاهدة الصلح "برست لوتوفسك" في مارس 1918 والتي رفض تروتسكي توقيعها ـ هزمت البورجوازية ورعاتها الإمبرياليون في العام 1921 شر هزيمة ولم يعد لها أي وجود إن في الاقتصاد أم في السياسة . لذلك قرر المؤتمر العام العاشر للحزب الشيوعي البلشفي في العام 1921 وبتوصية من لينين بناء الإشتراكية في بلد واحد ـ وهو ما عارضه تروتسكي حتى آخر يوم في حياته . وهكذا يمكن القول أن من قرر التحول إلى بناء الاشتراكية في روسيا، أو من دفع إلى اتخاذ ذلك القرار التاريخي هو البورجوازية قبل البلاشفة. ما يمكن تأكيده في هذا السياق هو أنه لو قبلت البورجوازية الروسية مشاركتها مع الشيوعيين في إنجاز الثورة البورجوازية لما قرر البلاشفة بناء الاشتراكية في بلد واحد هو روسيا في العام 1921، ولربما تأخر التحول إلى الإشتراكية حتى العام 1931، أو لربما أيضاً استطاعت البورجوازية بفعل اكتمال نموها من استرداد السلطة من البلاشفة بصورة سلمية وديموقراطية ولما ظهر إلى الوجود اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، ولسار تاريخ العالم في مسار مختلف ـ وهنا تلزم الإشارة إلى كذب الإدعاء الشائع القائل بأن ثورة أكتوبر انتهت إلى الفشل حيث أن مسار العالم الحالي وبكل تفاصيله الدقيقة إنما هو من تداعيات ثورة أكتوبر .
نعود إلى كل هذا التاريخ لنؤكد على الظروف الخاصة التي تشابكت لتنتج لنا المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية العالمية دون أن ننسى الحقيقة التي استند إليها لينين في خطابه لدى إعلان الأممية الشيوعية في 6 مارس 1919 حين أكد أن مصائر بروليتاريا العالم تقررها البروليتاريا الروسية التي برهنت بنتيجة انتصارها في الحرب الأهلية على البورجوازية الروسية وفي حروب التدخل على أنها متقدمة على البروليتاريا في ألمانيا وفي إنكلترا . وعلينا أن نضيف هنا أن انتصار البروليتاريا الروسية ما كان ليتحقق بدون مساهمة بروليتاريا إنكلترا وألمانيا وفرنسا .
والسؤال الفيصل الذي لا يجوز تجاهلة في مسألة إنتصار الاشتراكية في روسيا القيصرية المتخلفة في التنمية الرأسمالية هو .. هل كانت ألمانيا الإمبراطورية لتوافق على استلام البلاشفة للسلطة في روسيا قبل أن تلوح شارات هزيمتها في الحرب العالمية الأولى في الأفق ؟؟ ألمانيا الإمبراطورية نقلت لينين من سويسرا إلى روسيا بقطار خاص في ابريل 1917 ، وهي التي وقعت معه اتفاقية صلح برست لوتوفسك في مارس 1918 . كان امبراطور ألمانيا قد عوّل على قيام البلاشفة بانسحاب روسيا من الحرب مما يؤمن له الإنتصار على انكلترا وفرنسا وبعدئذٍ يقوم هو نفسه بتصفية البلاشفة .
مشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية لم يخرق القاعدة الماركسية التي تقول أن الثورة الاشتراكية تبدأ في أحد مراكز الرأسمالية المتقدمة . امتلكت روسيا القيصرية من المستعمرات ما لم تمتلكه أي دولة إمبريالية أخرى باستثناء بريطانيا . وفي 21 يناير 1882 كتب ماركس وإنجلز في مقدمة طبعة البيان الشيوعي بالروسية عن التنمية الرأسمالية المتسارعة في روسيا وقالا أن القيصر عميد القوى الرجعية في أوروبا هو اليوم أسير الثورة في ضواحي بطرسبورغ، وخلصا إلى القول .. " Russia forms the vanguard of revolutionary action in Europe " أن روسيا أخذت تشكل طليعة القوى الثورية في أوروبا . واستشرفا شرارة الثورة الاشتراكية تقدح أولاً في روسيا لتشعل الثورة في باقي أوروبا . ماركس وصف روسيا طليعة القوى الثورية في أوروبا قبل 35 عاماً من قيام الثورة في العام 1917، فكيف لماركسي كبليخانوف أن ينكر على لينين اندفاعه الثوري وأن يُزعم حتى اليوم أن مشروع لينين جاء مبكراً في غير أوانه !؟
مقدمة الطبعة الروسية للبيان الشيوعي من صياغة أبوا الشيوعية، ماركس وإنجلز، تقطع في فكرتين متناقضتين يكثر الحديث فيهما . الفكرة الأولى تقول أن مشروع لينين كان مغامرة قادها لينين المغرم بالثورة وهي فكرة أطلقها زعماء الأممية الثانية من مثل بليخانوف وكاوتسكي . والفكرة الثانية التي تناقض الفكرة الأولى وهي تقول بإمكانية قيام الثورة في البلدان الأطراف التي لم تصل بعد إلى عتبة الرأسمالية، والبطرك الذي أطلق مثل هذه الفكرة الغبية هو " الشيوعي " المصري العجول الدكتور سمير أمين، ويلوكها اليوم الشيوعيون المفلسون الذين يتحدثون عن الإشتراكية في كوبا وفنزويلا والبرازيل ودول أخرى في أميركا اللاتينية . فكرة غبية وبلهاء تقول أن الثورة الاشتراكية تنجزها فصائل غير بروليتارية يتملكها حب الاشتراكية لتعمل ضد مصالحها الطبقية متجاهلة حقيقة أن مصالح البروليتاريا هي بحكم الطبيعة والتاريخ ضد مصالح مختلف الطبقات الأخرى، ناهيك عن أن مثل هذه السياسة تتناقض بصورة صارخة والمبدأ الماركسي الذي يقول أن الثورة الاشتراكية تنجزها البروليتاريا قصراً .

اليسار الأوروبي وهو الأحزاب الإشتراكية الديموقراطية كما اليسار في أمريكا اللاتينية وهو أيضاً الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية هما من نفس الطينة وهي طينة البورجوازية الوضيعة . الفرق الوحيد بين اليسارين هو أن اليسار الأوروبي يعترف بأنه لم يعد يسعى لتجاوز نظام الإنتاج الرأسمالي فاستبدل الاشتراكية بالعدالة الاجتماعية ولذلك أقام ما أسماه " دولة الرفاه " (Welfare State) وهي الدولة التي تعمل على تفكيك الدولة الرأسمالية وتعطيل نظام الانتاج الرأسمالي بسبب تعاظم الإنفاق على الاستهلاك العام . أما الأحزاب الاشتراكية الديوقراطية في أميركا اللاتينية فهي تأخذ بمبدأ العدالة الاجتاعية لكنها تؤكد بأنها لن تتنازل عن الاشتراكية .
كان أول من كرّس مبدأ " العدالة الإجتماعية " في الإقتصاد الرأسمالي تحديداً، إذ يغيب هذا المبدأ تماماً في الاقتصاد الاشتراكي، هو الإقتصادي الإنجليزي جون مينارد كينز (John Maynard Keynes) وقد رأى أن تعاظمم أجور العمال من شأنه أن يعظم الإستهلاك فيتعاظم تبعاً لذلك الإنتاج وهو ما يبعث الحيوية في النظام الرأسمالي ويطيل من عمره . جون كينز ابتدع هذا المبدأ في الثلاثينيات عندما تأكد نجاح الاشتراكية السوفياتية وأصبحت ملهماً للبروليتاريا في مراكز الرأسمالية التي كانت تعاني من أزمة عامة بدأت في العام 1929 . خروج الإتحاد السوفياتي من الحرب كأقوى قوة في الأرض بعد أن حطم النازية التي كانت قد حطمت أكبر امبراطوريتين استعماريتين عبر التاريخ، بريطانيا وفرنسا، وقد نهض بالحركة الشيوعية إلى القمة، إذّاك،إذّاك فقط، أخذت مراكز الرأسمالية وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة بمبدأ كينز وتهاونت مع مطالب العمال في زيادة الأجور وتحسين شروط العمل . لذلك يمكن اعتبار كينز أقوى حارس بين حراس النظام الرأسمالي، ومبدأ العدالة الاجتماعية المبدأ الأقوى أثراً في مقاومة الاشتراكية . الحقيقة الكبرى التي يتوجب عل أشباه الماركسيين أن يتعلموها هي أن الرأسماليين هم دائماً أقرب إلى الإشتراكية من الاشتراكيين الديوقراطيين الذين يحكمون اليوم في أمريكا اللاتينية .

العدالة الإجتماعية الكينزية التي أخذت بها مراكز الرأسمالية بعد الحرب العظمى الثانية لقطع الطريق على الثورة الاشتراكية المتصاعد ليهيبها، تلك العدالة كانت أكثر تصالحاً مع الثورة الاشتراكية من العدالة الاجتماعية التي يطبقها الاشتراكيون الديموقراطيون في أميركا اللاتينية . كينز أوصى بتحسين أجور العمال وظروف عملهم وهو ما يضيف إلى قوة البروليتاريا بالاتجاهين الكمي والنوعي . أما العدالة اللاتينية فهي لا تضيف شيئاً إلى العمال بل العكس هو الصحيح حيث تسد جوع الفقراء على حساب العمال أي أن الفقراء الذين لا يعملون يقاسمون العمال أجورهم فينعكس هذا على العمال سلباً في الاتجاهين أيضاً الكمي والنوعي . نعم التعاطف مع الفقراء يرنّ رنيناً مسيحياً عذباً لكنه على الصعيد العملي يؤخر التنمية ويؤبد الفقر في المجتمع، بل هو قبل كل هذا يسد الطريق سدّاً منيعاً أمام الثورة الاشتراكية . فيض الإنتاج العائد إلى الدولة جر اء مشاركتها في المصانع أو امتلاكها عبر التأميم يتم إنفاقة في توفير الطاقة والخبز للفقراء بدل أن يعاد توظيفه في فتح مصانع جديدة وتشغيل الفقراء كي ينتجوا ثروة لهم فلا يعودوا فقراء . يعود على فنزويلا من مبيعات النفط حوالي 80 مليار دولار سنوياً يوزعها شافيز غذاءً ودواءً على الفقراء وهو ما يتحقق فقط على حساب التنمية مهما كان جنسها . الاشتراكيون الديموقراطيون في أمريكا اللاتينية يصنعون صنيع الإشتراكيين الديوقراطيين في أوروبا؛ إنهم يشترون أصوات الناخبين من الفقراء وهم الأكثر إنتشاراً في أمريكا اللاتينية وشراء الأصوات هو من الجرائم حتى بالقانون البورجوازي. لا يمكن لأي انتخابات عامة أن تصنع الإشتراكية، ما يصنع الاشتراكية هو فقط دولة دكتاتورية البروليتاريا وهي الدولة الغائبة كلياً عن أفق العالم وليس فقط عن أفق أميركا اللاتينية بعد انهيارها في الإتحاد السوفياتي في خمسينيات القرن الماضي . في المجتمع الطبقي تستمد الطبقة قوتها في صراعها مع الطبقات الأخرى من قوة وسيلة الإنتاج الخاصة بها . البورجوازية الوضيعة تتخصص في إنتاج الخدمات التي يمكن الاستغناء عنها نهائياً أو عن معظمها في حالات كثيرة . لذلك تحارب البورجوازية الوضيعة حروبها الطبقية بدون قوة وبدون أسلحة . إنتاجها الخدمي لا يوفر لها أية أسلحة تمنحها القوة في مواجهتها للرأسماليين طوراً وللبروليتاريا طوراً آخر. لذلك تنشط البورجوازية الوضيعة في المخادعة . تقول كل ما يقال وما لا يقال، تكذب وتزوّر وتقترف الجرائم البشعة التي لم تعرف الإنسانية مثل بشاعتها . قادة الجيش الأحمر خدعوا قادة الحزب الشيوعي من الذين لم يتطهروا بعد من روح البورجوازية الوضيعة في العام 1953 وأقنعوهم بإلغاء الخطة الخمسية الخامسة 1951 ـ 1955 التي كانت ستحقق النصر الحاسم للإشتراكية وتكيل الضربة القاصمة لقوى البورجوازية الوضيعة السوفياتية التي قويت مراكزها في المجتمع السوفياتي بفضل الحرب ونتائجها . ألغى خروشتشوف الخطة ليحل محلها برامج التسلح وتطوير الأسلحة حيث إدعى جنرالات الجيش أن الخطة الخمسية تعرض أمن الاتحاد السوفياتي للخطر . إذّاك أخذ خروشتشوف وعصابته دور الكراكوزات تحركهم خيوط بأيدي الجنرالات وراء الستار كما اعترف هو نفسه بذلك وبدأوا يقولون كل ما لا يقال . ألغيت دكتاتورية البروليتاريا رسمياً في العام 1961 بعد أن حلت محلها دكتاتورية البورجوازية الوضيعة تحت اسم "دولة الشعب كله" .
انهار النظام الرأسمالي في العالم بفعل نجاح ثورة التحرر الوطني لكن انهياره جرى لصالح البورجوازية الوضيعة حيث كانت قوى البروليتاريا قد هزمت في العالم الاشتراكي وهو ما انعكس في تراجع كبير لدور البروليتاريا في مراكز الرأسمالية. ما كان العالم ليتعولم بمثل هذه العولمة السائدة اليوم في كل أطرافه لو لم ينهر العالمان الاشتراكي والرأسمالي متزامنين ليقع العالم كله بالتالي تحت سلطة البورجوازية الوضيعة .
مع أن البورجوازية الوضيعة تحكم العالم كله ويتحدث الكثيرون عن التوجه إلى استقطابه في أقطاب متعددة إلا أن الوقائع تقول غير ذلك . فالعالم اليوم يقوم على قطبية ثنائية عصية على الكسر قبل أن تفتك بها علتها الداخلية . البورحوازية الوضيعة في الولايات المتحدة تخون النظام الرأسمالي وتطبع أوراق نقدية زائفة، والبورجوازية الوضيعة في الصين (الحزب الشيوعي) تخون النظام الاشتراكي وتسخر مئات الملايين من العمال لصناعة بضائع زائفة أيضاً تغطي كل أوراق النقد الأمريكي الزائفة . كنا نسمع عن نقود زائفة أما بضائع زائفة فهي جديدة على الأسماع ! لا يستطيع أن يصنع بضائع زائفة سوى ما يسمى بالحزب الشيوعي الصيني . فالسلعة الصينية التي قيمتها السوقية دولار واحد كلفة العمل الصيني المختزن فيها لا تساوي سنتات قليلة وفق قوانين السوق الصينية وهي لذلك أشبه بالدولار الزائف .

في محيط التزييف الهائل حيث ينعدم نهائيا فيه كل أثر لقانون القيمة الرأسمالية لا تستطيع جزر صغيرة معزولة وكل إنتاجها لا يشكل تياراً محسوساً في مثل هذا المحيط المتلاطم الأمواج، لا تستطيع أن تقيم مصدات لأمواجه العالية حول كامل حدودها حتى ولو كانت السلطة فيها لدولة دكتاتورية البروليتاريا، فكيف يكون الحال والسلطة في جميع هذه الدول الحالمة بالاشتراكية بيد البورجوازية الوضيعة التي هي أعدى أعداء البروليتاريا ؟ ليس بدون قانون القيمة الرأسمالية يمكن بناء الإشتراكية بينما معاهدة منظمة التجارة العالمية (WTO) ألغت معظم آثار قانون القيمة حيث جعلت العالم سوقاً واحدة وهو ليس كذلك طالما أن قيمة قوى العمل الصينية لا تساوي عشر معشار قيمة قوى العمل الأميركية .

الداء العضال المستبد بالشعوب العربية أكثر من غيرها من الشعوب الأخرى هو ما يمكن حصره بالمثالية، أي أن الشعوب العربيه بعوامها ومثقفيها سواء بسواء يبنون معتقداتهم السياسية وغير السياسية على انطباعات ظرفية ورغائب شخصية وليس على منطق العلاقات بين الأشياء وأحكام التطور وفق قوانينه العامة . وعليه يتم تسطيح الصراع الطبقي باعتباره حرباً طبقية تؤسس لها العصابة الاجتماعية ولا تروح لأبعد من إضراب العمال، بينما هو في حقيقته الأساس في علم التاريخ وفي علم الإقتصاد وفي علم السياسة وحتى في علم الفلسفة ؛ وهو ماكينة السوق . إنه علم واسع بحد ذاته . من لم يستوعب علم الصراع الطبقي لن يدرك تطور المجتمعات الإنسانية وخاصة في القرن العشرين الطافح بالصراعات الطبقية، ولن يدرك السياسات العامة التي تنتهجها البورجوازية الوضيعة . ولذلك تراهم يرفضون وصفها بالوضيعة بدلاً عن الصغيرة لأن الوصف بالصغيرة لا يستدعي أية أفكار سياسية واقتصادية خاصة بهذه المرتبة الدنيا من البورجوازية . البورجوازية الوضيعة المتسلطة اليوم على كل أطراف العالم بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا وأميركا اللاتينية لها سياساتها الثابتة في كل الظروف والأحوال وتتركز في العداء للنظام الرأسمالي بمثل عدائها للنظام الإشتراكي . هم يرفضون هذا وذاك حتى وبعد أن يتأكدوا بأن طبقتهم، طبقة البورجوازية الوضيعة، لا تمتلك نظاماً للإنتاج يعيل البشرية بمثل ما يمتلك الرأسماليون وما تمتلك البروليتاريا . هكذا هم من يمسكون بالسلطة في فنزويلا والبرازيل وبوليفيا والبيرو وغيرها . إنهم من طلائع البورجوازية الوضيعة التي تعارض بناء الرأسمالية والاشتراكية سواء بسواء . البورجوازية الوضيعة السائدة اليوم تنحدر بالعالم إلى الفقر والجوع والإفلاس ؛ إنها ترجع بالإنسان إلى مملكة الحيوان . إنها حقاً وضيعة .

www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلكم هي الشيوعية فليخرس أعداؤها
- لماذا البطالة في العالم العربي وغير العالم العربي !؟
- ما زالوا يجادلون في انهيار النظام الرأسمالي !!
- المؤتمر الأخير للشيوعيين
- مجرد تعليق محجوب
- ما بين اتحاد الشيوعيين ووحدة اليسار
- طلائعيو البورجوازية الوضيعة في الأردن يعلنون اتحاداً شيوعياً ...
- الشيوعيون القدامى ودورهم
- في العمل غير المنتج (رد على الدكتور حسين علوان حسين)
- الإنتقال - السلمي - إلى الإشتراكية (2/2)
- الإنتقال - السلمي - إلى الإشتراكية 1/2
- تعليقاً على رأسمالية الصين
- الصين وروسيا لن يعودا إلى النظام الرأسمالي
- إلى السموأل راجي والمنظمات المنتدية في تونس
- الإشكال الرئيس في الماركسية (2/2)
- الإشكال الرئيس في الماركسية (1/2)
- كَذَبَ خروشتشوف (Khrushchev Lied)
- دولة دكتاتورية البروليتاريا هي أعظم دولة في تاريخ الإنسانية
- رسالة إلى الرفاق في قيادة الحزب الشيوعي الجديد في بريطانيا ا ...
- فائض القيمة الخاص بحسقيل قوجمان


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ماذا عن يسار أميركا اللاتينية ؟