أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ما زالوا يجادلون في انهيار النظام الرأسمالي !!















المزيد.....


ما زالوا يجادلون في انهيار النظام الرأسمالي !!


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 4069 - 2013 / 4 / 21 - 14:13
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



كتب رفيقنا الدكتور علي الأسدي الجزء الثاني من جدله المعنون " أطروحات الرفيق النمري المثيرة للجدل " . وفاجأني الدكتور الأسدي في أنه لم يستكمل المناقشة التي بدأها في الجزء الأول بل عاج يجادل في جزئه الثاني حقيقة أطروحتي حول انهيار النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن الماضي . والحقيقة أن كل ما قاله في مجادلة هذه الأطروحة هو أنه لا " يعتقد " بأن النظام الرأسمالي قد انهار ـ وأنا أعيب هذه الكلمة " يعتقد " في البحث فالباحث يجب أن يتوقف عن البحث طالما أن بحثه لم يتجاوز الإعتقاد وهو مسألة ذاتية ـ وأسند الدكتور الأسدي اعتقاده بالإدعاء أن من طبيعة النظام الرأسمالي الاستدانة وطباعة النقود غير المغطاة .
كان الجزء الأول من هذا الجدل يدور حول " اتحاد الشيوعيين " من أجل إصلاح أحوال الشعب وإقامة ما يدعى ب " العدالة الاجتماعية " وكنت أجلت الرد على تأييد الرفيق لهذا الاتحاد انتظاراً لنشر الجزء الثاني باستثناء مداخلة صغيرة نشرت كمقال تحت عنوان " مجرد تعليق محجوب " لأن الرفيق الأسدي إعتاد أن يمنع التعليقات على مقالاته، وإذا بالجزء الثاني يفاجئني بالحديث عن أمور لا علاقة لها بموضوع الجزء الأول ـ ولعلي أعود في وقت لاحق للكتابة عن الجزء الأول لأؤكد له ولسائر الشيوعيين الذين انقلبوا إلى وطنيين بسبب إفلاسهم، ليس إلاّ، بأن دعاواهم بالديموقرطية والتعددية والعدالة الإجتماعية إنما هي حراثة في البحر. لا يمكن تحقيق أي منها بحكم شروط الإنتاج والنظام الدولي .
أما أن الرفيق علي لا يعتقد بأن الاستغراق في الاستدانة وطباعة العملة دون حساب هما من الأمور الطبيعية للإقتصاد الرأسمالي فاعذرني يا رفيقي العزيز في أن أقول لك أن اعتقادك خاطئ تماماً .
في العام 1970 وعندما كان عدد العمال في الولايات المتحدة 75 مليوناً أو نحو ذلك كان مجمل ديون الإدارة الأميركية لا يتعدى العشرين مليار دولار ـ أعيد 20 ملياراً ـ وكان ذلك أمراً طبيعياً مرافقاً للتجارة الخارجية الواسعة لدولة رأسمالية بحجم الولايات المتحدة . عشرين ملياراً لا تشكل أدنى ثقل عل دولة بحجم الولايات المتحدة وكان ذلك في العام 1970 بعد ربع قرن من دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وبعد عشرين عاماً من الحرب الكورية، وهو ما اعتبره رفيقنا الأسدي استطاعة لحمل الدين . كما غامرت الولايات المتحدة في الدخول في حرب فيتنام الكبرى في العام 1965 قبل أن يكون عليها بضعة عشر ملياراً ديناً . أما اليوم فديون الولايات المتحدة الخارجية، وبعد أن هبط عدد العمال فيها بنسبة 60% ووصل إلى 32 مليوناً فقط، تصل إلى 17 ترليون دولاراً (17,000,000,000,000) وهو ما يعني أن ديونها تضاعفت 850 ضعفاً . كيف لشخص لديه علم أولي من علوم الاقتصاد أن يرى في ذلك أمراً طبيعياً من أمور التنمية الرأسمالية !؟ أول معاني الرأسمالية هو تركيم رؤوس الأموال (Capital Accumulation) لكننا نرى اليوم في أميركا العكس تماما وهو تآكل رؤوس الأموال الموظفة في الإنتاج المادي، إنتاج الثروة .
يتأسس النظام الرأسمالي على الإتجار بقوى العمل (Labour Power) الكامنة في العمال . يجهز الرأسمالي المكان والمكائن والمواد الخام قبل أن يذهب إلى سوق العمل ليشتري ساعات عمل قياسية (Standard) من عشرات أو مئات العمال ويحول قواهم في مجمل ساعات التعاقد إلى قيمة مضافة إلى قيمة المواد الخام كيما تكون بالتالي قيمة استعمالية يمكن مبادلتها في السوق لتتحول من جديد إلى نقد الذي هو الهدف الأخير من العملية الرأسمالية . ذلك يعني حسابياً أن الرأسمالي يكسب نقوداً بمقدار ما يشتري من ساعات عمل في السوق . كلما زاد عدد العمال كلما زاد مجموع فائض القيمة الذي يجنيه من مجموع العمال .
الولايات المتحدة في الخمسينيات وعندما كان عدد العمال فيها 75 مليوناً كانت تضيف إلى ثروتها أكثر من 75/32 مما تضيفه اليوم بعد أن تقلص عدد العمال إلى 32 مليونا، أي أن انتاجها انخفض إلى أقل من النصف . ونجد هنا بعض السطحيين الجهلة في علم الاقتصاد يقولون أن أعداد العمال تقلصت بفعل استخدام التقنيات الرفيعة فمجموع السلع التي كان ينتجها ال 75 مليوناً في الخمسينيات هو نفس المجموع الذي ينتجه 32 مليوناً اليوم وربما أقل . هذا صحيح لكن ما هو صحيح أيضاً دون لبس أو إبهام هو أن قيمة نفس المجموع اليوم هي 32/75 من قيمته في الخمسينيات حيث أن المكائن المتطورة بالتقنيات الرفيعة لا تضيف أية قيمة تبادلية لمنتوجها لأنها لا تفقد أية قيمة محسوسة جراء عملية الانتاج . صحيح أنها أنتجت نفس الإنتاج بنفس القيمة الاستعمالية وربما أكثر لكن قيمتة التبادلية انخفضت بمقدار انخفاض عدد العمال والقيمة التبادلية وحدها هي الثروة. قبل نصف قرن كان العمال يضيفون إلى ثروة الولايات المتحدة ما قيمته 600 مليون قيمة ساعة/عمل باعتبار يوم العمل 8 ساعات أما اليوم فلا يضيف العمال إلا قيمة 256 مليون ساعة/عمل؛ ومن الغريب حقاً أن مثل هذه الحقائق الأولية تفوت على رفيقنا الماركسي الدكتور علي الأسدي . وتجدر الإضافة هنا وهي إن التباين الكبير بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية هو ما يدفع بالنظام الرأسمالي إلى الانهيار إذ بانخفاض معدل الربح يهجر الرأسماليون الاتجار بقوى العمل وينصرفون إلى تجارة أخرى وخاصة المضاربة في البورصة . وبحساب الأمم المتحدة فإن 97.5% من الأموال المتوفرة للتوظيف الرأسمالي تنصرف إلى المضاربة في البورصة التي لا تنتج سنتيماً واحداً بل تلحق الضرر بالصناعة .
من الدلائل القاطعة على انهيار النظام الرأسمالي في السبعينيات هو تحول 60% من العمال خلال الربع الأخير من القرن الماضي في جميع مراكز الرأسمالية العالمية إلى العمل في الخدمات، وانتقلوا بذلك إلى طبقة البورجوازية الوضيعة، وهي الطبقة التي تستهلك الثروة بإفراط ولا تنتج أي ثروة . إنتاج الخدمات لا يتم وفق النمط الرأسمالي فجهد العامل في الخدمات بالإضافة إلًى أنه جهد فردي مستقل تماماً فهو أيضاً لا يتجسد في سلعة محددة قابلة للتبادل حيث تستهلك الخدمة مع اكتمال إنتاجها . إنتاج الخدمات أشبه بأعمال التأمين حيث يدفع المؤمنون رسوماً باهظة إلى شركات التأمين دون أن يستفيدوا منها شيئاً وحتى إذا ما لحقت أضرار بالموضوع المؤمَن عليه تتكلف شركة التأمين بقيمة الضرر شرط ألا يستفيد المتضرر بأي شيء على الإطلاق .
اليوم في الولايات المتحدة يعمل من كل مائة عامل 80 عاملا في إنتاج الخدمات مقابل 20 عاملاً فقط في الإنتاج السلعي (صناعة وزراعة) الأمر الذي يعني بالضرورة أن 20 عاملاً في الصناعة يتكفلون بكلفة حياة 80 عاملاً في الخدمات وعائلاتهم كما بكامل كلفة إنتاجهم مقابل النزر اليسير من الخدمات الذي يخدم العمال وعائلاتهم . التناقض الحاد الذي يحكم الحياة السياسية منذ بداية الربع الأخير من القرن العشرين وحتى اليوم هو المبادلة الجائرة جداً بين الإنتاج السلعي من جهة وإنتاج الخدمات من جهة أخرى، فساعة عمل بورجوازي وضيع تساوي قيمتها أحياناً 000 100 ضعف ساعة عمل البروليتاري وفي مجتمعات يصفونها زوراً بالديموقراطية. من هنا تحديداً تضطر الولايات المتحدة لأن تستدين من العالم أكثر من ترليون دولاراً سنوياً حيث لا يمكن لانتاج عشرين عاملاً أن يكفي لتغطية معاش 80 شخصاً من الطبقة البورجوازية الوضيعة وعائلاتهم . وهكذا فالولايات المتحدة مدينة اليوم للخارج بسبعة عشر ترليوناً وبضعف هذا المبلغ للداخل وهو ما يزيد مجموعه على 50 ترليوناً مما يرتب على الإدارة الأميركية أن تدفع حوالي 2 ترليون دولاراً كفوائد سنوية على القروض .
مجمل الانتاج السنوي للولايات المتحدة هو 14 ترليون وفق إعلانها، منه 11.2 ترليون خدمات غير قابلة للمبادلة و 2.8 ترليون من السلع القابلة للمبادلة. فإذا دفعت من هذا المبلغ الأخير 2 ترليون فوائد سنوية فلا يبقى بعدئذٍ غير 800 مليار دولاراً للإنفاق على مجموع الاستهلاك السنوي للشعب والإدارة الأميركية وهو أمر غير معقول مما يضطر الإدارة الأميركية لأن تلجأ إلى الاستدانة (1 – 1.5) ترليون دولاراً كل سنة .
الخطورة في هذه الحالة هو أن استغراق أميركا في الاستدانة أشبه بكرة الثلج تتدحرج من أعلى الجبل فيتعاظم حجمها وتتسارع ولات حين مناص، وما قرارها النهائي إلا كارثة كونية تحل بشعوب العالم قاطبة، كارثة مجهولة النهاية . ما كل هذا إلا لأن الولايات المتحدة لم تعد دولة رأسمالية، وأن العالم بكل دوله وأمصاره خرج عن مساره الحقيقي المعلوم فلم ينتقل من الرأسمالية إلى الإشتراكية بفعل العسكر الروس المجرمون الأوغاد والسفلة، وها نحن نلمح اليوم ملمحاً من جرائمهم في سوريا بعد أن رأينا ما صنعوه في روسيا من فقر وهوان بعد أن كانت أعظم دولة في الأرض . لو لم يتحول 60% من الطبقة العاملة الأميركية إلى طبقة بورجوازية وضيعه لما كانت الولايات المتحدة اليوم مدينة بأكثر من 1/5000 من ديونها الحالية. ولنا أن نشير هنا إلى أن قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي برئاسة ستالين كانت قد طرحت على المؤتمر العام للحزب في العام 1952 نهاية التظام الامبريالي في وقت قريب وعندما نؤكد أن النظام الرأسمالي الإمبريالي انهار في السبعينيات نجد بعد ستين عاماً أن ماركسياً من طراز الرفيق علي الأسدي يعترض مدعياً أن النظام الرأسمالي الامبريالي ما زال حيّاً بل أكثر توحشاً، وهو لا يتردد في أن يعزو مثل هذه الوحشية إلى الحواسيب والروبوتات !! ولي أن أؤكد في هذا المقام أن الذين ما زالوا يقولون أن النظام الرأسمالي الإمبريالي ما زال سائداً في العالم ليس لهم أدنى علاقة بالقراءة الماركسية للتطور الإجتماعي . ليس من تفسير لعجز هؤلاء القوم من أن يروا أن مراكز الرأسمالية الكلاسيكية كانت فقدت محيطاتها كليّاً بفعل ثورة التحرر الوطني التي اجتاحت آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وتعالت فيما بين 1946 و 1972 .
يفجؤنا الرفيق الأسدي بالقول .. " لكن الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية في أغلبه ايجابيا ، وعندها تحقق الولايات المتحدة ما يعوض عجزها التجاري مع الصين. فهل من الصحيح القول أن الولايات المتحدة دولة رأسمالية مع أوربا لأنها تصدر لهم اكثر مما تستورد منهم ، ولا رأسمالية مع الصين لأنها تستورد منها أكثر مما تصدر!؟ " لو استعرض الرفيق الأسدي الميزان التجاري للولايات المتحدة مع الدول الأوروبية لما فاجأنا بحجة كان يجب أن تكون عليه وليست له . مكتب الإحصاءات الإميركي سجل عجوزات الميزان التجاري في العام 2012 مع الدول الأوروبية التالية .. ألمانيا 59.7 مليار دولار، إيطاليا 20.9 مليار، روسيا 18.6 مليار، فرنسا 10.7 مليار، النمسا 6.0 مليار، السويد 4.9 مليار، دانيمارك 4.5 مليار، النروج 3.0 مليار، فنلندا 2.5 مليار، اسبانيا 2.3 مليار، تشيكيا 2.0 مليار، البرتغال 1.5 مليار، سلوفاكيا 1.4 مليار، بولندا 1.3 مليار. فعن أي ميزان تجاري يتحدث رفيقنا الأسدي !؟ العجز في الميزان التجاري مع مجمل البلدان الأوروبية باستثناء هولندا وبلجيكا يصل إلى 140 مليار دولار، ويصل مع العالم إلى 1000 مليار . ظل العجز يتحقق ما بين سبعماية وألف مليار دولار طيلة العشرين سنة الفائتة ومع ذلك لا يتهيّب بعضهم في الإدعاء أن الولايات المتحدة ما زالت دولة رأسمالية بامتياز !! إن كل من يدّعي مثل هذا الإدعاء السخيف لا الرأسمالية التي رآها ماركس نظام الإنتاج الأول الذي عرفه العالم كمصدر لا ينضب لغنى المجتمعات، وأنها الأم الوحيدة التي تحمل بالشيوعية التي لا بد أن تولد بلا رأسماليين، تلك الرأسمالية ماتت بفعل المشروع اللينيني المتجسد بالثورة الاشتراكية العالمية، لكنها ماتت قبل أن تلد الشيوعية إذ تم إجهاضها على يد البورجوازية الوضيعة السوفياتية وطليعتها العسكر .

في الأطروحة الثانية التي جادل فيها رفيقنا الدكتور علي الأسدي، وهي إصدار نقود غير مغطاة (تزييف النقود)، إدعى رفيقنا أن الدولة الرأسمالية تلجأ عادة لطباعة الأوراق المالية الزائدة أو الزائفة من أجل عبور أزمة كساد في دورة الإنتاج الرأسمالي . لا أعرف علام اعتمد عزيزنا علي ليدعي مثل هذا الإدعاء الغريب . كيف يجوز لدولة الرأسماليين أن تغش وتخدع الرأسماليين أسيادها فتجعلهم يبادلون إنتاجهم الذي أنفقوا عليه نقوداً حقيقية بنقود زائفة أو بنقود لا تحقق لهم على الأقل فائض قيمة، خليك عن نقص في القيمة !؟
وطالما أن الشييء بالشيء يذكر فالرفيق الأسدي يقارب موضوع الدولة مقاربة بورجوازية فيجعلها مسؤولة عن الرأسماليين وراعية لهم بينما العكس هو الصحيح.
الوقائع التاريخية التي عصفت بنظام النقد العالمي الذي نظمته معاهدة بريتون وود (Bretton Wood) في العام 1944 وأحلت محله نظام نقد مختلف في البنية وفي الوظيفة فرضه إعلان رامبوييه (Rambouillet Declaration) في العام 1975، تلك الوقائع لا تتواءم مع ما ذهب إليه رفيقنا الأسدي بدعوى تسهيل دورة الإنتاج الرأسمالي عن طريق طباعة نقود زائدة غير مغطاة .
الحقائق الثابتة في التاريخ تقول غير ما يقوله الدكتور الأسدي فبعد هزيمة الامبريالية الفرنسية في فيتنام وكانت خاتمتها هزيمة قلعة ديان بيان فو الشهيرة، تهوّر الرئيس الأميركي المعادي للشيوعية ليندون جونسون في العام 1965 وارسل الجيوش الأميركية إلى فيتنام لتحل محل الجيوش الفرنسية المهزومة معتقداً أنه سيجني نصراً سهلاً على الشيوعية وعلى الشيوعيين الفيتناميين . لكن سرعان ما تبيّن أن هذا الجونسون الرجعي المتهور قد ورط الولايات المتحدة في ورطة لا فكاك منها قبل أن ينهار النظام الرأسمالي بكليته في الولايات المتحدة حصن الرأسمالية الامبريالية الأكبر والوحيد ذلك الحين . أرسلت الولايات المتحدة كل جيوشها، خمسائة ألف جندياً، وكل أسلحتها، طائرات (RB) العملاقة تدك العاصمة هانوي بما في ذلك الأسلحة الكيماوية تسمم كل معالم الحياة في الغابات التي تغطي كل فيتنام، إرتكب الأميركيون أفظع جرائم الحرب في فيتنام وعبثاً حاولوا قهر الشعب الفيتنامي . بعد ست سنوات من حرب مجنونة لا تهدأ وجدت إدارة نكسون، خليفة جونسون، خزائن الدولة فارغة تماماً في العام 1971 فما كان من نكسون إلا أن قام بالخروج من معاهدة (بريتون وود) التي تشترط غطاء ذهبياً للعملة الوطنية للدولة بنسبة 20% على الأقل . كان ذلك بسبب أن موارد الدولة لم تعد تغطي احتياجاتها الضرورية ومنها أكلاف حرب جونسون الإمبريالية المجنونة في فيتنام . الخروج من قاعدة الغطاء الذهبي في العام 1971 وطباعة مليارات الدولارات غير المغطاة سرعان ما انعكس في هبوط قيمة الدولار هبوطاً حاداً في أسواق الصرف الدولية فما كان من إدارة نكسون إلا أن أعلنت عن خفض قيمة الدولار رسمياً (Devaluation) في العام 1972 . لكن ذلك لم يسعف بشيء طالما كانت الإدارة الأميركية بحاجة إلى طباعة المزيد من الدولارات لتغطية نفقات الحرب المتزايدة فعادت تعلن خفضاً آخر لقيمة الدولار في العام التالي 73 ثم خفضاً ثالثاً في نفس العام . ولما لم تجدِ كل هذه التخفيضات مما حدا بالرئيس نكسون إلى تبديل وزير المالية مرتين في سنتين متتاليتين، أحدهما جورج شولتز، قام وزير الخزانة الثالث إدوارد سايمون في نوفمبر 1974 بدعوة وزراء المالية في انجلترا وفرنسا وألمانيا واليابان وعقدوا محادثات ( G 5 ) في مكتبة وزارة الخارجية في واشنطن سمّيت آنذاك بمحادثات المكتبة . افتتح سايمون المحادثات بالقول .. أن النظام الرأسمالي في الولايات التحدة على حافة الانهيار، وفي حالة انهياره ستنهار أنظمة الدول الأربعة الأخرى الرأسمالية؛ فكان أن اتفق الوزراء الخمسة على جملة قرارات أهمها هو إعلان الدول الخمسة متضامنة الحفاظ على سعر الدولار ثابتاً في أسواق النقد العالمية . وهكذا اجتمع رؤساء الدول الخمسة ليعلنوا تلك القرارات فيما يسمى إعلان رامبوييه (Rambouillet Declaration) 16 نوفمبر 1975 . الدولار ينهار في النصف الأول من السبعينيات فتهرع الدول الغنية لحمايته في سعر ثابت ومع ذلك يطنب رفيقنا الأسدي في الحديث عن قوة الدولار . قبل أن نتعرض لقوة الدولار نتوقف أمام كفالة الدول الخمسة الغنية (G 5) لقيمة الدولار. أهم ما في هذه الكفالة هي سحب الدولار من التداول في السوق كسلعة تبادلية إذ لم يعد الدولار تابعاً للذهب أو للبضائع بل العكس هو الصحيح فالذهب والبضائع هي التابعة للدولار، وبذلك أصبح الدولار عملة عالمية يحل محل الذهب الأمر الذي مكن الولايات المتحدة من طباعة الدولار بدون حدود طالما أن الدول الأخرى مسؤولة عن الإيفاء بقيمته . وقد خلصت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين إلى أن الولايات المتحدة قد أصدرت في العقود الثلاثة الأخيرة حوالي 600 مليار دولار زائفة بدون غطاء . سحب الدولار من السوق يعني مباشرة انهيار النظام الرأسمالي جملة وتفصيلاً فدورة الإنتاج الرأسمالي (نقد ـ بضاعة ـ نقد) تخلخلت بصورة عاصفة فالنقد الذي هو هدف الرأسمالي لم يعد معلوم القيمة ودورة (دولار ـ بضاعة ـ دولار) لا تدور على الإطلاق إلا بتوافر سلطة قمعية متوحشة كسلطة ما يسمى بالحزب "الشيوعي" الصيني .
أول رموز السيادة الوطنية هو قوة العملة؛ الدولة التي لا تغطي عملتها إنما هي دولة صورية لا شيء يضمنها من الانهيار . الولايات المتحدة عجزت عن تغطية عملتها (الدولار) وناب عنها في توفير هذا الغطاء السيادي دول أخرى كما في إعلان رامبوييه . الدولار اليوم هو عملة عالمية يشتري مختلف البضائع بما في ذلك الذهب ومختلف العملات الأخرى لكنه مع ذلك بلا غطاء قِيَمي وتتهدده أخطار قاتلة تتمثل بفيض الدولارات المطبوعة بلا حساب من قبل الولايات المتحدة، وباعتماده على البضائع الصينية والنفوط العربية كغطاء لا يتصف بالديمومة، وعمادها الثاني هو القوى الحربية للولايات المتحدة التي لا قيمة سوقية لها. نظام النقد الدولي الحالي غير قابل للحياة طالما أن يتأسس على الدولار الذي يتورم دون توقف كالسرطان . وحين تستشعر الإدارة الأميركية انتهاء أجل الدولار وأن البضائع الصينية والنفوط العربية لم تعد تكفي لتغطية الدولار المتورم باسترار، وهي غطاؤه القيَمي الوحيد وليس مجرد غطاء لفظي كما في إعلان رامبوييه، كلما استشعرت دنو أجله وأن الدول لم تعد تشتري الدولار بمقدار تورمه تبادر الولايات المتحدة إلى إطلاق مدافعها على عدوٍ سهل مضمونة هزيمته وانتصارها في مثل هذه الحرب المفتعلة تبعث الحياة من جديد في الدولار وتجدد رواجه في الأسواق فقوة الله في الدولار (IN GOD WE TRUST) لم تعد تعمل كما هي قوة المدفع (IN GUN WE TRUST) . لكن المدافع تهدم ولا تبني وليست ذات قيمة في الأسواق ولذلك لن تعود الحروب الأميركية تؤثر في الدولار وحينها سيتمكن السرطان المستفحل من القضاء على الدولار .
ليس هناك أدنى شك في أن الولايات المتحدة ستجد نفسها في وقت قريب جداً عاجزة عن خدمة ديونها وهي تزيد عن ترليون دولار سنوياً وإذّاك سيسقط الدولار سقوطاً مريعاً فلا يبقى فيه أية قيمة الأمر الذي يعود بكارثة كونية على العالم كل العالم . فأن يخسر العالم 70 تريليوناً من الدولارات في ساعة واحدة من شأنه أن يجمّد الحياة في كل عروق العالم ومنها الماكينة الحربية الأميركية التي لا تعود تتحرك حتى بأمر من الرئيس الأميركي . ليس من جهة في هذا العالم لديها علاج شافٍ لهذه المعضلة، معضلة الإنهيار الشامل السحيق . الرئيس أوباما وحده تحسس مثل هذا العلاج الذي لا يمكن الحصول عليه خصوصاً والعالم كله يعاني تحت سيادة البورجوازية الوضيعة ألا وهو العودة إلى إنتاج البضاعة بدل الخدمات .

بقي أن نؤكد أخيراً أن الآمريكان ليسوا هم من استجلب هذه الكارثة الكونية للعالم، فهم لم يُرغموا العالم على كفالة الدولار بل العالم هو من تطوع في رامبوييه لشراء الدولار بسعر ثابت مهما طبعت الولايات المتحدة من دولارات مكشوفة . من استجلب فعلاً مثل هذه الكارثة الكونية عظيمة الأهوال للعالم هم عشرات المارشالات ومئات الجنرالات الروس، طليعة الطبقة البورجوازية الوضيعة السوفياتية ؛ هم الذين دبروا الإنقلاب على الاشتراكية في العام 1953 وهم الذين سمحوا بالتالي للرأسمالية الأميركية لأن تنهار باتجاه البورجوازية الوضيعة الأميركية أولاً والعالمية تالياً . من قام بتقويض المشروع اللينيني والثورة الاشتراكية العالمية بدءاً من العام 1953 وما بعد لم يبقِ أي نصيب من الانحطاط الخلقي للمجرمين السفلة غيرهم وهو ما ينعكس فيما يتعرض له الشعب السوري من إبادة بشتى صنوف الأسلحة الروسية بغض النظر عن مدى مشاركة العسكر الروس فيها .

من الحق بعد كل هذا الجدل أن أشكر الرفيق الناعم، كما كنت قد وصفته سابقاً، الدكتور علي رضا الأسدي، على اهتمامه العميق بمسائل تشكل اليوم العقد الكبرى على طريق تقدم الإنسانية نحو غدٍ شيوعي مشرق وضّاء . فإلى الأمام أيها الرفيق الناعم مع وافر تقديري واحترامي !!

www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المؤتمر الأخير للشيوعيين
- مجرد تعليق محجوب
- ما بين اتحاد الشيوعيين ووحدة اليسار
- طلائعيو البورجوازية الوضيعة في الأردن يعلنون اتحاداً شيوعياً ...
- الشيوعيون القدامى ودورهم
- في العمل غير المنتج (رد على الدكتور حسين علوان حسين)
- الإنتقال - السلمي - إلى الإشتراكية (2/2)
- الإنتقال - السلمي - إلى الإشتراكية 1/2
- تعليقاً على رأسمالية الصين
- الصين وروسيا لن يعودا إلى النظام الرأسمالي
- إلى السموأل راجي والمنظمات المنتدية في تونس
- الإشكال الرئيس في الماركسية (2/2)
- الإشكال الرئيس في الماركسية (1/2)
- كَذَبَ خروشتشوف (Khrushchev Lied)
- دولة دكتاتورية البروليتاريا هي أعظم دولة في تاريخ الإنسانية
- رسالة إلى الرفاق في قيادة الحزب الشيوعي الجديد في بريطانيا ا ...
- فائض القيمة الخاص بحسقيل قوجمان
- الرفيق حقي يرفض رفاقتي
- الأسلحة ليست من البضاعة
- تأكيداً لانهيار النظام الرأسمالي ...


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ما زالوا يجادلون في انهيار النظام الرأسمالي !!