أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله صديق - أدب الرحلات - يوم فتحت باب القفص














المزيد.....

أدب الرحلات - يوم فتحت باب القفص


عبد الله صديق

الحوار المتمدن-العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 17:39
المحور: الادب والفن
    


يوم فتحت باب القفص
-تذكرين؟
-ماذا؟
-عندما حدثتك عن العصافير التي تجتمع فوق شجرة الليمون في الحديقة الخلفية للبيت .. كان صوتها ينتقل إلى مسامعك ذات حديث هاتفي من أحاديث اليوم الثامن.
سألتني هل أملك عصفورا في البيت .. أجبتكِ بالنفي .. كان سؤالك قد ذكرني بعصفور كنت أطلقت سراحه .. و لمدة طويلة ظل باب القفص المفتوح مشهداً يملؤني بشعور جميل .. كان مشهداً يوحي لناظره أن العصفور قد تحرر للتو ، و يمكن العثور عليه في مكان قريب .. لم تضيعي الفرصة لإشعاري بخوف كنت قد جربته و ظل يتكرر عندي .. خوف على العصفور و هو في الطبيعة.
-عصفور نشأ في القفص لن يقاوم ساعة في الخارج ..
ولكني كنت أعزي نفسي بالقول :
- صحيح .. قد تكون حياته في الطبيعة قاسية أو مهددة أكثر مما كان في القفص ، لكنها –أي الطبيعة- أمه التي انتزع منها .. و عودته إليها صورة من صور العدالة .. حتى لو كانت عودته إليها تعني حتفه.
كنت بهذا القول أستعيد شعوري الأول الجميل !!
صوت العصافير في الصباح صار بالنسبة إلي إدماناً
حين كنت أعد حقائبي إلى الرباط أول مرة للإقامة هناك أشهراً .. خامرني شعور بالارتياب المخيف: هل سأجد عصافير هناك؟
- بالطبع .. العصافير في كل مكان ، لأن السماء في كل مكان !!
- أقصد، هل ستتاح لي فرصة سماع أصواتها عند كل صباح ؟؟

و كان أن نزلت بالرباط .. في زحمة المشاغل اليومية (البحث عن مكان للإقامة و أشياء أخرى...) وجدتني قد نسيت الأمر .. حين اكتريت شقة في عمارة أم كلثوم، لم أحاول بالطبع أن أشترط على صاحبها أن يضمن لي أصوات العصافير عند طلوع كل صباح! وفكرت أني لو كنت فعلت ، لكان سيكفيه أن يذكرني بالاسم الذي تحمله العمارة (اسم عصفورة آدمية خالدة تغرد أفضل من كل عصافير الدنيا).
عند طلوع شمس أول صباح لي في الشقة .. فتحت عيناي .. فيما كانت أذناي تتلقيان سيلا من الأصوات .. أجل، إنها أصواتها!! .. فقد كانت نافذة الشقة تطل على غابة صغيرة في نهاية شارع الحسن الثاني .. والأجمل أنها كانت توقظني برقة، قبل أن يفعل القطار المتجه نحو الدار البيضاء بكل عنف.
وعندما كانت الطائرة تقلع من مطار الرباط ، و هي المرة الأولى التي أستقل فيها طائرة .. جربت أن أستلهم شعور العصافير بالطيران و هي تستسلم لسحر السماء .. مؤكد أنها تجربة فاشلة!! ربما أكثر فشلا من تجربة ابن فرناس .. مسكين ابن فرناس!!

في باريس صرت أنا العصفور .. عصفوراً مبللاً و مكسور الجناح .. كانت المواعيد محددة، و لم يكن هناك وقت للانتباه .. أو حتى لرفع البصر نحو مملكة العصافير المعلقة بالسماء..
و صار اليأس مضاعفا داخل القطار فائق السرعة في الرحلة نحو الجنوب.
لا مجال لأن ترى طيراً أو تسمعه .. فالقطار الذي كان ينهب الطريق نهبا كرصاصة بندقية لا يترك فرصة لك أو للطيور ..
في مدينة إكس أون بروفانس التي سأقضي فيها شهوراً ثلاثة .. كنت أقول لنفسي :
- التفكير في أصوات العصافير الصباحية ترف لا ينبغي أن أفكر فيه حتى ..!
الشخصان اللذان استقبلاني في المحطة ، قاداني إلى الأستديو الذي سأقيم فيه .. حمام .. مطبخ .. و جناح للنوم .. غادرا و بقيت وحدي .. فرشت أمتعتي و أخذت في اكتشاف المكان كأي عصفور غيَّرَ عشه .. بحثت عن نوافذ .. كان القصد أن أستطلع الأمكنة التي سأطل علها دائما .. نافذة أولى في الواجهة الأمامية للبناية ، تطل على قرميد أحد أسقف ملحقات البناية .. نافذة ثانية تطل على الواجهة الخلفية .. فتحتها .. شجرة سنديان و سطر من شجر السرو .. تبسمت .. رفعت عيني إلى السماء .. و شكرته.
.. كان علي أن أتقلب طويلا في الفراش قبل أن أستسلم للنوم .. فقد صارت عادة حين تضطرني الظروف إلى تغيير مخدتي ..
في الصباح ، أعددت فطوراً سريعاً .. فنجان قهوة .. و أول لفافة تبغ ..
و أصوات عصافير ..
نعم .. كانت أصوات عصافير!!
لم أكن قد انتبهت إليها إلا حين أوشكت سيجارتي على الاختفاء بين أصبعي .. فتحت النافذة فكانت السنديانة تقدم عرضا عصفورياً بامتياز .. و كأن الطبيعة كانت تقدم لي مقابلاً لمعروف قديم .. و تشكرني بطريقتها على إعادة ابن لها يوم فتحت باب القفص.


* الدخول في أعماق النفس أيضاً رحلة للوصول



#عبد_الله_صديق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روح العاشق
- فراغ
- إلى صخر العبد الله شهيداً
- هو الحب
- شرفة العاشق ..هاوية
- تراب ما ...
- إنهار الجسر
- رسالة حب من قاع المتوسط
- مثقلاً بالندى
- مكيدة الماء للضوء
- الحلم ذلك الأمل
- عصفور الدمع وشلالات دمعها
- حافة المطر
- أرق ثان
- أرقٌ أول
- إيقاع لانبعاث الصوت الأول
- بين النهرين و قبل ميلاد العاصفة
- غابة الدمع
- مذكرات تحت رماد الجنون .. إلى جواد السوناني
- في مديح الحرية : انكسار أزرق فوق أحداق عسلية


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله صديق - أدب الرحلات - يوم فتحت باب القفص