أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد أحمد - خطوة في عالم اللجوء














المزيد.....

خطوة في عالم اللجوء


خالد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4073 - 2013 / 4 / 25 - 19:16
المحور: المجتمع المدني
    


كانتِ الحادية عشرةَ صباحاً , قالَ له سائقُ الحافلة :" هنا الساندهولم " , مضى بخطواتٍ متردّدةٍ قاصداً بوابةَ عالم اللجوء , استقبلتْهُ خيمةٌ كانت قد ضُرِبَتْ للإضراب عن الطعامِ , أمامَ الخيمة كانت دميةٌ رجلٍ معلّقٍ من عنقه على مشنقة ٍ مكتوبٌ على صدره " إن أعدتمونا إلى إيران هذا المصير بانتظارنا " , فبدأ الخوف يتلبّسهُ من مصيره , كان البوّابُ رجلاً بديناً حليقَ الرأسِ ,سأله عن انتمائه ووثائق تثبت شخصيته , ناوله ورقة من شرطة المطار , وقال بعد أن اختنقَ صوته " أنا سوري " فكانت كلمة سوريّ كفيلةً بأن يفهم الموظفُ الحكاية كلّها .
جرّ قدميه ببطءٍ وولجَ من البوابة عالمَ اللجوءِ , رأى ثلاثةَ رجالٍ يتناوبون على لفافة حشيشٍ , وامرأةٍ أفريقية تتفقّد وسامتها من مرآة سيارةٍ لنقل الطعام , كان وقتَ الغداءِ , دخلَ قاعة المطعم كانتْ قاعةً كبيرةً جداً , تزدحم بالأصواتِ , البعضُ يتقاتل على أولّية الوقوف في الطابور البشري الطويل للظفر بوجبة الطعام , بعد أن توقّع موظفة المطعم ورقته التي تأهله لتناول الطعام , مضى ببطءٍ وانزوى في زاوية قصيّة , واحتضنَ حقيبته التي تحمل صورةَ زوجتِه وابنه مع كتاب باللغة الانكليزية , استخدمه للتمويه في مطار باريس , تحسّس الصور في الحقيبة دون أن ينظر فيها , كان البعضُ يكدّس علبَ الطعام ليخطفها إلى غرفته , ورجل آخرَ يخبّئ تفاحتين في جيوبه , وآخرون يلتهمون الطعام بطريقة غريبة , وأشخاص يخوضون حديثاً عن موضوع كان عييّاً عن فقهه كنهه , و....
كانتِ الوجوه مختلفةً , الأصوات , الانتماءات , الأعراق , العادات , الملابس , وأشياء أخرى كثيرة , لكن كان ثمة أمران اثنان يوحّدان بينهم قاطبين, نوع الطعام , ومحنة اللجوء وتَرْكِ الأوطان , تذكّر المدرسةَ , الطلّاب , الكتبَ , المكتبةَ , طريقَ البيتِ , وصوتَ بكاء أمّه الذي مازال يتردد في مسمعه مذ غادر الوطن , وهو يقول : "لا ترحل عنّا" , أخذَ يحدّق في شمعة جديدة الاشتعال كانت على طاولته , وكانت نَفْسُه ُ تزدادُ جياشاناً شيئاً فشيئاً, أينَ كانَ ؟ وأين صارَ؟ سأل نفْسَه فتقطّرتْ أول قطرة من الشمعة تبعتها دمعة حارة ضلّتْ طريقها من عينيها تبعتها دموعٌ أخرى جموحة , حمل حقيبتَهُ ومضى مخترقاً الجموعَ تاركاً المطعمَ بمَن فيه لا يعرف إلى أين , مشى مبتعداً عن الناس , وجلس على مقعدٍ خشبيٍّ لايزال رطباً بالمطر , كانت الطبيعة ساحرةً لكنه لم يكن يشعر بها , والعصافير كيف تلوّنُ الكون بشدوها, لكنه كان يرى العصافيرَ أيضاً مشاركة في تعنيفه , والعشبُ يفوحُ بالحياة , لكن عبثاً لم يكن يشعر بشيءٍ لأنه كانَ قد ترك كل شيءٍ خلفَه هناك , هناك حيث الوطن في امتحان الحرية , ومقايضة الوجود , حاول أن يقصد بوجهه جهة الشرق مستقبلاً جهة الوطن , لكن الجهات كانت متداخلة لديه , فتذكّر ما قالتْه له فتاته قديماً " إذا أضعتَ الجهاتِ أقصدْ جهةَ الريح ستجدُني , أخذَ نَفَساً عميقاً بعمق ألمه وانكسار روحه الجريحة , وجدَ في نفْسِه رغبةً مجنونةً في تكلّمِ لغتِهِ , قامَ مفتشاً بين الناسِ عن وجه من وطنه , وظل يزرع المركزَ جيئةً وذهاباً لكن عبثاً , بعد أن غالبه التعب جلس على الرصيف بالقربِ من باب المطعمِ واضعاً يده على جبهته , تسرّبَ إلى سمعه صوتُ نسويٌّ يقول بالكوردية : " ورا ورا " وكأنّ روحاً بُعِثَتْ في روحه من جديد , تبع َ الصوتَ فإذا بامرأةٍ في عقدها الثاني تحملُ رضيعاً يعاني المرضَ ممسكةً بيد طفلٍ آخرَ , وتنادي ابنها الثالث الذي يرفض أن يتبعها .... حار فيما سيفعل أو ماذا سيقول لها , وقفَ قبالتها محدّقاً في وجهها الذي يشي بالحزن والهزيمة والانكسار والحاجة إلى مَن يمدُّ لها جناحَ المساعدة , لم يجد نفسه إلا وهو يقولُ لها : " أنا كوردي من كوباني " فابتسمتْ المرأةُ ابتسامةً تهلل لها وجه , وبكَتْ بألم ٍ لم ولن ينساه ألبتة , وقالتْ بعد أن أخذتْ نَفَسَاً عميقاً :" الحمدُ لله الك ربي وأخيراً شفت مين رح يفهم عليّ " , جلسَا على الرصيف وسردتْ لهُ كل الحكاية التي يعرفها جيداً وكيف أضاعت زوجها في مطار أثينا , كذلك عن محاولة المهرِّب لنيل وطرٍ منها وهي تجهشُ بالبكاء , عندها كان قد ابتعدَ ابنها الأكبر مسافة عنهم , فأعطته الرضيعةَ وقصدتْ ابنها البكر , فنظر في وجه الرضيعة فوجد فيه عائلته التي تركها هناك خلف الجبال والمياه المالحة والحدود, خلف أستار الضياع , بعدها نامـــــــــت الطفـــــــلة بسلام و آمان , فابتســــــــم وأعطاها لأمها بهــــــدوء وحذر وقـــــال :"هي جميلة جداً ,اعتني بها جيّداً ".
خالد أحمد
الدنمارك 25-4- 2013



#خالد_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاطمة فتاةٌ قتلها الانتماءُ
- المرأة الكردية آلهة وبطلة التمرد
- الشخصية الكردية بين النقد والإتهام
- سيرة امرأة كردية
- إلى أوميد في ميلاده الأوّل
- الجيش السوري الحرّ أجهز على الثورة
- ترجمة الرسالة الأولى ل شاهين سوركلي لأبيه
- البيت الشرقي الخيري في مدينة فايلة بالدنمارك لمساعدة ودعم ال ...
- المنطقة الكردية بين التحرير والتسليم
- وماذا بعد يا أحزاب الكرد ?
- كلمة جمعية سبا الثقافية بكوباني في ذكرى أربعينية نصر الدين ب ...
- عملاء الأمس، شبيحة اليوم
- حزب الطليعة الحلقة المفرغة
- بالعربي الفصيح !
- بشار الاسد: التصريح الأحمق !!
- يوم العار !!
- معزوفة المعارضة السورية
- مجلس ( النوام ) السوري!
- اخوة و شركاء في الوطن ..عند اللزوم!
- شعب ارهابي!!


المزيد.....




- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد أحمد - خطوة في عالم اللجوء