إيران القنبلة النووية

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4067 - 2013 / 4 / 19 - 22:25
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

دول كثيرة داخل المنطقة وخارجها تملك بالفعل القنبلة النووية لم تخيف بها أحداً، ولم تنفعها بشيء إذا ما جد الجد. باكستان تملك واحدة ومع ذلك لا تستطيع حتى أن تصبح دولة متماسكة قابلة للحياة والنمو. جارتها وعدوتها، الهند، تملك هي الأخرى واحدة أيضاً، ولا مكنتها القنبلة من أن تقضي على عدوتها اللدود وتستريح ولا أن ترفع بها الأغلبية الساحقة من مواطنيها من تحت خط الفقر والجهل إلى اليوم. بل الواقع المعاش أن أعداداً غفيرة من أبناء هذين البلدين النووين تجوب عملاً وخدماً وتسولاً شوارع دول غير نووية، لكن ثرية بأموال النفط، عبر الضفة الأخرى من الخليج في السعودية وقطر والإمارات والكويت. وفي المقابل، عدم امتلاك القنبلة النووية لم يمنع دولاً مثل اليابان أو كوريا الجنوبية أو ألمانيا أو بلجيكا أو جنوب أفريقيا من المحافظة على وحدتها واستقلالها وتحقيق التقدم والدخول في مصاف الدول الكبرى اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً. حتى دولة إسرائيل ذات التركيبة والأسبقية الحربية الواضحة في قلب المنطقة العربية رغم حروبها العديدة لم تنفعها مرة قنابلها النووية في التخلص مرة واحدة وللأبد حتى من أعداء ضئال الحجم والقدرة العسكرية المنظمة في بطنها وخصرها مباشرة مثل حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني. لماذا، والحال كذلك، يخاف العرب- والخليجيون تحديداً- من إمكانية امتلاك إيران قنبلة نووية؟

من جهتي، أنا أعتقد أن العرب- والخليجيين تحديداً- لا يخافون القنبلة النووية الإيرانية المحتملة في حد ذاتها. لو كان الأمر كذلك، لكان من الأجدر بهم أن يخافوا أولاً من القنبلتين النوويتين الفعليتين الهندية والباكستانية على حدودهم أيضاً، أو حتى من القنبلة النووية الإسرائيلية الكائنة في القلب منهم، وأن يعملوا ضد تلك القنابل الثلاثة الحقيقة الملموسة القابلة للتفجير والانفجار فعلاً في أي لحظة على الأقل قدر عملهم ضد مشروع قنبلة نووية إيرانية لا تزال قيد التصنيع. لكن الواقع الواضح يبرهن أن العرب- والخليجيين خصوصاً- لا يلقون بالاً يذكر لأي من هذه القنابل الثلاثة الفعلية، في حين ينصب كل تركيزهم وجهدهم على مكافحة قنبلة لا تزال احتمالاً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر الضفة المقابلة من الخليج. لماذا؟

ربما لأن إيران- أو تحديداً النظام الحاكم حالياً في إيران- لا تشبه أي من هذه الدول النووية بالفعل الواقعة ضمن نفس منطقة الشرق الأوسط. إذ ليس ثمة أيديولوجيا متطرفة أو نظام حكم متطرف في الهند أو في باكستان، أو حتى في إسرائيل. على العكس في إيران، حتى من دون قنبلة نووية، توجد كل من أيديولوجيا إسلامية متطرفة هي السائدة ويجري الترويج لها على قدم وساق في أماكن كثيرة خارج المركز، ونظام حكم متطرف أيضاً هو بمثابة التطبيق العملي لتلك الأيديولوجيا الدينية المتطرفة. هذا التطرف تحديداً هو ما يخيف العرب-والخليجيون خاصة- من إيران، وليس قنبلة نووية لا تزال في علم الغيب.

ثمة أخطار وخسائر مرعبة تكبدها العالم أكثر من مرة حين سمح بالتقاء أيديولوجيا متطرفة، سواء علمانية أو دينية، مع قدرة مادية ونيرانية جبارة. مثل هذا الوضع الخطر والمدمر على الجميع قد تحقق بالفعل حين اجتمعت الأيديولوجيا النازية المتطرفة مع الماكينة الصناعية والعسكرية الألمانية العملاقة إبان عهد الزعيم الألماني المنتخب ديمقراطياً في حينه أدولف هتلر؛ وتحقق أيضاً وإن بخسائر وخراب أقل مع الأيديولوجيا الفاشية في إيطاليا، والشيوعية داخل دول الاتحاد السوفيتي السابق، ومع نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا. ولا تزال نفس هذه الأيديولوجيا المتطرفة الخطرة حاضرة اليوم، إضافة إلى إيران، في دول مثل كوريا الشمالية التي لولا وقوف العالم بعزيمة وإصرار في طريق تلاقيها مع قوة النيران النووية لكانت قد أهلكت بالفعل آلاف أو ربما ملايين الأرواح الآن.

على سبيل الحالة، مقارنة بقوة الجيوش التي تلاحقه وتقاتله حول العالم، تنظيم القاعدة لا يملك سلاحاً تقليدياً يذكر، ولا أي شيء على الإطلاق من النووي. مع ذلك حالياً لا يستطع تنظيم، أو دولة نووية أو غير نووية، أن يتجاوز تنظيم القاعدة خطراً وتهديداً وإرهاباً ودماراً فعلياً على العالم أجمع. هي الأيديولوجيا المتطرفة، التي حتى بذاتها فقط من دون حاجة لسلاح ناري قادرة على أن ترهب وتقتل وتدمر، وتحول أنصارها بأجسادهم الغضة إلى قنابل حية. هذه الأيديولوجيا المتطرفة لا القنبلة النووية، سواء الفعلية أو المحتملة، هو ما يخيف عن حق العرب والخليجيين والعالم كله من شبح إيران نووية.

حتى من دون السلاح النووي، إيران الدينية المتطرفة هي في حد ذاتها قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة سواء في وجه نفسها أو المنطقة أو العالم.

#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل