|
البحث عن الغائب الحاضر -4-رواية
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4066 - 2013 / 4 / 18 - 18:41
المحور:
الادب والفن
أوهم نفسه أنه يشم رائحة البحر ، رغم المسافة البعيدة التي تفصلهما ، ورغم منازل دار البارود القديمة التي تسيج مسافة كبيرة ، بين موقعه الذي يطل مباشرة على حديقة لا تشبه كل الحدائق ، وبين طريق الميناء وسوره الطويل ، لكن الفضاء العلوي يمنح متنفسا للرؤية كي تعبر كل تلك العوائق وتطل على البحر . كل تلك المتاريس والوائق لم تستطع تكسير تلك النسمات الرطبة التي يرسلها البحر الى أحبائه ، توهم أنه من هذه المسافة البعيدة يسمع صوت انكسارات الموج ، كما تنكسر الآن شخصيته . رجل بمثل هذه الأحاسيس لايمكن أن يستمر في المخابرات يوما واحدا ، قال في نفسه ، كيف استطعت أن أستمر خمسة عشر سنة ؟ . لا أكاد أصدق نفسي ، حاول اقناع نفسه ، لكن عبثا . هناك خلل ما حدث في حياتي الماضية . تذكر فجأة اباه وأمه ، سحب الصيف الشفيفة تعبر فوقه السماء بخفة ورشاقة . ماتا أبواه منذ سنوات ، ولم يتمكن من حضور جنازتهما أو القاء آخر نظرة عليهما وهما يواريان التراب . لقد تصادف موتهما وهو يؤدي مهاما لم يكن راضيا عنها ، وحين أخبره أخوه اسماعيل بالخبر ، وجد نفسه بين موقفين حرجين ، اما أن ينهي مهمته القذرة كما تتطلب أصول العمل ، أو يطلب رخصة استثنائية يدرك استحالة الحصول عليها في مثل هذه الظروف . الاستخبارات لا قلب لها ، ينبض قلبها بالحياة حين تصفي أحدا ما تعتبره معارضا ، فنلفق له تهمة ثقيلة ، وتنصب له فخاخا عميقة ، آنئذ ينبض قلبها بالحياة . أما أن تطلب رخصة لحضور جنازة أبويك ، فان قلبها يتوقف . انها تدفن الانسان في جسده ، وتقفل كل منافذ عواطفه وارتباطاته الحميمية . لابد لك أن تصبح آلة طيعة في يد الآخرين كي تستمر حياتك ، بعدما قبلت باللعبة دون ادراك . انتابته مسحة من الحزن العميق وهو يتذكر أبويه ، لم يموتا في يوم واحد ، طبعا ، بل مات أبوه قبل خمس سنوات ، ثم تلته أمه بعده ببضعة أشهر . تذكرهما الآن ، صوت انكسارات أمواج البحر يتصاعد ، زرقته تختفي عند أقدام الموج ، قلبه يدق بشدة ، دموع انسابت بدفق ، وأحس براحة غريبة ، لم تسقط دموعه حين علم بموت ابويه ، لكنه الان يبكي ، كأن انسانا ما تقمصه ، كأنه كان يحمل في جواخله انسانا فقده منذ زمن طويل ، والان فقط استرجعه . هل استطاعت تلك الدموع ان تنتظر كل تلك السنين لتسقط الان ؟ أحس بتشققات وفتحات كبيرة تنجرح في أعماقه وتتسرب منها روائح الضجر والملل والكره . من سيكره الآن ؟ هل يكره نفسه ؟ أم يكره المسؤولين ؟ أم القدر ؟ أم الظروف ؟ أم هذه الوقفة ؟ أم البحر ؟ أم أمواجه ؟ . الحياة لاتقف عند شيئ ما ، ولاتتعلق بموقف واحد ، ولا علاقة لها بالذاكرة أو الحاضر أو المستقبل ، الحياة برهة ولحظة ، ان لم تلتقطها في حالها وابانها ضاعت كل الحياة . عاد الى بيته وهو لايدري كيف سيواصل هذا التعب . لماذا أصرت هذه الهواجس على أن تنبعث فجأة وبكل هذا الثقل والتراكم ؟؟
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعنة البترول
-
ساكسونيا المغرب **
-
النظام البرلماني بالمغرب
-
المغرب ومنهجية الأزمة
-
المقصلة لمن قال لا
-
نحو اعادة دور المثقف
-
وطن لا ككل الأوطان
-
ما الذي يجري في العالم ؟
-
قراءة في كذبة أبريل المغربية
-
انكسارات الظلال
-
الراعي والقطيع والهلاك الفظيع
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -3-
-
البحث عن الغائب الحاضر -3-رواية
-
البحث عن الغائب الحاضر -2-رواية
-
اشكروا الظلام......اشكروا القتلة
-
لا تتوتري
-
البحث عن الغائب الحاضر -1-رواية
-
عن أي مغرب يتحدثون ؟
-
الاستقالة كتعبير حضاري
-
لعبة الموت
المزيد.....
-
مشاهير الموضة والموسيقى والسينما.. في مهرجان ميت غالا حمل عن
...
-
متحف -للنساء فقط- يتحول إلى مرحاض لـ-إبعاد الرجال-
-
إيران تقيم مهرجان -أسبوع اللغة الروسية-
-
مِنَ الخَاصِرَة -
-
ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟
...
-
فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
-
شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما
...
-
-نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا
...
-
فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
-
من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|