|
في مفهوم التواضع-2-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4011 - 2013 / 2 / 22 - 20:43
المحور:
الادب والفن
التواضع اذن هو نوع من السلوك لا يأتيه الا من ارتقى مقامات عليا في العلم والأخلاق والمعرفة ، وتشربها تشربا روحيا ، بحيث يغدو السمو قيمة محايثة للذات ، وهي تدرك سموها مع ذاتها ، وان أشاحت عنها ، تلبس هذا السمو كي لا يتحول الى غرور مقيت . فالمتواضع يحدس ذاتيا أن أحوال نفس الانسان أبدا متحولة ومتغيرة ولا تستقر على حال ، فيُنشئ لها رقيبا داخليا ، قد نسميه الأنا العليا ، أو الضمير ،أو الانسان كمجموع لامتناهي من القدرات والطاقات والاستعدادات ، وهو ما أسميه الانسان الأعلى ، هذه القدرات والطاقات والاستعدادات ،وقد انصهرت في أقنومة عالية شديدة التعقيد يستحيل الاحاطة بها بكل دقة ومحاصرة. وهكذا يصبح التواضع شأن من يمتلك ذاته ، ويتسيد شهواته ورغباته ، ويتحكم في هواه ونزعاته ، لا يمكن لمن لا سيطرة له على ذاته ان يتواضع . من هنا تبدو قيمة التواضع العالية . اذ بعكس ما يظن الناس أن المتواضع انسان بسيط ، بل انه أكثر تعقيدا ، ليس في ما يمكن ملاحظته ، بل في تلك الطاقات الباطنية التي يتصرف فيها على غير طبيعة الآخرين . وهنا تطفح ثيمة الذكاء ، وقد تطفو أيضا موضوعة الدهاء ، وبرغم الفرق الكبير بين الذكاء والدهاء ، الا أن الذكاء يبقى فطرة انسانية راقية ، والدهاء خصلة قد تنحرف الى السلبي كثيرا . فالداهية يتواضع من أجل هدف عابر سرعان ما ينطفئ ، والذكي يتواضع لأنه يدرك أن ربحه العظيم ، هو الانصات والاقتراب من الجميع من أجل هدف مفتوح لا حد له ولا سياج، يقترب من الانسان من أجل الانسان ، والانسان هنا هو هذه الارادة السامية في البناء والتطور ، نحو الجمال والبهاء ، بكامل الاريحية والانسابية . ان من تواضع كما قال الربيع بن هيثم ، هو من لايفارق ذاته اذ يلاحظ الذوات الأخرى ، فهو حين سئل لم لا تعيب أحدا ؟ رد قائلا :لست راضيا عن نفسي لأتفرغ للآخرين . ومن يعرف هيثم بن الربيع يدرك أنه مخضرم مرتين ، مرة بادراكه الاسلام بعد جاهليته ، ومرة حياته بين الدولتين الأموة والعباسية ، فبرغم هذه التجربة الطويلة والمتنوعة حد الخصوبة ، نجد الرجل وهو العالم المتفقه لم خرج من جلباب الذات ، يهذبها ويصقلها ويعلمها حق ادراك قدر نفسها . والتواضع لا يحصل بالضرورة عن طريق العلم والمعرفة ، بل هو منحة قد يتحصلها انسان عادي ، يستقرئ بحدسه المتواضع قدر نفسه وقدر من حوله ، فلا تراه يعلي صوته ، أو يتباهى بما ملكت يده ، قريب من الناس جميعا وأقرب الى نفسه . وهنا لا بد من الاشارة الى تواضع الساسة المفبرك ، وهو توضع الداهية وهو يحوم حول فريسته كما حوم الذئب حول الأغنام ، حتى اذا ما تراءت له فريسته انقض عليها وهرب مسرعا الى مخبإه . والمتواضع هو انسان خبر قدراته ووقف على حدودها ، وانتبه الى ما قد يعجز عنه ، أو ما قد يسبب له احراجا مع الذات ، قبل الاحراج مع الآخر . ومن ثم تجده صاحب حكمة وخبرة ، دون الحاجة الى تعلمها من الكتب المسطورة مادام أن الوقائع المنظورة أكبر كتاب مفتوح أمام الانسان . ولا بد هنا من التوضيح ، بن التواضع العالم والتواضع الجبلي ، تأسيسا على المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جلباب المخزن المخروم ، وعري المجتمع الفاضح
-
أمهليني.....
-
حركة 20 فبراير : المنزلقات الموضوعية
-
عيد ميلاد ديكتاتور
-
أبحث عن امرأة ثائرة
-
محاولة محاصرة وقائع جناية
-
الثورة السورية تكشف حقيقة أوباما
-
استراتيجية البلد العشوائي
-
أمطار الجحيم -23- رواية
-
كان الشعر ولا يزال...
-
منتعلا أملي أمشي
-
الرويبضة...وضرورة الحسم
-
الاغتيال السياسي والرهان الخاسر
-
أمطار الجحيم -22- رواية
-
الغيب ليس من شأننا -قصة قصيرة -
-
المواطنة بالوصاية
-
أمطار الجحيم -21- رواية
-
موت حزب الاتحاد الاشتراكي
-
وصايا للغراب
-
نضج الثورة المصرية
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|