استراتيجية البلد العشوائي

خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 4004 - 2013 / 2 / 15 - 19:56
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

عندما تطالعك بعض الصحف ببعض المصطلحات المأخوذة من لسان بعض الوزراء والمسؤولين الحكوميين مثل : "كل ما يكتسي صبغة استراتيجية " ، فانه لايسعك الا ان تبتسم ساخرا من ضخامة المصطلح وبؤس الواقع ، وافتقاره ولو لبرنامج مرحلي أو لمخطط ذي مدى متوسط أو قريب .
ان توظيف مثل هذه المصطلحات في غير سياقها وفي غير حقل من حقولها التي امتدت اليها ، يعد فاجعة معرفية ، وبهتانا سياسيا ، وفضيحة اعلامية . وكثيرا ما تم استعمال هذا المصطلح المأخوذ من الحقل العسكري والأمني ،والذي يفيد اعتماد مخططات ذات المدى البعيد بالتوسل الى برامج ذات مدى قريب ، وتحيين المستقبل عبر رؤية شاملة . هذه هي الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها أي قارئ لمعنى ودلالة الاستراتيجية بمفهومها العام .
اننا في المغرب بالتحديد نتداول مفاهيم بعد افراغها من معانيها التداولية والتواصلية ، ونقوم باجتثاث المصطلحات والمفاهيم من حقولها العلمية والمعرفية والصاقها كملصق اشهاري على بضاعة كاسدة . تماما كما هو شأن قانون سيء الذكر " كل ما من شأنه ، والذي هيمن لفترة طويلة على مجموعة من القضايا التي كانت تزعج السلطة فتشهره في وجه من لا يتماشى وطروحاتها التقليدية .
انه نفس الاشكال الذي يطرحه شيخ الطريقة البودشيشية وهو يصرح للصحفيين ان تولية ابنه لخلافته من الأمور الربانية ، كأنه نبي يوحى اليه ، بل الأدهى من ذلك أن يعتبر نفس الشيخ ميزانية الزاوية من الأمور الربانية قياسا بمائدة السماء .
قد يعترض معترض على هذين المثالين ، ولتجلية الأمر يجب التنصيص على كون المعالجة تروم في الأساس ، مقاربة توظيف مفاهيم ومصطلحات لها وظائف معلومة وحقول محددة ، في أمور لا علاقة لها بها ولا رابط يجمع بينها .وفي اشتغالات سمتها الساسية العشوائية والغوغائية ،أو تماشيا مع المصطلح السياسي الجديد الذي هيمن على الثقافة السياسية بعد تولي عبد الاله بنكيران رئاسة الحكومة ، وهو الشعبوية .
نعم في بلد مثل المغرب حيث تقمص السياسي دور المثقف ، والصحفي دور الوسيط المعرفي ، وانسحب المثقف بعد أزمات عدة الى لعب دور المؤشر على ثقافة زنى المحارم ، يمكن لكل شيئ أن ينقلب رأسا على عقب ، ويتلبس الفقيه دور المنشط الجنسي ، والرويبضة دور الموجه الاجتماعي .
ولا ينهدشن احد من هذه الأوضاع الشاذة ، فعندما تتحول الأحزاب الى مجرد دكاكين أسرية ؛ بالمفهوم علم الاجتماع للأسرة ، وبيوت للنخاسة السياسية ، ويقبل المثقف العالم ، دور الضحية ، لا يتقن الا دور المتباكي الشاكي ، فان قضية المصطلحات تغدو قضية ثانوية وترف معرفي لا يعني أحدا .
ففي بلد ينحدر بشكل فظيع في كل مؤشراته ومستوياته ومظاهره ، حيث يتعمد رئيس حكومته ، وهو الرقم الثاني في المملكة ، الاشتغال على لغة الحيوانات والجن ، بينما يشمر أمين عام أقوى حزب مشارك في الحكومة عن ساعديه ليطالب رئيس الحكومة بالتباري في ملعب رياضي ، ويتعرى رئيس احدى الفرق البرلمانية امام الجميع مبديا زغب بطنه دون حياء أو استحياء ، فلن ننتظر من هذا البلد الا الكوارث .
و اذا كان فريق معارض يتقدم بمشروع قانون لحجب المعلومات عن المواطنين ،عكس ما أقره الدستور ، فيقوم الفريق الحاكم باثبات نص الدستور قانونيا ، فان المحلل قد يتوه في لعبة اختلاط الأدوار هاته .
فكيف اذن والحال هذه ، يمكن ضبط المصطلحات والمفاهيم ؟ ومسؤولة في قطاع عمومي تصرف من ميزانية الشعب مبلغا ضخما يقارب 38 مليون سنتيم في ظرف شهر واحد من أجل قطع الشوكولاته ، ووزير الصحة يصرف على الورود 10 ملايين سنتيم ، ووزيرة سابقة قدرت اختلالات وزارتها بعشرين مليار سنتيم ، ووزير التجهيز و النقل يؤكد أن المغرب يتكبد خسائر تفوق خمسة ملايير درهم جراء تهرب المستفيدين من دفع الضرائب .والقائمة قاتمة وطويلة .
فحين يستنجد رئيس الحكومة بؤسسة خارجية لتقوم بدراسة مشروع انشاء أو توسيع مقر رئاسة الحكومة بمبلغ 100 مليون سنتيم ، فهذا مؤشر خطير على افتقار المغرب للأطر القادرة على حساب المساحات والمربعات والزوايا والمقادير والتربة . فما هو دور هذه المعاهد والجامعات التقنية والعلمية المنتشرة في ربوع المغرب ؟ وكيف لحكومة أن تنجز دراسة عن جميع الأسر المعوزة والفقيرة التي تحتاج لمساعدات واعانات من قبلها ، في اطار غوغائية اصلاح صندوق المقاصة ؟ أليست هذه دراسة أصعب من دراسة توسيع مقر الرئاسة ؟ ألا يعد هذا تناقضا صارخا في سلم الأولويات وترتيب التعقيدات ؟ فكيف سينجز المغاربة دراسة معقدة ودقيقة في حين أنهم يستنجدون بالفرنسيين لقياس المساحات ؟ .
كيف يمكن أن تتفهم أزمة مالية لبلد كالمغرب ، يقتني فيها رئيس مجلس النواب ست سيارات بمائتي مليون سنتيم ، مع العلم ان الفصلين 17 و18 من الدستور واضحين في مثل هذه المناسبات ؟ لكنه رئيس برلمان مغربي بجنسية ايطالية ، ولن يهتم بأوضاع المغاربة المزرية .

أن يتحدث مسؤول حكومي أو حزبي عن الاستراتيجية في بلد سمة تسيير دواليب مؤسساته يطبعها العشوائية والارتجالية ، فهذا لا يعني الا شيئا واحدا ، كوننا نعيش في بلد غير البلد الذي يعيش فيه هؤلاء . وكون السيبة انتقلت من المناطق المهمشة الى الكراسي الوثيرة ، ومن المواطنين المنبوذين الى الحكام الغاصبين . وتلك استراتيجية أخرى !!!!!

#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات