أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - قولٌ في الطرب..وفي الروح المبدع..!















المزيد.....

قولٌ في الطرب..وفي الروح المبدع..!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 4002 - 2013 / 2 / 13 - 18:25
المحور: الادب والفن
    


قولٌ في الطرب..وفي الروح المبدع..!
كثيرا ما يتم الخلط بين معاني الغناء والأداء والطرب ، فأمّا الطرب فهو غناء ككل الغناء ولكنه يتميّز بسمات ومميزات مهمة مضافة وهي تجاوب المستمعين مع المؤدّي ومحاولتهم مشاركته أداءه وهذا يتولّد عن الإحساس العالي في الأداء وضبط الموازين أي الإيقاعات والضروب وإجادة تنوّعها وحُسن الدخول في اللحن وكذلك إجادة ما يُدعى بالقفلة أي ما يُشبه ( الفرملة) عند إنتهاء الجملة الموسيقيّة وبعضهم يتمتع بحرفيّة عالية في إداء القفلات الفنيّة أي أن يجعلها وكأنها مفاجأة على أذن السامع في حين أنه يتوقع إستمرارها كما تفعل أم كلثوم وبعض المطربين المحترفين القدامى وأن يقوم المغنّي كذلك بالتفاعل مع شجرة الأنغام والسلالم الموسيقيّة التي يضعها الملحن فيجيد الإنتقالات النغميّة من مقام إلى آخر مع التركيز على نغمة الأساس ونغمات الإنتقال بتشديد أداءها وإعطاءها التردد الكامل وإخراجها من المخارج الصحيحة ، كل هذا الذي تقدم وكثير من التفاصيل الأخرى التي تخصّ الملحن وطريقته في التلحين ومقدار مساحة الإبداع الذي يتركه الملحن للمطرب وطبيعة الكلمات وموضوعها وكذلك موضوع الأغنية الفضفاض الذي يسمح بالتوسّع كما هو أمر ساحة الرقص كل هذا يقود إلى شئ يُسمّى بالطرب وأركانه الأساسيّة هي تفاعل المطرب مع الجمهور ومحاولة مشاركته كما ذكرنا آنفا .
خير ما نضرب به مثلا في إشاعة مثل هذا الجو وتفعيل تلك العملية هي الأغاني الشعبيّة أو التي تتطلب مشاركة الجمهور أو المتلقّي ، إذ أن الأهازيج والأناشيد والأغاني الشعبيّة التي تبث الحماس والإنفعال في المتلقّي هي الدرس الأول في توليد حالة الطرب بشكلها الإبتدائي ولو واصلنا الإسترسال في هذه الحالة سنجد أن كثيرا من الأغاني والألحان تقدّم لنا أداءً مبهرا نميل إلى التحليق معه أثناء الغناء أو العزف فنشعر بأننا نتمايل في البدء مع النغم ومع المغني ثم بعد أن يبدأ الغناء نندمج مع المطرب ونشعر برغبة في مشاركة المغني غناءه خصوصا في الجمل الموسيقيّة التي تعمل كلازمة للمقاطع كما أننا نميل إلى التصفيق والترنّم مع المغني في الإنتقالات الإيقاعيّة والنغميّة وخصوصا تلك التي تحمل الكلمات المميّزة وذات الدلالات المشرقة .
وبسبب هذه التفاصيل والغايات يعمد مؤدّوا الأغاني الشعبيّة والأهازيج إلى إستخدام إيقاعات سريعة وطبول تؤكّد مظاهر الأوزان وتشيع في المتلقي حالة التمايل والتفاعل الأولي ثم يندفع المغني في أداءه فيزداد إهتزاز الجمهور حتّى يبلغ به أي الجمهور، يبلغ به المدى أن يبدأ بترديد الأغنية بعد المغني وكأنه كورس له .
وكلما تعمّقنا في تفاصيل الأداء الطربي وجدنا أنها أسلوب متميّز لا يختص بالغناء الشعبي وحده بل هو يرقى مع الإداء الحسن حتّى يبلغ أداء الأغاني الثقيلة كأغاني أم كلثوم أو محمد عبد الوهاب أو غيرهم وخصوصا إداء المغنين المهرة والمحترفين كما نجد كثيرا من أغاني محمد عبد المطلب أو الشيخ زكريا والملحن أحمد صدقي أو محمود الشريف وغيرهم وبخاصّة القدامى منهم .
ولا يقتصر ذلك على الغناء العربي والموسيقى العربيّة فهناك كثير من الغناء والموسيقى الأجنبيّة ينطبق عليها هذا التميّز الراقي ونشير بالمناسبة إلى مقال ومحاضرة للشاعر فيديريكو غارسيا لوركا بين لنا أين هي الروح المبدع وهي نفسها التي تؤسس جو ومادة ما نسميه بالطرب فيقول أنه سمع (عازف كيتار شيخ كبير يقول: ليس الروح في الحلق ، إنه ينبثق عاليا من أخمص القدم )ويؤكّد لوركا في حديثه عن الروح المبدع هذه أنها توجد في كل الأصوات السوداء أي أن الحزن والألم هما الذان يولدان هذه الروح بمعنى أنها المعاناة وليس الإنشراح والإسترخاء البهيج إن لوركا يؤكّد على أن هذه الروح تنتج عن صراع .
الطرب الحقيقي موجود أيضا في الموسيقى الكلاسيكيّة في موسيقى باخ وفي عزف بجانيني على الكمان وموجود في الرقص وفي مباريات كرة القدم عندما يقف الجمهور مصفقا أو مبتئسا على فوات فرصة صنع هدف أو في الشعر فهو موجود عندما يُلقى الشعر حيث نشعر بالطرب الذي يُسميه لوركا بالروح المبدع ويتّضح وجوده في المقاطع والأبيات والكلمات التي يندفع الحضور للقول بعدها : الله ..الله أو أية عبارات أخرى تعبّر عن الإعجاب والترحيب أو التأثّر.
قد يُغنّي أحد المغنين وفق اللحن ويلتزم به بكل دقّة ولكنه لا يُعدّ في عداد المطربين وقد يؤدّي مغني آخر ويخرج هنا وهناك عن النغم وبصوت فيه كثير من العيوب ولكنه يُطرب الجمهور وإذا استمعنا إلى أم كلثوم وهي تؤدّي أغنية الورد جميل فهي تبدع فعلا وتجيد تماما بكل دقّة وتلتزم بالنغم وجميع ما هو مطلوب من المطرب وتُحدث أيضا ذلك الجو وتولّد تلك الروح التي نتحدّث عنها الآن ونعتبرها مطربة من الطراز الأول ، ولكن الشيخ زكريا أحمد أيضا وهو لا يمتلك صوت أم كلثوم ولا خامتها الصوتية ويبادر لتغطية بعض معايب صوته الذي يبدو أجشّا بعض الشئ ولكنه يُقدّم لنا طربا أصيلا قد تكون أم كلثوم نفسها قد إكتسبت منه الشئ الكثير ، وعندما نستمع إلى المطربة الراحلة فتحيّة أحمد نحسّ بتلك الروح وبذلك الطرب خصوصا في أغنيتيها ( يا حلاوة الدنيا يا حلاوة وأغنية أصل الهنا كلمة)والتي استطاعت في الأولى أن تجعل الجمهور كورسا خاصا بها وجعلته يُردّد معها ويتمايل وذلك هو الطرب حقّا رغم أن كثيرين يرون أن صوت فتحيّة أحمد لا يرقى إلى خامة صوت أم كلثوم .
وفي الشعر نجد ما قاله لوركا صادقا إذ أن كل الأصوات السوداء فيها روح مبدع فالقصيدة التي تتحدث عن الآلام والحزن والمراثي وذكر الموت والفناء نجد أنها تمتاز بتلك الروح التي تستميل الناس وتُطربهم وتجعلهم يقولون : أعد أو الله ..الله .
ويقول لوركا أيضا : إن الروح المبدع لا تتكرر ولا يمكن أن تتكرر أي أنه يُعطيها صفة إشراقية ( والفكرة الإشراقيّة ليست شطحات ذهنيّة) بل هي تسريبات يقوم بها ما نسميه بالعقل الباطن من خلال فجوات تُحدثها قوى متعددة مثل المعاناة أو قيود الإبداع في العقل الواعي ، وكما يقول لوركا أيضا : إن العقل في الغالب عدو الشعر لأنه كثيرا ما يؤدّي إلى التقليد وإن العقل يعلو بالشاعر إلى حافات حادّة قد تلهيه عن أنه قد ينقضّ عليه سرطان من زرنيخ كما يُعبّر لوركا .
إذا فالطرب صنو الروح المبدع التي قد تتوفّر للمغني رغم أنه لا يمتلك صوتا أو خامة صوتيّة نادرة ولا إلمام بالنغم ويقول لوركا في مقاله الموصوف بهذا الصدد: ( نحن هنا لا نهتم بالإمكانيّة أو بالأداء أو بالأستاذيّة .نحن هنا نهتم بشئ آخر .) وهذا يؤشّر الروح الموصوفة
وعندما نتحدّث عن الطرب وعن الروح المبدع كما يُسميها لوركا يمكننا أن نتحسَّسُهما عندما نضع أحدهما إلى جانب إداء من نوع آخر متقن ودقيق ولكنه لا يتوفّر على عنصر الطرب ولنتذكّر أن كل صيحة : أعد أو الله ..! أو أي صيحة استحسان وتشجيع هي دليل على وجود عناصر الطرب في الغناء وعلى وجود عناصر الروح المبدع في الشعر والرقص والغناء وفي كل أنواع الفنون الأخرى.
وكل أغنية ناجحة لا بدّ أن تحتوي على مقاطع أو أجزاء طربيّة تجعلنا نردد : الله ..! أو بالنسبة للشعر : أعد ..! أو أن نقوم من مكاننا هاتفين وصارخين عند كل محاولة ناجحة للاعبي كرة القدم .
والطرب كما هو أمر الروح المبدع لا يمكن أن يكون مخططا أو مصمما إذ أن الروح المبدع المزيّف كما يقول لوركا سرعان ما ينكشف ويبوء بالفشل إنه صوت لا يأتي من الخارج ولا من ربّات الشعر أو شياطينهم بل هو صوتٌ ينبعث من الأعماق وكما ذكرنا من أخمص القدم لينطلق عن طريق الفم وهو لا يتعلّق بالتعليم ولا بالتدريب ولا بالخبرة الفنيّة بل هو موهبة مضافة إلى كل ذلك .
نحن في بلادنا العراق نعرف جيّدا ما أقول وأتحدث عنه ، فعندما نستمع إلى المطرب الريفي داخل حسن مثلا أو إلى عدد آخر من مطربي الريف نفهم ما هو الطرب فداخل حسن لا يؤدّي أغنيه على نوطة موسيقيّة ولا يعلم ما هي الكوردات ولكنه يلم بأشياء معرفية بسيطة عن الغناء والموسيقى فقط بيد أنه يؤدّي أغنيه بطرب واضح أي بروح مبدعة لا نستطيع إلاّ أن نردد اللحن والأغنية معه ، فعندما يقول مثلا : أحّا ولك دلاّلي فإنك تطرب وتردد وتصيح الله ! وتتمايل معه وكذلك الحال عندما تستمع إلى مطربي البادية الذين يؤدون أغانيهم بحرقة سوداء فإنهم يطرحون ويُقدمون الروح المبدع والطرب الذي يجعلنا نعيش في طرب حقيقي .
أمّا بالنسبة للشعر فأختم مقالي بالبيت الذي قرأه الجواهري على أسماع طه حسين في مهرجان تكريم المعرّي حين قال:
لحريّة الفكر تاريخٌ يُذكّرنا .......بأن ألف مسيحٍ دونها صُلِبا
فطلب منه طه حسين أن يُعيده ألف مرّة ، فأردف الجواهري فورا:
لحريّة الفكر تاريخٌ يُذكّرنا.......... بأن ألف ألف مسيحٍ دونها صُلِبا
إن هذه الألف الثانية لم تكن زائدة رغم أنها أخرجت البيت عن قواعد البحر العروضي ولكن الروح المبدع جعلت منها عنصرا أساسيّا وملتحما بالبيت بل زادته تعبيرا ورونقا واكتمالا .
كل هذا هو الطرب وهو جوهر الغناء الذي يتميّز به الغناء الشرقي والعربي عن الأداء الغنائي الغربي الذي يقوم على أساس النوطة المكتوبة أي النغم المخطط له والمصمم للمغني والفرقة بشكل دقيق لا يمكن أن يتحقق معه ظهور الطرب أو الروح المبدع لأنه عمل يعتمد على العقل اكثر منه على الإبداع الآني كما تفعل الوردة حال تفتّحها أمامنا أو كما يولد فجر جديد وتُشرق شمس جديدة مرة من بين السحاب وأخرى من خلال شفق دامي ولكن دون أي تقليد أو تكرار .
أي كأننا نرقبُ وليدا جديدا نتلمّس ملامحه ونتعرّف على بكائه أو إبتساماته ونتحسس أنامل يديه ورجليه الصغيرتين !



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (كتاب الفاشوش ) من عرض وتقديم شوقي ضيف..!
- ردٌّ مقابل في قصيدة النثر العربيّة ..!
- أسود وأبيض بيكاسو.. !
- هل كان العسكريون خيارا صائبا لتولي الحكم والسياسة؟!
- الفلسفة..! لماذا..؟
- تأملات كونيّة..في الوجود والعدم!
- الإحتجاج والشجب والإستنكار إحدى أهم وسائل التعبئة الجماهيريّ ...
- المنطق العام ومنطق الأشياء..!
- إلى النّمريّ الكبير..!
- الماركسيّة لا تقمع الواقع بل تنبع منه..! حول مقال الأستاذ ال ...
- النمري ومكارم إبراهيم والرأسماليّة..!
- مهدي محمد علي .. زائرُ الفجر..!
- الظواهر الدينيّة حاضرة بقوّة في التاريخ..!
- عودةٌ إلى الشيوعيّة والأديان..!
- نعم ، لي فيها ألف ناقةٍ وألف جمل..!
- كيف يتم تطبيق الشريعة؟
- وعاءُ العقل والعلم و وعاء العمل ..!
- إسلاموفوبيا..!؟
- منتجوا الثقافة ، نُقّادا..!؟
- ترجمة جديدة لقصيدة لوركا - الزوجة الخائنة -


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - قولٌ في الطرب..وفي الروح المبدع..!