أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - اللعب مع الكلمة















المزيد.....

اللعب مع الكلمة


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3984 - 2013 / 1 / 26 - 15:27
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


نحن من نُتعب الكلمات ولا تتعبنا ونحن من يحيي ويخترع كلمات جديدة لها معاني جديدة غير تلك التي اعتاد الناس على معانيها..و حدنا الكُتّابُ من يجعل للكلمة أجنحة تطير هنا وهناك وتحلق بعيدا وعاليا فوق المرتفعات وتهبط في الأودية وتمشي الدماء في عروقنا كما يمشي الماء في الجداول الصغيرة والكبيرة وتنبضُ قلوبنا في الشارع كما ينبض القلبُ في الجسم الحي وكل ذلك من خلال تلاعبنا بالكلمة التي نجعل منها ألف معنى وأحيانا نمارس الفساد مع الكلمة وأحيانا نتزوج من الكلمات وتنبتُ الآلام والكلماتُ في صدورنا كما تنبتُ الأعشاب والأزاهير والأشجار في التربة الحمراء الصالحة للزراعة ونحن من يستخدم الناس قلوبنا لكب نفاياتهم اللغوية فيها فيلقون فيها كل ما عندهم من أحزان. ونحن من تنبتُ الكلمات على ألسنتهم كما تنبت الأعشاب على حوافي الأنهر ..وحدنا الكُتابُ من يجعل من الليل نهارا ومن النهار ليلا ومن الصيف شتاء ومن الشتاء صيفا ونحن من يتألم من أجل أن يسعد الآخرون في حياتهم.

ونحن نقيم الدنيا ونقعدها على أقل شيء وعلى أتفه الأسباب ونحن من يشاهد المشاكل الصغيرة مشاكل كبيرة وصعبة ونحن كما يقول المثل نجعلُ(من الحَبه كُُبه) ومن المشهد الصغير مشهدا كبير ومن الحكاية الصغيرة حكاية كبيرة ومن الجزئيات الصغيرة تفاصيل دقيقة تثير العجب وتثير الأسئلة ونحن من ينشأ ويخلقُ أسئلة تثير العجب العجاب ونحن من يلعب بالكلمات وبالألفاظ ونحن الذين لا يعجبنا العجب ولا الصيامُ في شهر رجب ونحن من نعيشُ مع كلماتنا ي دوامة كبيرة لا تريحنا ولا تسمح لنفسها بالراحة ونحن من نعيشُ في هذه الدنيا ولا يدري عنا أحد إلا بعد موتنا بمئات السنين فنحن تطول أرجلنا وقاماتنا بعد موتنا أما ونحن أحياء نكون عبارة عن أقزام لا يرانا أحد ولا يسمع بنا إلا القلة من الناس.


مهمتنا هي صناعة الكلمات وتخزيها وقت الحاجة إليها فنحن في بعض الأيام نخبئ الكلمات في رؤوسنا لنصرفها وقت الحاجة إليها ونحن الوحيدون الذين يلعبون بالكلمات وبالألفاظ,فنحن أحيانا تقتلنا كلمة واحدة وأحيانا نحن من يقتل الكلمات وأحيانا تغزونا الكلمات فنحاربها وتحاربنا وأحيانا نشعرُ بأن الكلمات غمرت حياتنا وغير قادرين على التصدي لها ونحن نموت في حب الكلام ولا نكف عنه ونكره السكوت وأحيانا يمسنا الصمت لأيام عديدة وأحيانا نبكي بسبب الإحساس بالكلمة وبمعناها ونحن الذين نهمل أنفسنا ولا نهتم فيها بقدر ما نهتم بالكلمة وبمشاكل العالم السياسية والدينية والفكرية والمذهبية ونحن حين ينام الناس نستيقظ لنجمع الكلمات والمفردات والمترادفات وحين يستيقظون من سباتهم ننام وما زلنا نرى في أحلامنا المتكدسة هنا وهناك ونحاول دائما أن نعمل على فتحٍ علميٍ حديث فنجوب الصحارى والأودية للبحث عن كلمة جديدة وعن معنى جديد.

ونحن من يخالف الفطرة السليمة والصحيحة ونحن نتشيطن في كتاباتنا وغير أصحاء عقليا قياسا بما يجري حولنا ونحن من نشعر بالناس وبوجودهم دون أن يشعر بوجودنا أحد ونحن من نجعل من الحكاية البسيطة فيلما سينمائيا ورواية من عدة أجزاء ومن التفاصيل الدقيقة حكاية ترويها الأجيال القادمة وحربا طويلة الأمد وكل ذلك جراء كلمة التقطناها من هنا أو من هناك ,ونحن حين تكون الكلمات في جعبتنا نكون كالنحل فرغم أن الجميع من حقه أن يلمس الأزهار إلا أننا وحدنا من يصنع من الأزهار عسلا.

ونحن حين تقع مشكلة بين الناس نطالب الناس بأن يختصروا ي عدد الكلمات وحين يريد أحدهم أن يعلق علينا نحاول إلزامه بعدد الكلمات ولكن حين نتكلم لا يستطيع أحد أن يوقفنا عند أي حدٍ لنا فنتكلم كثيرا ونثري الموضوع كثيرا ومع ذلك نقول في نهاية الموضوع بأنه بحاجة إلى المزيد من الوقت والكلمات والتراكيب اللغوية وبأن الوقت لم ينصفنا ونطالب في المرة القادمة بفرصة جديدة للكلام مرة أخرى من أجل أن نستولد جملة جديدة أخرى ومن أجل أن نخلق من المشكلة الصغيرة مشكلات جديدة أكثر تعقيدا من أي وقتٍ مضى.

ومن أجمل ما قاله (النفري ):كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة,وهذا الكلام حمال أوجه من عدة وجوه,وكما أن الرسام يرسم بالخطوط وبالألوان طالما كان الكاتب يرسم بالحروف وبالكلمات, إن الكلمة بحد ذاتها معجزة الإنسان وبالأخص معجزة الإنسان الكاتب,والكلمة بحد ذاتها عبارة عن وسواس يصيب الكاتب لأنها تحتمل أكثر من معنى وأكثر من إشارة وإن الوسواس القهري الذي يصيب الكتاب من فعل تبديل وتغيير معاني الكلمات لهو مرضٌ يكاد يقضي على فطرة الإنسان السليمة التي لا تعرفُ للكلمة إلا معنى واحدا ولكن وساوسنا نحن الكتاب هي التي تخلق البلبلة وتتسبب بكثير من المشاكل العالقة وإننا نصنع من الكلمات أسلحة ومن الحروف ومن الكلمة الواحدة علاجا لبعض الأمراض ووحدنا الكتاب من يدخل المكتبات ليصرف منها كلماتٍ تداوي جروحنا كما يدخل غيرنا إلى الصيدليات لصرف الأدوية النافعة لكل مرض, ولولا وساوسنا وهواجسنا لَما عرف الإنسان العادي حقيقة الكلمة التي أحيانا تصبح منشطا ذهنيا وأحيانا مخدرا ذهنيا فكم داوت كلماتنا اليائسين وكم استفاد غيرنا من تجربتنا الأدبية وكم تعلمنا من كلمات الناس دروسا وعلمنا الناس دروسا أخرى وكل ذلك بفعل الكلمة التي انتصرت في ملحمة(الإينوما إيليش-عندما في الأعالي) على آلهة العماء والظلام(تعامه) وتحولت المعركة لصالح الإله الابن(مردوك)بفضل الكلمة التي خلق منها الإله نصره الأخير والنهائي..

ونحن معشر الكُتابِ من يخلق من الكلمة الواحدة ألفُ معنى ومعنى فالكلمة عند كل الناس لها معنى واحد لا يتغير ولها وجه واحد ظاهر وليس لها معاني مبطنة إلا نحن للكلمة عندنا معاني متعددة فإن قرأتم في كتاباتي كلمة الشمس ستكتشفون بأنني في أغلب الأحيان أحاول أن أقول بأن الشمس هي الحرية أو هي وجه المحبوب أو الحقيقة وأحيانا ما نقرأ كلمة الشمس عند غيرنا من الكتاب لنكتشف أن كل كاتب يقصد فيها معنى آخر يختلف عن المعنى الطبيعي للكلمة,فبعض الكتاب يستعمل الشمس ليقول أنها(الحقيقة) أو نفهم من سياق الدلالة والمعنى أن المقصود منها هو(البحث عن شيء واضح وضوح الشمس) أو معنى آخر وهو غياب الحقيقة حين تغيب الشمس في آخر النهار.

أما إذا استعملها كاتب آخر ووصفها قائلا (أشرقت الشمس) فهذا معناه أنه يريد أن يقول بأن شمس الحرية قد أشرقت, وغيرنا من الكُتاب إذا ذكر كلمة غياب الشمس فإنه يقصد من هذه الصورة بأن مشواره قد انتهى وبأن عمره قد انقضى,كذلك حين أصدر نتنياهو كتابه(مكان تحت الشمس) كان يقصد الوطن والأمن والاستقرار.

إن عالمنا الذي نعيش فيه يختل كل الاختلاف عن العوالم الأخرى للناس دنياهم ونحن لنا دنيانا وللناس أنبياؤهم ونحن لنا أنبياؤنا وللناس ملوكهم ونحن لنا ملوكنا فكلنا معشر الكتاب قد تأثرنا بالذين سبقونا من الكتاب وجعلناهم ملوكنا وأنبياءنا ورؤسائنا, إن عالمنا الكتابي غير عالمكم ومرادفاتنا تختلفُ عن مرادفاتكم وبيوتنا تختلف عن بيوتكم,فكلمة(بيت) أيضا لها ألف معنى مثل: العائلة,العزلة,السجن....,فالذي يقول أريد أن أذهب إلى بيتي فإنه يقصد بذلك زوجته وأولاده أي عائلته بالكامل وأحيانا من يقول ليس لي بيتٌ فإنه يقصد أن يقول بأنه ضائع ليس له وطن, إن للكلمات عندنا معاني كثيرة ولغتنا تختلف عن لغة عامة الناس.

..نحن كثيرو التأويل والتقويل والتأليف ونحسب للكلمة الواحدة ألف معنى أما أنتم لا تعرفون للكلمة إلا معنى واحدا لا يتغير ولا يتبدل إلا نحن تتغير عندنا معاني الكلمات بتغير الزمن الذي كتبت فيه والمكان الذي كُتِبتْ فيه,لذلك نؤمن بضرورة التغيير في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية.... وحدنا الكتابُ من يجعل من الكلمات سيولا تجري في الأودية ووحدنا من يجعل من الكلمة صورا وأشكالا متعددة الألوان والأطياف فكم خلقت كلماتنا من عاشقات يعشقننا وكم خلقنا من الكلمات رؤساء جمهوريات ورؤساء أحزاب سياسية ونقابية ووحدنا من يحلم بالكلمات ويصنع من الأحلام حقيقة في الوقت الذي يصنع فيه غيرنا من الحقيقة حلما من المستحيل تحقيقه.

...نحن نكتب لينعم غيرنا بمتعة القراءة ونحن نتعب من أجل أن يرتاح غيرنا ووحدنا نحن من يصنع من الكلمات أنواعا جديدة من الفواكه المتعددة الأشكال من الحامض إلى الحلو فكم زرعنا من زهور وأشجارٍ وبساتين ورياحين وياسمين..نحن من يجعل من الكلمة سيفا وبندقية ونحن من يصنع من الكلمة أجناسا أدبية لا تباع ولا تشترى, وحدنا الكتّابُ الذين يلعبون بالمفردات كما يلعب الناس على الأرض بكرة القدم ووحدنا الكُتّابُ من يصنع من الكلمات طائرة شراعية أو مضلة هبوط يهبط فيها من الجو إلى الأرض.فللكلمة الواحدة عندنا ألف معنى ومعنى.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جهاد في عالم الضياع
- اليوم الذي كنت خائفا منه
- الكل مشهور
- ألم الحرمان
- الأصدقاء المزيفون
- رحلة العذاب
- الإنسان مخلوقٌ فوضوي
- مساعدة الفقراء تؤجل الثورة
- كيف يختار الله الرسل والحكام وكبار رجال الأعمال
- العبور من ديانة إلى ديانةٍ أخرى
- سنه حلوه يا ثقافه
- الخلوة أحيانا ضرورية
- الدين بين فشل المنطق ونجاح الإغراء
- أنا مراقب جدا
- بطاقة معايدة
- إنهاء الصراع بين الدولة والدين
- الإسلام ليس وحده الذي يعرف الحلال والحرام والخير والشر
- الثورة لا تحدث إلا في الدول المتخلفة
- الفرق بين المسلم والملحد
- خمسة مبادئ أمريكية ثورية


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - اللعب مع الكلمة